المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٣١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النبأ

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌ 10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌(27)}

- ‌ 28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌سورة النازعات

- ‌(1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8)}

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌13

- ‌14

- ‌(15)}

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌(21)}

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌سورة عبس

- ‌1

- ‌2

- ‌(3)

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌ 8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌ 29

- ‌ 30

- ‌ 31

- ‌32

- ‌33

- ‌(37)}

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌سورة التكوير

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌ 20

- ‌ 21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌سورة الانفطار

- ‌1

- ‌(2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة المطففين

- ‌(1)}

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌سورة الانشقاق

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌ 10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌ 14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌سورة البروج

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌(5)}

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌ 15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌سورة الطارق

- ‌1

- ‌2

- ‌(3)}

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌سورة الأعلى

- ‌1

- ‌2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌5

- ‌6

- ‌7)}

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌سورة الغاشية

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌ 11

- ‌ 12

- ‌ 13

- ‌ 14

- ‌ 15

- ‌ 16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌سورة الفجر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌ 22

- ‌ 23

- ‌24

- ‌25

- ‌(26)}

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

الفصل: فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم،

فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن لمَّا سمعته أن قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} ، من قال به .. صدق، ومن حكم به .. عدل، ومن عمل به .. أجر، ومن هدي به .. هدي إلى صراط مستقيم".

‌15

- ثم بين ما يدبرونه للمؤمنين، وما تحويه صدورهم من غل لهم فقال:{إِنَّهُمْ} ؛ أي: إن أهل مكة ومعاندي قريش {يَكِيدُونَ} في إبطال أمره، وإطفاء نوره {كَيْدًا}؛ أي: حسبما في قدرتهم؛ أي: يمكرون في إبطال ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدين الحق، قال الزجاج: يخاتلون النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهرون ما هم على خلافه.

‌16

- {وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} ؛ أي: أقابلهم (1) بكيد متين لا يمكن رده، وأستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأجازيهم جزاء كيدهم، قيل: هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر.

وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر القوي، فتسمية الاستدراج والانتقام في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالنار كيدًا من باب المشاكلة؛ لوقوعه في مقابلة كسبهم جزاء له، وإلا فالكيد وهو المكر والاحتيال في إيصال المكروه إلى الغير بخفية لا يجوز إسناده إليه تعالى مرادًا به معناه الحقيقي، وتسمية جزء الشيء باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة، شائع كثير في كلامهم، نحو قوله تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} ، وقوله:{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)} .

والمذهب الأسلم: إثبات الكيد له تعالى كما أثبته لنفسه في هذه الآية وغيرها، ويقال في تفسيره: كيد الله هو صفة ثابتة له تعالى؛ نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها، أثرها انتقامه تعالى ممن كاد برسوله صلى الله عليه وسلم.

‌17

- {فَمَهِّلِ} يا محمد؛ أي: أخر وانظر {الْكَافِرِينَ} ؛ أي: لا تستعجل بالانتقام منهم، ولا تدع عليهم

(1) روح البيان.

ص: 329

بالهلاك؛ أي: لا تسأل الله سبحانه تعجيل هلاكهم، وارضَ بما يدبره لك في أمورهم.

وقوله: {أَمْهِلْهُمْ} بدل من {مهل} ، وهما - أي: التمهيل والإمهال - لغتان بمعنى، مثل: نزل وأنزل، والإمهال: الإنظار، وتمهل في الأمر: اتأد فيه، وكرر الأمر بالإمهال، وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير. اهـ "نسفي". وانتصاب {رُوَيْدًا} على أنه مصدر مؤكد لمعنى الفعل المذكور، أو نعت لمصدره المحذوف، أي: أمهلهم إمهالًا رويدًا؛ أي: قريبًا أو قليلًا يسيرًا، فإن كل آتٍ قريب، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه من الرمز إلى قرب وقت الانتقام من الأعداء، وفي "كشف الأسرار": وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر إلا زمان يسير، يقال: أَرْوَدَ يُرْوِدُ إذا رفق وتأنى، ومنه: بني رويد كما في "المفردات"، وفي "الإرشاد": هو في الأصل تصغير: رود بالضم، وهو المهل، أو إرواد مصدر أرود بالترخيم، ويأتي اسم فعل نحو: رويد زيدًا؛ أي: أمهله، ويأتي حالًا نحو: سار القوم رويدًا؛ أي متمهلين، ذكر معنى هذا الجوهري، والبحث عنه مستوفى في كتب النحو.

