الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما أخذ اللَّه تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه
فقد قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] .
قوله: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ ما، بمعنى الّذي، قال النحاس: التقدير على قول الخليل: الّذي آتيتكموه ثم حذف الهاء لطول الاسم، والإصر: العهد.
وعن أبي أيوب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم يبعث اللَّه نبيا [من لدن][ (2) ] آدم فمن بعده إلا أخذ اللَّه العهد عليه في محمد لئن بعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ
…
وعن سعيد عن قتادة: قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ
…
الآية، هذا ميثاق قد أخذه اللَّه على النبيين أن يصدّقوا بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب اللَّه ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب اللَّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه.
وقال أسباط عن السدي: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ الآية، قال: لم يبعث اللَّه نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن
[ (1) ] المائدة: 83.
[ (2) ] زيادة للسياق.
بمحمد صلى الله عليه وسلم ولينصرنه إن خرج وهو حيّ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرونه هم إن خرج وهم أحياء.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم- يعني على أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه- يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ
…
إلى آخر الآية.
وقال أسباط عن السدي في قوله: لَما آتَيْتُكُمْ: يقول لليهود: أخذت ميثاق النبيين لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم، فهذا كما ترى، وقد أخذ اللَّه الميثاق على جميع الأنبياء عليهم السلام إن جاءهم رسول مصدق لما معهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به ونصروه، فلم يكن أحد منهم ليدرك الرسول صلى الله عليه وسلم إلا وجب عليه الإيمان به ونصره على أعدائه لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم تعالى كلهم أتباعا لمحمد صلى الله عليه وسلم يلزمهم الانقياد له والطاعة لأمره لو أدركوه.
وقد نصّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على معنى ما قلنا،
فروى هشيم عن مجالد عن الشعبيّ عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب فقال: والّذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني» [ (1) ] .
[ (1) ]
رواه البخاري عن يحى بن بكير، وعن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، وقال البيهقي في (الشّعب) : وقد روينا عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن عمر أتاه فقال: إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال: أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتّباعي.
قال أبو عبيد: قال ابن عون فقلت للحسن: متهوكون؟ قال: متحيرون.
وأخبرنا أحمد بن الحسن القاضي، حدثنا أبو علي حامد بن محمد الرفّاء، حدثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنّهم لن يهدوكم وقد ضلوا» . زاد القاضي في روايته: «واللَّه لو كان موسى عليه السلام حيا ما حلّ له إلا أن يتبعني» .
وروى عن جبير بن نفير، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في محو ما كتب من قول اليهود
وقال بعض العارفين باللَّه تعالى. وبهذا يتبين لك سيادة محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء [والمرسلين من][ (1) ]
قوله صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم [ (2) ] ولا فخر،
وفي رواية مسلم [ (3) ] : أنا سيد الناس يوم القيامة،
فثبتت له السيادة والشرف على
[ () ] (بريقه والنهي عن ذلك.
(شعب الإيمان للبيهقي) : 1/ 199- 200، باب في الإيمان بالقرآن والكتب المنزلة، ذكر حديث جمع القرآن، حديث رقم (176) ، (178) ، (179)، وحديث رقم (5205) :
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأنا أبو عبد اللَّه الصنعاني، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرأ عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه فقال:«والّذي نفسي بيده، لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم» . (المرجع السابق) : 4/ 308- 309، باب حفظ اللسان، فصل في ترك قراءة كتب الأعاجم. ونحوه في (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) 3/ 114- 115، باب الزجر عن النظر في كتب أهل الكتاب، حديث رقم (3024) .
وخرّج الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه، قال: حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبي، حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن ثابت قال:«جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي من جوامع التوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال عبد اللَّه: فقلت له: ألا ترى ما بوجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، قال: فسرّي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: والّذي نفسي بيده، لو أصبح فيكم موسى، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين» . (مسند أحمد) : 4/ 513- 514، حديث رقم (15437) .
[ (1) ] زيادة للسياق، ومكانها مطموس في (خ) .
