المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربعين وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٤

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة تسع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة إحدى وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌ستة خمس وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وأربعين وثمانمائة

- ‌من الحوادث بعد سفر الغزاة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثماني وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمسين وثمانمائة

الفصل: ‌سنة أربعين وثمانمائة

‌سنة أربعين وثمانمائة

استهلت ليلة الاثنين، ووصل شاه رخ إلى السلطانية فنزلها وعزم على الإقامة بها حتى يبلغ غرضه من اسكندر بن قرا يوسف، وفي عاشر المحرم أعيد لأجناد الحلقة ما كان أخذ منهم بسبب التجريدة، وقبض على التاج الخطير وصرف من أستادراية ولد السلطان، وقرر عوضه في الوزارة ناظر الخاص.

وفي حادي عشرية طرق مينا الإسكندرية ثلاثة أغربة من الكتيلان وأخذوا مركبين، فخرج إليهم آقباي النائب فراماهم حتى استعاد أحد المركبين، وأحرق الفرنج الأخرى، وتحارب مركب للجنوية مع مركب الكتيلان فانهزم الكتيلان.

وفيها حصر أبو الحسن بن أبي فارس صاحب بجاية قسطنطينية، فخرج صاحب تونس عثمان - إلى قتاله وهو ابن أخيه،

ص: 38

وفي الثامن عشر منه أو في النيل وكسر الخليج وصادف التاسع عشر من مسري، وباشر ذلك يوسف بن السلطان، ووصل رأس قرمش الأعور - وكمشغبا الظاهري - فعلقتا بباب زويلة، ثم أمر السلطان أن تلقيا في السراب الحاكمي، وكان قبض عليهما بيد خجا سودون المؤيدي - بعينتاب، وكان جمعاً عسكراً وكبساً العسكر المصري فكسروا وأسروا -.

وفي هذه السنة رخص العسل النحل إلى أن بيع بتسعمائة القنطار وعادته ألف وخمسمائة، وكانت جميع الغلال وأصناف المطعومات والفواكه رخيصة، وجاء الزرع في غاية الخصب والنماء في الزرع بالغ جداً، واستمر وقوع الفناء في عسكر اللنكية فرجعوا إلى بلادهم، ووصل الحاج فشكوا من أميرهم كثيراً فلم ينجع ذلك، ومن جملة قبائحه التي حكوها أنه طلب من التجار في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة مالا يجبى منهم فامتنعوا، فرحل بالناس في آخر الحادى عشر ليفوت عليهم البيع بمنى في الثامن عشر والثالث عشر، فكانت من أفحش الفعلات فإنه فوت عليهم المبيت والرمي.

واستهل صفر ليلة الأربعاء، واستهل ربيع الأول ليلة الخميس، وفي شهر ربيع الأول قام الشيخ ناصر الدين محمد بن علي الطبناوي في هدم الدير الذي في بحرى، وحضر المولد النبوي، وأخرج محضراً يتضمن أن النصارى يحجون إليه في كل

ص: 39

سنة، ويجتمع عنده من النصارى والمسلمين للفرجة والتجارة من لا يحصى حتى صاروا يضاهون بذلك أهل الموقف بعرفة، وأفتى العلماء بهدم ذلك الدير وإزالة تلك العادة، ففوض السلطان الأمر للقاضي المالكي فلم يتفق أنه يقوم في ذلك حق القيام حتى كان ذلك في السنة المقبلة فهدم - ولله الحمد.