ولما كرر (1) الأمر بالإمهال توكيدًا .. خالف بين اللفظين على أن الأول مطلق، وهذا الثاني مقيد بقوله: رويدًا، وقرأ ابن عباس:{أمَهلهم} بفتح الميم، وشد الهاء موافقة للفظ الأمر الأول.

والمعنى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)} ، أي (2): أنهم يمكرون بالناس بدعوتهم إلى مخالفة القرآن بإلقاء الشبهات كقولهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ، وقولهم:{مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ، أو بالطعن فيه بكون الرسول ساحرًا أو مجنونًا أو تبييتهم قتله، كما جاء في قوله:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} .

وبعدئذٍ ذكر ما قابلهم ربهم به، وما جازاهم عليه كفاء عملهم فقال:{وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} ؛ أي: وأقابل كيدهم بنصر الرسول، وإعلاء دينه، وجعل كلمته العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وسمى مجازاتهم كيدًا منه للتجانس في اللفظ، كما

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

ص: 330

قال: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ، وقال عمرو بن كلثوم:

أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا

فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِيْنَا

ثم أمر رسوله أن يتأنى عليهم ليرى أخذه تعالى لهم، فقال:{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} ، أي: سر في دعوتك، ولا تستعجل عذابهم، فإنا سنمهلهم ليزدادوا إثمًا حتى إذا أخذناهم .. لم يبق لهم من راحم، ثم أكد طلب الإمهال وأقَّته بوقت قريب فقال:{أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} ؛ أي: إنا سنمهلهم قليلًا، وسترى ما يحل بهم من العذاب والنكال، وفي هذا بعث للطمأنينة إلى قلوب المؤمنين الذين كانوا يخشون صولة الكفار، ويحذرون اعتداءاتهم التي لا حد لها، وتخويف لهم من عاقبة إصرارهم على ما هم فيه من الكفر والمشاقة لله ورسوله وللمؤمنين، ونحو الآية قوله تعالى:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)} .

فائدة: روي (1) عن همام مولى عثمان رضي الله عنه أنه قال: لما كتبوا المصحف شكوا في ثلاث آيات، فكتبوا في كتف شاة، وأرسلوني إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، فدخلت عليهما، فناولتها أبيًا، فقرأها، فإذا هي فيها {لا تبديل للخلق} ، فكتب {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ، وكان فيها:{لم يتسن} ، فكتب:{لَمْ يَتَسَنَّهْ} ، وكان فيها:{فأمهل الكافرين} فمحا الألف، وكتب {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} ، ونظر فيها زيد بن ثابت، فانطلقت بها إليهم، فأثبتوها في المصحف. وفيه إشارة إلى أن الله تعالى حافظ للقرآن من التحريف والتبديل، لأنه أثبته في صدور الحفاظ، وإلى أن المشكلات يرجع فيها إلى أهل الحل.

الإعراب

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} .

{وَالسَّمَاءِ} : {الواو} : حرف جر وقسم {السَّمَاءِ} : مقسم به مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا تقديره: أقسم بالسماء، وجملة القسم مستأنفة، {وَالطَّارِقِ}: قسم آخر أيضًا مماثل لما قبله في إعرابه معطوف

(1) روح البيان.

ص: 331

عليه، {وَمَا}:{الواو} : اعتراضية {مَا} : اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {أَدْرَاكَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على {ما} الاستفهامية، والكاف مفعول أول لـ {أدرى} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لـ {مَا} الاستفهامية، وجملة الاستفهام جملة معترضة إنشائية لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين القسم وجوابه لتأكيد القسم، {مَا} اسم استفهام مبتدأ، {الطَّارِقُ}: خبر، والجملة الابتدائية في محل النصب سادة مسد المفعول الثاني لـ {أَدْرَاكَ} ، {النَّجْمُ}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو النجم، {الثَّاقِبُ}: صفة لـ {النَّجْمُ} ، والجملة الاسمية جملة اعتراضية لاعتراضها بين القسم وجوابه مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر، كما مر، كأنه قيل: ما هو الطارق؟ فأجاب بقوله: هو النجم الثاقب. {إِنْ} : نافية، {كُلُّ نَفْسٍ}: مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليه، {لَمَّا}: - بالتشديد -: حرف بمعنى إلا الحصرية، مبني على السكون {عَلَيْهَا}: خبر مقدم {حَافِظٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول، وجملة المبتدأ الأول مع خبره جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وفي تخفيف {لما} تقول في إعراب الجملة {إن}: مخففة من الثقيلة مهملة، وإلى هذا أشار ابن مالك في "خلاصته":

وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ

وَتَلْزَمُ اللَّامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ

{كُلُّ نَفْسٍ} : مبتدأ، و {لما} {اللام}: حرف ابتداء، و {مَّا}: زائدة {عَلَيْهَا} : خبر مقدم، {حَافِظٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة خبر للمبتدأ الأول، وجملة الأول جواب القسم.

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} .

{فَلْيَنْظُرِ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره؛ إذا عرفت أن كل نفس عليها حافظ، وأردت بيان قدرة ذلك الحافظ .. فأقول لك:{لينظر الإنسان} ، {اللام}: حرف جزم وطلب، {ينظر}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر {الْإِنْسَانُ} . فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {مِمَّ}:{من} : حرف جر مبني بسكون على النون المدغمة في ميم {ما} ، و {ما} اسم استفهام في محل

ص: 332

الجر بـ {من} مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين {ما} الموصولة، الجار والمجرور متعلق بـ {خُلِقَ} المذكور بعده، {خُلِقَ} فعل ماضٍ مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {الْإِنْسَانُ} والجملة الفعلية في محل النصب بقوله:{فلينظر} المعلق عنها بالاستفهام، {خُلِقَ} فعل ماضٍ مغيَّر الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {الْإِنْسَانُ} ، {مِنْ مَاءٍ}: متعلق بـ {مَاءٍ} ، {دَافِقٍ}: صفة لـ {مَاءٍ} ، والجملة الفعلية مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر كأنه قيل: مم خلق؟ فأجيب بقوله: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)} ، وجملة {يَخْرُجُ} في محل الجر صفة ثانية لـ {مَاءٍ} ، أو في محل النصب حال منه لتخصصه بالصفة {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَخْرُجُ} ، {وَالتَّرَائِبِ}: معطوف على {الصُّلْبِ} .

{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)} .

{إِنَّهُ} : ناصب واسمه {عَلَى رَجْعِهِ} : متعلق بـ {قادر} ، {لَقَادِرٌ}:{اللام} : حرف ابتداء، {قادر} خبر {إن} ، والجملة مستأنفة {يَوْمَ}: ظرف متعلق بـ {رَجْعِهِ} ، ولا يصح تعلقه بـ {قادر} ؛ لأنه تعالى قادر على رجعه في كل وقت من الأوقات، ولا تختص قدرته بوقت دون وقت، {تُبْلَى}: فعل مضارع مغير الصيغة، {السَّرَائِرُ}: نائب فاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} ، {فَمَا}:{الفاء} : عاطفة، {ما}: نافية {لَهُ} خبر مقدم، {من}: زائدة، {قُوَّةٍ}: مبتدأ مؤخر {وَلَا} : {الواو} : عاطفة {لَا} : زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها {نَاصِرٍ} معطوف على {قُوَّةٍ} ، والجملة الاسمية في محل الجر معطوفة على جملة {تُبْلَى} ، {وَالسَّمَاءِ}:{الواو} : حرف جر وقسم، {السَّمَاءِ}: مقسم به مجرور بواو القسم، والجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا تقديره: أقسم بالسماء، وجملة القسم مستأنفة {ذَاتِ الرَّجْعِ}: صفة لـ {السماء} {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)} جملة قسمية مماثلة لما قبلها في إعرابه معطوفة عليه، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه {لَقَوْلٌ} : {اللام} حرف ابتداء، {قول}: خبر {إن} . {فَصْلٌ} : صفة {قول} ، وجملة {إن} جواب القسم لا محل لها من الإعراب، {وَمَا هُوَ}:{الواو} : عاطفة {ما} : حجازية تعمل عمل ليس، {هُوَ}: في محل الرفع اسمها {بِالْهَزْلِ} : {الباء} : حرف جر

