الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ- بَيِّنٌ لا يحتاجُ إلى تفسير.
وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ: هن اللواتي قد أسنّ وقَعَدْنَ عن الوِلْدِ، واحدتهن قَاعِدٌ، وقال ربيعة: هي هنا التي تُسْتَقْذَرُ من كِبرَهَا، قال غيره: وقد تَقْعُدُ المرأة عن الوِلْدِ وفيها مُسْتَمْتَعٌ، ولما كان الغالب من النساء أَنَّ ذواتَ هذا السِّنِّ لا مذهبَ للرجال فيهنَّ- أُبِيحَ لهنَّ ما لم يُبَحْ لغيرهنَّ، وقرأ «1» ابن مسعود وأبيّ:«أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابِهنَّ» والعرب تقول: امرأة، واضع للتي كَبُرَتْ، فوضعت خمارَها، ثم استثنى عليهن في وضع الثياب أَلَاّ يقصدنَ به التَّبَرُّجَ وإبداءَ الزينة فرُبَّ عجوزٍ يبدو منها الحِرْصُ على أَنْ يظهر لها جمال، والتبرج:
طلب البُدُوِّ والظهورِ للعين، ومنه: بُرُوجٌ مُشَيَّدة، والذي أبيح وضعه لهن الجِلبابُ الذي فوق الخمار والرداء، قاله ابن مسعود «2» وغيره، ثم ذكر تعالى أَنَّ تَحَفُّظَ الجميعِ مِنْهُنَّ، واستعفافَهُنَّ عن وضع الثياب، والتزامهنَّ ما يلتزم الشَّوَابُّ من الستر- أفضلُ لَهُنَّ وخير.
وقوله تعالى: «والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ» : أي: سميع لما يقولُ كُلُّ قائل وقائلة، عليم بمقصد كل أحد، وفي هاتين الصفتين توعد وتحذير.
[سورة النور (24) : آية 61]
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ إلى قوله كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ظاهر الآية وأَمْرُ الشريعة: أَنَّ الحَرَجَ عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم الإتيان به بالأكمل، ويقتضي العذر أَنْ يقعَ منهم الأنقص، فالحرج مرفوع عنهم في هذا، وللناس أقوال في الآية وتخصيصات يطول ذكرها، وذكر الله تعالى
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 195) .
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 349) برقم (26206، 26207) ، وذكره ابن عطية (4/ 195) ، وابن كثير (3/ 304) ، والسيوطي (5/ 104) ، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في «السنن» عن ابن مسعود.
بيوتَ القراباتِ، وسقط منها بيوت الأبناء فقال المفسرون: ذلك لأَنَّها داخلة في قوله:
مِنْ بُيُوتِكُمْ لأنَّ بيت ابن الرجل بيتُه.
وقوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ يريد ما خزنتم وصار في قبضتكم، فمعظمه ما ملكه الرجلُ في بيته وتحت غلقه، وهو تأويل الضَّحِّاكِ ومجاهد «1» ، وعند جمهور المفسرين: يدخل في الآية الوكلاءُ والعبيدُ والأُجراءُ بالمعروف. وقرأ «2» ابن جبير: «ملكتم مفاتيحه» مبنيا للمفعول وزيادة ياء بين التاء والحاء، وقَرَنَ تعالى في هذه الآية الصديقَ بالقرابة المَحْضَةِ الوكيدة لأَنَّ قُرْبَ المودة لصيق قال معمر: قلت لقتادَة: أَلَا أشرب من هذا الجُبِّ؟ قال: أنت لي صديق، فما هذا الاستئذان؟ «3» قال ابن عباس «4» في «كتاب النقاش» : الصديق أوكد من القرابة ألا ترى استغاثة الجهنميين: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: 100، 101] .
وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً: ردّ لمذهب جماعة 41 ب من العرب كانت/ لا تأكل أفذاذاً البتَّةَ، نحت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وأَنَّ إحضار الأكيل لَحَسَنٌ ولكن بأَلَاّ يحرم الانفرادُ، قال البخاريُّ «5» : أشتاتاً وشتى واحد، انتهى.
وقال بعض أهل العلم: هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام: [ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» «6» الحديث، وبقوله تعالى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
(1) أخرجه الطبريّ (9/ 353) برقم (26228) عن الضحاك، (26230) عن مجاهد، وذكره البغوي (3/ 358) عن الضحاك، وابن عطية (4/ 196) ، والسيوطي (5/ 109) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(2)
ينظر: «مختصر الشواذ» ص (104) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 196) ، و «البحر المحيط» (6/ 434) ، و «الدر المصون» (5/ 236) .
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 354) برقم (26231) ، وذكره ابن عطية (4/ 196) ، والسيوطي (5/ 107) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة بنحوه. [.....]
(4)
ذكره ابن عطية (4/ 196) .
(5)
ينظر البخاري (8/ 301) كتاب «التفسير» : باب سورة النور.
(6)
أخرجه البخاري (1/ 190) كتاب «العلم» : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «ربّ مبلغ أوعى من سامع» ، حديث (67)، (1/ 240) كتاب: العلم، باب:«ليبلّغ العلم الشاهد الغائب» ، حديث (105)، (4/ 670) كتاب «الحج» : باب الخطبة أيام منى، حديث (1741)، (6/ 338) كتاب «بدء الخلق» : باب ما جاء في سبع أرضين، حديث (3197)، (7/ 711) كتاب «المغازي» : باب حجة الوداع، حديث (4406)، (10/ 10) كتاب «الأضاحي» : باب الأضحى يوم النحر، حديث (5550)، (13/ 29) كتاب «الفتن» : باب-
الآية، وبقوله عليه السلام] «1» من حديث ابن عمر: «لَا يَجْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَاّ بِإذْنِهِ
…
» «2» الحديث.