وفيه هرب سليمان بن عثمان مع جماعة من الروم والتركمان في غراب وكان مقيماً بالقلعة من سنة آمد، فلما عرف السلطان ذلك شق عليه فأرسل في آثارهم فأتى بهم، فحبس الصبي وقطع أيدي قوم وقتل آخرين، وكان السبب في ذلك أن سليمان هذا وهو ابن أرخن بك بن محمد بن عثمان كان عمه مراد صاحب برصا قبض على والده أرخن بك وكحله وسجنه، وكان له مملوك يقال له طوغان يقوم بخدمته، فأدخل إليه جارية وهو في السجن فحملت منه، فلما مات أرخن في السجن فر المملوك طوغان هذا بسليمان وأخته شاه زاده إلى حلب، فلما قدم السلطان إليها وقف بهما إليه وأخبره خبرهما، فأكرمهما ثم صحبهما معه إلى القاهرة، فأمر بسليمان أن يمشي في خدمة ولده يوسف، وأقامت أخته في القلعة لتكبر ويتزوجها السلطان أو ولده، فلما كانت ليلة خامس ربيع الأول فر سليمان وأخته ومن انضم إليهما فركبا بحر النيل وتوجها إلى جهة رشيد لينزلا في مركب إلى بلاد الروم، فبلغ السلطان فأرسل في آثارهم فقبض عليهم وعلى من في المركب وعدتهم خمسة وستون رجلاً، فوسط طوغان مملوك سليمان وثمانية من مماليك السلطان صحبوهم وقد قطعت أيدي الباقين ولا ذنب لهم البتة لأنهم تجار رافقهم أولئك، فلما جاء الذين أرسلهم السلطان في طلب المتسحبين خشى التجار على أنفسهم فدافعوا عنها من غير أن يعلموا الخبر لكونهم قصدوا الإستيلاء عليهم ونهبهم فظنوا أنهم حرامية، فلما دافعوا عن أنفسهم وقع الحرب بينهم فغلبوهم وأسروهم وكان ما كان.

ص: 40

وفي السادس من شهر ربيع الأول استقر - الصاحب - كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين - ابن كاتب المناخات - في الوزارة على قاعدته، فباشر مباشرة حسنة وفرح الناس به، واستقر معه أمين الدين ابن الهيصم ناظر الدولة على عادته، وكانت الوزارة منذ صرف عنها خليل بن شاهين لم يستقر فيها أحد بل عذق أمرها بناظر الجيش، فأقام ناظر الدولة عنه متحدثاً وأحال مصروف كل جهة على متحصل جهة من الجهات وكل جهة لم يف متحصلها بها أكملها من عنده، فاستمر الحال على ذلك إلى أن قدم.

وفيه نودي بمنع لبس الزموط الحمر وعملها وهي التي يلبسها العرب ويسموه الشاشبة فنودي بذلك، فوقف له جماعة ممن اشترى الصوف لذلك فصمم على المنع، ثم رفع له بعض الغلمان من الهجانة وغيرهم فأغلظ لهم القول واستمر على المنع ونودي أن لا يحمل أحداً سلاحاً، وفيه وصل العسكر المجرد إلى الأبلستين فوصلوا إلى تجاه سيواس فوجدوا - في تاسع عشره جانبك ومن معه فقدموا -. وفيه قتل جاسوس وجد معه كتب من جانبك الصوفي. وفيه وقع بين الهنود الذين يقيمون بظاهر - المدرسة - الصالحية لإصلاح شعور اللحى، وثب رجل هندي على رجلين فقتلهما قدام الصالحية، وذلك أنه تقاتل مع واحد فقتله ثم مر برجل يصلح شاربه فضرب الذي يصلح في كتفه فوقع ميتاً وحصل للرجل فزع - فحمل

ص: 41

إلى بيته - فمات هو والقاتل فصاروا أربعة فقبض عليه فقطعت يده ثم قتل، ونودي بعد غد أن لا يبقى أحد من الهنود بالقاهرة.

وفيه عين خليل الذي أمر بالإسكندرية أن يكون شاداً على المكوس بجدة وأميراً على المماليك المجردين بمكة وأمر ابن المرأة بالسفر، وسافر خليل ومن معه من البر ونودي للناس بالسفر صحبتهم.

واستهل ربيع الآخر ليلة الجمعة، ففي السادس عشر منه جمع الخازندار الجزارين وأشهد عليهم أن لا يشتروا اللحم إلا من ذبائح السلطان، فصار يذبح لهم كل يوم ما يحصل عند السلطان من الغنم المحضر من البلاد.