[ (2) ]
(المستدرك) : 3/ 133، 134، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4625/ 223) : حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي، حدثنا محمد بن معاذ، حدثنا أبو حفص عمر بن الحسن الراسي، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أنا سيد ولد آدم، وعليّ سيد العرب» .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وفي إسناده عمر بن الحسن، وأرجو أنه صدوق، ولولا ذلك لحكمت بصحته على شرط الشيخين، وله شاهد من
حديث عروة عن عائشة رقم (4626/ 224) : أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر القاري ببغداد، حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، حدثنا الحسين بن علوان، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي سيد العرب» فقلت: يا رسول اللَّه! ألست سيد العرب؟ قال: «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب» .
وله شاهد آخر من
حديث جابر رقم (4627/ 225) : قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «ادعوا لي سيد العرب، فقالت عائشة رضي الله عنها: ألست سيد العرب يا رسول اللَّه؟ فقال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب» .
[ (3) ]
(مسلم بشرح النووي) : 3/ 66- 69، كتاب الإيمان، باب (84) ، حديث رقم (327) ،
أبناء جنسه من البشر،
وقال صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين [ (1) ] ،
فأخبره اللَّه تعالى بمرتبته، وأنه عليه السلام إذ ذاك صاحب شرع، فإنه
قال: كنت نبيا
ولم
[ () ] وحديث رقم (328)، قوله صلى الله عليه وسلم:«أنا سيد الناس يوم القيامة» ،
ضمن حديث طويل معروف باسم (حديث الشفاعة) ، وسيأتي ذكره مشروحا إن شاء اللَّه تعالى في فصل [اختصاصه بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر] .
[ (1) ]
المعروف أن هذا الحديث بلفظ: «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» ، أخرجه أبو نعيم في (الدلائل) ، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن لال، ومن طريقه الديلميّ، كلهم من حديث سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة به مرفوعا.
وله شاهد من
حديث ميسرة الفجر، بلفظ:
«كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد» ، أخرجه أحمد، والبخاري في (التاريخ) ، والبغوي، وابن السكن، وغيرهما في (الصحابة) ، وأبو نعيم في (الحلية) ، وصححه الحاكم، وكذا هو بهذا اللفظ عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة: متى كنت أو كتبت نبيا؟ قال: «وآدم» ، وذكره. وقال الترمذي:
إنه حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا* وفي لفظ:«وآدم منجدل في طينته» ،
وفي صحيحي ابن حبان والحاكم، من حديث العرباض بن سارية مرفوعا:«إني عند اللَّه لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته» .
وكذا أخرجه أحمد، والدارميّ في مسنديهما، وأبو نعيم والطبراني، من حديث ابن عباس، قال: قيل: يا رسول اللَّه، متى كتبت نبيا؟ قال:«وآدم بين الروح والجسد» .
وأما الّذي على الألسنة بلفظ
«كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» ،
فلم نقف عليه بهذا اللفظ، فضلا عن زيادة:
«وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين» .
وقد قال شيخنا- الحافظ ابن حجر- في بعض الأجوبة عن الزيادة: إنها ضعيفة، والّذي قبلها قوي. (المقاصد الحسنة) : 520- 521، حديث رقم (837) .
وقال الزركشي: لا أصل له بهذا اللفظ، قال السيوطي في (الدر) : وزاد العوام: «ولا آدم ولا ماء ولا طين» ، لا أصل له أيضا، وقال القاري: يعني بحسب مبناه، وإلا فهو صحيح باعتبار معناه.
وروى الترمذي أيضا عن أبي هريرة، أنهم قالوا: يا رسول اللَّه، متى وجبت لك النبوة؟ قال:
«وآدم بين الروح والجسد» ، وفي لفظ: متى كتبت نبيا؟ قال: «كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد» . وعن الشعبي، قال رجل: يا رسول اللَّه متى استنبئت؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد، حين أخذ مني الميثاق» .
وقال التقي السبكي: فإن قلت: النبوة وصف، لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا، وإنما يكون بعد أربعين سنة، فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله؟ قلت: جاء أن اللَّه تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد، فقد تكون بقوله:«كنت نبيا» ، إلى روحه الشريفة، أو حقيقته، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها، وإنما يعرفها خالقها، ومن أمدّه بنور آلهي.
