الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبع وأربعين وثمانمائة
شهر الله - المحرم، أوله الأربعاء بالرؤية في اليوم التاسع منه استقر سراج الدين عمر بن موسى الحمصي في قضاء الشافعية بطرابلس، وأضيف إليه نظر الجيش بعد أن أقام بالقاهرة ثمانية اشهر وأزيد يسعى في قضاء الشافعية بدمشق، فحضر الونائي قاضيها في الثالث والعشرين من ذي الحجة، فحصل للحمصي ياس من قضاء دمشق فسعى في طرابلس إلى أن خلع عليه.
وفي يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول عمل المولد السلطاني، وكان مختصراً في كل أحواله بحيث أن عدد القراء انحط من ثلاثين إلى عشرة وكذلك الوعاظ، وفرغ بين العشائين، وتوجه الناس إلى منازلهم سالمين من عبث المماليك.
وفي يوم الاثنين سابع عشر شهر - ربيع الأول توجه العسكر المجهز لقتال الفرنج برودس، ومقدمهم تمرباي راس نوبة الكبير وإينال العلائي الدوادار الكبير، ومعهم ألف وخمسمائة مقاتل، ومعهم جمع كثير من المطوعة، فتوجهوا إلى دمياط ليجتمع بها المراكب التي جهزت من الشامات وغيرها.
وفي هذا العشر من هذا الشهر توقف النيل بعد إن كانت الزيادة في العشر الأول ظاهرة، ونودي في يوم منه بثلاثين إصبعاً - والله المستعان فيما كان - فكانت مدة التوقف.. وفي ليلة الخميس.. وفي من شهر ربيع الآخر توجهت مراكب - العساكر إلى دمياط
للغزو، وكان ركوبهم في البحر في.. وساروا، وقذفهم الريح إلى أن اجتمعوا في طرابلس.. وتوجهوا منها في..، فلما كان في السابع من جمادى الآخرة فتحوا بلداً في جزيرة في وسط البحر تسمى القشتيل - بفتح القاف وسكون المعجمة وكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت بعدها لام.
وقد شرح لي صاحبنا العلامة إبراهيم بن عمر بن الحسن البقاعي الوقعة وأثبتها في هذا التعليق بخطه منذ توجهوا من دمياط إلى أن توجهوا إلى جهة الديار المصرية ليكون قصتها متوالية، وهذا اوان سفر الجيش المنصور من داخل فم البحر الملح كان يوم الأحد رابع عشر شهر ربيع الآخر قاصداً اللمسون من جزيرة قبرس - جعلها الله دار إسلام إلى يوم الدين! آمين.
وكان في المراكب واحد بطيء السير، فكان الناس يتقدمونه لحكم الهواء ثم يرجعون بسببه، فتاهوا عن طريقهم فأشرفوا على جبال صيدا وكان قد قل ماء بعضهم، فأرسوا على ساحل بيروت ليلة الاثنين ثاني عشري الشهر، وتاه تمرباي في خمسة عشر مركباً فأرسوا على طرابلس في تلك الليلة، ووجدنا العسكر الشامي قد توجه من بيروت إلى قبرس في خمسة عشر مركباً يوم الخميس ثامن عشر الشهر، ثم رحلنا عن بيروت يوم الأربعاء رابع عشري الشهر والريح قليل
جداً، فأرسينا على الملاحة من أرض قبرس يوم الأحد ثاني عشريه، ووافى بها فيه من كان ذهب إلى طرابلس فكان ذلك من غرائب الاتفاق، ثم رحلنا يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى، واستبطأنا الشاميون وكانوا على اللمسون فلاقونا بين الملاحة واللمسون فأرسينا هنالك، وقد تم عدد المراكب ثمانين ما بين أغربة وحمالات ومربعات وزوارق وسلالير سوى ما يبتعها من القوارب، ثم سرنا ليلة الأربعاء ثانيه فأرسينا على اللمسون في آخر نهارها، فوجدنا أميرها قد رحل بأهلها وأمتعتهم، فحكم اصحاب الأغراض الدنيوية، وهم غالب الناس عليهم بنقض العهد، وأفتاهم بذلك من تسمي باسم الطلب ممن لم يرسخ قدمه في العلوم الدينية، ولم تطل ممارسته للسنة النبوية، ولا اتسعت معارفه في الأحوال الحربية والسياسات الشرعية، وتشبثوا بما لا تمسك فيه، فاشتد الأذى وعظم الخطب، فسعوا في تلك الأراضي بالفساد ونهبوا ما وجدوه في بعض البلاد، وحرقوا