الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للماضي نحو: ضارب زيد أمس.
46
- {كَأَنَّهُمْ} ؛ أي: كأن منكريها من كفار مكة {يَوْمَ يَرَوْنَهَا} ؛ أي: يرون القيامة {لَمْ يَلْبَثُوا} ؛ أي: لم يمكثوا {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} والضحى: اسم لما بين إشراق الشمس إلى استواء النهار، ثم هي عشي إلى الغداة، كما في "كشف الأسرار". والجملة حال من الموصول، فإنه على تقدير الإضافة وعدمها، مفعول لـ {مُنذِرُ} ، كأنه قيل (1): تنذرهم مشبهين يوم يرونها؛ أي: في الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الإنذار بها إلا تلك المدة اليسيرة؛ أي: عشية يوم واحد، أو ضحاه، أي: آخر يوم أو أوله لا يومًا كاملًا على أن التنوين عوض عن المضاف إليه، فلما ترك اليوم .. أضيف ضحاه إلى عشية، والضحى والعشية لما كانا من يوم واحد .. تحققت بينهما ملابسة مصححة لإضافة أحدهما إلى الآخر، فلذلك أضيف الضحى إلى العشية.
فإن قيل: لِمَ لَمْ يقل عشية أو ضحى، وما فائدة الإضافة؟
قلنا: لو قيل لم يلبثوا إلا عشيةً أو ضحى .. احتمل أن يكون العشية من يوم، والضحى من يوم آخر، فيتوهم استمرار اللبث من ذلك الزمان من اليوم الأول إلى الزمان الآخر من اليوم الآخر، وأما إذا قيل: عشية أو ضحاها. لم يحتمل ذلك ألبتة. قال في "الإرشاد"(2): واعتبار كون اللبث في الدنيا، أو في القبور لا يقتضيه المقام، وإنما الذي يقتضيه، اعتبار كونه بعد الإنذار، أو بعد الوعيد تحقيقًا للإنذار، وردا لاستبطائهم. وعبارة "الشوكاني".
قوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} ؛ أي: لم يقيموا في الدنيا إلا قدر آخر نهار أو أوله، أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية، والمراد: تقليل مدة الدنيا، كما قال في آية أخرى:{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} ، وقيل: لم يلبثوا في قبورهم إلا عشية أو ضحاها. انتهى.
والمعنى: أي: إن هذا اليوم الذي لجوا في إنكاره سيقع ألبتة، ويرونه بأعينهم، فإذا عاينوه حسبوا أنهم لم يلبثوا ولم يقيموا في الدنيا إلا ساعة من نهار، ثم انقضت.
(1) روح البيان.
(2)
أبو السعود.
والخلاصة: أنهم ظنوا أنهم لم يلبثوا إلا عشية يوم، أو ضحى تلك العش في ة، وتقول العرب: آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها، والمراد: أنهم يستقصرون مدة لبثهم، ويزعمون أنهم لم يلبثوا إلا قدر آخر نهار أو أوله.
الإعراب
{وَالنَّازِعَاتِ} : {الواو} : حرف جر وقسم {النازعات} : مقسم به، مجرور بـ {واو} القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا تقديره: أقسم بالنازعات، وجملة القسم مستأنفة استئنافًا نحويًا، {غَرْقًا}: مفعول مطلق معنوي منصوب بـ {النازعات} ، ولكنه على حذف مضاف؛ أي: أقسم بالنازعات نزع إغراق وشدة، وهو مصدر حذف زوائده؛ أي: أقسم بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزع إغراق وشدة، {وَالنَّاشِطَاتِ}: معطوف على {النازعات} {نَشْطًا} منصوب بـ {الناشطات} على المفعولية المطلقة، {وَالسَّابِحَاتِ}: معطوف أيضًا على {النازعات} {سَبْحًا} : منصوب على الفعولية المطلقة بـ {السابحات} ، {فَالسَّابِقَاتِ}:{الفاء} : عاطفة معطوف على {السابحات} . {سَبْقًا} : مفعول مطلق منصوب بـ {السابقات} : {فَالْمُدَبِّرَاتِ} معطوف على {السابقات} . {أَمْرًا} : مفعول به لـ {المدبرات} ، واختير الفاء في الأخيرين للدلالة على ترتب كل منهما على ما قبله بغير مهملة. وجواب القسم في هذه المذكورات محذوف جوازًا، تقديره: لتبعثن يا كفار مكة {يَوْمَ} منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بجواب القسم المحذوف {تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} : فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ} {تَتْبَعُهَا}: فعل ومفعول به. {الرَّادِفَةُ} : فاعل، والجملة في محل النصب حال من {الرَّاجِفَةُ}؛ أي: حالة كون الراجفة متابعة إياها الرادفة.
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} .
