الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة
شهر الله المحرم - أرخوه على عادة العدد يوم الأربعاء، ثم تبين أن أوله الثلاثاء بعد ستة أيام.
وفي يوم السبت خامسه استقر أينال الشاد دويدار عوض تمرباي، واستقر تمرباي من الأمراء المقدمين، واستقر بعد ذلك - على باي شادا عوضاً عن اينال، واستقر جكم خال السلطان خازندار عوضاً عن هلي باي، واستقر في وكالة بيت المال شهاب الدين ابن الشيخة شاهد القيمة، وعينت وظيفة نظر المارستان لولي الدين السنطي ثم لمحب الدين بن الأشقر ثم لسراج الدين العبادي فقيه الملك العزيز، ثم لم تتم لواحد منهما إلى أن، استقرت لابن الأشقر.
وفي يوم السبت خامسه استقر في ولاية القاهرة واحد من الخاصكية يقال له دمرداش، ثم استقر علاء الدين ابن الطبلاوي في شهر ربيع الأول.
وفي يوم السبت الرابع عشر من المحرم استقر الشيخ سعد الدين شيخ المؤيدية في قضاء الحنفية عوضاً عن القاضي بدر الدين العيني بحكم عزله وركب الناس معه، ولم يركب معه أحد من الأمراء ولا من المباشرين إلا أن ناظر الجيش وكاتب السر وناظر الخاص والأستادار لحقوه بالمها مرتين ولم يسيروا معه بل وقفوا معه عند الأشرفية حتى قرب منهم ثم توجهوا أمامه فوقفوا عند الصالحية على العادة ودخل القضاة، وتوجه
ناظر الجيش ومن معه، ورجع المستقر إلى منزله، وهرع الناس للسلام على المنفصل، وحصل للمنفصل قهر عظيم لأنه لم يكن يظن أن ذلك يقع، ووقع في هذا اليوم لناظر الجيش إساءة من مملوك من مماليك السلطان ثم تكرر ذلك، وصار لا يركب إلا مع جماعة يحمونه من معرتهم - وانخرقت تلك الحرمة واتضعت تلك الكلمة وجرى بين جوهر الخازندار مع بعض الخاصكية كلام أغلظ له فيه، ونسبه إلى انه كان السبب في تلك المظالم، وانحطت منزلته جداً وعظم قدر جوهر الزمام، ولم يتأثر الخازندار لما قيل فيه ومشى على طريقته، وتسلط كثيرمن الجند على ناظر الجيش وكرروا الإساءة عليه بالقول والفعل والتهديد، وكلما رام تلك الصفة التي كان عليها في زمن الأشرف عورض - ولله الامر.
وفي أوله تصدى الأمير الكبير نظام المملكة للحكم بين الناس في كل يوم وبسط العدل، ولم يمنع أحداً طلب الشرع من التوجه حيث أراد من الحكام سواء كان نائباً أو مستقلاً، واستقر عنده شهاب الدين ابن العطار دويدار وكان عند تمرباي الدويدار، وهو مشكور السيرة كثير التودد والعقل.
وفيها خرج على الحاج عرب بلي فأخذوا نحواً من ألفي جمل كانت مع العرب من جهينة وغيرها، فمنها كثير من الحاج العزاوي والشامي ومعهم الكثير من بهار المصريين ومن أمتعتهم وهداياهم وذلك عند الوجه، فأخذوا الجمال ورموا ركابها وأخذوا نفائس ما معهم، فتوصل الكثير منهم حفاة عراة إلى بئر الأزلم فمات الكثير منهم هناك،
وسئل أمير الركب آقبغا التركماني أني قيم بالأزلم حتى بتكامل الذين سلموا من الموت، فامتنع ورحل من أول النهار فهلك الذين وصلوا بعدهم ولم يجدوا من يرفدهم ومات أكثرهم فكانت قصة شنيعة، وتوصل بعضهم إلى عيون القصب فركب البحر من جزيرة عينون ودخل الحاج أولاً فأولاً، فأول من وصل الترك الذين كانوا بمكة في العام الماضي ومعهم جمع كثير في الحادي والعشرين، ووصل قبلهم طائفة في السابع عشر تقدموا من المويلجة، ووصل جماعة تقدموا من نخل في الثاني والعشرين، ودخل الركب الأول في الثالث والعشرين والمحمل في الرابع والعشرين، وانطلقت ألسنتهم بذم أمير الركب وأنه كان السبب فيما صنع عرب بلي لكونه أرسل أحد الرئيسين مبشراً، وزنجر الآخر فغضب قومه وفعلوا ما فعلوا ولم يعاتب أمير الركب فضلاً أن يعاقب، ثم تبين أن العرب الذين حملوا البهار سلموا، ووصل معهم جمع كثير من الحجاج وذكروا أن بقيتهم ركبوا البحر وأنه لم يمت منهم إلا القليل.
