المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الفجر سورة الفجر مكية بلا خلاف (1)، نزلت بعد سورة - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النبأ

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌ 10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌(27)}

- ‌ 28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌سورة النازعات

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8)}

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌(15)}

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌(21)}

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌سورة عبس

- ‌1

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌ 29

- ‌ 30

- ‌ 31

- ‌32

- ‌33

- ‌(37)}

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌سورة التكوير

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌ 20

- ‌ 21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌سورة الانفطار

- ‌1

- ‌(2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة المطففين

- ‌(1)}

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌سورة الانشقاق

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌ 10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌سورة البروج

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌(5)}

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌ 15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌سورة الطارق

- ‌1

- ‌2

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌سورة الأعلى

- ‌1

- ‌2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌5

- ‌6

- ‌7)}

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة الغاشية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌ 15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌سورة الفجر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌ 22

- ‌ 23

- ‌24

- ‌25

- ‌(26)}

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

الفصل: ‌ ‌سورة الفجر سورة الفجر مكية بلا خلاف (1)، نزلت بعد سورة

‌سورة الفجر

سورة الفجر مكية بلا خلاف (1)، نزلت بعد سورة الليل، وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس قال: نزلت {وَالْفَجْرِ (1)} بمكة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير وعائشة مثله.

وآياتها (2): ثلاثون، أو تسع وعشرون آية. وكلماتها: مئة وتسع وثلاثون كلمة. وحروفها: خمس مئة وسبعة وتسعون حرفًا.

ومناسبتها لما قبلها من وجوهٍ (3):

1 -

أنه ذكر في تلك الوجوه الخاشعة، والوجوه الناعمة، وذكر في هذه طوائف من المكذبين المتجبرين الذين وجوههم خاشعة، وطوائف من الذين وجوههم ناعمة.

2 -

أن القسم في أول هذه السورة، كالدليل على صحة ما تضمنته خاتمة السورة السابقة من الوعد والوعيد.

قال الجلال السيوطي - رحمه الله تعالى -: لم يظهر لي في وجه ارتباطها سوى أن أولها كالإقسام على صحة ما ختم به السورة التي قبلها، أو على ما تضمنته من الوعد والوعيد، هذا مع أن جملة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} مشابهة لجملة:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ} . وسورة الفجر نزلت بعد سورة الليل، والفجر يعقب الليل، ويأتي بعده.

وعبارة أبي حيان: المناسبة بين السورتين: أن الله سبحانه لما ذكر فيما (4) قبلها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} .. أتبعها بذكر الطوائف المتكبرين المكذبين المتجبرين الذين وجوههم خاشعة، وأشار إلى الصنف

(1) الشوكاني.

(2)

الخازن.

(3)

المراغي.

(4)

البحر المحيط.

ص: 398

الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} . وأيضًا لما قال: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)} قال هنا: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)}

تهديدًا لمن كفر وتولى.

قال الشيخ موسى جار الله - رحمه الله تعالى - في كتابه: "نظم الدرر في ترتيب السور وتناسبها": وسورة الفجر فيها تاريخ التمدن بترتيب عجيب، يظهر منه أن تمدن جنوب جزيرة العرب أقدم من تمدن الفراعنة، وظاهر قوله تعالى:{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)} أن تمدن عاد كان أرقى من كل تمدن كان قبله أو في زمنه، فإن كان أوتاد فرعون في هذه السورة هي أهرام الفراعنة، وهي قبورهم، فلعل {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)} هي شيء أعجب صنعًا، وأنفع للناس، وإن لم تكن أرسى من الأهرام، وأصبر منها على عوادي الطبيعة، وجاءت السورة بعد سورة الغاشية ليرى الترتيب أن غاشية من الغواشي غشيت التي لم يخلق مثلها في البلاد، فهل ترى لها من باقية؟ انتهى.

ومن فضائلها: ما أخرجه النسائي عن جابر قال: صلى معاذ صلاة، فجاء رجل، فصلى معه فطول، فصلى في ناحية المسجد، ثم انصرف، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: منافق، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، جئت أصلي، فطول علي، فانصرفت، فصليت في ناحية المسجد فعلفت ناضحي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفتان أنت يا معاذ؟، أين أنت من {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)} ، و {الْفَجْرِ} و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)} .

ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له، ومن قرأها في سائر الأيام، كانت له نورًا يوم القيامة"، ولكن فيه مقال.

الناسخ والمنسوخ فيها: وقال محمد بن حزم رحمه الله تعالى: سورة الفجر كلها محكمة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وسميت سورة الفجر لذكر الفجر فيها.

واشتملت هذه السورة على مقصدين:

أولهما: في إهلاك عاد وثمود وقوم فرعون، وذلك من أول السورة إلى قوله:

(1) البيضاوي.

ص: 399

{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} .

