الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ» وقرأ ابن عباس «1» «مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ» ووافقه أبيّ 71 ب على ذلك. ثم حكم تعالى: بَأَن أُولى الأرْحَامِ بَعْضُهم أولى ببعض في التوارُث، مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوه الإسلام، وفِي كِتابِ اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَن يُرِيْدَ القُرْآن أو اللوح المحفوظ.
وقوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ متعلق ب أَوْلى الثانية.
وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً يريدُ الأحسانَ في الحياةِ والصِّلَة والوَصِيَّةِ عند الموتِ و «الكتابُ المسطورُ» : يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا.
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 8]
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8)
وقوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ المعنى واذكر إذ أخذنا من النبيين، وهذا الميثاق:
قال الزجاج «2» وغيره: إنه الذي أخذ عليهم وَقْتَ استخراج البَشَرِ من صلب آدم كالذر، بالتبليغ وبجميعِ ما تَضَمَّنَتْهُ النبوَّة. وروي نحوُه عَنْ أُبَيِّ بْنُ كعب «3» .
وقالت فرقة: بل أشار إلى أَخذ الميثاقِ عليهم وَقْتَ بَعْثِهِم وإلقاءِ الرسالة إليهم، وذكر تَعَالَى النبيينَ جملةً، ثم خَصَّصَ أولِي العَزْمِ منهم تشريفاً لهم، واللام في قوله لِيَسْئَلَ يحتمل أن تكون لام كي، أو لام الصيرورة.
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 9 الى 12]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَاّ غُرُوراً (12)
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ
…
الآيات إلى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: 28] نزلتْ في شأنِ غزوة
(1) ونسبها الزمخشري في «الكشاف» (3/ 523) إلى ابن مسعود. وينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 370) ، و «البحر المحيط» (7/ 208) .
(2)
ينظر: «معاني القرآن» للزجاج (4/ 216) .
(3)
ذكره ابن عطية (4/ 371) ، وابن كثير (3/ 469) بنحوه.
الخندقِ، وما اتَّصَلَ بها مِن أمر بني قريظة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بَنِي النَّضِيرِ مِنْ مَوْضِعِهِمْ عِنْدَ المَدِينَةِ إلى خَيْبَر، فاجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ اليَهُودِ، وَخَرَجُوا إلى مَكَّةَ مُسْتَنْهِضِينَ قُرَيْشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَجَسَّرُوهُمْ على ذَلِكَ، وَأَزْمَعَتْ «1» قُرَيْشُ السَّيْرَ إلَى المَدِينَةِ، وَنَهَضَ اليَهُودُ إلى غَطَفَانَ، وبَنِي أَسَدٍ، وَمَنْ أَمْكَنَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ وتِهَامَةَ، فاستنفروهم إلى ذَلِكَ وَتَحَزَّبُوا وَسَارُوا إلَى المَدِينَةِ، واتصل خبرهم بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَحَفَرَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ، وَحَصَّنَهَا، فَوَرَدَتِ الأحْزَابُ، وحَصَرُوا المدينةَ، وذلك في شَوَّال سنة خمسٍ، وقيل: أرْبَعٍ مِن الهجرةِ، وكانت قريظة قَدْ عاهدوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعَاقدوه أَلَاّ يَلْحَقَهُ منهم ضَرَرٌ، فلمَّا تمكَّن ذلك الحِصَارُ، ودَاخَلَهم بَنُو النضيرِ غَدَرُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَنَقَضُوا عهده، وضاق الحال على المؤمنين، ونَجَمَ النفاق وساءت ظنون قوم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع ذلك يُبَشِّرُ وَيَعِدُ النَّصْرَ، فألقَى الله عز وجل الرعب في قلوب 72 أالكافرين، وتخاذلوا ويَئِسوا من الظَّفْرِ، وأرسل الله عليهم ريحاً وهي الصَّبَا، وملائكةً/ تُسَدِّدُ الرِّيحَ، وتفعل نحو فعلها، وتُلْقِي الرُّعْبَ في قلوب الكفرةِ، وهي الجنودُ التي لَم تُرَ، فارتَحَلَ الكَفَرَةُ وانقلبوا خائبين.
قوله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ يريد: أهل نَجْدٍ مع عيينة بن حِصْن وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ: يريد أهل مكة وسائر تِهَامَة قاله مجاهد «2» . وزاغَتِ الْأَبْصارُ معناه مَالَتْ عن مواضِعَها وذلك فِعْلُ الوالِه الفزِع المُخْتَبِلِ. وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ عبارة عَمّا يَجِدُهُ الهَلِعُ من ثَوَرَانِ نَفْسِه وتفرقها ويجد كأَنَّ حُشْوَتَهُ وَقَلْبَهُ يَصَّعَّدُ عُلُوّاً، وَرَوَى أبو سعيد أن الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَوْمَ الخَنْدَق: يَا نَبِيَّ الله، بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ نَقُولُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ قُولُوا: «اللَّهُمَّ، استر عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا» فَقَالُوهَا فَضَرَبَ اللهُ وُجُوهَ الكُفَّارِ بِالرِّيحِ فَهَزَمَهُمْ «3» .
وقوله سبحانه: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
…
الآية: عبارةٌ عن خواطر خطرَتْ للمؤمنين لا يمكن البشر دفعها، وأما المنافقون قنطقوا، ونجم نفاقهم. وابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
(1) الزمع: المضاء في الأمر والعزم عليه. وأزمع الأمر، وبه، وعليه، مضى فيه، فهو مزمع.
ينظر: «لسان العرب» 1862.
(2)
أخرجه الطبريّ (10/ 265) رقم (28367) ، وذكره ابن عطية (4/ 372) ، والسيوطي (5/ 357) ، وعزاه للفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(3)
أخرجه أحمد (3/ 3) ، والطبريّ في «تفسيره» (10/ 263) رقم (28360) من حديث أبي سعيد الخدري، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 355) ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.