وفيه استقر كل من عبد الرزاق الطرابلسي وسراج الدين العبادي إماماً للسلطان فصاروا خمسة، وكان عبد الرزاق إمامه قبل السلطنة.
وفيه توجه جماعة لتلقيد أمراء البلاد على ما كانوا عليه.
وفيه استقر فارس الخادم الرومي شيخ الخدام بالمدينة الشريفة عوضاً عن ولي الدين بن قاسم، وتوجه من جهة البحر إلى الينبع ليسير منها إلى المدينة.
وفي آخره وصل الخبر من العسكر المصري أنهم رجعوا من أرزنكان في أول يوم من المحرم، ووصلوا مدينة حلب في الخامس -، وجهزوا القاصد بأخبارهم وتوجههم إلى جهة حلب بعد - أن لم يبق في الجهة التي قصدوها أحداً عاصياً، وكل ذلك قبل أن يبلغهم خبر موت السلطان.
وفيه وثب نائب حلب - تغري برمش على ثقل بعض الأمراء المجردين فنهبه ورجع إلى جهة ملطية خارجاً عن الطاعة، ووصل الخبر من بقية الأمراء بذلك إلى القاهرة في الثالث من صفر، ثم تبين فساد النقل المذكور واستمرار المذكور على الطاعة.
صفر - أوله الخميس، نزل ناظر الجيش من القلعة فلاقاه جماعة من المماليك نحو العشرة، فأساءوا عليه بالسب ثم سل أحدهم الدبوس وقصد ليضربه، فلاقاه عنه الأستادار وهو مملوكه جاني بك، فاجتمع من المماليك آخرون وتكاثروا، فدكس فرس لجهة القلعة ونزل عنه ودخل الجامع فتفرقوا، ثم توجه إليه الوزير وغيره فأخذوه معهم إلى بيته فأقام به، وحصل بذلك من كسر حرمته ما حصل له به القهر العظيم ولكنه تدارك ذلك، وألبس خلعة صبيحة يوم الجمعة ونزل إلى بيته وهرع الناس للسلام عليه.
وفي ليلة الجمعة ثاني صفر أمطرت السماء مطراً غزيراً غير كثير فنزل البحر، وكان له من يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ما زاد شيئاً إنما ينادي بإصبع أو إصبعين تطميناً للناس فلم يناد يوم الجمعة بشيء، فلما كان بعد دخول الشهر زاد قليلاً، وتمادى ذلك إلى الرابع عشر من صفر الموافق للثالث عشر من مسري، فكان في صبيحته في العام الماضي قطع البحر واوفى وزاد من الذراع السابع عشر، وكان انتهاءه في مثل هذا اليوم من هذا العام إلى ثلاثة عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً، فالنقص بينهما ذراعان وربع ذراع، ثم من الله بوفاء النيل يوم الاثنين سادس عشري صفر، وقطع البحر في صبيحته على العادة، وكان في العام الماضي في هذا اليوم ثمانية عشر ذراعاً سواء.