{قُلُوبٌ} : مبتدأ أول، {يَوْمَئِذٍ}: ظرف مضاف إلى مثله متعلق بـ {وَاجِفَةٌ} ، و {وَاجِفَةٌ}: صفة لـ {قُلُوبٌ} ، وهو المسوغ للابتداء بالنكرة، {أَبْصَارُهَا}: مبتدأ ثانٍ، {خَاشِعَةٌ}: خبره، وهو وخبره خبر للمبتدأ الأول، وفي الكلام حذف
مضاف؛ أي: أبصار أصحاب القلوب، ويجوز أن يكون {قُلُوبٌ} مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وصفه بالصفة المحذوفة كما مرَّ؛ أي: قلوب كافرة أو عاصية. {يَوْمَئِذٍ} : متعلق بـ {وَاجِفَةٌ} ، و {وَاجِفَةٌ}: خبر المبتدأ، والجملة على كلا التقديرين مستأنفة، {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)}: مبتدأ وخبر، والجملة خبر ثان لـ {قُلُوبٌ} .
{يَقُولُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم يقولون، والجملة الاسمية في محل النصب حال من الضمير المستكن في {خَاشِعَةٌ} ، أو مستأنفة، {أَإِنَّا}:{الهمزة} للاستفهام الإنكاري؛ لأنهم أنكروا الرد ونفوه {إنا} : ناصب واسمه. {لَمَرْدُودُونَ} {اللام} : حرف ابتداء {مردودون} : خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ} ، {فِي الْحَافِرَةِ}: متعلق بـ {مردودون} ، و {في} بمعنى: إلى، و {الْحَافِرَةِ}: الأرض التي قبورهم فيها: {أَإِذَا} : {الهمزة} للاستفهام الإنكاري مؤكدة للأولى. {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مجرد عن معنى الشرط متعلق بمحذوف دل عليه {مردودون} ، تقديره: أنرد ونبعث وقت كوننا عظامًا نخرة مع كوننا أبعد شيء من الحياة، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول لـ {يَقُولُونَ}. {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه {عِظَامًا} خبره {نَخِرَةً} : صفة {عِظَامًا} ، وجملة {كان} في محل الجر مضاف إليه، لـ {إذا} {قَالُوا}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لحكاية كفر آخر متفرع على كفرهم السابق. {تِلْكَ}: مبتدأ، والإشارة إلى الرجعة في الحافرة، {إِذًا}: حرف جواب وجزاء لا عمل لها جيء بها لإفادة تأكيد الرجعة الخاسرة، {كَرَّةٌ}: خبر لـ {تِلْكَ} . {خَاسِرَةٌ} : نعت لـ {كَرَّةٌ} ، والجملة في محل النصب مقول {قَالُوا} ، {فَإِنَّمَا}:{الفاء} : تعليلية لمحذوف تقديره: لا تستصعبوها على الله تعالى، {إنما}: أداة حصر {هِيَ} : مبتدأ {زَجْرَةٌ} خبر. {وَاحِدَةٌ} : صفة {زَجْرَةٌ} ، والجملة الاسمية جملة معللة لذلك المحذوف، والجملة المحذوفة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، والمعنى: لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله تعالى؛ لأنها سهلة هينة بقدرته تعالى؛ لأنها حاصلة بزجرة واحدة، ونفخة
واحدة، {فَإِذَا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أنها بزجرة واحدة، وأردت بيان حالهم وقتئذٍ .. فأقول لك: إذا هم بالساهرة {إذا} : فجائية حرف لا محل لها من الإعراب، {هُمْ}: مبتدأ، {بِالسَّاهِرَةِ}: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
{هَلْ} : حرف استفهام للاستفهام التقريري، والمعنى: أليس قد أتاك حديث موسى {أَتَاكَ} : فعل ماض، ومفعول به، {حَدِيثُ مُوسَى}: فاعل، والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِذْ}: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بـ {حَدِيثُ مُوسَى} ؛ لا بـ {أَتَاكَ} كما يتوهم لاختلاف وقتيهما، {نَادَاهُ}: فعل ماضٍ، ومفعول به، {رَبُّهُ}: فاعل، {بِالْوَادِ}:{الباء} : حرف جر {الواد} : مجرور بالباء، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء المحذوفة لفظًا للتخلص من التقاء الساكنين، وحذفت في الخط تبعًا للفظ الجار والمجرور متعلق بـ {نَادَاهُ} ، {الْمُقَدَّسِ}: صفة للوادي {طُوًى} : بدل من الوادي، وقرىء بالتنوين وتركه، قال الجوهري: وطوى: اسم موضع بالشام، وتكسر طاؤه وتضم، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه .. جعله اسم واد ومكان، وجعله نكرة، ومن لم يصرفه .. جعله اسم بلدة وبقعة، وجعله معرفة. {اذْهَبْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على موسى، {إِلَى فِرْعَوْنَ}: متعلق بـ {اذْهَبْ} ، والجملة مقول لقول محذوف معطوف على {نَادَاهُ} تقديره: فقال: اذهب، ويجوز أن تكون جملة مفسرة للنداء، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، وجملة {طَغَى}: خبره، وجملة {إن} جملة تعليلية مسوقة لتعليل الأمر بالذهاب لا محل لها من الإعراب {فَقُلْ}:{الفاء} : عاطفة، {قل}: فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف على {اذْهَبْ} ، {هَل}: حرف استفهام معناه العرض، وهو الطلب برفق ولين {لَكَ}: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هل لك رغبة إلى أن تزكى، {إِلَى}: حرف جر، وجملة {أَنْ تَزَكَّى} مع أن المصدرية في تأويل مصدر مجرور بـ {إلى} ، تقديره: هل لك رغبة إلى التزكية، الجار والمجرور متعلق بالمبتدأ المحذوف،