ص: 333

زائد، {الهزل}: خبر لـ {ما} الحجازية، وجملة {ما} الحجازية معطوفة على جملة {إن} على كونها جواب القسم لا محل لها من الإعراب، {إِنَّهُمْ}: ناصب اسمه، وجملة {يَكِيدُونَ} خبره، {كَيْدًا}: مفعول مطلق، وجملة {إن} مستأنفة. واقعة في جواب سؤال نشأ من فحوى الكلام، كأنه قيل: وماذا تسمى مكابرتهم وعنادهم؟ فقيل: إنهم إلخ، {وَأَكِيدُ}:{الواو} : عاطفة {أكيد} : فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله سبحانه {كَيْدًا}: مفعول مطلق مؤكد لعامله، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {إن} ، {فَمَهِّلِ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت كيدهم لك، وكيدي إياهم، وأردت النصرة عليهم .. فأقول لك:{مهل الكافرين} : {مهل} : فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر يعود على محمد، {الْكَافِرِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {أَمْهِلْهُمْ}:{أمهل} : فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير يعود على محمد، و {الهاء}: مفعول به، والجملة بدل كل من قوله:{مهل الكافرين} ، {رُوَيْدًا}: مفعول مطلق معنوي لـ {أمهل} ، والأصل: إروادًا، فصغر تصغير ترخيم بحذف الزوائد؛ أي: أمهلهم إروادًا؛ أي: إمهالًا، فكأنه قال: أرودهم إروادًا؛ أي: أمهلهم إمهالًا، أو صفة لمصدر محذوف؛ أي: أمهلهم إمهالًا رويدًا؛ أي: قليلًا يسيرًا، كما مر، وإنما قلل الإمهال؛ لأن كل ما هو كائن آت قريب لا محالة، فهو قليل، والمراد به: يوم القيامة، وقيل: يوم بدر، كما مر ذلك كله.

التصريف ومفردات اللغة

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)} {السَّمَاءِ} : كل ما علاك فأظلك، والطارق: هو الذي يجيئك ليلًا، ومنه قول امرىء القيس:

وَمِثْلِكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ

فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِيْ تَمَائِمَ مُحْوِلِ

وقوله أيضًا:

أَلَمْ تَرَيَانِيْ كُلَّمَا جِئْتُ طَارِقًا

وَجَدَتُ بِهَا طِيْبًا وَإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ

وفي "المصباح": وطرقت الباب طرقًا، من باب قتل، وطرقت الحديدة: مددتها، وطرَّقتها بالتشديد: مبالغة، وطرق النجم طروقًا - من باب قعد -: إذا طلع،

ص: 334

وكل ما أتى ليلًا فقد طرق، وهو طارق، والمطرقة بالكسر ما يطرق به الحديد، أما ابن جني: فقد منع أن يأتي الطروق نهارًا، قال: وأما قول العامة: نعوذ بالله من طوارق الليل .. فغلط، لأن الطروق لا يكون إلا بالليل، والصواب أن يقال: نعوذ بالله من طوارق الليل، وجوارح النهار؛ لأن العرب تقول: طرقه إذا أتاه ليلًا، وجرحه: إذا أتاه نهارًا. وفي "الصحاح": والطارق: النجم الذي يقال له: كوكب الصبح، وهو الثريا.

{النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)} هو الذي يثقب ضوءه الظلام، كأن الظلام جلد أسود، والنجم يثقبه، ومعنى الثاقب: المضيء لثقبه الظلام. قال أبو عبيدة: العرب تقول: أثقب نارك؛ أي: أضئها، وقيل: الثاقب: العالي، يقال: ثقب الطائر إذا علا في الهواء، وأسف: إذا دنا من الأرض، ودوم: إذا سكن جناحيه ليستقل. وعبارة "الأساس" و"اللسان": ثقب الشيء بالمثقب، وثقب القداح عينه ليخرج الماء النازل، وثقب اللآلي والدر ودر مثقب، وعنده در عذارى لم يثقبن، ومن المجاز: كوكب ثاقب ودري شديد الإضاءة والتلألؤ، كأنه يثقب بالظلمة، فينفذ فيها ويدرؤها، ورجل ثاقب الرأي إذا كان جزلًا نظارًا، وثقب الطائر: إذا حلق كأنه يثقب السكاك، وثقب الشيب في اللحية: أخذ في نواصيها، وباب الجميع: دخل، ويقال: ثقب الشيء يثقبه ثقبًا وثقوبًا: جعل فيه منفذًا ومسلكًا، ونفذ فيه، وثقبت النار ثقوبًا: إذ اتقدت واشتعلت، وثقب النجم: أضاء، وشهاب ثاقب: مضيء.

