الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البروج
سورة البروج مكية بلا خلاف، نزلت بعد سورة الشمس، وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزلت: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)} بمكة. وآياتها: اثنتان وعشرون آية. وكلماتها: مئة وتسع كلمات. وحروفها: أربع مئة وخمسة وستون حرفًا.
ومناسبتها لما قبلها من وجوه:
1 -
اشتمالها على وعد المؤمنين، ووعيد الكافرين، مع التنويه بشأن القرآن وفخامته.
2 -
أنه ذكر في السورة السابقة أنه عليم بما يجمعون للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من المكر والخداع، وإيذاء من أسلم بأنواع من الأذى، كالضرب، والقتل، والإلقاء في حمارة القيظ، وذكر هنا أن هذه شنشنة من تقدمهم من الأمم، فقد عذبوا المؤمنين بالنار، كما فعل أصحاب الأخدود، وفي هذه السورة عظة لقريش، وتثبيت من يعذَّبون من المؤمنين.
ومما ورد في فضائل هذه السورة:
ما أخرجه أحمد بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ذات البروج، والسماء والطارق.
وما أخرجه الطيالسي وابن أبي شيبة في "المصنف" وأحمد والدارمي وأبو داوود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي في "سننه" عن جابر بن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج.
وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة البروج .. أعطاه الله تعالى بعدد كل يوم جمعة وعرفة تكون في الدنيا عشر حسنات"، ولكنه لا أصل له.
وسميت سورة البروج: لذكر البروج فيها، وكلها محكمة لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
قد تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والسورة التي قبلها، فبدأ هذه السورة بأنه أقسم فيها بما هو غيب وشهود، وهو السماء ذات البروج، فإن كوكبها مشهود نورها، مرئي ضوؤها معروفة حركتها في طلوعها وغروبها، وكذلك البروج نشاهدها وفيها غيب لا تعرفه الحس، وهو حقيقة الكواكب، وما أودع الله فيها من القوى، وما فيها من عوالم لا نراها ولا ندرك حقيقتها، وأقسم بما هو غيب صرف، وهو اليوم الموعود، وما يكون فيه من حوادث البعث والحساب والعقاب والثواب، وأقسم بما هو شهادة صرفة، وهو الشاهد؛ أي: ذو الحسِّ، والمشهود: وهو ما يقع عليه الحس، فأقسم سبحانه بكل ما سلف على أن من قبلهم من المؤمنين الموحدين ابتلوا ببطش أعدائهم بهم، واشتدادهم في إيذائهم حتى خدوا لهم الأخاديد، وملؤوها بالنيران، وقذفوهم فيها، ولم تأخذهم بهم رأفة، بل كانوا يتشفون برؤية ما يحل بهم، وهم مع ذلك قد صبروا، وانتقم الله تعالى من أعدائهم، وممن أوقع بهم، وأخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر.
ولئن صبرتم أيها المؤمنون على الأذى ليوفينكم أجركم، وليأخذن أعداءكم، ولينزلن بهم ما لا قبَل لهم به، وقد حكى هذا القصص ليكون تثبيتًا لقلوب
المؤمنين، ووعدًا لعباده الصالحين، وحملًا لهم على الصبر والمجاهدة في سبيله، ووعيدًا للكافرين، وأنه سيحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم:{سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} .
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الأخدود وبيَّن ما فعلوه من الإيذاء والتنكيل بالمؤمنين، وذيل ذلك بما يدل على أنه لو شاء لمنع بعزته وجبروته أولئك الجبابرة عن هؤلاء المؤمنين، وأنه إنْ أمهل هؤلاء الفجرة عن العقاب في الدنيا .. فهو لم يهملهم، بل أجَّل عقابهم ليوم تشخص فيه الأبصار .. ذكر ما أعد للكفار من العذاب الأليم جزاء ما اجترحت أيديهم من السيئات التي منها إيذاء المؤمنين، وما أعد للمؤمين من جميل الثواب، وعظيم الجزاء.
قوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ووصف ما أعد لهم من الثواب كفاء أعمالهم .. أردف ذلك كله بما يدل على تمام تدرته على ذلك؛ ليكون ذلك بمثابة توكيد لما سبق من الوعيد والوعد، فالملك لا يعظم سلطانه وهيبته في النفوس إلا بأمرين:
1 -
الجود الشامل، والإنعام الكامل، وبذا يرجى خيره.
2 -
الجيوش الجرارة، والأساطيل العظيمة التي توقع بأعدائه، وتنكل بهم، وبذلك يهاب جنابه، وإليهما أشار بقوله فيما سلف:{الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} ، وهنا زاد الأمر إيضاحًا، بقوله:{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)} الآية.
قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
…
} إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قصص أصحاب الأخدود وبين حالهم، ووصف ما كان من إيذائهم للمؤمنين .. أردف ذلك ببيان أن حال الكفار في كل عصر، وشأنهم مع كل نبي وشيعته جارٍ على هذا النهج، فهم دائمًا يؤذون المؤمنين ويعادونهم، ولم يرسل الله نبيًا إلا لقي من قومه مثل ما لقي هؤلاء من أقوامهم، والغرض من هذا كله تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وشد عزائمهم على التذرع بالصبر، وأن كفار قومه سيصيبهم مثل ما أصاب الجنود فرعون وثمود.