الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مِنَ الْكُفَّارِ} : متعلق بـ {يَضْحَكُونَ} أيضًا، وحرام على الوهم أن يتوهم كونه بيانًا للموصول نظرًا إلى ظاهر الاتصال من غير تفكر في المعنى، وجملة {يَضْحَكُونَ} خبر المبتدأ، وهو ناصب {اليوم} ، كما قلنا آنفًا؛ لصحة المعنى حينئذٍ.
35
- وقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ} والأسرة متعلق بـ {يَنْظُرُونَ} أو حال من فاعله، وجملة {يَنْظُرُونَ} حال من فاعل {يَضْحَكُونَ}؛ أي: يضحكون منهم حال كونهم ناظرين إليهم، وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع، والعذاب الأليم حال كونهم مستقرين على الأرائك في منازلهم من الجنة.
والحاصل (1): أن المؤمنين في يوم الدين يضحكون من الكفار ضحك من وصل به يقينه إلى مشاهدة الحق فسر به، وينكشف لهم ما كانوا يرجون من إكرام الله لهم، وخذلان أعدائهم، فضحكوا من أولئك المغرورين الجحدة الذين تجلت لهم عاقبة أعمالهم، وظهر لهم عاقبة سفه عقولهم، وفساد أقوالهم حال كونهم ينظرون على الأرائك إلى ما صنع الله بأعدائهم، وتنكيله بمن كانوا يفخرون عليهم، ويهزؤون بهم.
قال الواحدي: قال المفسرون: إن أهل (2) الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله، وهم يعذبون في النار، فضحكوا منهم، كما ضحكوا منهم في الدنيا. وقال أبو صالح: يقال لأهل النار: اخرجوا، ويفتح لهم أبوابها، فإذا رأوها قد فتحت .. أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها .. غلقت دونهم، فذلك قوله:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)} .
36
- وقوله: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} كلام (3) مستأنف من قبل الله، أو من قبل الملائكة، والاستفهام للتقرير، وجوابه: قد جوزوا أوفر الجزاء وأتمه وأكمله. وثوب بمعنى: يثوب، عبر عنه بالماضي لتحققه، والتثويب والإثابة: المجازاة، استعمل في المكافأة بالشر. قال الراغب: الإثابة تستعمل في المحبوب نحو: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ} ، وقد قيل ذلك في المكروه، نحو: {فَأَثَابَكُمْ
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
(3)
روح البيان.
غَمًّا بِغَمٍّ} على الاستعارة والتثويب في القرآن لم يجيء إلا في المكروه نحو: {هَلْ ثُوِّبَ
…
} إلخ. انتهى. وفي "القاموس":التثويب: التعويض. انتهى. والمراد بـ {مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} : استهزاؤهم بالمؤمنين، وضحكهم منهم، وهو صريح في أن ضحك المؤمنين منهم في الآخرة إنما هي جزاء لضحك الكافرين منهم في الدنيا.
والمعنى: يقول الله سبحانه، أو تقول الملائكة: هل ثوب؛ أي: قد ثوب الكفار، وجوزوا على ما كانوا يفعلون بالمؤمنين من استهزائهم، والضحك منهم، وهذا على سبيل التهكم، كأنه تعالى يقول للمؤمنين: هل جازينا للكفار على عملهم الذي كان من جملته ضحكهم بكم، واستهزاؤهم بشريعتكم، كما جازيناكم على أعمالكم الصالحة، فيكون هذا زائدًا على سرورهم، كذا في "المراح"، وعبارة القرطبي هنا: ومعنى {ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} ؛ أي: هل جوزوا على سخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك، فالجواب: نعم.
وفيه تسلية للمؤمنين (1) بأنه ينقلب الحال، ويكون الكفار مضحوكًا منهم، وتعظيم لهم، فإن إهانة الأعداء تعظيم للأولياء، والله ينتقم لأوليائه من أعدائهم، فإنه يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الجريء لجروه. وعلم منه أن الضحك والاستهزاء والسخرية والغمز من الكبائر، فالخائض فيها من المجرمين الملحقين بالمشركين، نسأل الله سبحانه السلامة من غضبه وسخطه، وقيل: الجملة في محل نصب بـ {يَنْظُرُونَ} معلقًا عنها بالاستفهام بعد إسقاط حرف الجر الذي هو: إلى.