وفي الخامس من ربيع الآخر فقد سليمان بن أرخن بن كرجى بن أبي يزيد بن عثمان وأخته شاه زاده - وقد تقدم خبر عنهما في سنة ست وثلاثين، فكان مملوكهما الذي أحضرهما اتفق معهما أن يسير بهما إلى بلادهما وواطئوا على ذلك جماعة من تجار الروم، فأخذهما طوغان فتوجه بهما إلى الغراب فتوجهوا إلى رشيد، فلما عرف الأشرف بالقصة كاتب نواب البلاد بطلبهما، فحاربهم شاد رشيد بحضرة قاصد السلطان، فحبسوا بالريح فاتفق أن الريح هبت عاصفة فصادف وصول نائب الإسكندرية فقبض عليهم، وجهز جميع من في الغراب من التجار وغيرهم، ثم أمر بقطع أيدي بقية التجار وهم نحو الخمسين، وأدب سليمان بالضرب تحت رجليه، ونظر إلى أخته فاستحسنها - فعقد عقده عليها وابتكرها، وقد تزوجها - بعده - الملك الظاهر جقمق.

ص: 42

واستهل جمادى الأولى ليلة السبت، فيه قدمت رسل مراد بن محمد بن أبا يزيد بن عثمان ملك الروم بهدية، وفي سابع عشرة قدم الأمراء الذين جردوا لحلب، فهرع الناس للسلام عليهم ثم طلعوا القلعة فخلع عليهم، وفي صبيحة قدم الأمراء المجردون إلى البحيرة وصحبتهم الأمير حسن بك بن سالم البلوى التركماني ومحمد بن بكار ابن رحاب وقد دخل في الطاعة، وفيه رفعت يد القاضي الحنفي من وقف الطرخي، وأمر أن يحاسب على متحصله وأن يتحدث فيها جوهر الخازندار، ثم بطل ذلك وأعيدت للقاضي.

وفيه نودي من له ظلامة فليحضر إلى باب السلطان في يومي الثلاثاء والسبت، وأمر القضاة أن يحضروا مجلس الحكم في المظالم، فحضروا يوماً واحداً ثم بطل ذلك.

وفي سابع جمادى الأولى خرج الركب الحجازي وأميرهم خليل الذي - كان - ناب في الإسكندرية ومعه نحو السبعين من المماليك ليقيم بهم بمكة عوضاً عن الذي كان فيها وخرج معه عدد كثير من الحاج والتجار، ورحلوا من خليج الزاعفران في التاسع منه.

وفي الخامس عشر منه وصل الأمراء - الذين كانوا بحلب - وفيهم جقمق الأمير الأمير الكبير الذي ولي السلطنة بعد هذا بسنتين والدويدار الكبير أركماس الظاهري، وتأخر منهم خجا سودون فلم يحضر.

وفي يوم السبت تاسع عشر منه حضر القضاة الأربعة بأمر السلطان مجلس الحكم وتكلم الشافعي معه في عدة حكومات بين حكم الشرع فيها، ثم لما فرغوا أمرهم السلطان أن يبطلوا الوكلاء من أبوابهم فأجابوا بالإمتثال، ثم تكلموا في الذين يعاملون بالربا وما

ص: 43

الحكم فيهم، فقال - له - الشافعي: الحيلة في ذلك سائغة عندي وعند الحنفي فليفوض أمرهم إلى المالكي والحنبلي، ثم سأل عن النواب فقال له الشافعي: كان السلطان أمر قبل السفر بعشرين وهم الآن أربعون لكن كل اثنين في نوبة ثم سأل من الرسل وأمر أن لا يعطي الرسول إلا ثلثين وانصرفوا، ثم لم يعد يطلبهم إلى مجلس حكم بعد أن كان شاع أنه أمر أن يواظبوه كل سبت وثلاثاء، فبطل ذلك.

واستهل جمادى الآخرة ليلة الاثنين، فيه أرسل ناصر الدين بن دلغادر ولده سليمان إلى مراد بن عثمان صاحب الروم يستنجد به على إبراهيم بن قرمان، وكان ابن قرمان قد أخذ منه - قيصرية ونازل صاحب أماسية وهو من حاشية ابن عثمان، فجهز مع سليمان عسكراً وندب معه صاحب توقات وأمره بمحصارة قيصرية ويسلمها لابن دلغادر، وجهز عيسى أخا إبراهيم على عسكر آخر ليغير على بلاد أخيه إبراهيم، فبلغ ذلك صاحب مصر فكتب إلى أمراء الطاعة من التركمان بمعاونة إبراهيم بن قرمان.

وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة أرسل القاضي المالكي ورقة إلى كاتب السر يستعفي من القضاء، فقرأها على السلطان فأعفاه وأمره إن يعين قاضياً غيره ويستمر بمعاليم القضاء له - دون الذي تعين، فلما بلغ ذلك ولد القاضي قام وقعد وسعى عند علي باي الخازندار وأنكر أن يكون أبوه كتب الورقة، فبلغ ذلك كاتب السر فصعب عليه نسبتهم إياه إلى الكذب، وأخرج الورقة فوجدوها بخطه الذي لا يرتاب فيه، ومع ذلك فاعتنى بهم على باي، ولم يستطع كاتب السر يوسع في القضية كلاماً رعاية لخاطر الخازندار المذكور فإنه كان يومئذ من أقرب الناس منزلة عند السلطان، فاستقر الحال على أنه تحيل للسلطان أن يعيد ولاية المالكي فأجابهم لذلك، واستمر في القضاء بعد ذلك إلى أن مات في رمضان سنة اثنتين - كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

ص: 44

وفيه رخص القمح إلى أن بيع بمائة وأربعين إلى مائة، فأمر السلطان بشراء القمح وحزره فغلا السعر - ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وفيه قدم شرف الدين ابن الأشقر من حلب، فلما كان في الثالث من شعبان استقر ولده تقي الدين عبد اللطيف - في كتابة السر بحلب وخلع عليه، واستمر والده نائباً لكاتب السر على عادته. وفيه توجه الوزير وناظر الجيش وأينال الأجرود ويشبك الحاجب لحفر خليج الإسكندرية ثم عادوا وقد قرروا الأمر، وفوض السلطان لآقبغا التمرازي أن يباشر حفره فتوجه، وجهز معه المال الذي جبوه من البلاد بسبب ذلك ومائتي قطعة من الجراريف والمقلقات وستمائة رأس بقر.

واستهل شهر رجب ليلة الثلاثاء في أواخره وهو العاشر من أمشير والطالع سعد بلع، هبت الريح المريسية شديدة البرد اليابس مع شعث، فكان البرد أشد ما وقع في هذا الفصل، ودام ذلك إلى آخر الشهر، ومضى طوبة معتدلاً ليس فيه برد شديد أصلاً، وهذا بخلاف العادة المعهودة، ولم يزل البرد شديداً إلى يوم نزلت الشمس الحوت وهو سابع عشر أمشير فخف قليلاً، ثم في اليوم - الذي يليه - كان الطالع سعد السعود، فوقع المطر وهبت الريح الباردة ودام المطر ليلة الأربعاء وفي يومها وفي ليلة الخميس، ثم صحت في صبيحة عن أوحال في البلد كثيرة وصلح الزرع - ولله الحمد.

ص: 45

وفيه استقر خليل بن شاهين الذي كان أمير الإسكندرية أمير الحاج - وفي رجب توجه جانبك الدويدار والقاضي عبد الباسط إلى شبرار الخيام فهدما الكنيسة المحدثة. وفي يوم الجمعة ثاني شعبان توجه القاضي كمال الدين البارزي إلى قضاء دمشق وسار معه من حاشيته جمع جم، وتأخر أهله وصغار ولده بمنزلهم بالقاهرة، ونزل عن قضاء دمياط لجوهر الخازندار، وكان ابن قاسم قد نزل له عنه وتعوض عنه في مقابلة خمسين ألف درهم فيما قيل، فسأله جوهر أن ينزل له عنه فلم يسعه إلا الإجابة ولا وسع القاضي الشافعي إلا الإمضاء، وسار جوهر في ذلك أحسن من سيرة ابن قاسم وصار يكتب على الكتب التي يحتاج إليها إلى دمياط الداعي جوهر الحنفي، ولم يل القضاء خصى قبله.

وفي يوم الأحد الرابع من شعبان ابتدئ بقراءة البخارى بالقلعة على العادة وحضر الجماعة كلهم، وكان الأمير

يفرد الأعيان من الجماعة على حدة ومن عداهم على حدة ليقل اللغط، ثم بدا للسلطان أن يحضروا الجميع وينصتوا لسماع الحديث، ففعلوا ولم يتكلم أحد إلا أن الشافعي رد على القارئ مواضع من الأسانيد أسماء يبدلها أو يحرفها من سبق

ص: 46

اللسان، وحضر في المجلس - الثاني - القاضي علم الدين البلقيني بسعى.. منه في ذلك، وكان يظن أن الأمر على العادة ليشغب كعادته فوجدهم ألزموا السكوت، فلما كان في المجلس الثالث وقع في الليل مطر غزير فكير الوحل في الطرقات.