{مِنْ مَاءٍ} وأصل ماء: موه، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، فصار: ماهًا، فاجتمع حرفان ضعيفان الألف والهاء، فقلبت الهاء همزة ليجاور الضعيف القوي، فصار ماء.

{دَافِقٍ} ؛ أي: مدفوق من الدفق، وهو الصب؛ أي: مصبوب في الرحم، يقال: دفق يدفق دفقًا - من باب نصر -: إذا صب صبًا فيه سيلان بسرعة؛ أي: منصب بدفع وسيلان وسرعة، ولم يقل: من ماءين، مع أن الولد مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة؛ لامتزاجهما في الرحم، فصار كالماء الواحد، واتحادهما حين ابتدىء في خلقه. اهـ "خطيب".

ودافق: من صيغ النسب، كلابن وتامر؛ أي: ذي دفق وصب، وهو صادق

ص: 335

على الفاعل والمفعول، أو مجاز في الإسناد، فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغةً، أو استعارة مكنية، أو تخييلية، أو مصرحة بجعله دافقًا؛ لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضًا؛ أي: يدفعه، كما أشار إليه ابن عطية". اهـ "شهاب".

{مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ} والصلب: الشديد من كل شيء، يقال: هو صلب في دينه، وراع صلب العصا: إذا كان يعنف الإبل، وهو عظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل إلى العجب، أو أسفل الظهر، ويجمع على أصلاب وأصلب وصلبة، وهو المراد هنا، ويقال: هو من صلب فلان، أي: من نسله وولده، وفيه أربع لغات: بضم الصاد، وسكون اللام، والصلب بفتحتين، والصلب بضمتين، وقد قرىء بها جميعًا، وثمة لغة رابعة وهي الصالب، بوزن: قالب.

وقوله: {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ} ؛ أي: من بين أجزائه، لأن بين إنما تضاف لمتعدد، وفي "القرطبي" ما يقتضي أن لفظ {بين} زائدة، ونصه: والمعنى يخرج من الصلب والترائب، وحكى القرطبي: أن ماء الرجل ينزل من الدماغ إلى الصلب، ثم يجتمع في الأنثيين، وهذا لا يعارضه قوله تعالى:{مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ؛ لأنه ينزل من الدماغ إلى الصلب، ثم يجتمع في الأنثيين. وقال ابن عادل: جاء في الحديث: "إن الولد يخلق من ماء الرجل، يخرج من صلبه العظم والعصب، ومن ماء المرأة، يخرج من ترائبها اللحم والدم".

{وَالتَّرَائِبِ} الترائب: عظام الصدر حيث تكون القلادة، وفي "المختار" والترائب: جمع تريبة، كصحيفة وصحائف. قال امرؤ القيس:

مُهَفْهَفَةٍ بَيْضَاءً غَيْرِ مُفَاضَةٍ

تَرَائِبُهَا مَصْقُوْلَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ

يعني: المرأة، يقال في مفرده: تريب بغير هاء، ومنه قول المثقب العبدي:

وَمِنْ ذَهبٍ يَلُوْحُ عَلَى تَرِيْبٍ

كَلَوْن الْعَاجِ لَيْس بِذِيْ غُضُوْنِ

والترائب: جمع تريبة بوزن فعيلة، والهمزة فيه مبدلة من ياء فعيلة لوقوعها حرف مد ثالثًا زائدًا في اسم مفرد مؤنث.

{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)} أصل {تُبْلَى} : تبلي بوزن تفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.