والمعنى: أنهم ينظرون ليتحققوا هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون بهم في الدنيا، وقيل: منصوبه بقول وقع حالًا من فاعل {يَنْظُرُونَ} ؛ أي: على الأرائك ينظرون حال كونهم قائلين: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} ؛ أي: يقول المؤمنون ذلك بعضهم لبعض، والله أعلم.
وقرأ الجمهور (2): {هَلْ ثُوِّبَ} بإظهار لام {هَلْ} ، وقرأ النحويان: أبو عمر والكسائي حمزة وابن محيصن بإدغامها في الثاء المثلثة، وفي قوله:{مَا كَانُوا} ..
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.
حذف، تقديره: جزاء أو عقاب ما كانوا يفعلون، وإنما سمي الجزاء على العمل ثوابًا؛ لأنه يرجع إلى صاحبه نظير ما عمله من خير أو شر.
الإعراب
{وَيْلٌ} : مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء {لِلْمُطَفِّفِينَ} خبره، والجملة مستأنفة {الَّذِينَ}: في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {اكْتَالُوا} فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة {عَلَى النَّاسِ}: متعلق بـ {اكْتَالُوا} ، و {عَلَى}: بمعنى: من؛ أي: إذا قبضوا من الناس لأنفسهم، وجملة {يَسْتَوْفُونَ} جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} الشرطية صلة الموصول {وَإِذَا كَالُوهُمْ} {الواو}: عاطفة {إِذَا} : ظرف مضمن معنى الشرط، {كالوا}: فعل وفاعل، و {هم} ضمير متصل منصوب بنزع الخافض، والأصل: كالوا لهم، أو وزنوا لهم، وحذف الجار، وأوصل الفعل، فصار كالوهم، ومفعول {كالوا} محذوف تقديره: كالوا لهم الطعام، أو وزنوا لهم النقود، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها {أَوْ وَزَنُوهُمْ}: معطوف على {كَالُوهُمْ} مماثل له في إعرابه، وجملة {يُخْسِرُونَ} جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} معطوفة على جملة {إذا} الأولى. {إذا} الأولى {أَلَا يَظُنُّ} الهمزة للاستفهام الإنكاري، و {لا}: نافية {يَظُنُّ} : فعل مضارع، وظن هنا بمعنى اليقين {أُولَئِكَ}: فاعل، والإشارة لـ {المطففين}؛ أي: لا يوقن أولئك ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والميزان {أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} : ناصب واسمه وخبره، وجملة {أن} في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {ظن} {لِيَوْمٍ}: متعلق بـ {مَبْعُوثُونَ} ، واللام في بمعنى في الظرفية، {عَظِيمٍ}: صفة {يومٍ} ، و {يَوْمَ} ، بدل من {لِيَوْمٍ} بدل كل من كل، تابع له على المحل، ومحله النصب بـ {مَبْعُوثُونَ} ، أو بمقدر مثله؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، وبني على الفتح لإضافته إلى الفعل، {يَقُومُ النَّاسُ}: فعل
وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: متعلق بـ {يَقُومُ} ، ولكنه على حذف مضاف، أي: لمحاسبة رب العالمين.
{كَلَّا} : حرف ردع وزجر. {إِنَّ كِتَابَ} : ناصب واسمه {الْفُجَّارِ} : مضاف إليه {لَفِي} : اللام حرف ابتداء {في سجين} : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر {إِنَّ} والجملة مستأنفة. {وما} : {الواو} اعتراضية. {مَا} : اسم استفهام للإنكار في محل الرفع مبتدأ، وجملة {أَدْرَاكَ}: خبره، والجملة الاسمية جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين الخبرين لـ {إنَّ} كما مر عن القفال، {أدرى} فعل ماضٍ، وفاعله ضمير يعود على:{مَا} الاستفهامية، والكاف في محل النصب مفعول أول {لأدرى} ، {مَا}: اسم استفهام للتفخيم والتعظيم في محل الرفع مبتدأ: {سِجِّينٌ} : خبره، والجملة الاسمية في محل النصب سادة مسد المفعول الثاني لـ {أَدْرَاكَ} ، {كِتَابٌ}: خبر ثانٍ لـ {إنَّ} في قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّار} ، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي: هو كتاب مرقوم، و {مَرْقُومٌ}: صفة {كِتَابٌ} {وَيْلٌ} : مبتدأ كما تقدم، {يَوْمَئِذٍ}: ظرف أضيف إلى مثله متعلق بـ {وَيْلٌ} ؛ لأنه مصدر بمعنى: هلاك {لِلْمُكَذِّبِينَ} : خبر {وَيْلٌ} ، والجملة مستأنفة {الَّذِينَ}: صفة لـ {المكذبين} ، وجملة {يُكَذِّبُونَ} صلة {الَّذِينَ} لا محل لها من الإعراب {بِيَوْمِ الدِّينِ}: متعلق بـ {يُكَذِّبُونَ} ، {وَمَا} {الواو}: حالية {مَا} : نافية {يُكَذِّبُ} : فعل مضارع {بِهِ} : متعلق بـ {يُكَذِّبُ} ، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ {كُلُّ مُعْتَدٍ} : فاعل {يُكَذِّبُ} ، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {يَوْمِ الدِّينِ} ، {كُلُّ}: مضاف {مُعْتَدٍ} : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص أعل كقاض {أَثِيمٍ} : صفة {مُعْتَدٍ} ، وسبق لك بيان الفرق بين الاعتداء والإثم {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط {تُتْلَى} : فعل مضارع مغير الصيغة {عَلَيْهِ} : متعلق بـ {تُتْلَى} ، {آيَاتُنَا}: نائب فاعل لـ {تُتْلَى} ، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها {قَالَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على