وأصل {تَزَكَّى} : تتزكى؛ أي: تتطهر من الشرك، فحذفت إحدى التائين لكراهة اجتماع المثلين. {وَأَهْدِيَكَ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على موسى، ومفعول به معطوف على {تَزَكَّى}. {إِلَى رَبِّكَ}: متعلق بـ {أهديك} ، {فَتَخْشَى} معطوف على {أهديك} جعل الخشية غاية للهداية؛ لأنها ملاك الأمر، وجماع التقوى، ومتى خشي الإنسان ربه لم يصدر عنه إلا الخير {فَأَرَاهُ}:{الفاء} : عاطفة على محذوف تقديره: فذهب إليه .. فأراه، {أراه}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على {مُوسَى} ، و {الهاء}: مفعول أول لـ {أرى} ، {الْآيَةَ}: مفعول ثانٍ له؛ لأن الرؤية بصرية تعدى إلى الثاني بالهمزة {الْكُبْرَى} صفة لـ {الْآيَةَ} : {فَكَذَّبَ} : {الفاء} : عاطفة، {كذب}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنَ} معطوف على لـ {أرى} ، {وَعَصَى}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر معطوف على {كذب} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {أَدْبَرَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنَ} معطوف على {كذب} ، وجملة {يَسْعَى}: حال من فاعل {أَدْبَرَ} ، {فَحَشَرَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على {فِرْعَوْنَ} ، معطوف على {أَدْبَرَ}:{فَنَادَى} : معطوف على {حشر} .
{فَقَالَ} : معطوف على {نادى} . {أَنَا رَبُّكُمُ} : مبتدأ وخبر. {الْأَعْلَى} صفة لـ {رَبُّكُمُ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} ، {فَأَخَذَهُ اللَّهُ}: فعل ماضٍ، ومفعول به مقدم، وفاعل مؤخر معطوف على {قال} ، {نَكَالَ الْآخِرَةِ}: مصدر معنوي لـ {أخذ} منصوب على المفعولية المطلقة؛ أي: أخذه أخذ نكال، ويجوز أن يكون مفعولًا لأجله؛ أي لأجل نكاله. قال الزمخشري: هو مصدر مؤكد لفعله المحذوف، كوعد الله وصبغة الله، كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة والأولى: {الْآخِرَةِ} : مضاف إليه، {وَالْأُولَى}: معطوف عليه. {إنَّ} : حرف نصب، {فِي ذَلِكَ}: خبرها مقدم. {لَعِبْرَةً} ، {اللام}: حرف ابتداء {عبرة} : اسمها مؤخر، وجملة {إن} مستأنفة، {لِمَنْ}: جار ومجرور صفة لـ {عبرة} ، وجملة {يَخْشَى} صلة لـ {من} الموصولة.
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}.
{أَأَنْتُمْ} : الهمزة للاستفهام التقريري التوبيخي، {أَأَنْتُمْ}: مبتدأ، {أَشَدُّ}: خبر. {خَلْقًا} : تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب {أَمِ}: حرف عطف متصلة. {السَّمَاءُ} : معطوف على {أَنتُمْ} ، ويجوز أن تعرب {السَّمَاءُ}: مبتدأ، خبره محذوف تقديره: أم السماء أشد خلقًا. {بَنَاهَا} : فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {السَّمَاءُ} ؛ كأنه بيان لكيفية خلقها، ويجوز أن تكون مفسرة لا محل لها من الإعراب. {رَفَعَ سَمْكَهَا}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة بدل من جملة {بَنَاهَا} متابعة لها {فَسَوَّاهَا} معطوف على {رَفَعَ سَمْكَهَا} ، {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر ومفعول به معطوف على {سواها} ، {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}: فعل وفاعل مستتر ومفعول به، معطوف على ما قبله، {وَالْأَرْضَ}:{الواو} : عاطفة. {وَالْأَرْضَ} : منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبًا، يفسره ما بعده، تقديره: ودحى الأرض، والجملة معطوفة على جملة قوله:{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} ، {بَعْدَ ذَلِكَ}: ظرف مضاف متعلق بـ {دَحَاهَا} ، وجملة {دَحَاهَا} جملة مفسرة لا محل لا من الإعراب.