والثاني: بيان أن كثرة النعم على العبد ليست دالة على إكرام الله له، وأن كثرة البلاء ليست دالة على إهانته، بل الإكرام في التوفيق للعمل الصالح، والإهانة في الخذلان بالكفر والمعاصي، وهو من قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)

} إلى آخر السورة.

والله أعلم بمراده

* * *

ص: 400

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} .

المناسبة

تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها، وأما قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} الآيات، فالمناسبة بينها وبين ما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أقسم أنه سيعذب الكافرين جزاء كفرهم وإصرارهم على مخالفة أوامره .. شرع (1) يذكر بعض قصص الأمم الماضية ممن عاندوا الله ورسوله، ولجوا في طغيانهم، فأوقع بهم شديد العذاب، وأخذهم أخذ العزيز المقتدر الجبار؛ ليكون في ذلك زجر لهؤلاء المكذبين، وتثبيت للمؤمنين الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وناصروه، وتطمين لقلوبهم بأن أعداءهم سيلقون ما يستحقون من الجزاء.

قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} الآيتين، مناسبتهما لما قبلهما: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (2) أنه لا يفوته من شأن عباده شيء، وأنه يأخذ كل مذنب بذنبه .. أردف ذلك بذكر شأن من شؤون الإنسان، وبين أنه لا يهتم

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 401

إلا بأمور الدنيا وشهواتها، فإذا أنعم الله عليه وأوسع له في الرزق .. ظن أنه قد اصطفاه ورفعه على من سواه، وجنبه منازل العقوبة، فيذهب مع هواه ويفعل ما يشتهي، ولا يبالي أكان ما يصنع خيرًا أو شرًا، فيطغى ويفسد في الأرض، وإذا ضيق عليه الرزق وقد يكون ذلك لتمحيص قلبه بالإخلاص، أو لتظهر قوة صبره، فإن الفقر لا يزيد ذوي العزائم إلا شكرًا يقول: ربي قد أهانني، ومن أهانه الله وصغرت قيمته لديه .. لم يكن له عناية بعمله، فكيف يؤاخذه بما يصدر منه من شر، أو يكافئه على ما يصنع من خير، فلا شكره يكافأ بإحسان، ولا كفره يجازى بعقوبة، فينطلق بكسب عيشه بأي وسيلة عنت له، ولا تحجزه شريعة، ولا يقف أمامه قانون، ويسلك سبيل الجبان، ويبخس الحقوق، ويفسد نظم المجتمع، ولا تزال أحوال الناس هكذا، كما وصف الله تعالى، فأرباب السلطان يظنون أنهم في أمن من عقاب ربهم، ولا يذكرونه إلا بألسنتهم، ولا يعرف له سلطان على قلوبهم، والفقراء الأذلاء صغرت نفوسهم عند أنفسهم، لا يبالون ماذا يفعلون.

قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين خطأ (1) الإنسان فيما يعتقد إذا بسط له الرزق أو قتر عليه .. أردف ذلك بزجرهم عما يرتكبون من المنكرات، وأبان لهم أنه لو كان غنيهم لم يعمه الطغيان، وفقيرهم لم يطمس بصيرته الهوان، وكانوا على الحال التي يرتقي إليها الإنسان، لشعرت نفوسهم بما عسى يقع فيه اليتيم من بؤس، فعنوا بإكرامه، فإن الذي يفقد أباه معرض لفساد طبيعته إذا أهملت تربيته، ولم يهتم بما فيه العناية به ورفع منزلته، ولو كانوا على ما تحدثهم به أنفسهم من الصلاح .. لوجدوا الشفقة تحرك قلوبهم إلى التعاون على طعام المسكين الذي لا يجد ما يقتات به مع العجز عن تحصيله، إلى أنهم يأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منهم، ويشتدون في أكله حتى يحرموا صاحب الحق حقه، ويزداد حبهم للمال إلى غير غاية.

وصفوة القول: أن شرههم في المال، وقومهم إلى اللذات، وانصرامهم إلى التمتع بها، ثم قسوة قلوبهم إلى أن لا يألموا إلى ما تجر إليه الاستهانة بشؤون

(1) المراغي.

ص: 402

اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم، وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم، فينتشر الداء في جسم الأمة دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينًا يعظهم زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم، وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.

قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنكر عليهم أقوالهم، وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا، واستفراغ الجهد في تحصيلها؛ وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام .. أردفه (1) ببيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون، مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء، وامتلائها بحب المال، والميل إلى الشهوات، زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول، ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء، لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرين، إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم:{لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ، ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجل عن التشبيه والتمثيل.

قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

} إلخ، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال الإنسان الذي خلي وطبعه فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة .. أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع، وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامح الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرًا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرًا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه، راضيًا بعمله في الدنيا، مرضيًا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.

(1) المراغي.

ص: 403