الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 8 - //الجزء التاسع
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وأربعين وثمانمائة
قرأت بخط القاضي الحنبلي: لم ير الهلال ليلة الجمعة إلا أن شخصاً يقال له العاملي يقرأ المواعيد ذكر أنه رآه ولم يوجد من يوافقه، وفي يوم الجمعة صلى بجامع الحاكم بعد الصلاة على ميت
…
وفيه - فرقت كتب الحجاج، وفيها أن الوقفة يوم الجمعة، وكان قدوم الهجان بذلك بعد العصر يوم الخميس قبل ذلك، ولم يحضر المبشر على العادة خشية من العرب الذين يقطعون الطريق.
وفي يوم الاثنين استقر سراج الدين عمر الحمصي في قضاء طرابلس وخلع عليه، وركب معه القاضي الشافعي وناظر الجيش.
وفي العاشر منه ثار جماعة من المماليك الأشرفية الجلبان وقصدوا نهب - بيت ناظر الجيش، فأنذر بهم فاحترز وتحول من بركة الرطلي ونقل أمتعته، فهجموا منزله ببركة الرطلي فنهبوا ما وجدوا - فيه وهم دون المائة ورجعوا -، وخشي الوزير من النهب فاختفى، ثم صارا يحضران مع الموكب ويرجعان مختفيين، قراسلهم السلطان بالمنع مما فعلوه، فلم يجيبوا وراموا أن يزاد جوامكهم واللحم؛ ثم سكنت القضية.
وفيه وصل بدوي فأخبر أن الحاج حصل لهم في الذهاب عطش ومات منهم كثير من الجمال ولم يحضر معه من كتبهم إلا اليسير، فحصل لجماعة ممن له معرفة من الحاج اضطراب إلى أن وصل في السادس عشر جماعة سبقوا من العيون فذكروا أن بني لام خرجوا على شاهين الذي كان توجه لعمارة البئر بالعيون فقتلوه ونهبوا الإقامة المجهزة من القاهرة وأن الحجاج بخير، ثم وصل من سطح العقبة جماعة في يوم العشرين فأخبروا أن الركب الأول يدخل يوم السبت وأن المحمل يتأخر بسبب احترازهم من العرب.
وفي سابع عشر صفر وقع لعز الدين بن القاضي جمال الدين البساطي تغيظ على بعض العامة فعزره فشكاه للسلطان، فتعصب أمير آخور الصغير فأدب العامي فضربه ضرباً مبرحاً، فحمله أخوه على جمال الدين وزعم أنه أشرف على الموت، فآل الأمر إلى أن أمر السلطان بضرب البساطي فضرب ضرباً مبرحاً، وشق ذلك على غالب الناس.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الأول نودي على النيل بما كان نقص وهو إصبعان، ثم نودي يوم الخميس بإصبع تكملة أربع عشرة من أحد وعشرين ذراعاً، وكان ذلك موافقاً لتاسع عشري توت من الأشهر القبطية، وانتهت الزيادة في سلخه إلى خمسة أصابع من أحد وعشرين ذراعاً، واستمر ثابتاً مدة، واشتد الحر نحو العشرة أيام إلى أن طلع نجم السماك يوم السبت رابع عشر ربيع الآخر الموافق لبابة من الأشهر القبطية فهبت الهواء الباردة وسكن الحر.
وفيها غلب على صنعاء اليمن سنقر مولى علي بن صلاح ملكها الذي انتقل بالوفاة، فعصى سنقر المذكور على الإمام الذي استقر بعد على ابن صلاح بصعدة، فسار
الغمام لمحاربة سنقر المذكور كما سيأتي بيانه في السنة التي بعدها وآل الأمر إلى أن المملكة صارت لسنقر وصيرها ملكاً.