وفي يوم الخميس نصف الشهر بلغ الأتابك جقمق والامراء وغيرهم أن المماليك الجلب قصدوا الفتك بهم بغتة، وثم عليهم بعضهم فلبسوا السلاح وحذروا، وراسل الأتابك السلطان في ذلك والتمس أن يجهز إليه رؤوسهم وهم أربعة سماهم منهم جكم خال السلطان، فترددت الرسل في ذلك فلم يقع الإجابة، وأرسل إلى القضاة وأشهدهم ومن حضر أنه باق على بيعته في طاعة السلطان ولكنه يلتمس من مماليك السلطان أن يقفوا عند اليمين التي حلفوها في حياة الأشرف أنهم يكونون بعده في طاعة ولده والأتابك نظام الملك، ثم أرسل السلطان إلى القضاة في يوم الجمعة، فراسل الأتابك يسأله عن مراده فعادوا له بما ذكر، وتكرر ذلك فلم تقع الإجابة ونشبت الحرب بين الطائفتين، فعمد الأكابر إلى الأتابك فتحول معهم إلى بيت نوروز، ثم لما وقع التزامي دخل أولئك المدرسة الحسينية بالرملة وعلوا على سطحها ونصبوا المجانيق ورموا السهام، وحصروا المماليك بالإصطبل، وبادروا إلى الماء الذي يصل إلى القلعة في القناة التي تمد من النيل فقطعوها فباتوا في ضيق،
فأعاد السلطان المراسلة إلى أن حصلت الإجابة إلى ما طلبه الأتابك، وجهزوا له الأربعة فحبسهم، ونزع الطائفتان السلاح ورجعوا إلى بيت الأتابك، فأحضر القضاة في يوم الأحد وشرعوا في تحليف الجند أجمع على أنهم في طاعة السلطان والأتابك على الأربعة وجهزهم للسلطان، وجهز أربعة أنفس كانوا رؤساء في مقابلة أولئك فخلع السلطان عليهم، واستمر الحال على ذلك إلى يوم الخميس، فصعدوا الجميع إلى خدمة السلطان وسكن الاتابك بالإصطبل، فلما اصبح يوم الجمعة اجتمع عدد من المماليك الجلب ونازعوا الاتابك في ذلك، وأنكروا سكناه الإصطبل ونسبوه إلى أنه يروم السلطنة فتنصل من ذلك، واتفق أنه لم يصل الجمعة مع السلطان من الطائفتين إلا النادر، ولم يجتمعوا في الخدمة يوم السبت ولا الاحد ولا الاثنين، فكثر تأذي العامة بالجلب فأمسك منهم اثنان وضربا وجرساً، فسكن شرهم قليلاً.
شهر ربيع الأول أوله السبت، في الرابع منه دخل يشبك الحاجب الكبير ضعيفاً في محفة فنزل في بيته أول النهار وهرع الناس للسلام عليه، فأقام أياماً يسيرة ثم تعافى.
وفي خامسه دخل سائر الأمراء فبادروا إلى الإصطبل، فخرج إليهم الأمير الكبير، فوقفوا جميعاً تحت القلعة، وتقدم الأمير الكبير فقبل الأرض والسلطان في القصر - يشاهدهم وقبل بقية الأمراء واحداً بعد واحد، فأمر للقادمين بالخلع فخلع عليهم، ونزلوا إلى بيوتهم وهرع الناس للسلام عليهم.
وفي يوم الخميس قبض على جماعة من الأمراء القادمين وغيرهم، منهم جانم أمير آخور، وجكم والثلاثة الذين كانوا قبضوا معه وعلى باي ويخشباي وأينال ومقدم المماليك ونائبه
وتاني بك الجقمقي نائب القلعة - وتمام ثمانية عشر نفساً منهم تاني بك الجقمقي نائب القلعة - وسفروهم إلى الإسكندرية، وأنزلوا صبيحة يوم السبت في القيود إلى شاطئ النيل، فأنزلوا في المراكب حيث أمر بهم إلى الإسكندرية -، استقر تمر باي نائب الإسكندرية وسافر على البر وتاني بك في نيابة القلعة كما كان أولاً، ووكل بالزمام وبالخازندار ثم أفرج عنهما.