{كُلُّ مُعْتَدٍ} ، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} في محل الجر صفة ثانية لـ {مُعْتَدٍ} ، {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي أساطير الأولين، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ} .
{كَلَّا} : حرف ردع وزجر للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل {بَل} : حرف عطف وإضراب على محذوف تقديره: ليس الأمر كما يقولون {رَانَ} : فعل ماضٍ مبني على الفتح {عَلَى قُلُوبِهِمْ} : متعلق بـ {رَانَ} ، {مَا}: اسم موصول في محل الرفع فاعل بـ {رَانَ} ، والجملة معطوفة على تلك المقدرة، {كَانُوا} فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْسِبُونَ} خبره، وجملة {كان} صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما كانوا يكسبون، {كَلَّا}: حرف ردع وزجر عن الكسب الرائن، {إِنَّهُمْ}: ناصب واسمه {عَنْ رَبِّهِمْ} : متعلق بـ {محجوبون} . {يَوْمَئِذٍ} : ظرف أضيف إلى مثله متعلق بـ {محجوبون} أيضًا، والتنوين - فيه عوض عن الجملة المحذوفة تقديرها: يوم إذ يقوم الناس، {لَمَحْجُوبُونَ} خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب لتراخي رتبة ما بعدها عما قبلها {إِنَّهُمْ} : ناصب واسمه {لَصَالوُا} : {اللام} : حرف ابتداء {صالوا} : خبر {إن} مرفوع بالواو المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين؛ لأنه جمع مذكر سالم، {الْجَحِيمِ}: مضاف إليه، وجملة {إن} معطوفة على جملة {إن} الأولى {ثُمَّ}: حرف عطف للترتيب والتراخي أيضًا {يُقَالُ} : فعل مضارع مغير الصيغة {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} نائب فاعل محكي لـ {يُقَالُ} ، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {إن} ، وإن شئت قلت:{هَذَا} : مبتدأ {الَّذِي} : خبره، والجملة الاسمية في محل الرفع نائب فاعل لـ {يُقَالُ} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه. {بِهِ} : متعلق بـ {تُكَذِّبُونَ} ، وجملة {تُكَذِّبُونَ} خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول لا محل لها من الإعراب {كَلَّا}: حرف ردع وزجر، أو بمعنى: حقًا {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} : ناصب واسمه، ومضاف إليه {لَفِي}:{اللام} : حرف ابتداء {في
عليين}: جار ومجرور خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة، و {عِلِّيِّينَ}: مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، {وَمَا}:{الواو} : اعتراضية {مَا} اسم استفهام للإنكار في محل الرفع مبتدأ، وجملة {أَدْرَاكَ} خبره، والجملة الاسمية جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين خبري {إنَّ} ، {مَا}: اسم استفهام للتفخيم في محل الرفع مبتدأ، {عِلِّيُّونَ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب سادة مسد المفعول الثاني لـ {أَدْرَاكَ} ، {كِتَابٌ}: خبر ثانٍ لـ {إنَّ} في قوله: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} ، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو كتاب مرقوم، و {مَرْقُومٌ}: صفة لـ {كِتَابٌ} ، {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)}: فعل مضارع ومفعول به وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة ثانية لـ {كِتَابٌ} ، {إِنَّ الْأَبْرَارَ}: ناصب واسمه. {لَفِي نَعِيمٍ} : خبره، و {اللام}: حرف ابتداء، وجملة {إنَّ} مستأنفة {عَلَى الْأَرَائِكِ}: متعلق بـ {يَنْظُرُونَ} ، وجملة {يَنْظُرُونَ} في محل النصب حال من الضمير المستكن في خبر {إنَّ} ، أو مستأنفة {تَعْرِفُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر يعود على أي مخاطب {فِي وُجُوهِهِمْ} متعلق بـ {تَعْرِفُ}. {نَضْرَةَ النَّعِيمِ}: مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لإيذان المخاطب بالالتفات إليهم والتأمل في آثار النعيم.
