الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير وأوجه القراءة
1
- {وَالسَّمَاءِ} وهي لغة: كل جرم علوي، فدخل فيه العرش والكرسي، ولكن المراد هنا: ما عداهما من السموات السبع. {ذَاتِ الْبُرُوجِ} أي: صاحبة البروج الاثني عشر، وهي الطرق التي تسير فيها الكواكب السبعة السيارة المجموعة في قول بعضهم:
زُحَلٌ شَرَى مِرِّيْخَهُ مِنْ شَمْسِهِ
…
فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الأَقْمَارُ
وتلك البروج اثنتا عشرة برجًا، وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وجمعها بعضهم في بيتين:
حَمَلَ الثَّوْرُ جَوْزَةَ السَّرَطَانِ
…
وَرَعَى اللَّيْثُ سُنْبُلَةَ الْمِيْزَانِ
وَرَمَى عَقْرَبٌ بِقَوْسٍ لِجَدْيٍ
…
نَزَحَ الدَّلْوُ بِرْكَةَ الْحِيْتَانِ
وفي برج الحمل، حيث تم العشرون منه كان مولد النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة البطين عند طلوع الغفر، والبروج: جمع برج، وهو القصر، ثم إنه شبهت بروج السماء بالقصر التي تنزل فيها الأكابر والأشراف؛ لأنها منازل السيارات، ومقر الثوابت.
والمعنى: أقسم بالسماء ذات المنزل والمحال، والطرق التي تسير فيها الكواكب السبعة السيارة. وفي "البيضاوي": يعني: البروج الاثني عشر، شبهت بالقصور؛ لأنها تنزلها السيارات، كما أن القصور ينزلها الأكابر والأشراف، سميت تلك الطرق بروجًا لظهورها؛ لأن أصل معنى البرج: الأمر الظاهر، من التبرج، ثم صار حقيقة في العرف للقصر العالي؛ لظهوره، ويقال: لما ارتفع من سور المدينة برج أيضًا، كما في "الشهاب". وقيل: المراد بالبروج: هي النجوم التي هي منازل القمر، وهي ثمانية وعشرون نجمًا، ينزل القمر كل ليلةٍ في واحد منها، لا يتخطاها ولا يتقصر عنه، وإذا صار القمر إلى آخر منازله .. دق واستقوس، ويستتر ليلتين، إن كان الشهر ثلاثين يومًا، وإن كان تسعة وعشرين، فليلة واحدة، وإطلاق البروج على هذه النجوم مبني على تشبيهها بالقصور من حيث إن القمر ينزل فيها، ولظهورها أيضًا بالنسبة إلى بعض الناس، كالعرب؛ لأن البرج ينبىء عن الظهور مع الاشتمال على المحاسن، يقال: تبرجت المرأة؛ أي: تشبهت بالبرج في إظهار
المحاسن، وأما البروج الاثنا عشر، فليس لها ظهور؛ حيث لا تدرك حسًا؛ لأنها عبارة عن مجموع هذه المنازل الثمانية والعشرين؛ لأن البروج الاثني عشر منقسمة إلى هذه المنازل الثمانية والعشرين، والشمس تسير في تمام هذه البروج الاثني عشر في كل سنة، والقمر في كل شهر، وقد تعلقت بها منافع العباد ومصالحهم، فأقسم الله تعالى بها إظهارًا لقدرها وشرفها.
تنبيه: واعلم أن البروج الاثني عشر: ستة منها في شمال خط الاستواء، وستة منها في جنوبه، فالتي في شماله ثلاثة ربيعية، وهي: الحمل والثور والجوزاء، وابتداء الحمل من الاعتدال الربيعي، ويصادف اليوم الثالث والعشرين من شهر مارس آذار، وثلاثة صيفية، وهي: السرطان والأسد والسنبلة، وابتداء السرطان من نقطة الانقلاب الصيفي، ويصادف اليوم الثالث والعشرين من شهر يونيو حزيران.
والستة التي في جنوب خط الاستواء، ثلاثة منها خريفية، وهي الميزان والعقرب والقوس، وابتداء الميزان من الاعتدال الخريفي، ويصادف اليوم الرابع والعشرين من شهر سبتمبر أيلول، وثلاثة شتائية، وهي: الجدي والدلو والحوت، وابتداء الجدي من الانقلاب الشتوي، ويصادف اليوم الثالث والعشرين من شهر كانون أول ديسمبر، فتكون السنة الشمسية ثلاث مئة وخمسة وستين يومًا وربع يوم، وهي مدة رجوع الشمس إلى النقطة التي فارقتها من تلك البروج، وكل برج ثلاثون درجةً، فمجموعها:(360) ثلاث مئة وستون درجة، كل درجة بمقدار أربع دقائق، ومجموعها: أربع وعشرون ساعة، والشمس - كما مر - تقطع هذه البروج كلها مرة في السنة كل برج في شهر، وبها تتم دورة الفلك، ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يومًا وكسور، ومن أراد الخوض في هذا الباب .. فليراجع الكتب المدونة في فن الميقات.
وقد أقسم الله سبحانه بهذه الكواكب لما فيها من عجيب الصنعة، وباهر الحكمة، ولما فيها من مصالح ومنافع للناس في هذه الحياة، تدل على أن لها صانعًا حكيمًا مدبرًا إلا أنه يحثنا على البحث عن هذه العوالم؛ لنستدل بذلك على عظيم قدرته، وجليل حكمته.