وفي التاسع عشر منه جمع الخليفة والقضاة والأمراء فلما اجتمعوا بالقاعة داخل الأصطبل عند الأمير الكبير نظام الملك قال الأمير قرقماس للجماعة إن جماعة الأمراء اجتمع رأيهم على تقرير الأمير النظام في السلطنة لعجز لملك العزيز عن ترتيب المملكة ويترتب على ذلك الفساد الذي لا خفاء به، فأجابه الخليفة بأنني أعلم هذا وأشهدكم أنني خلعت الملك العزيز من السلطنة وصيرت الأمير الكبير جقمق في السلطنة، وبايعه في الحال وألبس الخلعة وصعد إلى القصر وجلس على الكرسي - وبايعه الأمراء، وحمل الأمير قرقماس القبة وخلع عليه على العادة، وقدم للخليفة الفرس والخلعة، ولبس - وركب ورجع إلى منزله، ثم صعد القضاة فسلموا على السلطان، وقررهم في وظائفهم وتوجه كل إلى بيته - فكان ما سنذكره.
وفي صبيحة يوم الأربعاء المذكور أمطرت السماء مطراً خفيفاً، وكان النيل بلغ تسعة عشر إصبعاً من تسعة عشر ذراعاً، فلما كان عند الثلث الأخير من ليلة السبت الثاني
والعشرين من ربيع الأول وهو السادس عشر من توت نقص يوم الجمعة - نقصاً فاحشاً، وأمطرت السماء برعد وبرق، وظهر النقص ظهرواً بيناً.
وفي يوم الخميس خلع على الدويدار الكبير على عادته، وكذا أينال الدويدار الثاني وهو الذي يباشر لعجز الكبير -، واستقر تغري بردى البكمشي في الحجوبية الكبرى وهو المعروف بالمؤذي، واستقر يشبك أمير سلاح بدل آقبغا التمرازي، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس بدل قرقماس، واستقر قرقماس أتابك العساكر، واستقر تمراز أمير آخور، واستقر بدله راس نوبة - قراقجا الحسني، وخلع على اجميع، ووكل بالزمام جوهر وسجن بالبرج، واستقر عوضه فيروز الذي كان ساقياً وغضب عليه الأشرف، ثم خلع على جوهر الخازندار على عادته وصعدت ليلة الجمعة مغل بنت البازري زوج السلطان وقد صارت خوند - من بيتهم بالخراطين إلى القلعة في محفة عند غروب الشمس وحولها المشاعل والشموع نحو من خمسين من الطواشية وجمع كثير على الحمير من النساء، واستقرت خوند الكبرى، وأسكن الملك العزيز بالقاعة البربرية، ووكل به نحو خمسين نفساً، فلما كان بعد أيام أفرج عنه واستقر داخل الدور وقرر له ما يكفيه، ثم أفرج عن جوهر الزمام ونزل إلى بيته وهو ضعيف، وشرع في بيع موجوده ليوفي مال المصادرة.
وفي ليلة الجمعة الاثمن والعشرين منه عمل المولد النبوي وحضر الامراء والأعيان والقراء على العادة.
وفيه ثقل سمع القاضي موفق الدين الناشري قاضي الأقضية بزبيد من بلاد اليمن وضعفت قوته، فقرر الظاهر صاحبها عوضه ولد - أخيه أبا المظفر محمد ابن الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن محمد الناشري، وهو الآن كبير البيت وعمه في الأحياء، وهو المشار إليه في الفقه، وقد قارب التسعين فإن مولده سنة 754.
شهر ربيع الآخر استهل بيوم الأحد، وفي يوم الثلاثاء خلع على القاضي محب الدين بن الأشقر الذي ولي كتابة السر بنظر المارستان عوضاً عن ابن مفلح بحكم وفاته.