{يُسْقَوْنَ} : فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع بالنون، والواو نائب فاعل له {مِنْ رَحِيقٍ}: متعلق بـ {يُسْقَوْنَ} {مَخْتُومٍ} : صفة {رَحِيقٍ} ؛ أي: من خمر خالصة من كل غشٍ أو شائبة، والجملة الفعلية مستأنفة، {خِتَامُهُ مِسْكٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ {رَحِيقٍ} ، {وَفِي}:{الواو} : عاطفة {في ذَلِكَ} : متعلق بقوله: {فَلْيَتَنَافَسِ} ، و {الفاء} عاطفة أيضًا لزيادة الاهتمام، و {اللام} لام الأمر، {يتنافس}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر {الْمُتَنَافِسُونَ} : فاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله:{يُسْقَوْنَ} ، وقيل: الواو عاطفة لقول
محذوف تقديره: ويقولون: فليتنافس في ذلك المتنافسون، والفاء زائدة لتحسين الخط، كفاء قولهم: فقط، وقيل: الواو زائدة، والفاء عاطفة، وقيل: الواو اعتراضية، والفاء زائدة، وفي "الجمل" واستشكل في هذا العاطف، إذ لا يصح أن يقال: وفليتنافس، فقيل: إنه بتقدير القول؛ أي: ويقولون لشدة التلذذ في ذلك: فليتنافس. {وَمِزَاجُهُ} : {الواو} : عاطفة {مزاجه} : مبتدأ {مِنْ تَسْنِيمٍ} : خبره، والجملة الاسمية في محل الجر معطوفة على جملة {خِتَامُهُ مِسْكٌ} {عَيْنًا}: منصوب على المدح بفعل محذوف تقديره: أمدح عينًا، أو أعني بالتسنيم عينًا، أو على الحال من {تَسْنِيمٍ} ، كما قاله الزجاج، وجملة {يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} صفة لـ {عَيْنًا} ، و {بِهَا}: متعلق بـ {يَشْرَبُ} ، {إِنَّ الَّذِينَ}: ناصب واسمه، وجملة {أَجْرَمُوا} صلة الموصول {كَانُوا}: فعل ناقص، واسمه {مِنَ الَّذِينَ} متعلق بـ {يَضْحَكُونَ} ، وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول، وجملة {يَضْحَكُونَ} خبر {كَانُوا} ، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إنَّ} ، وجملة {إنَّ} مستأنفة، {وَإِذَا} {الواو}: عاطفة {إذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط، {مَرُّوا}: فعل وفاعل {بِهِمْ} : متعلق بـ {مَرُّوا} ، وجملة {مَرُّوا بِهِمْ} في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي، وجملة {يَتَغَامَزُونَ} جواب {إذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذَا} الشرطية في محل الرفع معطوفة على جملة {كَانُوا} على كونها خبر {إِنَّ الَّذِينَ} ، {وإذا}:{الواو} عاطفة {إِذَا} : شرطية، وجملة {انْقَلَبُوا} في محل الخفض بإضافة {إذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، {إِلَى أَهْلِهِمُ} متعلق بـ {انْقَلَبُوا} ، وجملة {انْقَلَبُوا} ، جواب {إذَا} لا محل لها من الإعراب، {فَكِهِينَ}: حال من فاعل {انْقَلَبُوا} ، وجملة {إذَا} الشرطية في محل الرفع معطوفة على جملة {إذَا} الأولى، {وإذا}:{إذَا} : ظرف مضمن معنى الشرط، وجملة {رَأَوْهُمْ} في محل الخفض فعل شرط لـ {إذَا} ، وجملة {قَالُوا} جوابها لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذَا} معطوفة على جملة {إذا} الأولى، {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ}: ناصب واسمه وخبره، و {اللام}: حرف ابتداء، وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قَالُوا} {وَمَا}:{الواو} : حالية، {مَا}: نافية {أُرْسِلُوا} فعل ماض، ونائب فاعل، والجملة في محل النصب حال من الواو في {قَالُوا}:{عَلَيْهِمْ} : متعلق
