المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثماني وأربعين وثمانمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ٤

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌سنة تسع وثلاثين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة إحدى وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إثنتين وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌ستة خمس وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وأربعين وثمانمائة

- ‌من الحوادث بعد سفر الغزاة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة ثماني وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع وأربعين وثمانمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وأربعين وثمانمائة من الأعيان

- ‌سنة خمسين وثمانمائة

الفصل: ‌سنة ثماني وأربعين وثمانمائة

‌سنة ثماني وأربعين وثمانمائة

استهل المحرم منها يوم الاثنين وقد تزايد الطاعون، وبلغ عدد الأموات في كل يوم زيادة على عشرين ومائة ممن يضبط في المواريث وقيل إنه يزيد على المائتين، وأكثر من يموت الأطفال والرقيق، ثم تزايد واشتد اشتعاله إلى أن دخل الحاج فتزايد أيضاً، ومات من أطفالهم ورقيقهم عدد جم، ويقال إنه جاوز الألف في كل يوم.

وفي يوم الاثنين ثاني عشري الشهر خرج أمير المجاهدين إينال الدويدار الكبير، وكان خرج قبله باثني عشر يوماً طائفة كبيرة تقدموا إلى إحضار المراكب من دمياط إلى الإسكندرية.

وفي يوم الجمعة الثالث من صفر بعد صلاة الجمعة والشمس في الجوزاء أمطرت السماء مطراً يسيراً بغير رعد، تقدمته ريح عاصف بتراب منتشر، فسكن في الحال واصبح الناس يتحدثون أن الوباء قد تناقص عما كان.

وفي ليلة الأحد خامس صفر وجدت وجعاً تحت إبطي الأيمن ونغزة مؤلمة فنمت على ذلك، فلما كان في النهار زاد الألم قليلاً، ونمت القائلة وانتبهت - والأمر على حاله، فلما كان العاشر برزت تحت إبطي كالخوخة اللطيفة، ثم أخذت في لخفة قليلاً قليلاً إلى العشر الأخير منه فذهبت كأن لم تكن - ولله الحمد! وتناقص الموت إلى أن انحط ما بين العشرين والثلاثين.

ص: 224

شهر ربيع الأول - أوله الخميس بالرؤية الواضحة، ووافق الرابع والعشرين من بونة، وفي يوم الجمعة اختبر القياس مكان الماء.

وفي يوم السبت دار من يبشر بالنيل.

وفي يوم الأحد نودي بالزيادة وقد - وصل هجان من الحجاز يخبر برخص الأسعار بمكة - وله الحمد! وفيه ارتفع الطاعون نادراً ثم ارتفع جملة -.

وفي يوم الثلاثاء أواخر الشهر سقط الجدار على ولد سعد الدين إبراهيم الذي كان أبوه ناظر الخاص وكذا جده المعروف بابن كاتب جكم - فمات، وكان قد طعن بجنبين ثم خلص وأفاق فبغته الموت بالهدم، وكان قد قارب البلوغ، وخرجت له جنازة حافلة.

شهر ربيع الآخر يوم الجمعة بالرؤية، في يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر حضر إلي بعض الدويدارية من عند السلطان يأمرني أن ألزم البيت - وهي كناية عن العزل، ثم لم نلبث إلا ساعة أو دونها فحضر الشيخ شمس الدين الرومي جليس السلطان فذكر أن السلطان ندم على ذلك وقال: لم أرد بذلك العزل، وسأل أن ابكر إلى القلعة صبيحة ذلك اليوم لألبس خلعة الرضا، وكان السبب في ذلك أن بعض نواب الحكم أثبت شيئاً فاستراب السلطان به فأحضره وأحضر

ص: 225

بعض الشهود فاختلف كلام من حضر من الشهود، فتغيظ وبطش بنائب الحكم وأمر بسجنه وعزل القاضي الكبير، ثم أعيد القاضي في يومه وأمر بالإفراج عن النائب، فحصل لي حنق فالتزمت أنني لا أستنيب إلا عشرة ولا أعيد أحداً من غيرهم إلا بإذن مشافهة من السلطان؛ وذلك في يوم الخميس سلخ الشهر، وأوضحت للسلطان عذر النائب فيما أثبته، فأظهر القبول بحضرة قاضي القضاة الحنفي والشيخ شمس الدين الونائي، واخبراه أنه لم يخطئ في الحكم، ومع ذلك بقي عنده من ذلك بقايا، ثم حصل اجتماع آخر وتأكد قبول العذر، ثم حضر عنده النائب ورضي عليه وكساه فرجية وأذن في عوده لنيابة الحكم.