وقتلوا، فنهيت من قدرت عليه وبالغت في الزجر، وبحثت مع بعض من أضلهم حتى قطعت حججهم، وذكرت أنا تحققنا لهم عهداً فلا نزيله إلا بتحقق نقضه وان عذرهم في الهرب الخوف من المفسدين، وما في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - الآية من الإشارة إلى التأني، وعلى ذلك فإنهم لعمري لم يرجعوا بقلوبهم، ثم ذكرت قصة يهود بني النضير في ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم - يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه خطا، وجلوسه صلى الله عليه وسلم إلى بعض جدرهم، وعزمهم على أن يطرحوا عليه صخرة ليقتلوه وإخبار الله تعالى له بذلك، وأنه مع تحققه لنقضهم لم يبادر إليهم بالقتال بل خيرهم بينه وبين المسير من بلاده إلى آخر القصة؛ فبينما نحن على ذلك إذ جاءت رسل صاحب قبرس في آخر يوم الخميس تخبر بان ضيافته تلاقي العسكر في الباف بإشباع الموحدة -، وأنهم باقون على عهدهم سامعون مطيعون
مسرورون بمسيرنا إلى رودس لكثرة أذاهم له، واعتذروا عن هرب القرى المجاورة بنحو اعتذاري عنهم. وفي ذلك اليوم رأى بعض المسلمين مركبين أشرفوا علينا من بعد بحيث رأوا مراكبنا ثم ذهبوا فقصدوا المسير إليهم، فلم يكن في الأغربة من يصلح لذلك من النوتية ولا من الجند ليفرقهم في تلك الأراضي، ثم رحلنا من اللمسون ليلة السبت خامس الشهر فأرسينا على اللمسون عصر يومها، ثم سرنا يوم الاثنين بالمقاذيف وتفرقت المراكب لعدم الريح وعدم المقاذيف في بعضها فأرسينا على الرأس الأبيض في ذلك اليوم، ثم سرنا منه ليلة الثلاثاء خامس عشر الشهر مع معاكسة الهواء وجر أصحاب المقاذيف العريين عنها فارسينا قريباً من ذلك المنزل، ثم سرنا صبيحة يوم الأربعاء سادس عشره فأرسينا على قرية قريبة من الباف، فجاءت رسل صاحب قبرس فأخبروا عن مقدار الضيافة وشكوا ما فعل في بلادهم وتوجعوا، وظهر منهم الخداع إما لما فعل ببلادهم أو لغير ذلك، فاستقل أميرنا هديتهم وغضب لعدم مجيء ملكهم وإحضارهم لما بقي عندهم من المال، واعتذروا عما فعل في بلادهم بأنه فعل بعض الأتباع بغير علمه على أنهم معذورون لعدم المبادرة باللقاء وإحضار الضيافة والإخبار بالطاعة، فرحل ليلة الخميس سابع عشره معرجاً عن الباف لئلا يأخذ هديتهم، فتعديناها وأرسينا على رأس الصندفاني، ثم رحلنا صبح يوم الجمعة ثامن عشر الشهر مع عدم الريح، فاستمرينا ندور في البحر ونحن بحيث نرى الجبال إلى أن قصدنا البر فأرسينا به ليلة الأحد في هذه المنزلة فاستقينا، ثم رحلنا يوم الأحد العشرين منه فنزلنا على مدينة العلايا من بر التركية ليلة الخميس رابع عشري الشهر، وحصلت هناك زلزلة عظيمة قبل غروب شمس يوم الجمعة خامس عشره - بنحو عشر درج رجفت منها الأرض ثلاث رجفات، ثم سرنا عنها يوم الاثنين ثامن عشري اشهر، فأرسينا على مدينة
أنطاليا ليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح عاصف فرقهم وضعضع بعضهم، فاجتمعوا إلا اثنين: أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللاً حصل في غرابه، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعاً على منزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلاً فلم يرها وظنهم تقدموا، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعاً حتى نام في فنيكة، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل، فأحضروها إلى أمير فقالت: إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت عاد بالدبور، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار؛ وكان ذلك من بديع الآيات، وعظيم العنايات، وما زالت تقلله تقليلاً، وتهدمه قليلاً قليلاً، إلى أن هدمت منه جانباً كبيراً، وكان يوماً على الكافرين عسيراً. اليلة الأربعاء مستهل جمادى الآخرة، ثم سرنا عنها ضحى ذلك اليوم فأرسينا على آغو ليلة الخميس ثانيه - لاجتماع الناس، وكان قد حصل لهم ريح