بـ {حَافِظِينَ} ، و {حَافِظِينَ} حال من الواو في {أُرْسِلُوا} {فَالْيَوْمَ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره؛ إذا عرفتم ما ذكر، وبيان حال المؤمنين مع الكفار، في ذلك اليوم.، فأقول لكم:{اليوم} : منصوب على الظرفية، متعلق بـ {يَضْحَكُونَ} {الَّذِينَ}: مبتدأ، وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول {مِنَ الْكُفَّارِ}: متعلق بـ {يَضْحَكُونَ} ، وجملة {يَضْحَكُونَ} خبر {الَّذِينَ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب {إذا} المقدرة، وجملة {إذا} المقدرة مستأنفة {عَلَى الْأَرَائِكِ}: متعلق بـ {يَنْظُرُونَ} ، وجملة {يَنْظُرُونَ} في محل النصب حال من فاعل {يَضْحَكُونَ}؛ أي: يضحكون حال كونهم ناظرين إليهم، وإلى ما هم فيه من الخزي والهوان، {هَلْ}: حرف استفهام للاستفهام التقريري {ثُوِّبَ} : فعل ماض مغير الصيغة {الْكُفَّارُ} : نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لقول محذوف وقع حالًا من فاعل {يَنْظُرُونَ}؛ أي: ينظرون إليهم حال كونهم قائلين: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} إلخ، أو جملة {ثُوِّبَ} مستأنفة {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول ثانٍ لـ {ثُوِّبَ} ، وجملة {كَانُوا} صلة لـ {مَا} الموصولة، وجملة {يَفْعَلُونَ} في محل النصب خبر {كان} . والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{وَيْلٌ} ؛ أي: هلاك عظيم وعذاب شديد، قال ابن كيسان: هي كلمة مكروب وقع في البلية، وأصله: وي لفلان، أي: الحزن له، فقرن بلام الإضافة، فقيل: وبل تخفيفًا.
{لِلْمُطَفِّفِينَ} جمع مطفف، وهو المنقص في الكيل أو الوزن، سمي بذلك لأن ما ينقص فيهما شيء طفيف أي: حقير، يقال: طفف الكيل: إذا نقصه قليلًا، وقال الزجاج: وإنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان، إلا الشيء الطفيف؛ أي: اليسير الحقير التافه.
{الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا} قال الفراء: يقال: اكتلت على الناس: استوفيت منهم، واكتلت منهم: أخذت ما عليهم فـ {عَلَى} بمعنى من، وأصله: اكتيلوا بوزن افتعلوا، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{يَسْتَوْفُونَ} ؛ أي: يأخذون حقوقهم وافية كاملة، وأصله: يستوفيون، استثقلت
الضمة على الياء، فحذفت للتخفيف، ثم لما التقى ساكنان .. حذفت الياء، وضمت الفاء لمناسبة الواو.
{وَإِذَا كَالُوهُمْ} ؛ أي: كالوا للناس حقوقهم، أو وزنوا لهم حقوقهم، وفيه إعلال بالقلب أيضًا، أصله: كيلوهم، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح:{يُخْسِرُونَ} : أي: ينقصون الكيل والميزان، مع أن وضع الكيل والوزن، إنما هو للتسوية والتعديل، يقال: خسر الميزان وأخسره بمعنى، وهو يتعدَّى بالهمزة، ويقال: خسر الرجل وأخسره. اهـ "خطيب".
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} ؛ أي: للعرض على خالقهم، ويطول بهم الموقف إجلالًا لعظمة ربهم.
{أَلَا يَظُنُّ} أصله: يظنن بنونين، أدغمت الأولى منهما في الثانية.