وفي يوم الأربعاء رابعه ثار جمع من الجند وطلبوا زيادة في النفقة في جامكية الشهرية فلم يلتفت إليهم، فاجتمعوا إلى قرقماس فما زالوا به حتى ركب معهم ولم يركب معه من الامراء إلا القليل، وعظم الأمراء والجند صعدوا إلى القلعة، ووقع بينهم الترامي بالنشاب وقتل جماعة من الفريقين، وفي آخر النهار انهزم قرقماس ومن معه فنهب بيته، ونودي لمن أحضره بأمرة
وخلعة، ورجع جماعة ممن كان معه إلى الطاعة قبل الهزيمة، وكان السلطان عزل والي الشرطة وولي علي بن الطبلاوي، فجمع له الزعر فبالغوا في القتال مع جمعة السلطان إلى أن تمت الهزيمة، وفرق السلطان فيهم جملة من الذهب والفضة رماها من أعلى المكان فتناهبوها وجدوا في القتال.
وفي صبيحة الخميس قبض على قرقماس وأرسل إلى الإسكندرية، وتتبع جماعة ممن كان معه فسجن بعض ونفي بعض.
وفي التاسع منه قرئ تقليد السلطان بالقصر وجرى كلام يتعلق بالقضاة فقال الشافعي: عزلت نفسي، فقال له - السلطان: أعدتك، فقبل وخلع عليه وعلى رفقته، ورسم بإعادة الأوقاف التي خرجت عن الشافعي، وهي وقف قراقوش في ولاية العراقي ووقف تنبغا التركماني في ولاية البلقيني ووقف الأسرى في ولايته، فأعيدت بتوقيع جديد.
وفي السابع عشر منه استقر القاضي كمال الدين البارزي في كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، واستقر برهان الدين الباعوني في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن القاضي كمال الدين. ثم ورد الخبر في أوائل جمادى الأولى أن
الباعوني امتنع من قبول الولاية، فقرر ص43 القاضي تقي الدين بن قاضي شهبة، وسار القاصد بخلعته وتقليده.
وفي يوم السبت الثاني والعشرين منه استقر تنم الذي كان خازندارا صغيراً في وظيفة الحسبة عوضاً عن نور الدين السويفي.
وفيه أمر السلطان القضاة بالتوجه إلى الكنيسة المعلقة والكنيسة المعروفة بشنودة وكشفتا، وهدم من المعلقة أشياء جددت ما بين شبابيك مخروطة وكتيبات مطعمة ودقيسيات، وألزموا بتكملة هدم البناء المجدد الزائد عما سبق لهم من حكم نائب الحنفي بترميمه.
وفيه ادعى على بطرك النصارى بأنه يتناول مال الموتى الحشرية من النصارى، فادعى أن معه مرسوماً من السلطان، فاستفتى السلطان القضاة، فاتفقوا على أنه من أموال بيت المال، فخلع على فتح الدين المحرقي بنظر سعيد السعداء والنظر على الترك الحشرية من أهل الذمة وشرع في استخلاص ذلك وبطلب ما سبق لاستعادته ممن تناوله ولحق النصارى من ذلك شدة شديدة.
وفيه نازل الإمام صاحب صعدة بعساكره صنعاء، فقاتل المتغلب عليها وهو سنقر التركي، وكان سنقر قد تحكم في البلاد بالشوكة وأقام هذا الإمام وزوجه بنتاً لعلي بن صلاح، فبلغ سنقراً أنه يريد القبض عليه وبادر هو فقبض عليه وسجنه، فتحيل إلى أن خلص من محبسه بصنعاء، وتوجه إلى صعدة فجمع العسكر ونازل سنقرا، فقوي عليه سنقر بمن أطاعه من أهل الشوكة، فانكسر الأمام وتحصن بقلعة يقال لها تلي، فلما بلغ ذلك زوجته استولت على صعدة وأطاعها أهلها، ثم كاتب سنقر الملك الظاهر صاحب زبيد يطلب منه عسكراً ليسلمه صنعاء ويكون هو أحد الأمراء، فبادر الظاهر لذلك وأرسل أميرين، فلما وصلا بمن معهما إلى دماء وبلغهما موت الظاهر رجعوا، وذلك في رجب.
