الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقلب مبالغة، ويحتمل أن يكون المراد التقريب المعنوي، وهو جعل أهلها مستحقين لدخولها مكرمين فيها، والأول أولى. قيل: هذه الأمور الاثنا عشر ستة منها في الدنيا؛ أي: فيما بين النفختين، وهي من أول السورة إلى قوله:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)} وستة في الآخرة؛ أي: بعد النفخة الثانية، وهي:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)} إلى هنا. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: ستة آيات قبل القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحوش، وماج بعضهم في بعض، فحينئذٍ تقول الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فينطلقون إلى البحر، فإذا هو نار تتأجج؛ أي: تتلهب، قال: فبينما، هم كذلك إذ صدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم. كذا في "المعالم".
14
- وجواب الجميع قوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)} وقدمت على أن المراد بها زمان واحد متسع محيط بما ذكر من أول السورة إلى هنا من الاثني عشر شيئًا، مبدأه النفخة الأولى، ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق، لكن لا بمعنى أنها تعلم ما تعمل في كل جزء من أجزاء ذلك الوقت المديد، أو عند وقوع داهية من تلك الدواهي، بل عند نشر الصحف إلا أنه لما كان بعض تلك الدواهي من مباديه، وبعضها من روادفه نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع كلها تهويلًا للخطب، وتفظيعًا للحال؛ أي: علمت ما أحضرته في صحيفة عملها، وما أحضرته في موقف المحاسبة وعند الميزان؛ لأن الأعمال أعراض لا يمكن إحضارها. اهـ "زاده". أي: علمت (1) كل نفس من النفوس ما أحضرته واكتسبته من الأعمال خيرًا أو شرًا، على حذف العائد إلى الموصول، فـ {نَفْسٌ} في معنى العموم، كما صرح به في قوله تعالى:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} ، وقوله:{هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ} ، وقولهم: - إن النكرة في سياق الإثبات لا تعم، بل هي للأفراد النوعية - غير مطرد، ويجوز أن يكون التنوين للأفراد الشخصية إشعارًا بأنه إذا
(1) روح البيان.
علمت حينئذٍ نفس من النفوس ما أحضرت .. وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي التي علمت ما أحضرت، فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه: لعلك ستندم على ما فعلت، وربما ندم الإنسان على ما فعل، فإنك لا تقصد بذلك أن ندمه مرجو للوجود لا متيقن به، أو نادر الوقوع، بل تريد أن العاقل يجب عليه أن يجتنب أمرًا يرجى فيه الندم، أو قلما يقع فيه، فكيف إذا كان قطعي الوجود كثير الوقوع.
والمراد بـ {مَا أَحْضَرَتْ} : أعمالها من الخير والشر، وبحضورها: إما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها، وإما حضور أنفسها لأن الأعمال الظاهرة في هذه النشأة بصور عرضية تبرز في النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة، وإسناد حضورها إلى النفس مع أنها تحضر بأمر الله، لما أنها عملتها في الدنيا كأنها أحضرتها في الموقف، ومعنى علمها بها حينئذٍ: أنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة، فإن كانت صالحة .. تشاهدها على صور أحسن مما كانت تشاهدها عليه في الدنيا؛ لأن الطاعة لا تخلو فيها عن نوع مشقة، وقد ورد:"حفت الجنة بالمكاره"، وإن كانت سيئة تشاهدها على ما هي عليه هاهنا؛ لأنها كانت مزينة لها، موافقة لهواها، كما ورد:"وحفت النار بالشهوات". وقال بعضهم (1): العلم بالأعمال كناية عن المجازاة عليها من حيث إن العلم لازم للمجازاة.
والمعنى (2): أي إذا حصل كل ما تقدم من الأحداث السالفة .. تعلم كل ما كان من عملها متقبلًا، وما كان منه مردودًا عليها، فكثير من الناس كانوا في الحياة الدنيا مغرورين بما تزينه لهم الشياطين، وسيجدون أعمالهم يوم القيامة غير مقبولة ولا مرضي عنها، بل هي مبعدة من الله مستحقة لغضبه، فالذين يعملون أعمالهم رئآء الناس ليس لهم من عملهم إلا الجهد والمشقة، ولا تكون متقبلة عند ربهم، فعلينا أن ننظر إلى الأعمال بمنظار الشرع، ونزنها بميزانه الصحيح، والله لا يتقبل من الأعمال إلا ما صدر عن قلب مليء بالإيمان عامر بحبه والرغبة في رضاه، والحرص على أداء واجباته التي فرضها عليه.
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.