الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُو أَدْنَى بالّذِي هُو خَيْرٌ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَفَرَّقَ الله شَمْلَهُمْ وخَرَّبَ بِلادَهُمْ وجَعَلَهُمْ أَحَادِيثَ وَمِنِه المثَلُ السَّائِرُ «تَفَرَّقُوا أيادِي سَبَا وأيْدي سَبَا» يُقَالُ المَثَلُ بِالوَجْهَيْنِ وهَذَا هُو تَمْزِيقُهمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةُ قَبَائِلَ وَتَشَاءَمَتْ مِنْهُمْ أرْبَعَةٌ حَسْبَمَا فِي الحديثِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تعالى محمّدا صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتَهُ عَلى جِهة التَنْبِيهِ بَأَنَّ هَذَا القَصَصَ فيه آيات وعبر لكلّ مؤمن متّصف بالصّبر والشكر.
[سورة سبإ (34) : الآيات 20 الى 24]
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24)
وقوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ
…
الآية، قَرَأَ نَافِعُ وأَبُو عمرِو وابن عَامِرٍ:«ولقد صَدَقَ» بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ والكسائيِّ «1» :«صدّق» بتشديدها فالظّن 80 أعلى هذِهِ القِرَاءَةِ مَفْعُولُ «بَصدَّقَ» ومَعْنَى/ الآية: أَنَّ إبْلِيسَ ظَنَّ فِيهمْ ظَنّاً حَيْثُ قَالَ: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ [الأعراف: 17] . وغَيْرَ ذلك فَصَدَّقَ ظَنَّهُ فِيهمْ وأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ اتَّبَعُوهُ وهُو اتِّبَاعٌ فِي كُفْرٍ لأَنَّهُ فِي قِصَّة قَوْمٍ كُفَّارٍ.
وقولُه: مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ يَدُلّ عَلى ذَلكَ وَ «مِنْ» فِي قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لبيَانِ الجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ.
وَقَوْلهُ: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ أي: مِنْ حُجَّةٍ، قال الحسنُ: واللهِ مَا كَانَ لهُ سَيفٌ وَلَا سَوْطٌ وَلَكِنَّهُ اسْتَمَالَهُمْ فَمَالُوا بتزيينه «2» .
(1) وقرأ عاصم بتثقيلها- كما قرأ الأخوان.
ينظر: «السبعة» (527) ، و «الحجة» (6/ 20) ، و «إعراب القراءات» (2/ 219) ، و «معاني القراءات» (2/ 294) ، و «شرح الطيبة» (5/ 156) ، و «العنوان» (156) ، و «حجة القراءات» (588) ، و «شرح شعلة» (554) ، و «إتحاف» (2/ 386) .
(2)
أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 371) رقم (28835) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 417) بلفظه، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (3/ 535) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 440) كلاهما بنحوه.
وعزاه السيوطي لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.
وقولُه تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يريدُ: الأصْنَامَ والملائِكَةَ وذَلِكَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الملائِكَةَ وَهَذِهِ آيَةٌ تَعْجِيزٍ وَإقَامَةِ حُجَّةٍ ويروى أَنَّ الآيةَ نَزَلَتْ عند الجوع الّذي أصاب قُرَيشاً، ثُمَّ جَاءَ بصِفة هؤلَاءِ الذين يَدْعُونهم آلِهَةً أنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مُلْكَ اخْتِرَاعٍ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وأنَّهُمْ لَا شِرْكَ لَهُمْ فِيهِمَا، وهذَانِ نَوْعَا المُلْكِ: إمّا استبداد وإمّا مشاركة فنفى عنهم جَمِيعَ ذَلِكَ وَنَفَى أنْ يَكُونَ مِنْهُم لِلَّهِ تعالى مُعِينٌ فِي شَيْءٌ، و «الظَّهِيرُ» : المُعينُ، ثُمَّ قَرَّرَ فِي الآيةِ بَعْدُ أنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يْشْعَفُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ شَفَاعَةٌ لَهُمْ إذْ هَؤلاءِ كَفَرَةٌ وَلَا يأْذَنُ اللهُ فِي الشَّفَاعَةِ فِي كَافِرٍ، وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو عمرو «أُذِنَ» - بِضَمِّ الهَمْزَةِ- «1» .
وقوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
…
الآيةَ. الضَّميرُ في قُلُوبِهِمْ عَائِدٌ عَلَى الملائِكَةِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ آلِهَةً.
قال ع «2» : وتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذِهِ الآية- أَعْنِي قوله:
حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ
…
- إنَّما هِي فِي المَلَائِكَةِ إذَا سَمِعَتِ الوَحْيَ إلَى جِبْرِيلَ، أو الأمْرَ يَأْمُرُ اللهُ بِهِ، سَمِعَتْ كَجَرِّ سِلْسِلَةِ الحَدِيدِ عَلى الصَّفْوَانِ، فَتَفْزَعُ عِنْد ذَلِكَ تَعْظِيماً وَهَيْبَةً لِلَّهِ تبارك وتعالى وقِيل: خَوْفاً أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فَإذَا فَرَغَ ذَلِكَ، فُزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِم، أي: أُطِيرَ الفَزَعُ عَنْهَا وَكُشِفَ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لبعض ولجبريل: ماذا قال ربّكم؟ فيقول المسؤلون: قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ.
ت: وَلَفْظُ الحديثِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: «إذَا قَضَى اللهُ أَمْراً فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ على صَفْوَانٍ، فَإذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكبير» «3» انتهى.
(1) وحجة الباقين في فتح الهمزة قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ [النبأ: 38]، وقوله: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم: 26] فردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.
ينظر: «حجة القراءات» (589) ، و «السبعة» (529- 530) ، و «الحجة» (6/ 21) ، و «إعراب القراءات» (2/ 220) ، و «معاني القراءات» (2/ 295) ، و «شرح الطيبة» (5/ 157) ، و «العنوان» (157) ، و «شرح شعلة» (554) ، و «إتحاف» (2/ 386) .
(2)
ينظر: «المحرر» (4/ 418) .
(3)
أخرجه البخاري (8/ 398) كتاب التفسير: باب حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ حديث (4800)، والترمذيّ (5/ 362) كتاب التفسير: باب ومن سورة سبأ، حديث (3223)، وابن ماجه (1/ 69- 70) المقدمة: باب فيما أنكرت الجهمية، حديث (194) ، والطبريّ في «تفسيره» (10/ 373) رقم (28847) من حديث أبي هريرة مرفوعا. -