الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي لفظ له: فإذا جبريل جالس بين السماء والأرض [ (1) ]، وفي لفظ البخاري [ (2) ] : فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض.
وخرج الحاكم من حديث الحميدي، حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول سورة أنزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ إلى ما لَمْ يَعْلَمْ [ (3) ] .
ذكر الاختلاف في شق [ (4) ] صدر [ (5) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع
؟
اعلم أن شق صدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وغسل قلبه وحشوه بالإيمان والحكمة،
[ (1) ]
في الحديث رقم (255) : «جالسا على كرسي بين السماء والأرض. وفي الحديث رقم (258) : «فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض» . (المرجع السابق) .
[ (2) ] في الحديث رقم (4) - كتاب بدء الوحي: «جالس على كرسيّ بين السماء والأرض» (فتح الباري) : 1/ 37.
[ (3) ](المستدرك) : 2/ 576، كتاب التفسير، باب (96) تفسير سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، حديث رقم (3953/ 1091)، وقال في آخره:(فإذا ابن عيينة لم يسمعه من الزهري) .
وحديث رقم (3954/ 1092)، وقال في آخره:(هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) .
[ (4) ] الشّق: الخرم الواسع في شيء، يقال: شقّه نصفين. قوله تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [1/ القمر] ، كان انشقاقه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: انشقاق يعرض فيه حين تقرب القيامة، وقيل معناه: وضح الأمر. والشّقّة: القطعة المنشقّة كالنصف. والشّق- بالكسر- المشقّة والانكسار الّذي يلحق النفس والبدن، وذلك كاستعارة الانكسار لها، قال تعالى: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [الآية 6/ النحل] .
والشّقّة: الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها قال تعالى: وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ [الآية 42/ التوبة]، والشّقاق: المخالفة، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما [الآية 35/ النساء] ، وكونك في شقّ غير شقّ صاحبك، أو من شقّ العصا بينك وبينه.
وقوله تعالى: مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الآية 13/ الأنفال] ، أي صار في شقّ غير شقّ أوليائه، وفلان شقّ نفسي، وشقيق نفسي، أي كأنه شقّ مني لمشابهة بعضنا بعضا، (البصائر) :
3/ 330- 331.
[ (5) ] الصدر: الجارحة، والجمع: صدور، ثم استعير لمقدم الشيء، مثل صدر القناة، وصدر
قال اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (1) ]، قال إبراهيم بن طهمان: سألت سعيدا عن قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ قال: فحدثني عن قتادة عن أنس بن مالك أنه قد شق بطنه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم من عند بطنه إلى صدره، فاستخرج قلبه فغسل في طست من ذهب ثم مليء إيمانا وحكمة ثم أعيد مكانه، قد روى من وجوه باختلاف الأماكن والأيام، فروى أن ذلك وقع وهو مسترضع في بني سعد كما تقدم ذكره عند ذكر حليمة في فصل أمهاته من الرضاعة، وقيل وقع ذلك في موضع آخر في زمان آخر، فروى أنه أعيد له شرح الصدر بعد أن تم له عشر سنين.
وقد أخرج في الصحيحين أنه شق صدره ليلة المعراج،
وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أبيّ بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان حريّا [ (2) ] أن يسأله عن الّذي لا يسأله غيره- فقال: يا رسول اللَّه! ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ فقال [ (3) ] : إذا سألتني إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج، إذا
[ () ] السهم. وسهم مصدّر: غليظ الصدر، وأخذ الأمر بصدره: بأوله. والأمور بصدورها، وهؤلاء صدرة القوم: مقدّموهم. وصدّر فلان فتصدّر: قدّم فتقدّم، وصدره: أصاب صدره، ومنه رجل مصدور: يشتكي صدره، فإذا عدّي «صدر» بعن اقتضى الانصراف، نحو صدرت الإبل عن الماء صدرا.
والمصدر يقال في مصدر صدر عن الماء، ولموضع الصدر، ولزمانه، وقد يقال في عرف النحاة للفظ الّذي روعي فيه صدور الفعل الماضي والمستقبل عنه. وقال بعض العلماء: حيثما ذكر اللَّه القلب فإشارة إلى العقل والعلم، نحو قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [36/ ق] ، وحيثما ذكر الصدر، فإشارة إلى ذلك وإلى سائر القوى: من الشهوة، والهوى والغضب، ونحوها.