عاصف فرقهم وضعضع بعضهم، فاجتمعوا إلا اثنين: أحدهما لم يقعوا له على خبر والثاني أخبروا انه في أنطاكيا يصلح خللاً حصل في غرابه، فأمر يشبك الفقيه بالرجوع لمساعدته، فرجع ليلة الأحد خامس الشهر، وسار الأمير بالجيش نحو رودس، فرجعنا إلى أنطاكيا في ذلك اليوم، فلما أصلح المركب سرنا ليلة الثلاثاء سابع الشهر فلحقنا بعض العسكر عند رأس الشالدون فأرسينا جميعاً على منزلة فنيكة، ثم سرنا منها تلك الليلة فلحقنا جميع العسكر في بكرتها عند مجاز القيقبون ومعهم بتخاص وكان مر على المراكب ليلاً فلم يرها وظنهم تقدموا، فلما قرب من القيقبون وجدوا أربعة من مراكب الفرنج فطلبوه فرجع ونذر بهم التركمان، فاجتمعوا في البر فتركوه ورجعوا، فعلم أن الجيش وراءه فاستمر راجعاً حتى نام في فنيكة، وبلغ الأمير خبره فأرسل في أمره نجدة فوجدوه في فنيكة - وفي هذا اليوم أرسلنا بالقيقيون، ووجدوا هنالك امرأة جالسة على الجبل، فأحضروها إلى أمير فقالت: إنها كان تسحر جيش المسلمين ثم هداها الله تعالى إلى الإسلام فأسلمت، فأبطل الله تعالى باطل سحرهم، وأوقعهم في حبائل كفرهم وأشراك كيدهم ومكرهم - ثم سرنا في أواخر ليلة الجمعة عاشر الشهر فأرسينا ضحى يومها بمنزلة إينوا، ثم سرنا منها في أوائل ليلة السبت حادي عشره فأرسينا في أواخرها على قشتيل الروج، وهو حصن منيع على جبل رفيع في طرف جزيرة تقرب مساحتها من مساحة القاهرة من الحسينية إلى القرافة ومن تربة برقوق إلى بولاق فشارفه بعض شبان المسلمين فصعد إليهم بعض الأكابر فتلطف بهم حتى ردهم، فظن الفرنج انهم خافوا فرموا عليهم بمكحلة وهزأوا بهم، فأثر الكلام في الناس فكلم بعضهم الأمير في قتالهم فمنع منه وأقلع للسفر، ثم أكثروا عليه في ذلك فرده الله تعالى لأمر قدره وقضاه، وارتضاه في سالف الازل فأمضاه، فوثب الناس إليهم وثوب الآساد، وسمحوا بأرواحهم سماح الاجواد، ووقع قائم الزحف، وقام قاعد الحتف، وتقدمت الأبطال، وتميزت فحول الرجال، وعملت المعاول في السور، وبان هنالك الرجل الصبور، وتراشق الناس بالنبال، وتراموا بالجنادل الخفاف والثقال، فطارت رسل السهام، بمر شراب الحمام، ودارت على البرايا، كؤوس المنايا، وألقوا بالدرق والحنويات، والدروع الداوديات - ولله در المقاليع! فلقد كانت كأنها المناجيق - ولله أصحابها! فلقد كان الأقوياء يسترون بعض أجسامهم بدروع الحديد وكانوا هم يعدون جميع أبدانهم حديداً، ويرمون رمياً شديداً، ثم أحجموا عن مجاورة السور إلى جدار الحصن وهبت ريح الصبا
من حين قتالهم إلى ظهر يوم الاثنين ثاني عشر الشهر، فكان ذلك من آيات القول المحمدي نصرت بالصبا وفي ذلك اليوم حطم الناس واشتد البؤس، وقامت الحرب على ساق، وكلت من النظر الاحداق، اشتكت إلى أبدانها الأعناق، واستداروا بالحصن من غالب الجوانب، وكثر في رمينا الصائب؛ فحمي الوطيس، وخذل إبليس أخطأت كثيراً سهامهم ومكاحلهم، وأصيبت دروعهم ومقاتلهم، وحينئذ استدارت الريح دبوراً فكانت من علامات إهلاكهم، وأهلكت عاد بالدبور، وهدت مكحلتنا عند ذلك ناحية من الجدار، وأضرم بسهم خطاي من تحته نار؛ وكان ذلك من بديع الآيات، وعظيم العنايات، وما زالت تقلله تقليلاً، وتهدمه قليلاً قليلاً، إلى أن هدمت منه جانباً كبيراً، وكان يوماً على الكافرين عسيراً.
