الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ع «1» : وتصريف الفعل يأْبَى أَنْ يكون من أنس، وقرأ أُبَيُّ وابن عباس «2» :
«حتى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» وصورة الاستئذان أَنْ يقول الإنسان: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن أُذِنَ له دَخَل، وإنْ أُمِرَ بالرجوع انصرف، وإنْ سُكِتَ عنه استأذن ثلاثاً ثم ينصرف، جاءت في هذا كله آثار، والضمير في قوله: تَجِدُوا فِيها: للبيوت التي هي بيوتُ الغير، وأسند الطبريُّ «3» عن قتادة أنه قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبتُ عمري كُلَّه هذه الآيةَ فما أدركتها أن أستأذنَ على بعض إخواني فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مُغْتَبِطٌ «4» لقوله تعالى: هُوَ أَزْكى لَكُمْ.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تَوَعُّدٌ لأهل التجسّس.
[سورة النور (24) : الآيات 29 الى 31]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ
…
الآية: أباح سبحانه في هذه الآية رفعَ الاستئْذان في كُلِّ بيت لا يسكنه أحد لأَنَّ العِلَّةَ في الاستئذان خوفُ الكشفة على المُحَرِّمَاتِ، فإذا زالت العِلَّةُ زال الحكم، وباقي الآية بَيِّنٌ ظاهر التوعد، وعن مالك رحمه الله: أَنه بلغه أَنَّهُ كان يُسْتَحَبُّ إذا دخل البيتَ غيرَ المسكون، أن يقول
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 175) .
(2)
ينظر: «المحتسب» (2/ 107) ، و «مختصر شواذ ابن خالويه» ص 103، ولكنه حكاها هكذا:«حتى يسلموا على أهلها ويستأذنوا» ، ونسبها إلى ابن مسعود وابن عباس. وأما قراءة أبي عنده- فهي: حتى يسلموا ويستأذنوا» .
وينظر: «الكشاف» (3/ 227) ، و «المحرر الوجيز» (4/ 175) . [.....]
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
أخرجه الطبريّ (9/ 299) برقم (25933) ، وذكره ابن عطية (4/ 176) ، وابن كثير (3/ 281) ، والسيوطي (5/ 72) ، وعزاه لأبي يعلى، وابن مردويه عن أنس.
الذي يدخله: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَاد اللهِ الصَّالِحِينَ، انتهى، أخرجه «1» في «المُوَطَّإِ» .
وقوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ أظهر ما في مِنْ أَنْ تكون للتبعيض، لأَنَّ أول نظرة لا يملكها الإنسانُ وإنَّما يَغُضُّ فيما بعد ذلك، فقد وقع التبعيض بخلاف الفروج إذ حفظُها عامٌّ لها، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذيرُ منه، وحفظُ الفرج هو عن الزنا وعن كشفه حيث لا يحل.
قلت: النواظر «2» صوارمُ مشهورة فاغمدها في غِمْدِ الغَضِّ والحياء مِنْ نظر المولى وإلَاّ جرحك بها عَدُوُّ الهوى، لا ترسلْ بريد النظر فيجلبَ لقلبك رَدِيءَ الفكر، غُضُّ البصرِ يُورِثُ القلب نوراً، وإطلاقُه يَقْدَحُ في القلب ناراً. انتهى من «الكَلِمِ الفارقيَّة فِي الحِكَمِ الحقيقيَّة» .
قال ابن العربيِّ»
في «أحكامه» : قوله تعالى: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ يريد: أطهر وأنمى، يعني: إذا غَضَّ بصره كان أطهرَ له من الذنوب وأَنمى لعمله في الطاعة.
قال ابن العربي «4» : ومِنْ غَضَّ البصر: كَفُّ التطلع إلى المُبَاحَاتِ من زينة الدنيا وجمالِها كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ 37 ب زَهْرَةَ الْحَياةِ/ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [طه: 131] . يريد ما عند الله تعالى، انتهى.
وقوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ
…
الآية: أمر الله تعالى النساء في هذه الآية بِغَضِّ البصر عن كل ما يُكْرَهُ- من جهة الشرع- النظرُ إليه، وفي حديث أُمِّ سلمةَ قالت: كُنْتُ أنا وعائشة عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أمّ مكتوم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«احتجبن، فقلن: إنّه أعمى! فقال صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما» «5» ومِنْ الكلام فيها كالتي قبلها.
(1) أخرجه مالك (2/ 962) كتاب «السلام» : باب جامع السلام حديث (8) .
(2)
في ج: النظر.
(3)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1366) .
(4)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1366) .
(5)
أخرجه أبو داود (2/ 462) كتاب «اللباس» : باب قول الله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ حديث (4112)، والترمذي (5/ 94) كتاب «الأدب» : باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، حديث (2778) ، وأحمد (6/ 296)، والنسائي في «الكبرى» (5/ 393) كتاب «عشرة النساء» : باب نظر-
قال ابن العربي في «أحكامه» «1» : وكما لا يَحِلُّ للرجل أن ينظر إلى المرأة، لا يحل للمرأة أَنْ تنظر إلى الرجلِ، فإنَّ عَلَاقَتَهُ بها كعلاقتها به، وقصدَه منها كقصدها منه، ثم استدل بحديث أُمِّ سلمة المتقدم، انتهى. وحفظ الفرج يَعُمُّ الفواحش، وسترَ العورة، وما دون ذلك مِمَّا فيه حفظ، ثم أَمر تعالى بأَلَاّ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَاّ ما يظهر من الزينة قال ابن مسعود «2» : ظاهر الزينة: هو الثياب.