وفيه استقر أينال الأجرود أمير صفد عوضاً عن يونس وأن يقيم يونس بطالاً بالقدس، واستقر قراجا شاد الشر بخاناة في إمرة إينال، واستقر إينال الخازندار شاد الشربخاناة، واستقر على باى خازندارا عوضاً عن إينال، وهذان الشابان نشأ عند السلطان نشأة حسنة فأحبهما وقربهما ومولهما - فصار لهما - الجاه والحرمة الوافرة - وكان لهما بعده ما سنذكره في الحوادث.

وفي شعبان نودي بأن يجتمع الذين قطعت أيديهم من الذين كانوا رفقة سليمان ولد ابن عثمان، فاجتمعوا ظناً منهم أنه ينفق فيهم توسعة على رمضان، فجعل كل إثنين في قرمة خشب وأنزلوا في مركب إلى البحر لينفوا إلى بلاد الروم، فكثر ضجيجهم ودعاءهم - ولله الأمر.

وفي عاشر رمضان - جاءت أخبار - من جهة ابن عثمان ومن جهة جانبك الصوفي فعزم السلطان على السفر، واستهل رمضان ليلة الجمعة بعد أن ترأوه فلم يتحدث أحد برؤيته، وأوقد غالب أهل البلد المنائر بغير رؤية فنودي لهم بإطفائها، فأصبح الناس فأفطر الكثير منهم، ثم أرسل السلطان ثلاثة أنفس من المماليك ذكروا أنهم رأوا الهلال، فلما سمع الناس بذلك بادروا، فما تعالى النهار حتى ثبت عند ثلاثة من الحكام ونودي بالإمساك،

ص: 47

واستمر البرد.

وفي يوم الإثنين الرابع منه نزلت الشمس الحمل، واستمرت الأيام رطبة ويأتي الحر أحياناً في أثناء النهار وفي أثناء الليل. وفي عاشره عقد - مجلس - مشورة بسبب التوجه إلى البلاد الشمالية من أجل ابن دلغادر وجانبك الصوفي وشاع بأن ابن عثمان قصد نصرتهم، فاستقر الأمر على أن يتوجه نواب الشام نجدة لإبن قرمان إبراهيم ويطالعوا بما تجدد.

وفي يوم الأربعاء العشرين من شهر رمضان ختم البخارى على العادة، وكان علاء الدين الرومي سعى في مشيخة الشيخونية عوضاً عن باكير وألحوا على السلطان في أمره، فامتنع وقال إنه كثير الشر ولا يحتمله أهل الشيخونية، وأمر أن يرتب له في الجهات السلطانية مرتبات، وعند القاضي الشافعي في الأوقاف ألفا وخمسمائة، وعند الحنفي النصف من ذلك، فلم يقنع بذلك وشرع في الحط على شيخنا فأكثر فوقع منه قبيل مجلس الختم أن بحث في شئ فتكلم باكير، فرد عليه ثم بالغ إلى أن كفره، فرد عليه الشافعي ووافقه الجماعة ووافقهم السلطان، فسكت الرومي على مضض ثم شرع في كتابة أسئلة ودسها إلى السلطان ليجيب عنها الشافعي، فأحضرها بعض الدويدارية - فسلمها للشافعي فقرأها - وقال له: يطلب الجواب، فذهب ولم يعد، فذكر الشافعي للحاضرين أن أول الورق مقسماً بأيمان عظيمة أن - أعلم - أهل المجلس لا يعلم معنى قال رسول الله، وكلاماً آخر فيه عجرفة ولحن، فأجمع من سمع ذلك على ذمه.