{لَفِي سِجِّينٍ} والسجين: علم لكتاب جامع لأعمال الشياطين، وأعمال الكفرة والفسقة من الثقلين، منقول من وصف، كحاتم، وهو منصرف؛ لأنه ليس فيه إلا سبب واحد، وهو التعريف، واختلف في نونه، هل هي أصلية: فيكون فعيلًا من السجن، أو بدل من لام: فيكون أصله: سجيلًا من السجل، وأورد صاحب "القاموس" في مادة: سجن ما نصه: سجين، كسكين: الدائم الشديد، وموضع فيه كتاب الفجار، وواد في جهنم أعاذنا الله تعالى منها، أو حجر في الأرض السابعة. انتهى.
{كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)} ؛ أي: مكتوب مسطور، قال الراغب: الرقم: الكتابة والخط الغليظ، ومنه قول الشاعر:
سَأَرْقُمُ فِيْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ إِلَيْكُمُ
…
عَلَى بُعْدِكُمْ إِنْ كَانَ لِلْمَاءِ رَاقِمُ
{إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ} ؛ أي: متجاوز عن منهج الحق، أصله: معتديٌ، استثقلت الكسرة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان، وهما الياء والتنوين، ثم حذفت الياء لبقاء دالها، وهو كسرة الدال، فصار معتد بوزن: مفتع.
{أَثِيمٍ} ؛ أي: كثير الذنوب والآثام.
{كَلَّا بَلْ رَانَ} ؛ أي: غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء، وفي
"المختار": الرين: الطبع والدنس، ويقال: ران ذنبه على قلبه - من باب باع رينًا وريونًا أيضًا -: إذا غلب، وقال أبو عبيدة: كل ما غلبك فقد ران بك، ورانك وران عليك، ورين الرجل: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به، أي: لا طاقة له به، وعبارة الزمخشري: وران على قلوبهم: ركبها كما يركب الصدأ، وغلب عليها، وهو أن يصر على الكبائر، ويسوف التوبة حتى يطبع على قلبه، فلا يقبل الخير ولا يميل إليه، وعن الحسن: الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب.
قلت: وران يائية وواوية، وهي هنا يائية، أصله: رين كبيع، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وأما الواوية فيقال فيها: ران يرون رونًا - من باب دخل - يقال: ران الأمر: اشتد، ورانت الليلة: اشتد هولها أو غمها، والرون - بضم الراء المشددة -: الشدة، والجمع رؤون، ورونة الشيء - بالضم -: معظمه وشدته، يقال: كشف الله عنك رونة هذا الأمر؛ أي: شدته وغمته.
{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)} ؛ أي: لداخلوا النار وملازموها، أصله: لصاليون، فلما أضيف الوصف .. حذفت منه نون الجمع، فصار لصاليوا، فاستثقلت الضمة على الياء، فحذفت فسكنت، فالتقت ساكنة مع واو الجمع، فحذفت الياء، وضمت اللام لمناسبة الواو، وقد تقدم هذا في سورة: ص.
{ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)} أصل يقال: يقول بوزن: يفعل، نقلت حركة الواو إلى القاف، ثم قلبت ألفًا لتحركها في الأصل، وفتح ما قبلها الآن.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)} قال الزمخشري: وعليون: علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع عليّ فعيل من العلو، كسجين من السجن، سمي بذلك؛ إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة. وعبارة أبي حيان: عليون: جمع واحده: عِلىٌّ مشتق من العلو، وهو المبالغة، قاله يونس وابن جني. قال أبو الفتح: وسبيله أن يقال: علية، كما قالوا للغرفة: علية، فلما حذفت التاء عوضوا عنها الجمع بالواو والنون، وقيل: هو وصف للملائكة، فلذلك جمع بالواو والنون. وقال الفراء: هو اسم موضوع على صيغة الجمع ولا واحد له من لفظه، كقولهم: عشرين وثلاثين، والعرب إذا جمعت جمعًا، ولم يكن له بناء من واحده،
ولا تثنية قالوا في المذكر والمؤنث بالواو والنون. وقيل غير ذلك.
قلت: عليون: اسم لمكان عالٍ كما أن سجينًا: اسم لمكان في نهاية السفل، فهما مكانان أودع فيهما أعمال الناجين، وأعمال الخاسرين، وليس علينا أن نعرف ما هما، أمن أوراق وأخشاب أو معادن أخرى.
{عَلَى الْأَرَائِكِ} هي الأسرة في الحجال، والحجال: واحدها حجلة، وهي مثل القبة، وحجلة العروس: بيت؛ أي: خيمة تزين بالثياب والأسرَّة والستور.
