الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَخْدِشْنَهُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، ويُحْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ إلى مَوْقِفِهِ أعمى» «1» . انتهى من «التذكرة» فَإنْ صَحَّ هذا الحديث، فلا نظرَ لأحد معه، وإن لم يصحَّ، فالصوابُ حملُ الآية على عُمُومها والله أعلم.
قال الثَّعْلَبِيُّ: قال ابن عباس: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى قال: أَجار اللهُ تعالى تابعَ القرآن من أن يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة «2» . وفي لفظ آخر: «ضمن اللهُ تعالى لمن قرأَ القرآن
…
» الحديث، وعنه: مَنْ قرأَ القرآن واتَّبع ما فيه، هَدَاهُ الله تعالى مِنَ الضَّلَالَةِ ووقاه اللهُ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ سُوءَ الحِسَابِ. انتهى.
وقولُه سبحانه: «ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أعمى» قالت فرقةٌ: وهو عَمَى البَصَر، وهذا هو الأوْجه، وأما عمى البَصِيرة، فهو حاصل للكافر.
وقوله سبحانه: كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها النسيان هنا: هو التركُ، ولا مَدْخَلَ للذهول في هذا الموضع، وتُنْسى أيضا بمعنى: تترك في العذاب.
[سورة طه (20) : الآيات 128 الى 133]
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (130) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (132)
وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133)
وقوله سبحانه: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ المعنى: أفلم «3» يبين لهم.
(1) أخرجه أبو يعلى (11/ 521- 522) رقم (6644) ، وابن حبان (872- موارد) ، والطبريّ في «تفسيره» (16/ 228) من حديث أبي هريرة.
وقال الهيثمي في «المجمع» (3/ 58) : رواه أبو يعلى، وفيه دراج، وحديثه حسن، واختلف فيه.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 557) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في «ذكر الموت» ، والحكيم الترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(2)
أخرجه الطبريّ (8/ 469) برقم (24400) بنحوه، وذكره البغوي (3/ 235) ، وابن كثير (3/ 168) ، والسيوطي (4/ 556) ، وعزاه للفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، ومحمد بن نصر، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في «شعب الإيمان» من طريق عن ابن عباس.
(3)
في ج: أو لم.
وقرأت «1» فرقةٌ: «نَهْدِ» بالنون، والمراد بالقرونِ المهلَكِين: عَادٌ، وثَمُودٌ، والطَّوائِفُ التي كانت قريشٌ تجوزُ على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، ثم أعلم سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن العذابَ كان يصير لهم لِزَاماً لولا كلمة سبقَتْ من الله تعالى في تَأْخيره عنهم إلى أجلٍ مُسَمًّى عنده، فتقدير الكلام. ولولَا كلمةٌ سبقت في التَّأْخِير، وأجلٍ مسمى، لكَانَ العذابُ لِزَاماً كما تقولُ لَكَانَ حَتْماً، أو واقعاً، لكنّه قدم وأَخّر لتشابه رُؤُوس الآي.
واختُلِف في الأجل المسمى: هل هو يوم القيامة، أو موت كل واحد منهم، أو يوم بدْرٍ؟ وفي «صحيح البخاري» :«2» أن يوم بَدْرٍ هو: اللزام، وهو: البَطْشَةُ الكبرى، يعني:
وقع في البخاري من تفسير ابن مسعود، وليس هو من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ص: ولِزاماً: إمَّا مصدرٌ، وإمَّا بمعنى ملزم، وأجاز أبو البقاء: أنْ يكون جمع لَازِم، كَقَائِمٍ وقيام. انتهى.
ثم أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصّبْر على أقوالهم: إنه ساحرٌ، إنه كاهن، إنه كاذب «3» إلَى غير ذلك.
وقوله سبحانه: / وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
…
الآية، قال أكثرُ المفسرين: هذه إشارة 14 ب إلى الصلوات الخمس فقبل طلوع الشمس صلاةُ الصبح، وقبل غُرُوْبَها صَلاةُ العَصْر، ومن آناءِ الليل العِشَاءُ، وأطرافُ النهار المغرِبُ والظهر.
[قال ابن العربي «4» : والصحيحُ أنَّ المغربَ من طَرَفِ الليل، لَا مِنْ طرف النَّهَارِ.
انتهى من «الأحكام» ] «5» .
وقالت فرقةٌ: آناء الليل: المغرب والعشاء، وأطراف النهار: الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد به قول: سبحان الله وبحمده.
(1) وهي قراءة ابن عباس والسلمي.
كما في «الجامع لأحكام القرآن» (11/ 172) .
ينظر: «الكشاف» (3/ 96) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 69) ، و «البحر المحيط» (6/ 267) ، و «الدر المصون» (5/ 63) .
(2)
ينظر «صحيح البخاري» (8/ 355) كتاب التفسير: باب فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً رقم (4767) .
(3)
في ج: كذاب.
(4)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1263) .
(5)
سقط في ج.
وقالت فرقةٌ: في الآية: إشارةٌ إلى نوافل، فمنها آناء الليل، ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر.
ت: ويتعذر على هذا التأويل قولُه: وَقَبْلَ غُرُوبِها إذْ لَيْس ذلك الوقْتُ وقْتَ نفل «1» ، على ما علم إلَاّ أنَّ يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد.