{أَخْرَجَ} : فعل ماضٍ، وفاعل مستتر يعود على الله {مِنْهَا}: متعلق بـ {أَخْرَجَ} . {مَاءَهَا} : مفعول به، {وَمَرْعَاهَا}: معطوف على {مَاءَهَا} ، وجملة {أَخْرَجَ} في محل النصب حال من فاعل {دَحَاهَا} بتقدير: قد؛ أي: والأرض دحاها حال كونه مخرجًا منها ماءها ومرعاها، وهذا قول الجمهور، ويجوز أن تكون الجملة مفسرة لما لا بد منه في تأتي سكناها، من تسوية أمر المأكل والمشرب، وإمكان القرار عليها. {وَالْجِبَالَ}:{الواو} : عاطفة {الْجِبَالَ} : منصوب على الاشتغال، بفعل محذوف وجوبًا تقديره: وأرسى الجبال، والجملة معطوفة على جملة {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا} ، وجملة {أَرْسَاهَا} جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب {مَتَاعًا}: مفعول
لأجله لفعل محذوف تقديره: فعلنا ذلك تمتيعًا لكم، والجملة المحذوفة مستأنفة استئنافًا بيانيًا، ويجوز أن يكون مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف تقديره: متعناكم بها تمتيعًا، و {لَكُمُ}: متعلق بـ {مَتَاعًا} . {وَلِأَنْعَامِكُمْ} : معطوف على {لَكُمْ} ، {فَإِذَا جَاءَتِ}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم أحوال معاشكم، وأردتم بيان أحوال معادكم .. فأقول لكم:{إذا جاءت} {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان مضمن معنى الشرط متعلق بالجواب المحذوف، {جَاءَتِ الطَّامَّةُ}: فعل وفاعل {الْكُبْرَى} : صفة لـ {الطَّامَّةُ} ، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، وجواب {إذا} محذوف تقديره: يكون من عظائم الأمور ما لا يخطر ببال، وكان من عظائم الشؤون ما لم تره العيون، أو دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، وجملة {إذا} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، ويجوز أن تكون الفاء استئنافية، {يَوْمَ}: بدل من {إذا} بدل بعض من كل، أو بدل كل من كل، وجملة {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ}: في محل الجر مضاف إليه لـ {إذا} . {الْإِنْسَانُ} : فاعل. {مَا} : اسم موصول في، محل النصب مفعول به أو مصدرية، وجملة {سَعَى}: صلة لـ {مَا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما سعاه في الدنيا، أو صلة لـ {مَا} المصدرية؛ أي: سعيه، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ}: فعل ونائب فاعل معطوف على {يَتَذَكَّرُ} ، {لِمَنْ}: متعلق بـ {برزت} ، وجملة {يَرَى} صلة لـ {من} الموصولة. {فَأَمَّا}:{الفاء} استئنافية، أو فصيحة، {أما}: حرف شرط وتفصيل، {مَن}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، وجملة {طَغَى} صلة لـ {مَن} الموصولة. {وَآثَرَ}: معطوف على {طَغَى} . {الْحَيَاةَ} {الْحَيَاةَ} : مفعول به، {الدُّنْيَا}: صفة لـ {الْحَيَاةَ} {فَإِنَّ} : {الفاء} : رابطة لجواب {أما} : واقعة في غير موضعها؛ لأن موضعها موضع {أما} {إن} : حرف نصب {الْجَحِيمَ} : اسمها. {هِيَ} : ضمير فصل أو مبتدأ. {الْمَأْوَى} : خبرها، أو خبر المبتدأ، و {أل} في {الْمَأْوَى} عوض عن الضمير العائد على {مَنْ} الموصولة؛ أي: مأواه، أو العائد محذوف؛ أي: هي المأوى له، والأول: مذهب الكوفيين، والثاني: مذهب البصريين، وجملة {إن} في محل الرفع خبر المبتدأ في قوله:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)} ، وجملة المبتدأ والخبر جواب {أما} لا محل لها من الإعراب، وجملة {أما} مستأنفة، أو مقول
لجواب إذا المقدرة على كون الفاء فصيحة، {وَأَمَّا}:{الواو} : عاطفة، {أَمَّا}: حرف شرط وتفصيل {مَنْ} : اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، وجملة {خَافَ} صلة {مَنْ} الموصولة:{مَقَامَ رَبِّهِ} مفعول به، {وَنَهَى النَّفْسَ}: فعل ماضٍ، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على {خَافَ}. {عَنِ الْهَوَى}: متعلق بـ {نهى} ، {فَإِنَّ} {الفاء} رابطة لجواب {أَمَّا} ، {إنَّ}: حرف نصب {الْجَنَّةَ} : اسمها {هِيَ} : ضمير فصل {الْمَأْوَى} : خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل الرفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ جواب {أَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {أَمَّا} معطوفة على جملة {أما} الأولى.