و {نَضْرَةَ النَّعِيمِ} بهجته ورونقه {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} ؛ أي: من شراب خالص لا غش فيه، وأصل يسقون: يسقيون بوزن يفعلون، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين {مَخْتُومٍ}؛ أي: ختمت أوانيه وسدت.
{خِتَامُهُ مِسْكٌ} ؛ أي: ما يختم به رأس قارورته هو المسك بدل الطين.
{فَلْيَتَنَافَسِ} وأصل التنافس: التشاجر على الشيء والتنازع فيه، بأن يحب كل واحد أن ينفرد دون صاحبه، وفي "المختار": ونفس الشيء من باب ظرف: صار مرغوبًا فيه، ونافس في الشيء منافسةً ونفاسًا بالكسر: إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم، وتنافسوا فيه: أي: رغبوا. اهـ. والمراد: فليستبق المتسابقون، وليجاهدوا النفوس ليلحقوا بالعاملين.
{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)} والمزاج والمزج: الشيء الذي يمزج بغيره، والمزج: خلط أحد الشيئين بالآخر، والتسنيم: عين من ماء تجري من أعلى إلى أسفل، وهو أشرف شراب في الجنة، ويكون صرفًا للمقربين، ممزوجًا لأصحاب اليمين، وسائر أهل الجنة، والمقربون هم: الأبرار الذين سبق ذكرهم.
{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ} يقال: مر مرًا ومرورًا إذا جاز وذهب، كاستمر ومره وبه: جاز عليه. كما في "القاموس".
{يَتَغَامَزُونَ} ؛ أي: يشيرون إليهم بأجفانهم من التغامز: تفاعل من الغمز، وهو الإشارة بالجفن والحاجب، ويكون بمعنى العيب، يقال: غمز فلان فلانًا إذا عابه وذكره بسوء، ويقال: فلان لا مغمز فيه؛ أي: ليس فيه ما يعاب به.
{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ} من الانقلاب: وهو الانصراف والتحول والرجوع.
{انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} ؛ أي: معجبين راضين بما فيه من الشرك والضلالة والعصيان، أو متلذذين بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم، والضحك من المؤمنين.
{وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)} ؛ أي: رقباء يتفقدونهم ويهيمنون على أعمالهم.
{وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)} أصل رأوهم: رأيوهم، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين، وأصل {ضالون}: ضاللون بلامين، أدغمت أولاهما في الثانية.
{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} من التثويب، والتثويب والإثابة: المجازاة يقال: ثوبه وأثابه إذا جازاه، كما قال الشاعر:
سَأَجْزِيْكِ أَوْ يَجْزِيْكِ عَنِّيْ مُثَوِّبٌ
…
وَحَسْبُكِ أَنْ يُثْنَى عَليْكِ وَتُحْمَدِيْ
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: تنكير {وَيْلٌ} لإفادة التهويل والتفخيم.
ومنها: المقابلة اللطيفة بين قوله: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} وقوله {إِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} وهي مقابلة أتت على أحسن وجه وأنظمه؛ أي: إذا كان الكيل من جهة غيرهم .. استوفوه، وإذا كان الكيل من جهتهم .. أخسروه، سواء باشروه، أو لا، فالضمير لا يدل على مباشرة، ولا إشعار أيضًا بذلك، والذي يدلك على أن الضمير لا يعطي مباشرة الفعل، أن لك أن تقول: الأمراء هم الذين يقيمون الحدود لا السوقة، لست تعني أنهم يباشرون ذلك بأنفسهم، وإنما معناه: أن فعل ذلك من جهتهم خاصة. اهـ من "الدرويش".
ومنها: الاكتفاء في قوله: {إِذَا اكْتَالُوا} ؛ لأنه حذف الاتزان لعلمه من الاكتيال؛ لأن مقتضى المقابلة أن يقال: الذين إذا اكتالوا، أو اتزنوا على الناس يستوفون، وقد مر لك بيان حكمة حذفه في مبحث التفسير.