وكان الأمير سودون قراقاش المؤيدي - قص على يوم السبت سادس عشري جمادى الأولى أنه رأى في المنام أن الحصار في مكان له سوران، قال: فهززت الذي يليني لأرميه، فقال: ارم الذي وراءك فهو الأهم، قال: فقلت: بل أرميك ثم أرميه؛ فكان تأويل ذلك أنه كان منزله وقت حصار هذا الحصن قرب البرج الأخير الذي يلي - فيه الباب، فاشرف من هناك بعض الفرنج ضحى يوم الخميس سادس عشر الشهر أعني جمادى الآخرة - وقالوا: قد كان قصدكم إلى رودس فنريد أن تذهبوا إليها قبل أن تنهك أنفسكم وأموالكم، فإن أخذتموها فنحن في قبضتكم، أو أعطونا سلورة حتى نذهب إليهم، فإن رضوا سلمنا لكم فعلنا؛ فلم يرد الأمير لهم جواباً إلا رمي المكحلة والمنجنيق، وكان قد نهانا في ذلك الوقت ونادى مناديه وهم يسمعون بالمنع من كلامهم إلا بإذنه، وكنا وجدناهم قد طموا بعض آبارهم، ووضعوا في الجميع التراب وأغصان الدفلي وورقها، فأنتنت المياه وقلت، فذهب جماعة من المسلمين إلى بر التركية للاستقاء، فوجدوا هناك ثلاثة رجال فأتوا بهم في عصر هذا اليوم، فسألهم الأمير عن أمرهم، فقالوا: إنهم هربوا من بلاد التركمان قاصدين إلى القشتيل، فضربهم فأصروا على ذلك وقالوا: إنهم مماليك لبعض الروم وسمي كل واحد منهم مالكه وكان قد أصيب خلق ممن دنا إلى الحصن بالحجارة والنبل وضاع منا في أحجارهم سهام كثيرة، فمنع الأمير من الدنو إليهم وجعل جل القتال على المدفع والمنجنق، ثم أمطرت علينا
السماء من أوائل يوم الأحد إلى أواخر يوم الاثنين مطراً متصلاً ومنه ما هو شديد جداً مع برق ساطع ورعد صادع ثم استمر الجو في غالب الأوقات مغلساً والمطر يتعاهد الارض والهواء عاصف فشق ذلك على الناس لإتيانه لهم على غفلة لكنه أغناهم عن الاستقاء من بر التركية، ثم صحت السماء يوم السبت خامس عشري الشهر وحميت الشمس فاتفقت فيه كثرة إصابة المكحلة والمنجنيق وتواردهما على مكان واحد من الجدار فأوهناه وهنا شنيعاً وأسرعنا إلى إفساده إسراعاً ذريعاً، فخاف الكفار من الدنو إلى ذلك المكان، فاتفق أن قاربه اثنان من المسلمين فعلما ذلك فلاصقا الجدار وتابعهما الناس وأسرع إليهم النقابون وستروهم بالأتراس. وجاء الفرنج وأكثروا من رمي الحجارة، فيسر الله تعالى نقبه، وتلاحق الناس بالحنويات وجدوا في الأمر، وكانت القتلى مع ذلك قليلاً، وجاء الليل فأرخى ستره وأسبل سرباله فكانت حجارتهم تنزل على غرة فغلبت السلامة، وضاق النقب على الحجارين فستر لهم بابه بالاخشاب فأوسعوا، وجد الجد عند الصباح وعظم الهد لما دعا داعي الفلاح، وحم الأمر وجاء النصر، ودقت فينا البشائر، وشقت منهم بعد الجدر المرائر فقذف الله في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، فطلبوا الأمان عند الشروق، فكفوا عنهم النبل ودلوا كبيرهم إلينا بحبل، فوقع الصلح على أن يكفوا عنهم القتل، وعن أهلهم ويتركوا حصنهم بما فيه، فكان ذلك من الألطاف الخفية والآيات النبوية، وكانت عدتهم نحو مائة وخمسين ورحالهم ستين، والله أعلم بعدة قتلاهم! فقد سئل اثنان بحضوري مفترقين فاختلف كلامهما اختلافاً كثيراً، وقتل منا أكثر من ثلاثين وجرح كثير، فصعد المسلمون إليه وعلوا أكثرهم - عليه، ونكست تلك الأعلام وانتصبت رايات الإسلام، وكسرت الصلبان، وعلت كلمة الإيمان، وزعق هنالك الذعر السلطاني، وحمد ولله الحمد الأمر الشيطاني، وكان يوماً علينا مطيراً، وعلى الكافرين عبوساً قمطريراً، ثم شرعنا في هدم المكان صبح يوم الاثنين سابع عشري شهر، فلم يفرغ إلا وقد ساوت جدرانه الأرض، من طولها والعرض، وسارع إليه الخراب، وصار ماوى الثعالب والذئاب، ولم يبق في تلك الجزيرة ديار، ولا نافخ نار،
