الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِطْرَتَ اللَّهِ
…
الآية، إلى الْقَيِّمُ فذكرُ الأبوين إنما هما مثالٌ للعَوارِض التي هي كثيرةُ. وقال البخاريُّ: فِطْرَةُ اللهِ: هِيَ الإسْلَامُ «1» ، انتهى.
وقوله تعالى: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ يحتمل أنْ يريدَ بها هذه الفطرةَ، ويحتمل أن يريدَ بها الإنحاء على الكفرة اعترض به أثناء الكلام كأنه يقول: أقم وجهَك للدين الذي من صفته كذا وكذا، فإنَّ هؤلاءِ الكفرة قد خلق الله لهم الكفر، ولا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، أي: أنهم لا يفلحون، وقيل غيرُ هذا، وقال البخاري: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ أي:
لدين الله، وخُلُق الأولين: دينهم. انتهى. والْقَيِّمُ بناءُ مبَالَغَةٍ مِنَ القيام الذي هو بمعنى الاستقامة، ومُنِيبِينَ يحتمل أنْ يكونَ حالاً من قوله فَطَرَ النَّاسَ لا سِيَّمَا عَلى رَأْي مَنْ رَأَى أَنَّ ذلكَ خصوصٌ في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالا من قوله فَأَقِمْ وَجْهَكَ وجمعه: لأن الخطاب بإقامة الوجه هو للنبي/ صلى الله عليه وسلم ولأمته نظيرها قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ 66 ب إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: 1] . والمشركون المشار إليهم في هذه الآية: هم اليهودُ والنصارى قاله قتادة «2» ، وقيل غير هذا.
[سورة الروم (30) : الآيات 33 الى 47]
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)
فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَاّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (45) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
-- حديث ابن عباس:
أخرجه البزار في «مسنده» (2167- كشف) . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 221) بلفظ: «كل مولود يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه» .
وقال الهيثمي: رواه البزار وفيه ممن لم أعرفه غير واحد.
- حديث سمرة بن جندب:
أخرجه البزار (2166- كشف) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 221)، وقال: رواه البزار وفيه عباد بن منصور وهو ضعيف. ونقل عن يحى القطان أنه وثقه.
(1)
ينظر: «البخاري» (8/ 372) كتاب التفسير: باب: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.
(2)
أخرجه الطبريّ (10/ 185) رقم (27973) ، وذكره ابن عطية (4/ 337) ، والسيوطي (5/ 300) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة.
وقوله تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ
…
الآية، ابتداءُ إنحاءٍ على عَبَدَةِ الأَصْنَام.
قال ع «1» : ويلحق من هذه الألفاظ شيءٌ للمؤمنين إذا جاءهم فَرَجٌ بعد شدة فعلقوا ذلك بمخلوقين، أو بحذق آرائهم، وغير ذلك لأن فيه قلة شكر للَّه تعالى ويسمى تَشْرَيكاً مجَازاً. والسلطانُ هنا البرهانُ من رسولٍ أو كتابٍ، ونحوه.
وقوله تعالى: فَهُوَ يَتَكَلَّمُ معناه فهو يُظْهِر حجتَهم، ويغلبُ مذهبَهم، وينطق بشركهم. ثم قال تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها
…
الآية، وكل أحد يأخذ من هذه الخُلُقِ بقسطِ، فالمقل والمكثر، إلا من ربطتِ الشريعةُ جأشَه، ونَهَجَتِ السنة سبيلَه، وتأدَّب بآداب الله، فصبر عند الضراء وشكر عند السراء، ولم يَبْطُرْ عند النِّعْمَةِ، ولا قنط عند الابتلاءِ، والقَنَطُ: اليأسُ الصريحُ. ثم ذكر تعالى الأمر الذي من اعتبره لم يَيْأْسْ من رَّوْح اللهِ- وهو أنه سبحانه يَخُصُّ من يشاء من عبادهِ بِبَسْطِ الرزق، ويقدر على من يشاء منهم. فينبغي لكلِ عَبْدٍ أنْ يكونَ راجياً ما عند ربه. ثم أمر تعالى نبيَّه- عليه السلام أمراً تَدْخُلُ فيه أمته- على جهة الندب- بإيتاء ذي القربى حقَّه من صلة المالِ، وحسنِ المعاشرة ولين القول، قال الحسن «2» : حقه المواساةُ في اليُسْر، وقولٌ مَيْسُورٌ في العُسْرِ.