{يَسْأَلُونَكَ} : فعل مضارع وفاعل ومفعول به، مرفوع بالنون. {عَنِ السَّاعَةِ}: متعلق بـ {يَسْأَلُونَكَ} على كونه مفعولًا ثانيًا، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لحكاية نوع آخر من تعنتهم {أَيَّانَ}: اسم استفهام في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا، لتضمنه معنى همزة الاستفهام، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم {مُرْسَاهَا}: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية جملة مفسرة لسؤالهم عن الساعة لا محل لها من الإعراب؛ أي: متى إرساؤها؛ أي: إقامتها وإثباتها. {فِيمَ} : {في} : حرف جر {م} : اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الجر بـ {في} مبني بسكون على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين {ما} الموصولة، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم {أَنْتَ}: مبتدأ مؤخر، {مِنْ ذِكْرَاهَا}: متعلق بما تعلق به الخبر، والمعنى: أنت في أي شيء من ذكراها، والجملة جملة إنشائية إنكارية لا محل لها من الإعراب، كأنها إنكار ورد لسؤالهم عن الساعة، وبيان لبطلان السؤال {إِلَى رَبِّكَ}: خبر مقدم. {مُنْتَهَاهَا} : مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل الإنكار قبلها {إِنَّمَا} أداة حصر، {أَنْتَ}: مبتدأ {مُنذِرُ} : خبر، والجملة مستأنفة، {مُنذِرُ}: مضاف، و {مَنْ} الموصولة في محل الجر مضاف إليه، وجملة {يَخْشَاهَا} صلة {مَنْ} الموصولة، {كَأَنَّهُمْ}:{كأن} : حرف نصب وتشبيه، و {الهاء} ضمير الغائبين في محل النصب اسمها. {يَوْمَ}: منصوب على الظرفية، متعلق بما في {كأن} من معنى التشبيه، وجملة {يَرَوْنَهَا}
في محل الجر بإضافة الظرف إليها، وجملة:{لَمْ يَلْبَثُوا} في محل الرفع خبر {كأن} ، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {عَشِيَّةً}: ظرف زمان متعلق بـ {يَلْبَثُوا} ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه وهو يوم، {أَوْ} حرف عطف. {ضُحَاهَا}: معطوف على {عَشِيَّةً} ، وجملة التشبيه في محل النصب حال من الموصول في قوله:{مَنْ يَخْشَاهَا} ؛ كأنه قيل: تنذرهم مشبهين يوم يرونها بمن لم يلبث إلا تلك المدة كما مر.
التصريف ومفردات اللغة
{وَالنَّازِعَاتِ} ؛ أي: الكواكب الجاريات على نظام معين في سيرها؛ كالشمس والقمر، يقال: نزعت الخيل إذا جرت.
{غَرْقًا} ؛ أي: مغرقة، أي: مجدة مسرعة في جريها لتقطع مسافة فلكها حتى تصل إلى أقصى المغرب، وفي "القرطبي":{غَرْقًا} بمعنى: إغراقًا، وإغراق النازع في القوس: أن يبلغ غاية المد حتى ينتهي إلى النصل. وفي "القاموس": يقال: أغرق: إذا استوفى مدها، وذلك بأن ينتهي إلى العقب الذي عند النصل الملفوف عليه، والاستغراق: الاستيعاب. اهـ.
{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)} ؛ أي: الخارجات من برج إلى برج خروجًا، من قولهم: نشط النور إذا خرج. وفي "القاموس": نشط - الدلو من باب ضرب - إذا نزعها بلا بكرة إذا كان متعديًا، وأما إذا كان لازمًا كما هنا على هذا المعنى المذكور، فهو من باب تعب. وفي "المصباح": نشط في عمله ينشط من باب تعب خف وأسرع نشاطًا، وهو نشيط، ونشطت الحبل نشطًا من باب ضرب: عقدته بأنشوطة، والأنشوطة - بضم الهمزة -: ربطة دون العقدة، إذا مدت بأحد طرفيها انفتحت، وأنشطت الأنشوطة - بالألف -: حللتها، وأنشطت العقال: حللته، وأنشطت البعير من عقاله: أطلقته.
{وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)} ؛ أي: السائرات في أفلاكها سيرًا هادئًا لا اضطراب فيه ولا اختلال، وقد جعل مرورها في جوائها كالسبح في الماء، كما جاء في قوله:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} . وفي "المختار": السباحة - بالكسر -: العوم، وقد سبح يسبح بالفتح، والسبح: الفراغ، والسبح أيضًا: التصرف في المعاش، وبابه:
قطع وقتل. اهـ.
{فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)} ؛ أي: المسرعات عن غيرها في سبحها، فتتم دورتها حول ما تدور عليه في مدة أسرع مما يتم غيرها؛ كالقمر، فإنه يتم دورته في شهر قمري، والشمس تتم دورتها في سنة شمسية، وهكذا غيرها من السيارات السريعة، ومنها ما لا يتم دورته إلا في سنين.
{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} ؛ أي: فالكواكب التي تدبر بعض الأمور الكونية في عالمنا الأرضي بظهور بعض آثارها، فسبق القمر علمنا حساب شهوره، وله الأثر العظيم في السحاب والمطر، وفي البحر من المد والجزر، ولضيائه حين امتلائه فوائد في تصريف منافع الناس والحيوان. وسبق الشمس في أبراجها علمنا حساب المشهور، وسبقها إلى تتميم دورتها السنوية علمنا حساب السنين، والخلاف بين فصول السنة، واختلاف الفصول من أسباب حياة النبات والحيوان، وقد نسب إليها التدبير؛ لأنها أسباب ما نستفيده منها، والمدبر الحكيم هو الله سبحانه العزيز العلم الذي جل ذكره وعظم شأنه.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)} ؛ أي: تضطرب النفخة الأولى، بها يرجف كل شيء من الأجرام الساكنة؛ كالأرض والجبال، وصفت النفخة بما يحدث منها.