ولقد صعدت الحصن فرأيت من صعوبته ما يزيد على الوصف، وكثر حمدي لله تعالى على ما ألقى في قلوبهم من الرعب، فإنهم لو ثبتوا لزاد التعب، ولم نقدر عليه بنقب ولا مكحلة، والمرجو ممن حقق بعض - منام الأمير سودون أن يحقق بقيته، واتفق رأي الأمراء أن يشتوا في بلاد الروم في بلدة يقال لها مكري حتى يريد الله ما يريد فهو المرجو فضله في تيسير الأمور، ثم لم يوافقهم الريح الشرقي واستمر الغربي، وخافوا من هروب من في المراكب من النواتية وغيرهم، فاقتضى رأيهم أن ينزلوا بجزيرة قبرس، فساروا
ضحى يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد والعياذ بالله أن تقلب الغراب، وصيب لا ينجي منه ستر ولا ثياب، وبرق يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وأمواج ما يمنعها كبر - من الكبر ومثيرها البحر الزخار، فضاقت الصدور من جامعين، وطارت القلوب من خافضين رافعين، ليل سواده أشد من سواد الغراب، وغراب أعظم في تقلبه من لاطائر النقاب، ثم انجلت الشمس وطاب الوقت، وابتدانا في اجتناء ثمرة الصلات من الفوز والنجاة، فسرنا في آخر ليلة الأربعاء ثالث عشر الشهر نحو القيقبون حتى أدركنا بقية الجيش في المكان الأول، واجتمعت الآراء على العود إلى الديار المصرية خوفاً من هيجان البحر وعدم موافقة الرياح - والله المستعان. يوم الأحد ثالث شهر رجب، فاصبحوا بمنزلة فنيكة وقد تفرقت المراكب لظلمة الليل وقلة الريح، فأقاموا بها يومين ثم سافروا، فقويت الريح فأرسوا بالجانب الغربي من رأس الشالدون في منزلة يقال لها قرابالق وقد تفرقت المراكب بحيث لم يعلم أحد خبر أحد إلى أن هبت الريح فاجتمعوا إلا مركب الأمير إينال الدويدار، وهو كبيرهم، فأرسلوا من يعرف خبرهم في مركب لطيف فلم يعد الخبر عنه، ثم ظهر إنه ارسى بمن معه في القيقبون من عدم الريح، فتوجهت الاغربة بأمر أمير البحر إليه وكان غرابنا فيها، فسرنا بعد أن دفن أمير الشاميين فارس نائب القلعة وكان جرح في القشتيل في جبينه جراحة أزالت عقله، فلما كنا في أثناء الطريق آخر هذا اليوم أرسلت علينا السماء من أفواهها عيون الماء، واجتمعت ظلمة الليل إلى سواد ذلك العماء، فأرسينا هنالك، وقد خفنا أن تحيط بنا المهالك، وأن تحبط أعمالنا لذلك، فلم يصبح يوم الأحد عاشره إلا وقد شابت رؤوس الجبال فاكتست عمائم الثلج البيض، وعادت وجوه الرجال من شباب البرد في الطويل العريض، ثم ابيض السحاب فشابت منه ناصية البحر، وعاد اسوداده واخضراره فائقاً بياض النحر، فضربتنا الأهواء من بياض الجبال والبحر بشيبين، وأغرقتنا الأنواء من ماء الغمام والموج بشيبين، وبلينا من قرص الذباب ورقص الغراب، بأليم العذاب، فعلمت أنه لا يريح من هذه العموم، ويزيح ما توالى من جيوش الغموم، إلا الأعمال الصالحة، والأقوال الرابحة، ولم أستحضر فيما سلف لي منها اأرتضيه، فألتجئ إلى ظله وارتجيه، وفهمت من حديث كعب بن عجرة وغيره أن أسرع الدعاء في القبول، واشده إنقاذاً من شدة الشدائد الصلاة على الرسول، فلزمتها ليلاً ونهاراً، عشياً وإبكارا وأرسينا ليلة الاثنين على فنيكة - ومنعنا الهواء من جوازها وهو صعب العريكة، فبتنا بليلة رأينا فيها من الأهوال ما رأينا، وقاسينا من شديد الأحوال الذي قاسينا، ريح تكاد