ومنها: الطباق بين {يَسْتَوْفُونَ} و {يُخْسِرُونَ} ؛ لأن الاستيفاء الأخذ وافيًا، والإخسار: الإعطاء ناقصًا.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التعجبي في قوله: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)} لأن {أَلَا} في قوله: {أَلَا يَظُنُّ} ليست استفتاحية، بل هي همزة الاستفهام دخلت على لا النافية، فأفادت التوبيخ والإنكار والتعجيب، كما في "الرازي". وفي هذا الإنكار والتعجيب وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس فيه لله تعالى خاضعين، ووصف ذاته برب العالمين .. بيان بليغ لعظم الذنب، وتفاقم الإثم في التطفيف، وفيما كان مثل حاله من الحيف، وترك القيام بالقسط، والعمل على السوية والعدل في كل أخذ وإعطاء، بل في كل قول وعمل. اهـ "خطيب".
ومنها: تخصيص وصف رب العالمين من بين سائر الصفات إشعارًا بالماليكة والتربية، بحيث لا يمتنع عليه الظالم القوي؛ لكونه مملوكًا مسخرًا في قبضة قدرته، ولا يترك حق المظلوم الضعيف؛ لأن مقتضى التربية أن لا يضيع لأحد شيئًا من الحقوق، وفي هذه التشديدات إشارة إلى أن التطفيف، وإن كان يتعلق بشيء حقير، لكنه ذنب كبير.
ومنها: المقابلة بين حال الفجار، وحال الأبرار في قوله: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ
…
} إلخ، وقوله: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَار
…
} إلخ.
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8)} إفادة للتهويل، وفي قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)} إفادةً للتعظيم والتفخيم لمراتب الأبرار.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} حيث مثل احتجاب الله وسخطه عليهم، وإهانته بهم باحتجاب ملك من الملوك عن بعض رعيته؛ لأنه لا يؤذن على ذوي المقامات العلية والمراتب السامية إلا للمقربين المكرمين لديهم، ولا يحجب عنهم إلا الأدنياء الموسومون بالمهانة والقماءة والصَّغَار، وقد رمق أبو تمام سماء هذا المعنى، فقال مبرزًا احتجاب المعتصم عن الرعية:
لَيْسَ الْحِجَابُ بِمُقْصٍ عَنْكَ لِىْ أمَلًا
…
إِنَّ السَّمَاءَ تُرَجَّى حِيْنَ تَحْتَجِبُ
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} .
ومنها: الإطناب بذكر أوصاف نعيم المتقين في قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
…
} إلخ.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} ؛ أي: كالمسك في طيب الرائحة، فحذف منه الأداة ووجه الشبه، فأصبح بليغًا.
ومنها: حذف مفعول {يَنظُرُونَ} في قوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)} إفادة للتعميم؛ أي: ينظرون ما شاؤوا مد أعينهم إليه من رغائب مناظر الجنة، وإلى ما أولاهم الله تعالى من النعمة والكرامة.
ومنها: تقديم الجار والمجرور على متعلقه في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)} لمراعاة الفواصل، أو للحصر إشعارًا بغاية شناعة ما فعلوا؛ أي: كانوا من الذين آمنوا لا من غيرهم يضحكون، مع ظهور عدم استحقاقهم لذلك على منهاج قوله:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} . اهـ "فتوحات".
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} إشعارًا بمبالغتهم في استهزائهم، وسخريتهم من المسلمين، وإنكارهم لصدهم عن الشرك، ودعائهم إلى الإِسلام.
ومنها: تقديم الجار على متعلقه في قوله: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ} إفادةً للحصر؛ أي: في ذلك لا في خمور الدنيا.
ومنها: تقديمه عليه في قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)} لرعاية الفواصل.
ومنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} إشعارًا بتحققه.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
* * *
خلاصة ما تضمنته هذه السورة الكريمة من المقاصد
اشتملت هذه السورة على المقاصد التالية:
1 -
وعيد المطففين.
2 -
بيان أن صحائف أعمال الفجار في أسفل السافلين.
3 -
الإرشاد إلى أن صحائف أعمال الأبرار في أعلى عليين.
4 -
وصف نعيم الأبرار في مآكلهم ومشاربهم ومساكنهم.
5 -
استهزاء المجرمين بالمؤمنين في الدنيا، وتغامزهم بهم، وحكمهم عليهم بالضلال.
6 -
تضاحك المؤمنين منهم يوم القيامة؛ نظر المؤمنين إلى المجيرمين وهم يلقون جزاءهم وما أعد لهم من النكال (1).
والله أعلم
* * *
(1) إلى هنا تم تفسير سورة المطففين بعون الملك المعين، ضحوة يوم السبت اليوم السابع من شهر رمضان المبارك من شهور سنة: 7/ 9/ 1416 ألف وأربع مئة وست عشر سنة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.