{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)} ؛ أي: النفخة الثانية، وبينهما أربعون سنة، وقيل: المعنى: {تَرْجُفُ} ؛ أي: تضطرب وتتحرك {الرَّاجِفَةُ} ؛ أي: الأرض بمن عليها.
{تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)} ؛ أي: السماء وما فيها تردفها وتتبعها، فإنها تنشق وتنثر كواكبها. وفي "المختار": الرجفة: الزلزلة، وقد رجفت الأرض من باب نصر. اهـ. وفي "القرطبي": وأصل الرجفة: الحركة، قال الله تعالى:{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ} : وليست الرجفة هاهنا من الحركة فقط، بل من قولهم: رجف الرعد يرجف رجفًا ورجيفًا أي أظهر الصوت والحركة، ومنه سميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها، وإفاضة الناس بها. اهـ. وفي، "القاموس" ردفه - كسمعه ونصره - تبعه كأردفه. اهـ.
{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)} ؛ أي: شديدة الاضطراب والخوف. وفي "المختار": وجف الشيء يجف بالكسر وجيفًا ضطرب، وقلب واجف؛ أي:
خائف. اهـ. {خَاشِعَةٌ} ؛ أي ذليلة.
{أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} الحافرة: الطريق التي يرجع الإنسان فيها من حيث جاء، يقال: رجع في حافرته وعلى حافرته إذا رجع في طريقه التي جاء منها، وأصله: أن الإنسان إذا رجع في طريقه أثرت قدماه فيها حفرًا. وقال الراغب: وقوله في الحافرة: مثل لمن يرد من حيث جاء أي أنرد إلى الحياة بعد أن نموت. وقيل: الحافرة: الحياة الأولى، أي: نرد إلى الحياة بعد الموت. وقد ظنوها حياتهم الأولى، و {في} بمعنى إلى، على هذا التفسير.
{عِظَامًا نَخِرَةً} ؛ أي: بالنية من نخر العظم فهو نخر وناخر، وهو البالي الأجوف الذي تمر به الريح فيسمع له نخير. اهـ أبو السعود. وفي "المصباح": نخر العظم نخرًا - من باب تعب - بلي وتفتت، فهو نخرٌ وناخر. اهـ ونخرة: أبلغ من ناخرة لكونها من صيغ المبالغة، أو صفة مشبهة دالة على الثبوت كما مر في مبحث التفسير.
{كَرَّةٌ} الكر: الرجوع، والكرة: المرة من الرجوع، والجمع كرات كمرة ومرات.
{خَاسِرَةٌ} والخاسرة: هي التي يخسر أصحابها ولا يربحون {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} والزجرة: الصيحة، والمراد بها: النفخة الثانية يبعث بها الأموات.
{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} والساهرة: الأرض البيضاء المستوية؛ لأن السراب يجري فيها، وسميت بذلك؛ لأن شدة الخوف التي تعتري من عليها تطير النوم من أعينهم، فلا يذوقون نومًا، فهي ساهرة: أي: ساهر من عليها. قال الأشعث بن قيس:
وَسَاهِرَةٍ يَضْحَى السَّرَابُ مُجَلِّلًا
…
لَأقْطَارِهَا قَدْ جِئْتُهَا مُتَلَثِّمَا
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} ناداه: فيه إعلال بالقلب، أصله: ناديه، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد الفتح.
{بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} ؛ أي: المبارك المطهر، والوادي المقدس: هو وادٍ بأسفل جبل طور سينا من برية الشام. {طُوًى} وادٍ بين أيلة ومصر. قرىء بالتنوين مصروفًا هنا وفي طه على أنه اسم للوادي، وأصله: طوي، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد
الفتح، وقرىء بغير تنوين على أنه اسم للبقعة أو الأرض، فلا ينصرف للعلمية والتأنيث، وعليه فيكون فيه تسمية المؤنث بمذكر؛ حيث سميت البقعة بالوادي.
{إِنَّهُ طَغَى} ؛ أي: تجاوز الحد فتكبر على الله سبحانه وكفر به. {إِلَى أَنْ تَزَكَّى} ؛ أي: تتزكى وتتطهر من العيوب أصله: تتزكى بوزن تتفعلى بتاءين، دخلت عليه أداة النصب {أَن} ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وحذفت منه إحدى التاءين، وقرىء بالتشديد أدغمت التاء الثانية في الزاي، وأما على التخفيف .. فتحذف إحدى التاءين.
{فَتَخْشَى} أصله: تخشي بوزن تفعل، قلبت ياؤه ألفًا لتحركها بعد فتح. {فَأَرَاهُ} أصله أرأيه، نقلت حركة الهمزة إلى الراء فسكنت، ثم حذفت للتخفيف، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)} أصله: يسعى بوزن يفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{فَحَشَرَ فَنَادَى (23)} أصله: نادى، بوزن فاعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أصله: الأعلو من العلو، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح.