وفيها ورد كتب صاحب الحبشة يذكر فيه أن البطرك الذي عندهم من قبل البطرك الساكن بمصر مات ويلتمس من السلطان أن يأمر البطرك أن يجهز إليهم من عنده بدله ويذكر فيه مودة ومحبة وتوصية بمن بمصر وأعمالها من النصارى، فتقدم الأمر إلى البطرك بذلك فبعث نصرانياً يسمى مخاييل، ومن قبل أن يسافرا حضر عندهما جماعة من الحبشى نصارى فشكوا أنهم كانوا في دير وأن قطاع الطريق نزلوا عليهم فقتلوا منهم ثلاثة وهرب من بقي، وسألوا في ترميم كنيسة كانت قديمة ببساتين الوزير وتركها أهلها من أجل تخريبها، فرفعوا قصة إلى السلطان فأذن في ذلك، ورفعوا أمرهم إلى القاضي الحنفي وهو حينئذ بدر الدين العيني فكتب لبعض من ينوب عنه بالتوجه لتلك الجهة وإعادة الكنيسة على ما كانت عليه بأنقاضها من غير مزيد على ذلك ففعل، فكان في سنة 844 ما سأذكره.
وفي شهر ربيع الآخر قبض على جانبك الصوفي بعد أن كان تحول عند مرزابك إلى جهة ابن قرايلك -، فما زال تغري برمش النائب بحلب - يكاتبه في أمره إلى أن اتفقا على خمسة آلاف دينار ليقبض عليه، فبلغ ذلك جانبك الصوفي - ففر بمن معه فتبعوه - فجرح في المعركة وقبض عليه، وكوتب النائب فجهز المال ومعه سرية تحمله إلى حلب وكاتب السلطان في ذلك، فاتفقت وفاته ثاني يوم القبض عليه، فوصلت السرية فقبض المال وحز رأسه وجهزت إلى حلب ثم إلى القاهرة،
ووصلوا بها أول جمادى الأولى، وطيف - بها في القاهرة واستقرت النفوس، وحصل لمن كان يهوى هواه ما لا مزيد عليه من الحزن، وبطلت الملحمة وتبين كذب من افتراها - والأمر كله بيد الله تعالى.
وفي يوم الخميس سابع عشرة رفع جماعة أن نور الدين بن سالم أحد نواب الشافعي حكم عليه في قضية، فطلبه السلطان فحضر، فسأله عن الشهود: لم لم يكتب أسماؤهم في الحكم؟ فأجاب بأن ذلك ليس شرطاً، فعارضه بعض من حضر، فأمر بضربه فضرب بحضرته وأخذ شاشه وأهين إهانة صعبة، فخرج وهو مكسور الخاطر لكونه مظلوماً، وكثر التأسف عليه، ولم يكن إلا اليسير حتى وعك السلطان وتمادى أمره إلى أن مات كما سيأتي مفصلاً.
وفيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فكثر بحماة وحلب وحمص، ثم تحول إلى دمشق في أواخر الشتاء ودخل الديار المصرية في أوائل شهر رمضان، فكان في ابتدائه يموت في اليوم - نحو العشرين، ثم بلغ في آخره نحو الثمانين، ثم بلغ في أول شوال إلى المائة، ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه، وفي العشر الآخر من شهر رمضان توجه جكم ختن السلطان بإذنه إلى الوجه
البحري فهدم دير المغطس وهو دير روماني من قبل الإسلام لكنهم يبالغون في تعظيمه ويخصون له يوماً معيناً كالعيد، يجتمع فيه من جميع أقطار الإقليم مشاة وركباناً، ويتشبهون بالحجاج، ويجتمع حوله من الباعة ما جرت به العادة في المواسم الكبار، ويعلنون فيه بسب أكابر المسلمين كالصحابة خصوصاً خالد بن الوليد، وقد تقدم في حوادث شهر ربيع الأول من السنة الماضية قيام الشيخ ناصر الدين الطنباوي في أمره وسعيه في هدمه فلم يتفق، فقيض الله في هذا الشهر هذا الرجل وهو جركسي قريب العهد بالإسلام لكن إسلامه قوي، فعرفه بعض الصلحاء بالقضية ففهمها، فقام فيها إلى أن أذن السلطان للقضاة بالحكم بهدمه بعد إن كان المالكي في تلك المرة - قد بالغ في تثبيت مقتضيات هدمه وأشرف على الحكم، فدسوا عليه من أخافه بأن للسلطان غرضاً في ترك هدمه وإبقائه مغلقاً، فجبن وركن لمن زعم له أن السلطان حكم بإغلاقه إلى إن يسر الله في هذا الوقت هدمه - ولله الحمد.