وقال ابن جبير وغيره «3» : الوجه والكَفَّانِ والثيابُ.
وقيل: غير هذا.
قال زينتها ع «4» ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أَنَّ المرأة مأمورة بأَلَاّ تبديَ، وأَنْ تجتهدَ في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كُلِّ ما غلبها، فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بُدَّ منه أو إصلاح شأن، فما ظهر على هذا الوجه فهو المَعفُوُّ عنه، وذكر أبو عمر: الخلاف في تفسير الآية كما تقدم قال: ورُوِيَ عن أبي هريرة في قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها قال: القلب والفتخة.
- النساء إلى الأعمى، حديث (9241، 9242) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1/ 116) ، وأبو يعلى (12/ 353) رقم (6922) ، وابن حبان (1968- موارد) ، والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 416) ، والبيهقي (7/ 91- 92) ، وابن سعد في «الطبقات» (8/ 126) كلهم من طريق الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وصححه ابن حبان.
قال الحافظ في «الفتح» (9/ 337) : وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها، وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعلة قادحة، فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته ا. هـ.
(1)
ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1367) .
(2)
أخرجه الطبريّ (9/ 303، 304) برقم (25951، 25952، 25953، 25954، 25955) ، وذكره ابن عطية (4/ 178) ، وابن كثير (3/ 283) والسيوطي (5/ 74) ، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود.
(3)
أخرجه الطبريّ (9/ 304) برقم (25963) ، (25964) عن سعيد بن جبير، وبرقم (25965) عن عطاء، وذكره ابن عطية (4/ 178) ، وابن كثير (3/ 283) ، والسيوطي (5/ 75) ، وعزاه لابن جرير عن سعيد بن جبير.
(4)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 178) .
قال جرير بن حازم: القُلْبُ: السِّوَارُ، والفتخة: الخاتم، انتهى من «التمهيد» .
وقوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ.
قال ابن العربي «1» : الجيب هو الطَّوْقُ، والخمار: هو المِقْنَعَة، انتهى.
قال ع «2» : سبب الآية أَنَّ النساء كُنَّ في ذلك الزمان إذا غَطَّيْنَ رؤوسهنَّ بالأخمرة سَدَلْنَهَا من وراء الظهر فيبقى النَّحْرُ والعُنُقُ والأُذُنَانِ لا سِتْرَ على ذلك، فأمر الله تعالى بِلَيِّ الخمار على الجيوب، وهَيْئَةُ ذلك يستر جميعَ ما ذكرناه، وقالت عائشة- رضي الله عنها رُحِمَ اللهُ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ لمَّا نزلت هذه الآية عَمَدْنَ إلى أكثف المروط «3» فشققنها أخمرةً، وضربن بها على الجيوب «4» .
وقوله سبحانه: أَوْ نِسائِهِنَّ يعني جميع المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين، وكتب عمر إلى أبي عبيدةَ بن الجراح أَنْ يمنع نساءَ أهل الذِّمَّةِ أَنْ يدخلنَ الحَمَّامَ مع نساء المسلمين فامتثل «5» .
وقوله سبحانه: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ يدخل فيه الإماءُ الكتابِيَّاتُ والعبيد.
وقال ابن عباس وجماعة «6» : لا يدخل العبد على سَيِّدته فيرى شعرها إلَاّ أن يكون وغْداً.
وقوله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ يريد الأتباع لِيُطْعَمُوا، وهم فُسُولُ الرجال الذين لا إرْبَةَ لهم في الوَطْءِ، ويدخل في هذه الصنيفة: المَجْبُوبُ، والشيخ الفاني، وبعضُ المَعْتُوهِينَ، والذي لا إرْبَةَ له من الرجال قليلٌ، والإربة: الحاجة إلى الوطء، والطفل اسم جنس،
(1) ينظر: «أحكام القرآن» (3/ 1369) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 178) . [.....]
(3)
المرط: كل ثوب غير مخيط. وبالفتح: كساء من خز أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر، وجمعه مرمط، ينظر:«لسان العرب» (4183) .
(4)
أخرجه البخاري (8/ 347) كتاب «التفسير» : باب وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ حديث (4758) .
(5)
أخرجه الطبريّ (9/ 307) برقم (25986) ، وذكره ابن عطية (4/ 179) ، وابن كثير (3/ 284) ، والسيوطي (5/ 77) ، وعزاه لسعيد بن منصور، والبيهقي في «سننه» ، وابن المنذر عن عمر بن الخطاب.
(6)
ذكره ابن عطية (4/ 179) ، والسيوطي (5/ 77) وعزاه لابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس نحوه.