{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} ؛ أي: أصعب خلقًا بالنسبة لاعتقاد المخاطبين اهـ "شهاب". أصله: أشدد بوزن أفعل، نقلت حركة الدال إلى الشين فسكنت، فأدغمت في الدال الثانية.
{أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} أصله: بنيها، قلبت ياؤه ألفًا لتحركها بعد فتح، والبناء ضم الأجزاء المتفرقة بعضها إلى بعض مع ربطها بما يمسكها حتى يكون منها بنية واحدة.
{رَفَعَ سَمْكَهَا} والسمْك: قامة كل شيء {فَسَوَّاهَا} ؛ أي: جعل كل جزء موضوع في موضعه، أصله: سويها بوزن فعل المضعف، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} ؛ أي: أظلمها. {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} ؛ أي: ونورها وضياء شمسها،
والألف فيه منقلبة عن واو، وإنما رسمت ياء؛ لأن الاسم الثلاثي المضموم الأول يجوز فيه وجان: رسمه بالألف الطويلة المنقلبة عن الواو، ورسمه بالياء.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} ؛ أي: مهدها وبسطها وجعلها قابلة للسكنى.
قال زيد بن عمرو بن نفيل:
وَأَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ
…
لَهُ الَأَرْضُ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالَا
دَحَاهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا
…
بِأَيْدٍ وَأرْسَى عَلَيْهِ الْجِبَالَا
وقوله: {دَحَاهَا} الألف فيه منقلبة عن واو، وكتبت ياء على غير قياس، أو أصلها: ياء.
{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)} ؛ أي: نباتها، أصله: مرعيها بوزن مفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)} أصله: من الرسول فقلبت الواو ياء لوقوعها رابعة، ثم قلبت ألفًا لتحركها بعد فتح {مَتَاعًا}؛ أي: متعة ومنفعة لكم ولأنعامكم.
{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)} ، أي: الداهية العظمى التي تطم على الدواهي؛ أي: تغلب وتعلوه، وهي النفخة الثانية التي يكون معها البعث، قاله ابن عباس كما مر. وهي اسم فاعل من طم ككافة، وأصله: طاممة أدغمت الميم الأولى في الثانية.
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)} أصله: طغي بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{هِيَ الْمَأْوَى} : اسم مكان على وزن مفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركا بعد فتح.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} ؛ أي: جلاله وعظمته، أصل خاف: خوف بوزن فعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح، وأصل {مَقَامَ}: مقوم، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكن، ثم قلبت ألفًا لتحركها في الأصل، وفتح ما قبلها الآن.
{وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} ؛ أي زجرها وكفها عن هواها المردي لها بميلها إلى الشهوات، أصله: نهي بوزن فعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، وقوله:{عَنِ الْهَوَى} أصله: الهوي، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، والهوى: ميل النفس إلى
ما تشتهيه وتستلذه من غير داعية الشرع.
{إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (4)} أصله: منتهيها بوزن مفتعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح؛ أي: إن منتهى علم وقت حصولها عند ربك لم يؤته أحدًا من خلقه.
{مَنْ يَخْشَاهَا} فيه إعلال بالقلب، أصله: يخشيها قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} أصله: يرأيونها، نقلت حركة الهمزة إلى الراء فسكنت، ثم حذفت للتخفيف، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح.
{لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} واللبث: الإقامة، والعشية: طرف النهار من آخره، والضحى: طرفه من أوله، وأصل عشية: عشيوة بوزن فعيلة، فلام الكلمة واو اجتمعت ساكنة مع الياء فقلبت ياء، وأدغمت فيها الياء.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)} ؛ حيث استعار {السابحات} للملائكة التي تسرع في نزولها من السماء إلى الأرض، أو الكواكب التي تسرع في سيرها لأنها حقيقة في الحيوانات السابحات في الماء بجامع السرعة في كل. وفيه أيضًا: التعميم بعد التخصيص لأن نزول الأولين إنما هو لقبض الأرواح مطلقًا، ونزول هؤلاء لعامة الأمور والأحوال. اهـ من "الروح".
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} ؛ لأن المدبر حقيقة هو الله سبحانه وتعالى، ففيه إسناد الشيء إلى سببه.
ومنها أيضًا: الإسناد المجازي في قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)} ، أي: النفخة الأولى: لأن النفخة كانت سببًا لرجف الأجرام الهادئة وحركتها، فجعل سبب الرجف راجفًا.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)} .
ومنها: إضافة ما للشيء إلى جزئه في قوله: {أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} ؛ حيث
أضاف الأبصار إلى ضمير القلوب أي أبصار أصحاب تلك القلوب؛ كما دل عليه قوله: {يَقُولُونَ} ، وإلا فالقلوب لا أبصار لها، وإنما أضاف الأبصار إلى القلوب؛ لأنها محل الخوف وهو من صفاتها.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {خَاشِعَةٌ} ؛ حيث أسند الخشوع إلى الأبصار مجازًا؛ لأن أثره يظهر فيها.