وفي أواخر شهر رمضان سأل السلطان من يحضر مجلس الحديث عن سبب الطاعون، فذكر له بعضهم فشو الزنا، فأمر بمنع النساء هن الخروج من بيوتهن إلا العجائز والجواري لقضاء الحوائج اللاتي لا بد لهن منها وشدد في ذلك.
وفي الثامن والعشرين من شهر رمضان صرف كاتب السر صلاح الدين بن الصاحب بدر الدين - ابن نصر الله عن الحسبة، واستقر دولات خجا الذي كان ولي الشرطة في سنة ست وثلاثين في سفرة آمد. وفيه أخرج الشيخ سرور المغربي من القاهرة بأمر السلطان إلى الإسكندرية. وفي هذا اليوم ظهر جراد كثير جداً بعد العصر، جاء من قبل المشرق، حتى كاد النهار يظلم، فدام ساعة وسار نحو المغرب، فلم يبق له أثر من قبل المغرب، ثم في اليوم الذي يليه وقع نظير ذلك في وقته ثم انقضى أمره.
وفي أواخر شهر رمضان كتب مرسوم بإضافة المواريث الحشرية من النصارى إلى بيت المال بعد أن كن البطرك يتناولها بمراسيم يقررها له الكتاب من قديم الزمان، وكلما أبطلوه أعادوها مراراً.
شوال، أوله الخميس، في أوله اشتد البرد جداً بحيث أنه كان أشد مما كان في فصل الشتاء وعاد الناس إلى لبس الفراء ونحوها، وفشا الطاعون فزاد على المائة، وصلينا في الجامع الحاكمي بعد الجمعة على خمسة أنفس جملة، وكان أول ما بدا اشتد - في نواحي الجامع الطولوني ثم في الصليبة ثم فشا في القاهرة - ولله الأمر.
ثم بلغ المائتين في العشر الأول منه كل يوم، ثم في العشر الأوسط إلى ثلاثمائة.
وفي السادس منه استقر كاتبه في الحكم بالديار المصرية على عادته.
وفي النصف منه توجهت ليلى لزيارة أهلها بحلب، فأكملت في عصمتي خمس سنين سواء ووقعت الفرقة، وعادت في رجب ثم أعيدت إلى العصمة.
وفي العاشر منه عاود السلطان ضعفه بالقولنج وسوء المزاج وفساد المعدة، فانقطع عن الموكب والخدمة إلى.. وأدير المحمل في يوم الاثنين تاسع عشرة وأميرهم آقبغا التركماني، وأبطل جماعة من الناس السفر لاشتغالهم بالطاعون، وكان فطر النصارى في الثامن عشر، وأمطرت في التاسع عشر مطراً خفيفاً، ثم كثر في الليل وأرعدت وأبرقت ونزل الماء كأفواه القرب، وهو في - اليوم الثالث من نزول الشمس الثور، وأصبحت المدينة ملأى بالوحل ونزل الماء، وقد تقدم نظير هذا في مثل هذا اليوم من سنة ست وعشرين وثمانمائة.
وفيه أمر بكسر أواني الخمر، فأخبرني المحتسب دولات خجا أنه كسر في يوم واحد ثلاثة وستين ألف جرة وأنه سئل بمال جزيل الإعفاء من ذلك، فلم يستطع مخالفة الأمر لشدة فحص السلطان على ذلك، وفي آخره توجه العسكر المصري من حلب إلى جهة الروم.