ص: 48

ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر رمضان أمر السلطان بعقد مجلس بسبب منازعة إبراهيم السفارى مع جهة الحرمين في جزيرة قاو من الصعيد وكانت بيد مستحقي الحرمين وشرف الدين السفارى مستأجرها منهم، ثم ادعى في سنة أربع وثمانين أنها وقف أبيه وسأل في كتابة محضر فسطر ثم بطل، فلما كان في سنة ست وثلاثين بعد موت شرف الدين قام إبراهيم هذا وهو صهره فأكمل المحضر المذكور عند المالكي قبل السفر إلى آمد وثبت، فلما عاد العسكر قام المستأجر على الأمراء إلى أن استمرت في يد مستحقي الوقف فلما كان في السنة الماضية سأل إبراهيم السفاري عقد مجلس فرسم له عند كاتب السر فحضر القضاة الأربعة، فحكم الحنفي بإبقاء الوقف في يد مستحقي الحرمين وبإلغاء ما يخالف ذلك، فلما كان في شهر رجب هذه السنة أحضر إبراهيم محضراً من الصعيد فيه حكم قاضي هو بأن الجزيرة المذكورة اشتراها السفارى الكبير من بيت المال ووقفها على ذريته، فنفذ ذلك الحنفي وضمنه حكما بناه على حكم المالكي الأول، فقام في نقض ذلك زمام الدور السلطانية جوهر نيابة عن ناظر الحرمين، وأوصل القصة بالسلطان، وأوضح له تناقض الحنفي في المسألة، فرسم بعقد مجلس عنده فعقد، فلما تبين له الحال قطع المستند الذي بيد إبراهيم بحضرة الحنفي وغيره وأبقى الجزيرة المذكورة بيد مستحقي الحرمين، فلما انقضى المجلس طلب باكير من السلطان الإذن للشافعي أن يأخذ له حقه من علاء الدين الرومي، فأذن له.

وفي يوم السبت طلب شرف الدين أبو بكر بن إسحاق الملطي شيخ الشيخونية علاء الدين علي بن موسى الرومي لمجلس الحكم وادعى عليه أنه كفره بمجلس الحديث بحضرة السلطان والعلماء في يوم الاثنين ثامن عشرة ونسب أنه قال: الوجوب والإيجاب متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فأنكر الرومي ذلك فخرج الملطي على البيان، ثم عقد مجلس بحضرة السلطان في القصر يوم الاثنين خامس عشريه، فتنازعا قليلاً فقام الحنفي فأصلح بينهما، وذكر أن ذلك بإشارة السلطان، وانفصل الأمر على ذلك،

ص: 49

فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذي طلبوه إلى اشرع أنزلوه عن فرسه وجروه على الأرض وقطعوا فرجيته وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفر من العامة يصيحون عليه يا رافضي! كفرت، فأمر بإحضارهم، فأحضر منهم اثنان فضربا بحضرته ثم أطلقا، وانفصل الأمر على ذلك، وذلك يوم الأربعاء سابع عشرية، وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسعي، فدس الحمصي الذي صرف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة ليسعى في العود فكتب قصة يطلب فيها تولية قضاء الشافعية بمصر وكتابة السر بها أو نظر الجيش بالشام، فقال قائل: لأي معنى عزل عن الشام؟ فقال بعض من رتب في القول: إذا وعد هذا ببذل الكثير فغيره يبذل ذلك ويستقر وهو أحمق منه، وهو كان صاحب الوظيفة فأصغى السلطان لذلك، ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان.

وفي أول شوال جدد الساعي للقاضي علم الدين السؤال، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلم مع كاتبه في بذل شيء، فامتنع، فلما كان في يوم الخميس خامسه صرف كاتبه عن القضاء واستقر القاضي علم الدين البلقيني، وفي يوم السبت السابع منه رسم بعقد مجلس بعلماء الحنفية بسبب شرط الشيخونية، فأحضرت أربعة كتب وهي الهداية والبزدوي والمفتاح والكشاف، وذكر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له إنه لم يبق أحد يعرف يقرر هذه الكتب، فوقع بينهم الكلام وبدر القاضي الشافعي فقال: يا مولانا السلطان! هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء، وليس في الدنيا مثلهم، وما منم إلا من يعرف - يقرر هذه الكتب، فمن ادعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونرده عليه، فأعجب السلطان ذلك، وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي، فلما لم يجب عن ذلك كلمة وظهر منه الرجوع عن ذلك ظهر للسلطان أنه تكلم يعرض لأجل الرومي، ففصل الأمر وانقضى المجلس.