ومنها: إطلاق فاعلة على مفعولة في قوله: {فِي الْحَافِرَةِ} ؛ أي: إلى الحالة الأولى، وهي الحياة، يقال: رجع فلان في حافرته؛ أي: طريقته التي جاء فيها فحفرها؛ أي أثر فيها بمشيه، وتسميتها حافرة مع أنها محفورة، وإنما الحافر هو الماشي في تلك الطريقة، كقوله تعالى:{فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ؛ أي: مرضية، أو هو من تشبيه القابل بالفاعل، أي: في تعلق الحفر بكل منها، فأطلق اسم الثاني على الأول للمشابهة، كما يقال: صام نهاره تشبيهًا لزمان الفعل بفاعله.
ومنها: مجاز بالحذف في قوله: {أَإِذَا كُنَّا} أي: أنبعث ونرد إذا كنا عظامًا نخرة؟
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} فقد أسند الخسران للكرة، والمراد: أصحابها، وكذلك في قوله:{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)} أسند السهر إلى الأرض البيضاء مجازًا، كما أسندوا إليها النوم في ضدها لأن السائر فيها سا لا ينام خوف الهلكة، فهو مجاز عقلي.
ومنها: اختيار صيغة الماضي في قوله: {قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)} للإيذان بأن صدور هذا الكفر منهم ليس بطريق الاستمرار مثل كفرهم السابق المعبر عنه بالمضارع؛ أي: قالوا بطريق الاستهزاء بالحشر. اهـ "الروح".
ومنها: المقابلة بين قوله: {السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)} ، وبين قوله:{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)} ، وكذلك المقابلة بين قوله:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)} ، وبين قوله:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)} الآيات.
ومنها: أسلوب التشويق في قوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)} فإن المراد منه التشويق إلى معرفة القصة.
ومنها: الطباق بين الآخرة والأولى في قوله: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)} ؛ لأن المراد كلمتاه الشنيعتان: الأولى والآخرة.
ومنها: الطباق بين {الْجَنَّةَ} و {الْجَحِيمَ} ، وبين {السَّمَاءُ} و {وَالْأَرْضَ} .
ومنها: المجاز المرسل في قوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)} ؛ لأنه أطلق المرعى على ما يأكله الناس، فاستعمل المرعى في مطلق المأكول للإنسان وغيره، والعلاقة استعمال المقيد في المطلق، ويجوز أن يكون استعارة تصريحية؛ حيث شبه أكل الناس برعي الدواب، وإلى هذا جنح الزمخشري فقال: وأراد بمرعاها: ما يأكل الناس والأنعام، واستعير الشرعي للإنسان، كما استعير الرتع له في قوله تعالى:{نرتع ونلعب} في سورة يوسف بجامع أكل كل من الإنسان والحيوان من النبات.
ومنها: استعمال البناء في موضع السقف في قوله: {السَّمَاءُ بَنَاهَا} فإنَّ السماء سقف مرفوع، والبناء إنما يستعمل في أسافل البناء، لا في الأعالي؛ للإشارة إلى أنه وان كان سقفًا، لكنه في البعد عن الاختلال والانحلال كالبناء، فإنَّ البناء أبعد عن تطرق الاختلال إليه بالنسبة إلى السقف.
ومنها: التعبير عن النهار بالضحى، وهو ضوء الشمس أول النهار في قوله {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}؛ أي: أبرز نهارها، لأنه أشرف أوقاته وأطيبها على طريقة تسمية المحل باسم أشرف ما حل فيه، فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان، وهو السر في تأخير ذكره عن ذكر الليل.
ومنها: إضافة الليل والضحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتها، والإضافة يكفيها أدنى ملابسة المضاف إليه، ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطة الشمس، أي: أبرز ضوء شمسها بتقدير المضاف، فيكون من مجاز الحذف، والتعبير عنه بالضحى؛ لأنه وقت قيام سلطانها، وكمال إشرافها.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ، فقد استعار الإرساء للساعة، وهو لا يستعمل إلا فيما له ثقل من الأجرام كالسفينة.
ومنها: القصر في قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)} فهو إما من قصر الموصوف على الصفة، فيكون المعنى: ما أنت إلا منذر لا يعلم وقتها، أو من قصر الصفة على الموصوف، فيكون المعنى: ما أنت منذر إلا من يخشاها.
ومنها: تخصيص {من يخشى} مع أنه مبعوث إلى من يخشى ومن لا يخشى؛ لأنهم هم المنتفعون به؛ أي: لا يؤثر الإنذار إلا فيهم.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)} .
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
موضوعات هذه السورة الكريمة
اشتملت هذه السورة على الموضوعات التالية:
1 -
إثبات البعث.
2 -
مقالة المشركين في إنكاره، والرد عليهم.
3 -
قصص موسى مع فرعون، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
4 -
إقامة البرهان على إثبات البعث.
5 -
أهوال يوم القيامة.
6 -
الناس في هذا اليوم فريقان: سعداء وأشقياء، بحسب أعمالهم في الدنيا.
7 -
سؤال المشركين عن الساعة وميقاتها.
8 -
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البحث عنها، واشتغاله بأمرها.
9 -
ذهول المشركين من شدة الهول عن مقدار ما لبثوا في الدنيا (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، تم تفسير هذه السورة في تاريخ: 23/ 7/ 1416 هـ.