قال ع «3» : ومعظمُ ما قُصِدَ أمر المعونة بالمال.
(1) ينظر: «المحرر» (4/ 337) .
(2)
أخرجه الطبريّ (10/ 187) رقم (27976) ، وذكره ابن عطية (4/ 338) .
(3)
ينظر: «المحرر» (4/ 338) .
وقرأ الجمهور: وَما آتَيْتُمْ بمعنى: أعطيتم، وقرأ ابن كثير «1» بغير مد، بمعنى:
وما فعلتم، وأجمعوا على المد في قوله وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ والربا: الزيادة.
قال ابن عباس «2» وغيره: هذه الآية نزلتُ في هباتِ الثَّوابِ.
قال ع «3» : وما جَرَى مَجْرَاها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسِّلمِ وغيرِه، فهو وإن كانَ لَا إثْمَ فيه فَلا أجْرَ فيه ولَا زيادة عند الله تعالى، وما أعْطَى الإنسانُ تَنْمِيَةً لِمالهِ وتطهيراً يريدُ بذلك وَجْهَ اللَّه تعالى فذلك هُو الذي يُجَازَى به أضعَافاً مضَاعَفَةً على ما شاء الله له. وقرأ جمهور السبعةِ «ليربوا» بإسناد الفِعل إلى الربا، وقرأ «4» نافعٌ وحدَه «لِتُرْبُوا» وباقي الآية بيِّن. ثم ذكر تعالى- على جهة العبرة- ما ظهرَ من الفسَادِ بسبب المعَاصي، قال مجاهد: البَرُّ البلاد البعيدة من البحر، والبحرُ السواحلُ والمدنُ التي على ضِفَّة البحرِ «5» ، وظهورُ الفساد فيهما: هو بارتفاعِ البركاتِ، ووقوعِ الرزايا، وحدوثِ الفتنِ.
وتغلب العدوِّ، وهذه الثلاثةُ توجَد في البر والبحر، قال ابن عباس: الفسادُ في البحر:
انقطاع صَيْدِه بذَنَوب بني آدم «6» ، وقلما توجد أمة فاضلةٌ مُطِيعَةٌ مُسْتَقِيمَةُ الأعمال إلا يدفعُ الله عنها هذه الأمور، والأمرُ بالعكس في المعاصي، وبطر النعمة ليذيقهم عاقبة بعض ما عملوا ويعفوا عن كثير. ولَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، أي: يتوبون ويراجعونَ بصائَرهم فِي طاعةِ ربهِم ثم حذَّر- تعالى- من يومِ القيامةِ تحذيراً يَعُمُّ العالمَ وإياهُمُ المقصد بقوله فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَاّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ الآية وَلَا مَرَدَّ لَهُ: معناه:
لَيْسَ فِيه رُجُوعٌ لِعَمَلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُريد/ لَا يَردُّهُ رَادٌّ. وهذا ظاهر بحسب اللفظ 67 أويَصَّدَّعُونَ: معناه: يَتَفَرَّقُونَ بعد جمعهم إلى الجنةِ وإلى النار. ثم ذكر تعالى من آياته أشياءَ وهي ما في الرِّيحِ من المنافِع وذلك أنها بشرى بالمطر ويُلَقَّحُ بها الشجر، وغير ذلك،
(1) ينظر: «السبعة» (507) ، و «الحجة» (5/ 446) ، و «إعراب القراءات» (2/ 196) ، و «معاني القراءات» (2/ 264) ، و «العنوان» (151) ، و «حجة القراءات» (558) ، و «إتحاف» (2/ 357) . [.....]
(2)
ذكره ابن عطية (4/ 339) .
(3)
ينظر: «المحرر» (4/ 339) .
(4)
فالتاء هاهنا للمخاطبين، والواو واو الجمع. وحجته أنها كتبت في المصاحف بألف بعد واو. وحجة الباقين قوله بعده: فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ.
ينظر: «حجة القراءات» (559) ، و «السبعة» (507) ، و «الحجة» (5/ 447) ، و «إعراب القراءات» (2/ 196) ، و «معاني القراءات» (2/ 265) ، و «شرح الطيبة» (5/ 132) ، و «العنوان» (151) ، و «شرح شعلة» (540) ، و «إتحاف» (2/ 357) .
(5)
أخرجه الطبريّ (10/ 190- 191) رقم (27997) بنحوه، وذكره ابن عطية (4/ 340) .
(6)
ذكره ابن عطية (4/ 340) .