وفي التاسع منه كسر الخليج في يوم الثلاثاء - ونودي فيه بزيادة عشرين إصبعاً، وكان في يوم الاثنين قبله نودي بعشرين إصبعاً، قبله في يوم الأحد بعشرين إصبعاً ثم نودي في صبيحة الأربعاء بتكملة سبعة عشر ذراعاً، ولم يعهد قط أنه نودي يوم الوفاء بزيادة عشرين إصبع، منها إصبعان تكملة الوفاء وثمانية عشر زيادة أول يوم منه.

وفي رابع عشري شهري ربيع الآخر وصل الغزاة إلى ساحل رودس، فتحصن أهلها في قلعتهم فوجدوها في غاية الحصانة، فوصل كتاب صاحبنا برهان الدين البقاعي مؤرخ بالسابع من جمادى الأولى فيه شرح قصتهم في الذهاب إلى أن حاصروا القلعة - وقد ضممته إلى هذا التعليق كما فعلت في غزاة قشتيل.

ثم وصل كتاب الشريف الكردي مؤرخ بالتاسع من جمادى الأولى المذكور، وفيه أنه أصيب من المسلمين خلق كثير مما رماهم الفرنج من أعلى الحصن وكسر من المراكب. وأن أكثرهم حصل لهم الفشل والخور بسبب من أصيب منهم وأنهم في ضيق، فجهز السلطان إليهم مدداً، وقد فتحت رودس في خلافة معاوية على يد جنادة بن أبي أمية، وأمر معاوية جماعة

ص: 226

من المسلمين بالإقامة فيها، فأقاموا إلى أن ولي يزيد الخلافة فأذن لهم في القفول خشية عليهم ففعلوا وتركوها، ثم كانت تغري بعد ذلك؛ وبعد توجه المدد وصل الخبر برجوع العسكر كله بسبب تخاذلهم، وأصيب.. بالرمي عليهم ثم.. ثم الترجمان ومعه طائفة - وخشي أن.. من هجوم الشتاء، فاتفق أكثرهم على الرجوع فلم يسعه إلا موافقتهم، فتوجهوا ووصلوا أرسالاً، فكان آخر من وصل كبيرهم وهو الدويدار الكبير إينال العلائي فوصل في آخر جمادى الآخرة منها.

وفي أوائل رجب سافر الحاج الرجبي وصحبتهم صاحبنا الشيخ برهان الدين السوبيني قاضياً على مكة، وفي سابع ذي القعدة أمر أمير مكة أبو القاسم بن حسن بن عجلان القاضي جلال الدين أبا السعادات أن يخرج من مكة، فتوجه إلى جدة فأقام بها إلى أن تكلم التاجر بدر الدين حسن بن الطاهر مع الشريف في أمره فأذن له في الرجوع، فلم ينشب أن قدم أمير الركب تمرباي وصحبته مرسوم سلطاني بأن أبا السعادات لا يقيم بمكة بل يخرج إلى المدينة الشريفة فيقيم بها، فتجهز مع الركب الأول. وتراءى الناس الهلال ليلة الخميس فلم يتحدث أحد برؤيته، فوقفوا يوم الجمعة وكان الجمع كثيراً جداً، وأمطرت السماء ذلك اليوم من وقت زوال الشمس إلى أن غربت مطراً غزيراً جدا، وتوالى بحيث ابتلت أمتعتهم حتى أشرف من لا خيمة له على الهلاك، وتضاعف الرعد والبرق، ويقال: كانت هناك صواعق أهلكت رجلان وامرأة وبعيران قرأت ذلك بخط القاضي نور الدين علي بن - قاضي المسلمين الخطيب أبي اليمن النويري.