ونقل العلقميّ عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعا أنه قال: «كنت نورا بين يدي ربي عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام. (كشف الخفا ومزيل الالتباس) : 2/ 129، حديث رقم (2007) .
يقل: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، أو ليست النبوة إلا بالشرع المقدر عليه من عند اللَّه تعالى؟ فأخبر سبحانه وتعالى أنه عليه السلام صاحب النبوة قبل وجوده في الأنبياء في الدنيا وهو روح قبل اتخاذه تعالى الأجسام الإنسانية، فكانت الأنبياء عليهم السلام في هذا العالم نواب محمد صلى الله عليه وسلم من آدم إلى عيس عليهما السلام، وإلى هذا الإشارة بقوله عليه السلام: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني، وكذلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلم موجودا بجسمه من لدن آدم عليه السلام إلى زمان وجوده، لكان جميع بني آدم تحت شريعته، ولهذا لم يبعث بشريعة عامة إلا هو صلى الله عليه وسلم، فإنه الملك والسيد، وكل رسول إنما بعث إلى قوم مخصوصين، ولم تعم، فمن زمن آدم إلى زمن بعثة محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإلى يوم القيامة ملكه، وله يوم القيامة التقدم أيضا على جميع الرسل مع السيادة، فكانت روحانيته صلى الله عليه وسلم روحانية كل رسول موجودة، والإمداد يأتي إليهم من روحه الطاهرة بما يظهر منهم من الشرائع والعلوم في زمن وجودهم رسلا، وكان تشريعهم الشرائع كما كان علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم يقضون في زمان وجود جسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكما يكون عيسى عليه السلام حين ينزل آخر الزمان بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، لكن لما لم يوجد صلى الله عليه وسلم في الحسّ نسب كل شرع إلى من بعث به، وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كان مفقود العين، كما يكون صلى الله عليه وسلم مفقود العين في زمان نزول عيسى وحكمه بالشرع المحمدي، وكون محمد صلى الله عليه وسلم نسخ اللَّه بشرعه جميع الشرائع، لا يخرجها النسخ عن أن تكون من شرعه، فإن اللَّه تعالى قد أشهدنا في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على أنه شرعه، فنسخ بالمتأخر، فكان هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة المحمدية تنبيها لنا على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له، وكان نزول عيسى آخر الزمان حاكما بغير شرعه الّذي كان عليه في زمان رسالته، وحكمه بشرع محمد صلى الله عليه وسلم أدلّ دليل على أنه لا حكم لأحد من الأنبياء مع وجود محمد صلى الله عليه وسلم أو وجود ما قرره من الحكم، فخرج من هذا كله أن محمدا صلى الله عليه وسلم ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له، والحاكمون فيه كانوا نوابا عنه، فإن قلت: قال اللَّه تعالى:
أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ
اقْتَدِهْ [ (1) ]، قلت: هذا صحيح، فقد قال تعالى: فَبِهُداهُمُ، وهداهم من اللَّه وهو شرعه صلى الله عليه وسلم، أي الزم شرعك الّذي أظهرته نوّابك من إقامة الدين وعدم التفرق فيه، ولم يقل سبحانه: فبهم أقتد، وكذا قال سبحانه: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (2) ] وهو الدين، فهو صلى الله عليه وسلم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من اللَّه تعالى لا من غيره، وأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني؟ فأضاف الاتباع إليه، وأمر هو صلى الله عليه وسلم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء، فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النائب بمراسمه، فهو الحاكم في الحقيقة غيبا وشهادة، مما قيل في شرفه:
فإنك شمس والملوك كواكب
…
إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب [ (3) ]
فانظر ما أبدع هذا الفضل الّذي لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، الّذي لم ينتبه إليه إلا من شاء اللَّه، وقليل ما هم، واللَّه يختص برحمته من يشاء.
***
[ (1) ] الأنعام: 90.
[ (2) ] النحل: 123.
[ (3) ] البيت للنابغة الذبيانيّ.