ص: 336

{السَّرَائِرُ} جمع: سريرة بمعنى: السر، وهي التي تكتم وتخفى، والهمزة في السرائر مبدلة من ياء فعيلة؛ لوقوعها حرف مد زائدًا ثالثًا في اسم مفرد مؤنث، وفي "المختار": السر الذي يكتم، وجمعه: أسرار، والسريرة مثله، والجمع: سرائر، والسرائر: كل ما أسر في القلوب من العقائد والنيات، وما أخفي من الأعمال، وبلاؤها: تعرفها وتصفحها، والتمييز بين ما طاب منها وما خبث، وعن الحسن: أنه سمع رجلًا ينشد:

سَيَبْقَى لَهَا فِيْ مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا

سَرِيْرَةُ وِدٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ

فقال: ما أغفله عما في السماء والطارق.

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)} الرجع: المطر؛ لأنه يعود كل حين، كما مر بسط البحث فيه، فالسحاب تحمل الماء من الأمطار، ثم ترجعه إلى الأرض، فالرجع في أصله: إعادة الشيء إلى حال أو مكان فيه أولًا، والمرة منه: الرجعة، كرجعة المرأة إلى النكاح.

{ذَاتِ الصَّدْعِ} والصدع: الشق، لأن النبات يصدع الأرض؛ أي: يشقها عند الخروج، فالصدع: الشق الناشىء عن تفرق بعض أجزاء الأرض، وانفصال بعضها من بعض بالنبات.

{يَكِيدُونَ} أصله: يكيدون بوزن: يفعلون، وأصل {أكيد} أكيد بوزن أفعل، نقلت حركة الياء في الموضعين إلى الكاف، فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مد.

{لَقَوْلٌ فَصْلٌ} والفصل: الحكم الذي ينفصل به الحق من الباطل، ومنه: فصل الخصومات، وهو قطعها بالحكم الجازم، ويقال: هذا قول فصل؛ أي: قاطع للشر والنزاع. اهـ "قرطبي".

{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)} ؛ أي: وما القرآن بالهزل، بل هو جد كله، فيجب أن يكون مهيبًا في الصدور، معظمًا في القلوب، يترفع به قارئه وسامعه عن أن يلم بهزل، أو يتفكه بمزاح، وأن يلقي ذهنه إلى أن جبار السموات والأرض يخاطبه، فيأمره وينهاه، ويعده ويوعده، حتى إن لم يستفزه الفزع والخوف، ولم تتبالغ فيه الخشية، فأدنى أمره أن يكون جادًا غير هازل، فقد نفى الله تعالى عن المشركين ذلك في قوله:{وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)} . اهـ "خطيب".

ص: 337

وقوله أيضًا: {يَكِيدُونَ كَيْدًا} ؛ أي: يعملون المكايد في إبطال أمره، وإطفاء نوره.

{وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} ؛ أي: أقابلهم بكيدي في إعلاء أمره، وانتشار نوره.

{رُوَيْدًا} مصغر رود: بوزن: عود الذي هو مصدر سماعي لأرود الرباعي، أو مصغر إرواد الذي هو مصدر قياسي لأرود الرباعي بحذف زوائده، و"المختار": فلان يمشي على رود بوزن عود، أي: على مهل، وتصغيره: رويد، يقال: أرود في السير إروادًا ومروادًا بضم الميم وفتحها؛ أي: رفق، وتقول: رويدك عَمْرًا؛ أي: أمهله، وهو تصغير ترخيم من إرواد مصدر: أرود يرود. اهـ. ورود بوزن: عود مصدر أرود مصدرًا سماعيًا، أو اسم مصدر له. اهـ. وفي "السمين": واعلم أن رويدًا يستعمل مصدرًا بدلًا من اللفظ بفعله، فيضاف تارة كقوله:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ، ولا يضاف أخرى نحو: رويدًا زيدًا، ويقع حالًا نحو: ساروا رويدًا؛ أي: متمهلين، ونعتًا لمصدر محذوف، نحو: ساروا رويدًا؛ أي: سيرًا رويدًا. والله أعلم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: مجاز على مجاز في قوله: {وَالطَّارِقِ} ؛ لأن الطارق حقيقة فيمن يأتي ليلًا ويطرق الباب، ثم استعمل في كل ما ظهر بالليل كائنًا ما كان، ثم استعمل في الكوكب البادي في الليل.