وقوله تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [25/ طه] ، سؤال لإصلاح قواه، وكذا قوله:
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [14/ التوبة] ، إشارة إلى اشتفائهم، وقوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [46/ الحج]، أي العقول التي هي مندسّة فيما بين سائر القوى. (المرجع السابق) : 392، 393.
[ (1) ] أول سورة الشرح.
[ (2) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل البيهقي) :«حريصا» .
[ (3) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل البيهقي) :«إذ» .
أنا برجلين فوق رأسي، يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، [قال] [ (1) ] :
فأخذاني فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني، [وكان][ (2) ] جبريل يختلف بالماء في طست من ذهب، وكان ميكائيل يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري [فيما أرى] [ (3) ] مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي، فقال أخرج الحسد والغل [ (4) ] منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به [ (5) ] ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة قلبه [ (6) ] ، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّ عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: أغد، فرجعت بما لم أغد به من رحمتي على الصغير ورقتي على الكبير.
قال: أبو نعيم: وهذا الحديث مما تفرد به معاذ ابن محمد [عن آبائه][ (7) ] ، وتفرد بذكر السن الّذي شق فيه عن قلبه والّذي رواه عبد اللَّه بن جعفر عن حليمة السعدية وعبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة ابن عبد، اتفقا على أنه كان مسترضعا في بني سعد، فأما رواية أبي ذر، فرواه الزهري عن أنس عنه، قال كاتبه: معاذ مما يروى عن أبيه وعن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، وأبي الزبير المكيّ وجماعة، ويروى عنه معاوية بن صالح الحضرميّ وعبد اللَّه بن لهيعة، ومحمد بن عمر الواقدي وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات.
وفي أفراد مسلم من حديث شيبان بن فروخ قال: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى
[ (1) ] زيادة من (خ) .
[ (2) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل أبي نعيم) :«فكان» .
[ (3) ] زيادة من المرجع السابق.
[ (4) ] في (المرجع السابق) : «الغل والحسد» .
[ (5) ] في (المرجع السابق) : «فنبذه» .
[ (6) ] في (المرجع السابق) : «في قلبه» .
[ (7) ] زيادة من (خ) .
مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره [ (1) ]- فقالوا: إن محمدا قد قتل! فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت [أرى][ (2) ] أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
قال البيهقي: وهو موافق لما هو معروف عند أهل المغازي- يعني وقوع ذلك- وهو مسترضع في بني سعد، وسيأتي في الإسراء
حديث مسلم [ (4) ] من طريق سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت،
وحديث البخاري من طريق سليمان عن شريك بن عبد اللَّه عن أنس، وحديث البخاري
[ (1) ] الظئر: المرضع أو الأم من الرضاعة.
[ (2) ] زيادة للسياق.
[ (3) ] الحديث الأول في (دلائل أبي نعيم) ، 1/ 219- 220، رقم (166) رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد (المسند) ، ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان.
والحديث الثاني في (المرجع السابق) 1/ 221، رقم (168) ، أخرجه مسلم في صحيحه بسنده ومتنه في كتاب الإيمان باب الإسراء، حديث رقم (261) ، والبيهقي في (الدلائل) 2/ 5، باب ما جاء في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم واستخراج حظ الشيطان من قلبه سوى ما مضى في باب ذكر رضاعه، (مسند أحمد) : 3/ 617، حديث رقم (12097) .