ص: 227

شهر ذي الحجة استهل بيوم الخميس بعد أن تراءى الناس الهلال ليلة الأربعاء على العادة بعدة أما كن من الجوامع وغيرها فلم يخبر أحد برؤيته إلا شذوذاً، يقول الواحد منهم: إنه رأى، فإذا حوقق أنكر، فبحث عن السبب في ذلك فاعتذروا بأنه شاع بينهم أن السلطان إذا اتفق يوم - العيد يوم الجمعة يلزم أن يخطب له مرتين وقد جرب أن ذلك إذا وقع يكون فيه خوف على السلطان، فبلغ السلطان ذلك بعد أيام فأنكره وأظهر الحنق على من ينسب إليه ذلك، فقيل له فإن أحمد بن نوروز، وهو أحد من يلوذ به من خواصه المعروف بشاد الغنم - ذكر أنه رآه ولم يخبر القاضي بذلك، فاستدعاه فاعترف أنه رآه ليلة الأربعاء ومعه جماعة، فأرسله مع المحتسب إلى القاضي الشافعي فأدى عنده شهادته، فلما شاع ذلك نودي في البلد من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فليؤد شهادته بذلك عند القاضي الشافعي، فسارع غالب من كان شاع عنه دعواه الرؤية في تلك الليلة إلى الشهادة بذلك، فلما استوفيت شروط ذلك نودي بأن العيد يوم الجمعة، فاعتمدوا على ذلك وصلوا العيد يوم الجمعة؛ فلما كان في يوم السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة وصل المبشر بسلامة الحاج في آخر ذلك اليوم، وأخبر أن كل من حضر الموقف من الآفاق لم ينقل عن أحد منهم أنه رأى الهلال ليلة الأربعاء بل استوفوا العدة واستهلوا ذا الحجة بيوم الخميس ووقفوا بعرفات يوم الجمعة -، واستمر الأمر بينهم على ذلك وأنه فارقهم آخر النهار يوم السبت، فقطع المسافة في أربعة عشر يوماً، ووصف السنة بالأمن واليمن والرخاء مع كثرة الخلائق - ولله الحمد على ذلك.

وفي هذه السنة توجه الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الفرياني المغربي إلى جهة الجبال المقدسة ويقال لها: جبال حميدة، وعندها عرب، فنزل عند بعض العشير ودعا إلى نفسه أنه المهدي، وقيل ادعى أنه القحاطاني، فانضم إليه جماعة من العرب فاستغواهم ووعدهم

ص: 228

وملأ آذانهم بالمواعيد، فشاع خبره في آخر السنة فكوتب نائب القدس يخبره فبحث عن قضيته إلى أن أطلع أن ابن عبد القادر شيخ العرب يعرفه فاستدعى به فأنكر أن يكون أطلع على مراده، وإنما وصل إليه شيخ معه عدة جمال يشبه أن تكون كتباً علمية، وأنه سئل أن يرسل معه من يجيره إلى أن يصل إلى مقصوده من تلك الجهة لضرورات عرضت له، فأرسل معه ناساً أوصلوه إلى جهة مقصده وفارقوه ولم يعرفوا المطلوب عنه؛ فكاتب نائب القدس بذلك ووصف الرجل بما دل على أنه الفرياني المذكور، وهذا الرجل قدم القاهرة قديماً وصحب كاتب السر ابن البارزي في حياة والده، وأكثر التردد إلى الشيخ تقي الدين المقريزي، وواظب الجولان في قرى الريف الأدنى يعمل المواعيد ويذكر الناس، وكان يستحضر من التاريخ والاخبار الماضية شيئاً كثيراً ولكنه كان يخلط في غالبها ويدعي معرفة الحديث النبوي ورجال الحديث، ويبالغ في ذلك عند من يستجهله، ويقصر في المذاكرة عند من يعرف أنه من أهل الفن، وراج أمره في ذلك دهراً طويلاً، ثم صحب الأمير زين الدين عبد الرحمن بن الكويز وانقطع إليه مدة ثم فارقه، وكان قبل ذلك تحول عن مذهب مالك وادعى أنه يقلد الشافعي، وولي قضاء نابلس بعناية القاضي كمال الدين ثم صرف عنها، فانقطع إلى ابن الكويز وهجر الكمال إلى أن بدا ما ذكر؛ وكوتب نائب القدس بأن يجهز إليه من يقبض عليه ويرسله إلى القاهرة، وكان بروز الأمر بذلك في العشر الأخير من هذا الشهر.

ص: 229