ومنها: الاستفهام للتفخيم والتعظيم في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)} ، ثم تفسيره بما يخصه تفخيمًا لشأنه، حيث قال:{النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)} .

ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} ؛ حيث أسند إلى الماء ما لصاحبه من الدفع مبالغة، وهو من استعمال فاعل بمعنى مفعول، كسر كاتم، وعيشة راضية؛ أي: سر مكتوم، وعيشة مرضية، أو فيه استعارة تصريحية، حيث شبه هذا الماء لتتابع قطراته حتى كأنه يدفق ويدفع بعضه بعضًا، بجامع تتابع السيلان في كل،

ص: 338

فاستعار له اسمه على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الطباق في قوله: {بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ، فقد طابق بين عظم الظهر وعظم الصدر، وأفرد الأول، وجمع الآخر؛ لأن صدر المرأة تريبتها، فيقال للمرأة: ترائب يعني بها: التريبة، وما حواليها وما أحاط بها، أو يقال: إنه تعالى أراد: يخرج من بين الأصلاب والترائب، فاكتفى بالواحد عن الجماعة، كما قال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} ؛ ولم يقل: والأرضين.

ومنها: الفصل في قوله: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)} ، وسياق الكلام يقتضي الوصل؛ لأنه قصد إشراكهما في الحكم، واتفقا فيه، وإنما عدل عنه تفخيمًا لشأنه، فأقسم أولًا بما يشترك فيه هو وغيره، وهو الطارق، ثم سأل عنه بالاستفهام تفخيمًا لشأنه ثانيًا، ثم فسره بالنجم إزالة لذلك الإبهام الحاصل بالاستفهام.

ومنها: فن المماثلة في قوله: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)} ، وهو تماثل ألفاظ الكلام كلها أو بعضها في الزينة دون التقفية، فالطارق والثاقب وحافظ متماثلة في الزينة دون التقفية، وأورد الشيخ عبد الغني النابلسي للقاضي يحيى بن أكثم بيتين في المماثلة:

إِنَّمَا الدُّنْيَا طَعَامْ

وَمُدَامٌ وَغُلَامْ

فَإِذَا فَاتَكَ هَذَا

فَعَلَى الدُّنْيَا السَّلَامْ

ومنها: الكناية اللطيفة في قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} كنى بالصلب عن الرجل، وبالترائب عن المرأة، وهذا من لطيف الكنايات.

ومنها: الطباق بين {السَّمَاءِ} و {الْأَرْضِ} ، وبين {فَصْلٌ} و {الْهَزْلِ} .

ومنها: تقديم الجار والمجرور على عامله في قوله: {عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} للاهتمام به من حيث إن الكلام فيه بخصوصه، فهو لا ينافي قادريته على غيره.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {يَكِيدُونَ كَيْدًا} .

ومنها: فن المشاكلة في قوله: {وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)} حيث سمى الاستدراج والانتقام منهم في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالنار كيدًا على طريقة المشاكلة

ص: 339

لوقوعه في مقابلة كسبهم جزاءً له، وإلا فالكيد الذي هو بمعنى المكر والاحتيال لا يجوز إسناده إليه تعالى مرادًا به معناه الحقيقي؛ لأنه من صفات النقص والعجز، وتسمية جزاء الشيء باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة شائع كثير، كما مر.

ومنها: الإطناب بتكرير الفعل مبالغة في الوعيد في قوله: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

* * *

ص: 340

مقاصد هذه السورة

اشتملت على المقاصد التالية:

1 -

بيان كون حافظٍ على كل نفس.

2 -

إقامة الأدلة على أن الله قادر على بعث الخلق كرة أخرى.

3 -

بيان أن القرآن منزل من عند الله تعالى فاصل بين الحق والباطل ليس بهزل.

4 -

بيان كيدهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وجزاء الله تعالى لهم على كيدهم.

5 -

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمهال لهم حتى يحل بهم العذاب (1).

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) تم تفسير سورة والطارق بعون خالق النجوم والبوارق عصر يوم الجمعة قبيل الغروب، اليوم العشرين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة: 20/ 9/ 1416 هـ ألف وأربع مئة وست عشرة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. آمين آمين.

ص: 341