[ (4) ]
قوله صلى الله عليه وسلم: «فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت» ،
معنى شرح شق،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثم أنزلت» ،
هو بإسكان اللام وضم التاء، هكذا ضبطناه، وكذا هو في جميع الأصول والنسخ، وكذا نقله القاضي عياض رحمه الله عن جميع الروايات، وفي معناه خفاء واختلاف، قال القاضي:
قال الوقشيّ: هذا وهم من الرواة، وصوابه: تركت، فتصحّف، قال القاضي: فسألت عنه ابن سراج فقال: أنزلت في اللغة بمعنى تركت صحيح، وليس فيه تصحيف. قال القاضي: وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت، فهو ضدّ رفعت، لأنه قال: انطلقوا بي إلى زمزم ثم أنزلت، أي ثم صرفت إلى موضعي الّذي حملت منه، قال: ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبي بكر البرقاني، وأنه طرف حديث، وتمامه:«ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا» هكذا بفتح اللام وإسكان التاء، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي، وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها، وقال: أخرج البرقاني بإسناد (مسلم) ، وأشار الحميدي إلى أن رواية (مسلم) ناقصة وأن تمامها ما زاده البرقاني، واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 2/ 573، حديث رقم (260) ، كتاب الإيمان باب (74) .
ومسلم عن طريق همام عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة [ (1) ] ، وفيها شق صدره ليلة الإسراء.
وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث يونس عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل فعرج صدري حتى غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه.
ولأبي داود الطيالسي من حديث عمار بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن أبي ذر الغفاريّ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول اللَّه! كيف علمت أنك نبي؟ وبما علمت حتى استيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما بالأرض [ (2) ] والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما للآخر [ (3) ] : أهو هو [ (4) ] ؟ فقال: فزنه برجل، [فوزنني برجل][ (5) ] فرجحته، ثم قال [ (6) ] : زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني [بألف][ (7) ] فرجحتهم، ثم جعلوا يتساقطون [ (8) ] على [ (9) ] كفة الميزان، ثم قال أحدهما لصاحبه:
[ (1) ] حديث مالك بن صعصعة: ذكره (البخاري) في كتاب مناقب الأنصار، باب (42) ، حديث رقم (3887) . وذكره (مسلم في كتاب الإيمان، باب (74) ، حديث رقم (264) . ومالك ابن صعصعة هو مالك بن صعصعة بن وهب بن عدي بن مالك الأنصاري، من بني النجار، ليس له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث، ولا يعرف من روى عنه إلا أنس بن مالك. (فتح الباري) : 7/ 258.
[ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «وكان الآخر بين السماء والأرض» .
[ (3) ] في (دلائل أبي نعيم) : «فقال أحدهما لصاحبه» .
[ (4) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أهو هو؟، قال: هو هو نعم» .
[ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة للبيان من المرجع السابق.
[ (6) ] في المرجع السابق: «قال فزنه بعشرة» .
[ (7) ] ما بين الحاصرتين زيادة للبيان من المرجع السابق.
[ (8) ] في المرجع السابق: «ثم جعلوا يتساقطون عليّ» .
[ (9) ] في المرجع السابق: «في كفة الميزان» .
شقّ بطنه، فشقّ بطني فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه [ (1) ] غسل الملأ، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليّا عني وكأني أعاين [الأمر][ (2) ] معاينة [ (3) ] .
وفي رواية: لو وزنته بأمته لرجحهم، وقال: واغسل قلبه غسل الماء، ثم أتيت بسكينة وهرهرة [ (4) ] بيضاء فأدخلت قلبي.
ولأبي نعيم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم، فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم نزلت طست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة، فحشى بها صدري،
قال أنس:
فكأني انظر والنبي صلى الله عليه وسلم يرى الأثر في صدره [ (5) ] .
[ (1) ] في (خ) : «واغسل بطنه» .
[ (2) ] في (دلائل أبي نعيم) : «أعاين معاينة» ، وما بين الحاصرتين من (خ) .
[ (3) ] الحديث في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 221، حديث رقم (167) .
[ (4) ] تقول: «سمعت له هرهرة أي صوتا عند الحلب» (لسان العرب) : 5/ 262 ولم أدر معناها في سياق هذه العبارة من الحديث.
[ (5) ] الحديث رقم (168) في (دلائل أبي نعيم) : 1/ 221، 222: حدثني عمر بن حمدان قال:
حدثنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا هدبة وشيبان قالا: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق بطنه، فاستخرجه، ثم استخرج من قلبه علقة سوداء، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسل القلب في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه، ثم لأمه. قال أنس: فلقد رأيت أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.