وفي يوم السبت الرابع والعشرين منه غضب السلطان على رئيسي الطب شمس الدين أبي البركات بن عفيف بن وهبة بن يوحنا بن وفا حلب - الملكي الأسلمي وزين الدين خضر الإسرائيلي لاتهامه إياهما أنهما غلطا عليه فيما وصفاه له - من الأدوية، فأمر بتوسيطهما فوسطا بالحوش، وذكر أن ابن العفيف استلم وتشهد، وأن الآخر مانع عن نفسه وعالج وسأل أن يفدي نفسه بخمسة آلاف دينار، فلم يجب، وقتلا.
وفي صبيحة يوم الأحد سلمت جثتهما لأهلهما، فدفناهما وراحاه من وزن الذهب - وعد ذلك من الأعاجيب.
وفيه غضب على عمر والي الشرطة وصودر على مال ثم أعيد، واشتد بالسلطان الضعف لعدم تناول الغذاء وساءت أخلاقه، وصار يأمر بأشياء فيها ضرر لبعض من يلوذ به فيظهر المأمور الامتثال ولا يفعل، واتفق أن ناظر الجيوش القاضي زين الدين - عبد الباسط انقطع يوماً بسبب ظلوع في ذراعه ثم عوفي وركب وفرح الناس -، واستمر كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله - ضعيفاً منقطعا من يوم الجمعة ولم يظهر فيه الطاعون إلا أن مرضه شديد الحدة. فلما كان يوم الثلاثاء الرابع من ذي القعدة طلب السلطان الخليفة والقضاة والأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية والأجناد، وعهد السلطان بالسلطنة لولده وكتب عهده، ولقب
الملك العزيز جمال الدين يوسف -، وأشهد السلطان على نفسه بذلك برضا أهل المملكة وإمضاء الخليفة، واشهد على نفسه أنه جعل الأمير الكبير - جقمق نظام مملكة ولده يوسف - وكتب له بذلك ورقة مفردة، وشهد فيها على السلطان بالتفويض وعلى الخليفة بالإمضاء، وانفق على المماليك السلطانية فجعل - لكل شخص ثلاثون ديناراً وأنفض المجلس، وخلع على نور الدين الإمام السويفي بوظيفة الحسبة عوضاً عن دولات خجا، وهرع الناس للسلام عليه.
وفي الرابع من ذي القعدة تناقص البرد وتزايد الحر وخف الموت من ضواحي القاهرة إلا من الجهة البحرية والشرقية فتزايد فيهما كما كان في الغربية والقبلية فيقال جاوزوا الألف في كل يوم ومعظمهم أطفال ورقيق من جميع الأجناس.
وفي النصف من ذي القعدة بدأ الطاعون في النقص فصار ينقص في كل يوم نحو الأربعين والخمسين والثلاثين، وتمادى على ذلك إلى أن كان في العشرين منه، فكانت عدة الاموات بمصلى باب النصر مائة بعد أن كانت بلغت الخمسمائة، ثم تناقص إلى ستين في ثاني عشري ذي القعدة وكانت بلغت بمصلى المؤمني نحو الثلاثمائة، ثم تناقص ذلك إلى ثلاثين.
وفي العاشر من ذي القعدة ناول العسكر المصري الابلستين، ثم توجهوا إلى مدينة اقشر فنازلوها وأميرها سالم بن الحسن وكان يقطع الطريق على التجار، فهدموا بعض قلاعها وكان هذا المكان - معداً لقطاع الطري، وتوجه العسكر المصري منها في أواخر الشهر بعد أن - قرروا بها نائباً.
وفي السادس والعشرين من ذي القعدة هبت ريح شديدة، وأثارت تراباً كثيراً بحيث ملأت البيوت والشوارع، ودامت من الليل إلى آخر النهار.