ص: 50

وفي يوم الأربعاء توجه القاضي المستقر إلى مصر على العادة، وكان استقر في نقابة الحكم بشخص يقال له حسن الأميوطي وكان رسولاً في الحكم، فنقم عليه شيء فصار يتوكل في المحاكمات، ثم اتصل بالقاضي المستقر، فلما كان هذا اليوم طلع إلى القلعة ومعه شيء من الذهب الموعود به فخلع عليه قباء بطراز، فاستمر لابسه وهو راكب قدام القاضي من مصر إلى القاهرة في الشارع، وتعجب الناس من ذلك. وفيه نزلت صاعقة بحدة فأتلفت شيئاً كثيراً، ووقع حريق وهلك نحو المائة نفس، وتلف لبعض التجار مال كثير، ومن العجائب أن البضاعة المتعلقة بالسلطان سالمة، ويقال إن غالب الأبنية المتجددة في جدة احترقت واحترق أيضاً مركبان بما فيهما من البضاعة، ووقعت وقعة بين القواد وجانبك شاد جدة فجرح عدة، ثم أصلح بينهم من كان أمير مكة، وفي العشر الأخير منه موافقاً لأوائل بشنس من اشهر القبط زاد النيل زيادة كثيرة وشاهدت المقياس واعتبرته فوجدت الماء في نصف الذراع الثامن هذا وقد بقي للأمد المعتاد أكثر من أربعين يوماً.

وفي السابع عشر منه طيف بالمحمل وخرج الحاج وفي الظن أنهم قليل، فاجتمع في بركة الجب خلائق بحيث أنهم صاروا ثلاثة ركوب. الأول ولد الدويدار الكبير وأمير المحمل غرس الدين خليل الذي كان أمير الإسكندرية، وتوجه جمع كثير من الركبين صحبة جماعة من الخاصكية، وسافر الأول يوم الأحد.

ص: 51

وفي ثالث عشري شوال قتل شخص كان نصرانياً فأسلم ثم ارتد فعرض عليه الإسلام فامتنع فقتل.

وفي آخر شوال أحضر شخص ثلاث شعرات ذكر أن تاجراً أوصى أن يدفع ذلك للسلطان ومات بحلب فاستدعى النائب والقضاة وسلمها لهم، ففرح بها - السلطان وأراد أن يبني لها زاوية ويتركها فيها لتزار كما يزار الآثار التي بمصر ثم..

واستهل شهر - ذي القعدة بالاثنين، وفيه اصطلح ابن عثمان وابن قرمان، وعاد نائب حلب من مرعش، ووقع بين حمزة ابن قرايلكو صاحب ماردين وبين أصبهان بن قرا يوسف حرب انهزم فيها أصبهان ومن معه وأقام شخصاً بالقلعة فولاه -.

وفي يوم الأربعاء شهد جماعة برؤية الهلال تلك الليلة، فلم يقبل القاضي شهادتهم ورددهم وبين القاضي الحنفي، فبلغ السلطان ذلك فذكر إن اثنين من المماليك أخبرا السلطان بذلك وأنه ارتقب الهلال ليلة الخميس فغاب قبل العشاء، فاستدلوا بذلك - على بطلان شهادة من شهد برؤيته ليلة الأربعاء، وقوي عندهم ذلك أن أهل التقويم أطبقوا على أن رؤيته يوم الأربعاء غير ممكنة في العادة لأنه تغيب على نحو ثلث ساعة، واستمر الحال على ذلك إلى أن ضحي جماعة من الناس يوم الجمعة اعتماداً على من رأى ليلة الأربعاء، وانتشر الأمر وكثر عدد من ينسب إلى الرؤية، وامتنع جماعة من صيام يوم الجمعة اعتماداً على من شهد ويتهم من اتهم الذين لم يقبلوا الشهادة المذكور بأنهم فعلوا ذلك محاباة للسلطان لما جرت العادة من نظيرهم بخطبتين في يوم، فنقض عليهم بأن القاضي ولي الدين العراقي خطب في شوال سنة وهي ول سنة تقرر فيها الأشرف في السلطنة ثم لم يزل مستقيماً في مملكته إلى الآن، وكثرت الشناعة بسبب ذلك - والله المستعان،

ص: 52