وحادث شق الصدر ورد في كتب السيرة باتفاق، فهو في (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) :
1/ 236، كتاب الإسراء، ذكر وصف الإسراء برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس، حديث رقم (48)، قال محقق (الإحسان) نقلا عن الحافظ ابن حجر في (الفتح) : «وجميع ما ورد من شقّ الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له، دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحيته القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. قال القرطبي في (المفهم) :
لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير، ثم ذكر نحو ما تقدم» ، وفي (المستدرك) : 2/ 673، كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4430/ 240)، قال في التلخيص: على شرط مسلم، وفي (مسند أحمد) : 3/ 571، حديث رقم (11812)، وفي (طبقات ابن سعد) : 1/ 112، وفي (البداية والنهاية) : 2/ 335- 337،
وقد ذكر بعضهم أن اللَّه تعالى خلق في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت هذه العلقة من قلب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي فيه الشيطان شيئا.
[ () ] وفي (سيرة ابن هشام: 1/ 301.
وقد تكرر هذا الحادث مرتين بعد طفولته المبكرة، فكانت المرة الثانية لما كان النبي صلى الله عليه وسلم ابن عشر سنين، والمرة الثالثة لما جاوز صلى الله عليه وسلم الخمسين من عمره. وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد اللَّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم عن مزالق الطبع الإنساني، ووساوس الشيطان، وهو حصانة للرسول الكريم التي أضفاها اللَّه عليه، فإن اللَّه تعالى قد شاءت إرادته أزلا، أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الكامل، للإنسان الكامل، الّذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب، وصفاء النفس.
ولما شبّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كانت مكة تعجّ بمختلف أنواع اللهو والفساد، والملاذ الشهوانية الدنسة، كانت حانات الخمر منتشرة، وبيوت الريبة عليها علامات تعرف بها، مع كثرة الماجنات والراقصات، وغير ذلك من أمور الجاهلية التي كانت تعج بها مكة في ذلك المجتمع الجاهلي، وتتوجها عبادة الأصنام والأوثان، واللَّه تبارك وتعالى برّأ رسوله صلى الله عليه وسلم، واختاره من أكرم معادن الإنسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض، وتشهد الأثار على ما حباه ربه من العصمة، فمن ذلك ما سبق أن أوردناه بتمامه مع شرحه من
قوله صلى الله عليه وسلم: «ما همت بشيء من أمر الجاهلية إلا مرتين، كلتاهما عصمني اللَّه تعالى فيها» ،
وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ما حدثته به أم أيمن رضي الله عنها: «كانت بوانة صنما تحضره قريش لتعظمه.
.. إلخ» .
ولا يطمئن بعض الجاهلين، ومعهم المستشرقين، إلى حادثة شق الصدر، واستخراجه، ومعالجته، سواء التي حدثت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو عند حليمة السعدية، أو ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب في معجزة الإسراء والمعراج.
وابن حبان- منذ أكثر من ألف سنة- يناقش الموضوع، ويعتبره من معجزات النبوة، ويقول:
«كان ذلك له فضيلة فضّل بها على غيره، وإنه من معجزات النبوة، إذ البشر إذا شقّ عن موضع القلب منهم، ثم استخرج قلوبهم ماتوا» ، فهذا فعلا كان في عصر ابن حبان، المتوفى سنة (354) هجرية، لا بل هو إلى عهد قريب جدا.
وتقدّم العلم، والطب، والجراحة، والتخدير، والعمليات الجراحية صارت تجرى في غرف معقمة، وبوسائل مختلفة، وتقنية ماهرة، فأمكن للجراحين اليوم من إجراء مختلف أنواع العلميات الجراحية، في كل موضع من مواضع الجسم، الهدف منها استئصال الداء وطرحه، حيث لم تعد تنفع الوسائل الطبية، حتى أمكن الآن استخراج القلب، وليس فقط معالجته، لا بل استبدال قلب سليم من إنسان مات حديثا، بالقلب التالف، أو حتى قلب صناعي، ثم تخاط طبقات الجسم وتعاد، فلا يموت المريض! وهذا أصبح في استطاعة الإنسان.
أفما استطاعة الإنسان، لا يستطيعه اللَّه الّذي يقول للشيء كُنْ فَيَكُونُ؟.