قلت: والحق أَنْ لا نسخَ في شيءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى.
وقوله سبحانه: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً: قال النَّخَعِيُّ: أراد المساجد «3» ، والمعنى:
سُلِّمُوا على مَنْ فيها، فإنْ لم يكن فيها أحد فالسلام أنْ يقول: السلامُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين.
وقال ابن عباس «4» وغيره: المراد البيوتُ المسكونة، أي: سلِّموا على مَنْ فيها، [قالوا: ويدخل في ذلك غيرُ المسكونة] «5» ، ويُسَلِّم المرءُ فيها على نفسه بأنْ يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
قلت: وفي «سلاح المؤمن» ، وعن ابن عباس في قوله عز وجل: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً
- قول النبي- صلى الله عليه وسلم «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
…
» ، حديث (7078)، (13/ 433- 434) كتاب «التوحيد» : باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، حديث (7447)، ومسلم (3/ 1305- 1307) كتاب «القسامة» : باب تغليظ تحريم الدماء، حديث (29، 30، 31/ 1679)، وأبو داود (1/ 599) كتاب «المناسك» : باب الأشهر الحرم، حديث (1948)، وابن ماجه مختصرا (1/ 85) المقدمة: باب من بلغ علما، حديث (233) ، وأحمد (5/ 37، 45، 49) ، وابن الجارود في «المنتقى» برقم (833)، والبيهقي (5/ 140) كتاب «الحج» : باب الخطبة يوم النحر، كلهم من طريق محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا.
تنبيه: سقط من إسناد ابن الجارود «أبو بكرة» ولعله سهو من طابع أو ناسخ، فوقع محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الرحمن ليس هو القائل وليست له صحبة.
(1)
سقط في ج.
(2)
أخرجه البخاري (5/ 88) كتاب «اللقطة» : باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه، حديث (2435)، ومسلم (3/ 1352) كتاب «اللقطة» : باب تحريم حلب الماشية بغير إذن مالكها، حديث (13/ 1726)، وأبو داود (2/ 46) كتاب «الجهاد» : باب فيمن قال: لا يحلب، حديث (2623) كلهم من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 971) كتاب «الاستئذان» : باب ما جاء في أمر الغنم، حديث (17) عن نافع عن ابن عمر به. وأخرجه أحمد (2/ 6) من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر، وأخرجه أيضا (2/ 57) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بلفظ: نهى أن تحتلب المواشي بغير إذن أهلها. وأخرجه الحميدي في «مسنده» (2/ 300) رقم (683) من طريق إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر.
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 357) رقم (26247) ، وذكره ابن عطية (4/ 196) .
(4)
ذكره السيوطي (5/ 107) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عباس.
(5)
سقط في ج.
فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ قال: هو المسجدُ إذا دخلته فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» «1» رواه الحاكم في «المستَدْرَكِ» وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، يعني البخاريَّ ومسلماً، انتهى، وهذا هو الصحيح عن ابنِ عباس، وفَهِمَ النوويُّ أَنَّ الآية في البيوت المسكونة، قال: ففي الترمذيِّ عن أنس قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يَا بُنَيَّ، إذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ، فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» «2» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي أبي داودَ عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثلاثة كلّهم ضامن على الله عز وجل: [رجل خرج غازيا في سبيل الله عز وجل] «3» فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى المَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ فَهُو ضَامِنٌ عَلَى اللهِ تعالى» «4» ، حديث حسن رواه أَبو داودَ بإسناد حسن، ورواه آخرون، والضمان: الرعاية للشيء، والمعنى: أَنَّه في رعاية الله عز وجل، انتهى.
وقوله تعالى: تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً وصفها تعالى بالبركة لأَنَّ فيها الدعاءَ واستجلابَ مودَّةِ المسلم عليه.
قلت: وقد ذكرنا في سورة النساءِ: ما ورد في المصافحة من رواية ابن السُّنِّيِّ قال النووي: وَرُوِّينَا في «سنن» أَبي داودَ والترمذيِّ وابن ماجه عَنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَاّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا» «5» انتهى.
والكاف من قوله: كَذلِكَ: كافُ تشبيهٍ وذلك: إشارة إلى هذه السنن.
وقال أيضاً بعضُ الناس في هذه الآية: أَنَّها منسوخة بآية الاستئذان المتقدمة.
قال ع «6» : والنسخ لا يُتَصَوَّرُ في شيءٍ من هذه الآيات، بل هي مُحْكَمَةٌ، أَمَّا
(1) أخرجه الطبريّ (9/ 357) برقم (26246) ، وذكره البغوي (3/ 359) ، والسيوطي (5/ 108) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن عباس.
(2)
أخرجه الترمذيّ (5/ 59) كتاب «الاستئذان» : باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته، حديث (2698) من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس. وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب.
(3)
سقط في ج.
(4)
أخرجه أبو داود (2/ 10) كتاب «الجهاد» : باب فضل الغزو في «البحر» ، حديث (2494) ، والحاكم (2/ 73) ، وابن حبان (416- موارد)، والبيهقي (9/ 166) كتاب «السير» : باب فضل من مات في سبيل الله، من حديث أبي أمامة وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وصححه أيضا ابن حبان.
(5)
تقدم تخريجه. [.....]
(6)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 197) .