الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النازعات
سورة النازعات - وتسمى: سورة الساهرة، وسورة الطامة - مكية بلا خلاف، نزلت بعد سورة النبأ، وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة النازعات بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وآيتها: ست أو خمس وأربعون آية، وكلماتها: مئة وثلاث وسبعون كلمةً، وحروفها: تسع مئة وثلاثة وخمسون حرفًا.
مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى أنذر الكفار في السورة السابقة بعذاب يوم القيامة، وهددهم بجهنم وساءت مصيرًا، وأن عذابهم فيها جزاء موافق لتمودهم وتكذيبهم لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وأقسم في هذه السورة على أن البعث والنشور حق لا ريب فيه، وقد أقسم سبحانه في هذه السورة بأصناف من مخلوقاته على أن ما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من حشر الناس، وعرضهم على ربهم لينال كل عامل جزاء عمله، حق لا ريب فيه، وأيضًا أن يوم ترجف الراجفة من مبادىء النبأ العظيم.
الناسخ والمنسوخ: وهذه السورة كلها محكمة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وسميت سورة النازعات؛ لذكر النازعات فيها.
والله أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
قد تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها، وقد بدأ الله سبحانه هذه السورة بالحلف بأصناف من مخلوقاته، إن ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر البعث، وعرض الخلائق على ربهم لينال كل عامل جزاء عمله، حق لا ريب فيه في يوم تعظم فيه الأهوال، وتضطرب القلوب، وتخشع الأبصار، ويعجب المبعوثون من عودتهم إلى حياتهم الأولى بعد أن كانوا عظامًا نخرة، تمر فيها الرياح، ويتحققون أن صفقتهم كانت في الدنيا خاسرة؛ إذ إنهم أنكروا في الدنيا معادهم.
قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما حكى عن كفار مكة إصرارهم على إنكار البعث، وتماديهم
في العتو والطغيان، واستهزاءهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يشق عليه، ويصعب على نفسه. . ذكر له قصص موسى مع فرعون طاغية مصر، وبين له أنه قد بلغ في الجبروت حدًا لم يبلغه قومك، فقد ادعى الألوهية، وألب قومه على موسى، وكان موسى مع هذا كله يتحمل المشاق العظام في دعوته إلى الإيمان، ليكون ذلك تسليةً لرسوله صلى الله عليه وسلم، عما يلاقيه من قومه من شديد العناد، وعظيم الإعراض، يرشد إلى ذلك قوله:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} . وفي ذلك عبرة أخرى لقومه، وهي أن فرعون مع أنه كان أقوى منهم شكيمة، وأشد شوكة، وأعظم سلطانًا، لما تمرد على موسى عليه السلام، وعصى أمر ربه .. أخذه الله نكال الآخرة والأولى، ولم يعجزه أن يهلكه ويجعله لمن خلفه آيةً، فأنتم أيها القوم مهما عظمت حالكم، وقوي سلطانكم .. لم تبلغوا مبلغ فرعون، فأخذكم أهون على الله منه. وفي هذا تهديد لهم وإنذار بأنهم إن لم يؤمنوا بالله ورسوله .. فسيصيبهم مثل ما أصاب فرعون وقومه، كما قال في آية أخرى:{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)} .
قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما قص على المشركين قصص موسى عليه السلام مع فرعون، وأومأ بهذا القصص إلى أنهم لا يعجزون الذي أخذ فرعون ونكل به، وجعله عبرة للباقين، وسلى به رسوله حتى لا يحزن لتكذيب قومه له، وعدم إيمانهم بما جاءهم به .. أخذ يخاطب منكري البعث وينبههم إلى أنه لا ينبغي لهم أن يجحدوه، فإن بعثهم هين إذا أضيف إلى خلق السموات التي تدل بحسن نظامها وجلالها على حكمة مبدعها وعظيم قدرته وواسع حكمته وإلى خلق الأرض التي دحاها، وجعلها معدة للسكنى، وهيأ فيها وسائل المعيشة للإنسان والحيوان، فأخرج منها الماء الذي به حياة كل شيء، وأنبت فيها النبات الذي به قوام الإنسان والحيوان.
قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله
(1) المراغي.
سبحانه لما بين (1) أنه قادر على نشر الأموات، كما قدر على خلق الأكوان .. بين صدق ما أوحى به إلى نبيه من أن ذلك اليوم الذي فيه يقوم الناس لرب العالمين كائن لا بد منه، فإذا جاءت طامته الكبرى التي تفوق كل طامة، حين تعرض الأعمال على العالمين، فيتذكر كل امرىء ما عمل، ويظهر الله الجحيم، وهي دار العذاب للعيان، فيراها كل ذي بصر، وفي ذلك اليوم يوزع الجزاء على العالمين؛ فأما من جاوز الحدود التي حدها الله سبحانه في شرائعه، وفضل لذائذ الدنيا على ثواب الآخرة .. فدار العذاب مستقره ومأواه، وأما من خاف مقامه بين يدي ربه في ذلك اليوم، وزجر نفسه عن هواها، فلم يجر وراء شهواتها .. فالجنة منزله ومأواه، جزاء ما قدمت يداه.
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ
…
} الآيات، مناسبتا لما قبلها: أنه لما كان المشركون يسألون الرسول عنادًا واستهزاءً عن الساعة، ويطلبون إليه أن يعجل بها، كما يرشد إلى ذلك:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} ، وربما سألوه عن تحديد وقتها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يردد في نفسه ما يقولون، ويتمنى لو أمكن أن يجيب عما يسألون، كما هو شأن الحريص على الهداية المجد في الإقناع .. نهاه الله سبحانه وتعالى عن تمني ما لا يرجى، وأبان له أنه لا حاجة لك إلى ذلك، فإن علمها عند ربك، وإنما شأنك أن تنذر من يخافا فتنبهه من غفلته، حتى يستعد لما يلقاه حينئذٍ.
أما هؤلاء المعاندون: فدعهم في غوايتهم، ولا تشغل نفسك بالجواب عما يسألون، فإذا جاء هذا اليوم .. خيل إليهم أنهم لم يلبثوا من يوم خلقوا إلى يوم البعث إلا طرفًا من نهار أوله أو آخره، ولم يلبثوا نهارًا كاملًا لمفاجأتها لهم على غير استعداد لوقوعها.
أسباب النزول
قوله تعالى: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه (2) سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال: لما نزل قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ
(1) المراغي.
(2)
لباب النقول.