الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المطففين
سورة المطففين، وتسمى سورة التطفيف، نزلت بعد سورة العنكبوت بين مكة والمدينة في مهاجرته صلى الله عليه وسلم، فاستتمت بالمدينة، قال القرطبي: وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل، ومدنية في قول الحسن وعكرمة، وقال مقاتل أيضًا: هي أول سورة نزلت بالمدينة، وقال ابن عباس وقتادة: هي مدنية إلا ثمان آيات، من قوله:{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} إلى آخرها، وقال (1) الكلبي وجابر بن زيد: نزلت بين مكة والمدينة، وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة المطففين بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله، وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: آخر ما نزل بمكة سورة المطففين، وقيل: فيها آية مكية وهي قوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا
…
} إلخ، وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "الشعب" قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. كانوا من أخبث الناس كيلًا، فأنزل الله تعالى؛ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)} ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
وهي (2) ست وثلاثون آية ومئة وتسع وتسعون كلمةً وسبع مئة وثمانون حرفًا، وقال ابن حزم: وكلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وسميت سورة التطفيف أخذًا من المطففين.
ومناسبتها لما قبلها (3): أنه سبحانه قال فيما قبلها: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)} ، وذكر هنا ما يكتبه الحافظون بقوله:{كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)} يجعل في عليين أو في سجين، فقد فصل سبحانه في هذه السورة ما أجمله في سابقتها، فذكر فيها نوعًا من أنواع الفجور، وهو التطفيف في المكيال والميزان، ثم ذكر نوعًا آخر، وهو التكذيب بيوم
(1) الشوكاني.
(2)
المراح.
(3)
المراغي.
الدين، ثم أعقبه بذكر جزائهم على التكذيب وتوبيخهم عليه.
قال الألوسي في "تفسيره": والمناسبة بينها وبين ما قبلها: أنه سبحانه لما ذكر فيما قبل السعداء والأشقياء ويوم الجزاء وعظم شأنه .. ذكر عز وجل هنا ما أعد جل وعلا لبعض العصاة، وذكره سبحانه بأخس ما يقع من المعصية، وهو التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئًا في تثمير المال وتنميته، مع اشتمال هذه السورة على شرح حال المكذبين المذكورين هناك على زيادة التفصيل، كما لا يخفى.
وكأن هذه السورة جاءت شرحًا وتفصيلًا للسورة السابقة، وهي سورة الانفطار، وبيانًا له، فسبحان الذي جعل هذا القرآن هدى للناس، وشفاء لما في الصدور، ورحمة للعالمين، وضياء للأبصار، ونورًا للقلوب، ونظامًا للحكم، ومنهاجًا للأخلاق، ودستورًا للعالمين عصمةً لمن تمسك به، ونجاةً لمن اهتدى به.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
قد مر لك قريبًا في بيان المناسبة بين السورتين أن الله سبحانه فصل (1) في هذه السورة ما أجمله في سابقتها، فذكر فيها نوعًا من أنواع الفجور، وهو التطفيف في المكيال والميزان، ثم ذكر نوعًا آخر، وهو التكذيب بيوم الدين، ثم أعقبه بذكر جزائهم على هذا التكذيب وتوبيخهم عليه.
قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أنه لا يقيم على التطفيف إلا من ينكر ما أوعده الله به من العرض والحساب، وعذاب الكفار والعصاة .. أمرهم بالكف عما هم
(1) المراغي.
فيه، وذكر أن الفجار قد أعد لهم كتاب أحصيت فيه جميع أعمالهم ليحاسبوا بها، فويل للمكذبين بيوم الجزاء، وما يكذب به إلا كل من تجاوز حدود الدين، وانتهك حرماته، وإذا تليت عليهم آيات القران قالوا: ما هي إلا أقاصيص الأولين نقله محمد عن السابقين، وليست وحيًّا يوحى كما يدعي.
قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (1) أنهم قالوا: إن القرآن أساطيرُ الأولين، وليس وحيًّا من عند الله تعالى .. أردف ذلك ببيان أن الذي جرأهم على ذلك هي أفعالهم القبيحة التي مرنوا عليها، فعميت عليهم وجوه الآراء حتى صاروا لا يميزون بين الأسطورة والحجة الدامغة، ثم رد عليهم فرية كانوا يقولونها ويكثرون من تردادها، وهي: إن كان ما يحدث به محمد صحيحًا .. فنحن سنكون في منزلة الكرامة عند ربنا، فأبان لهم أنهم كاذبون، فإنهم سيطردون من رحمته ولا ينالون رضاه، ثم يؤمر بهم إلى النار فيدخلونها ويصلون سعيرها، ويقال لهم: هذا العذاب جزاء ما كنتم به تكذبون مما أوعدكم به الرسول.
قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال الفجار وحال المطففين، وبيَّن منزلتهم عند الله يوم القيامة .. أتبعه بذكر حال الأبرار الذين آمنوا بربهم، وصدقوا رسولهم فيما جاء به عن خالقهم، وعملوا الخير في الحياة الدنيا، فذكر أن الله قد أحصى أعمالهم في كتاب مرقوم اسمه: عليون، يشهده المقربون من الملائكة، وبعدئذٍ عدد ما ينالون من الجزاء على البر والإحسان، وفي ذلك ترغيب في الطاعة، وحفز لعزائم المحسنين ليزدادوا إحسانًا، ويدعوا الطرق المشتبهة الملتبسة، ويقيموا على الطريق المستقيم.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ
…
} إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر النعيم الذي هيأه للذين آمنوا به وبرسوله، وعملوا بما كلفهم به من أعمال البر، وأرشد إلى ما أعده للفجار جزاء ما اجترحوا من السيئات .. أخذ يبين ما كان الكفار يقابلون به
(1) المراغي.