قال ص: بِحَمْدِ رَبِّكَ في موضع الحال، أي: وأنت حامدٌ. انتهى.
وقرأ الجمهور «2» : لَعَلَّكَ تَرْضى بِفَتْح التاء، أي: لعلك تُثَابُ على هذه الأعمال بما ترضى به.
قال ابنُ العربي في «أحكامه» «3» : وهذه الآية تُماثِلُ قولَهُ تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: 5] .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ فإنِ استطعتم أَلَاّ تُغْلَبُوا «4» على صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَعْنِي: الصُّبْحَ، وقَبْلَ غُرُوبَهِا فافعلوا» «5» .
وفي الحديث الصحيح أيضاً: «منْ صَلَّى البَرْدَيْنِ، دَخَلَ الجَنَّةَ» «6» . انتهى.
وقرأَ الكسائي، وأبو بكر عن عاصم «7» :«ترضى» أي: لعلك تُعْطى ما يرضيك، ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم: بالاحتقار لشأن الكفرة، والإعراض عن أموالهم، وما في أيْديهم من الدنيا إذ ذلك مُنْحَسِرٌ عنهم صائر إلى خِزْي، والأزواج: الأنواع، فكأنه قال: إلَى ما متعنا به أقواماً منهم، وأصنافا.
(1) سقط في ج.
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 70) ، و «البحر المحيط» (6/ 269) . [.....]
(3)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1263) .
(4)
في ج: لا تغموا.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
أخرجه البخاري (2/ 52) كتاب مواقيت الصلاة: باب فضل صلاة الفجر، حديث (574) ومسلم (1/ 440) كتاب المساجد: باب فضل صلاة الصبح والعصر، حديث (215/ 635) ، وأحمد (4/ 80) ، والدارمي (1/ 331، 332) ، وابن حبان (1739) ، والبيهقي (1/ 466) ، والبغوي في «شرح السنة» (2/ 39- بتحقيقنا) .
(7)
ينظر: «السبعة» (425) ، و «الحجة» (5/ 252) ، و «إعراب القراءات» (2/ 57) ، و «معاني القراءات» (2/ 160) ، و «شرح الطيبة» (5/ 53) ، و «العنوان» (130) ، و «شرح شعلة» (497) ، و «إتحاف» (2/ 259) .
وقوله: زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا شبَّه سبحانه نِعَم هؤلاء الكفار بالزهر، وهو ما اصفر من النّوْر، وقيل: الزهر: النورُ جملةً لأن الزهر له منظر، ثم يضمحل عن قرب، فكذلك مآل هؤلاء، ثم أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم: أن ذلك إنما هو ليختبرهم به، ويجعله فِتْنةً لهم وأمراً يجازون عليه أسوأ الجزَاءِ لفساد تقلبهم فيه.
ص: وزَهْرَةَ: منصوبٌ على الذمِّ، أو مفعولٌ ثانٍ ل: مَتَّعْنا مضمن معنى أعطينا. اهـ.
ورزق الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده، خير وأبقى، أيْ: رزق الدنيا خيرٌ ورزق الآخرة أبقى، وبين أنه خير من رزق الدنيا، ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة، ويمتثلها معهم ويَصْطَبِر عليها ويلازمها، وتكفَّل هو تعالى برزْقِهِ لا إله إلَاّ هو، وأخبره أن العَاقِبَةَ للمتقِينَ بنصره في الدنيا، ورحمته في الآخرة، وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عُمُوْمِهِ: جميعُ أمته.
ورُوِيَ: أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم، بادر إلَى منزله، فدخله وهو يقول: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ
…
الآية إلى قوله وَأَبْقى ثم يُنَادِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمُ اللهُ، ويصلي «1» .
وكان عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي الله عنه يوقِظُ أهل داره لصلاة اللّيل ويصلّي هو ويتمثّل بالآية «2» .
قال الداوديّ: وعن عَبْدِ اللهُ بْنِ سَلَامٍ، قال:«كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضِيقٌ أوْ شِدَّةٌ أمرهم بالصَّلَاةِ، ثم قرأَ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ إلى قوله لِلتَّقْوى «3» . انتهى.
قال ابن عطاء اللَّه في «التنوير» : واعلم أنَّ هذه الآية علمت أهل الفَهْم عن اللَّه تعالى كَيْفَ يطلبون/ رزقَهُم، فإذَا توقفت عليهم أسباب المعيشة، أكثروا من الخدمة والموافقة، 15 أوقرعوا بابَ الرِّزْقِ بمعاملة الرزَّاق- جل وعلا- ثم قال: وسمعت شيخنا أبا العبّاس
(1) أخرجه الطبريّ (8/ 480) رقم (24459) ، وذكره ابن عطية (4/ 71) ، وابن كثير (3/ 171) .
(2)
ذكره ابن عطية (4/ 71) ، وابن كثير (3/ 171) نحوه، والسيوطي (4/ 561) ، وعزاه لمالك، والبيهقي عن أسلم عن عمر.
(3)
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 561) ، وعزاه إلى أبي عبيد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، والطبراني في «الأوسط» ، وأبي نعيم في «الحلية» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن عبد الله بن سلام.