الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعلى
سورة الأعلى، وتسمى سورة: سبح، مكية في قول الجمهور، نزلت بعد سورة التكوير، وقال الضحاك: هي مدنية، وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة سبح اسم ربك الأعلى بمكة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله، وأخرج البخاري وغيره عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرآننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جاء فيما جاء، حتى قرأت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} في سور مثلها.
وآيُها: تسع عشرة آية. وكلماتها: اثنتان وسبعون كلمة. وحروفها: مئتان وتسعون حرفًا.
ومناسبتها لما قبلها: أنه ذكر في تلك خلق الإنسان، وأشار إلى خلق النبات بقوله:{وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)} ، وذكر هنا خلق الإنسان في قوله:{خَلَقَ فَسَوَّى} ، وخلق النبات في قوله:{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)} ، وقصة النبات هنا أوضح وأكثر بسطًا، وقصة خلق الإنسان هناك أكثر تفصيلًا.
وعبارة أبي حيان: مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر فيما قبلها: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)} ، كأن قائلًا قال: من خلقه على هذا المثال؟ فقيل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وأيضًا لما قال:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)} .. قيل: هو {سَنُقْرِئُكَ} ؛ أي: ذلك القول الفصل. انتهى.
فضلها: ومما ورد في فضل هذه السورة: ما أخرجه الإِمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} ،
وإن وافق يوم جمعة قرأهما جميعًا، وفي لفظ: وربما اجتمعا في يوم واحد، فقرأهما. وفي هذا الباب أحاديث كثيرة.
ومما ورد في فضلها أيضًا: ما أخرجه أحمد والبزار وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} .
ومما ورد أيضًا: ما أخرجه مسلم وغيره عن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} .
ومنه أيضًا: ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} .
وأخرج أبو داود والترمذي - وقال: حديث حسن غريب - والنسائي وابن ماجه والحاكم - وصححه - والبيهقي عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، وفي الثانية:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، وفي الثالثة:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، والمعوذتين.
وبحديث عائشة هذا عمل الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى، وأما عند أبي حنيفة وأحمد .. فالمستحب في الثالثة الإخلاص فقط، عملًا بحديث أبي بن كعب السابق.
وفي "الصحيحين": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "هلا صليت بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} ". وسميت سورة الأعلى: لذكره فيها.
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: سورة الأعلى كلها محكم، فيها ناسخ، وليس فيها منسوخ، فالناسخ قوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)} .
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
قد تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها قريبًا، ثم إنه سبحانه وتعالى بدأ هذه السورة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزه اسمه عن كل ما لا يليق به، واسم الله ما يعرف به، والله إنما يعرف بصفاته من كونه عالمًا قادرًا حكيمًا خالقًا، فالله يأمرنا بتسبيح هذا الاسم؛ أي: تنزيهه عن أن نصفه بما لا يليق من شبه المخلوقات، أو ظهوره في واحد منها بعينه، أو اتخاذه شريكًا أو ولدًا له، فلا تتجه عقولنا إليه إلا بأنه خالق المخلوقات، وهو الذي أوجدها وسواها، وأنه هو الذي أخرج المرعى، ثم جعله جافًا حتى لفظه السيل بجانب الوادي.
قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أمر رسوله بتسبيح اسمه، وعلم أمته المأمورة بأمر الله له كيف يمكنها أن تعرف الاسم الذي تسبحه على نحو ما ذكرنا، ولا يكمل ذلك إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن، فكان هذا مدعاة إلى شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على حفظه .. وعده بأنه سيقرئه من كتابه ما فيه تنزيهه، وتبيين ما أوجب أن يعرف من صفاته، وأحكام شرائعه، كما وعده بأن ما يقرئه إياه لا ينساه.
قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك الفضل العظيم، وهو حفظ القرآن، وعدم نسيانه .. أمره بتذكير عباده بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتنبيههم من غفلاتهم،