جمادى الأولى - أوله الثلاثاء، حضرنا للتهنئة عند السلطان يوم الاثنين سلخ الشهر الماضي، فسأل السلطان أن يشهد على نفسه بما فوض لي من الولاية والأنظار وغيرها، فأشهد على نفسه بذلك بحضرة
القضاة، وشكوت إليه بعد ذلك ما انتزعه مني الملك الأشرف ووهب بعضه أو أكثره للقاضي علم الدين صالح بن البلقيني، فرسم بعقد مجلس بذلك - بحضرته، فتوسط ناظر الجيوش بيني وبينه إلى أن أعاد النصف وتركت له النصف.
وفي أوائله طلع الشيخ حسن العجمي لتهنئة السلطان بالشهر ومعه جماعة على العادة، فأمر بالقبض عليه وضرب بحضرته ضرباً مبرحاً وأمر بنفيه، ونودي عليه جزاء من يقتني كتب الكفر ويدور بها وشهر في البلد، وحبس محبس الجرائم، ثم ادعى عليه عند المالكي أنه وقع في حق الجناب الرفيع، فشهد عليه امام التربة الجديدة الاشرفية، فسجن لتكمل البينة، وقرر في زاويته شمس الدين الكافياجي، وتعجب الناس من كون الذي شهد عليه والذي أخذ مكانه منسوبين إلى الذي كان يقرره ويهديه.
وفي أول - العشر الأوسط منه ضرب كاتب من كتاب الوزير بسبب مال صار في جهته، فقدر أنه اصبح ميتاً بعد الضرب فاستغاث أهله، فأمر السلطان بإحضار المقدم، فضرب بحضرته بالمقارع وأرسله إلى القاضي المالكي، فعفا بعض أولياء الميت عن الدم وبقي حق ال فحبس بسبب ذلك.
وفيه قدم شخص من حلب بسبب الحروفية، ونجزت له مراسيم بالقيام عليهم - وقد نبهت على ذلك في حوادث سنة 821.
وفي الرابع والعشرين منه شكا حسين بن حسن الأميوطي نقيب ابن البلقيني، ونسب إليه أمور وكان الذي قام في أمره ولي الدين بن تقي الدين البلقيني وساعده ابن عم أبيه
قاسم وتبعهما جماعة، وكتب فيه محضر شهد عليه فيه بأمور معضلة بعضها يقتضي الزندقة والاستهزاء بالشريعة وأهلها وغير ذلك من ارتكاب كبائر من لواط وشرب خمر، فبلغه ذلك فاستجار بعبد الرحمن بن الكويز فسعى له، ثم قبض عليه بعض الأعوان وجمع من الشرط وذلك في أول الليل، ففر إلى بيت ابن الكويز، فأصبح القوم فرفعوا أمرهم ثانياً، فأمر السلطان الوالي ونقيب الجيش بالجد في طلبه، فلم يقدروا عليه واستمر في تواريه إلى أن كان في يوم الأربعاء - ثاني شعبان فشفع فيه الأمير تنم المحتسب والأمير دولات باي أمير آخور عند ناظر الجيش، فتكلم معي في سماع الدعوى عليه والحكم بحقن دمه فأجبتهم، فامن على نفسه وظهر ولم يقع له ولا عليه حكم إلى إن وقع من القبض على ناظر الجيش في أواخر السنة ما وقع، فتحرك حسن المذكور وساعده ولي الدين السفطي وكيل بيت المال وجليس السلطان، فأوقفه للسلطان وادعى أن ولي الدين البلقيني تعصب عليه بجاهه وماله وأن الذين كتبوا في حقه رجع أكثرهم، وأظهر خطوط بعضهم بذلك، فأمر السلطان أن يعقد له مجلس بالقضاة والعلماء ويفصل الأمر بينهم، فوقع ذلك في المحرم كما سياتي بيانه إن شاء الله تعالى.
جمادى الآخرة - أوله يوم الأربعاء بالرؤية.
في الثالث منه عزل السلطان ابن النقاش من الخطابة بجامع ابن طولون، وقر فيها برهان الدين ابن المليق، وذكر أنه كان يصلي خلفه أحياناً وهو أمير فلا يفصح في الخطبة ولا في القراءة في الصلاة.
وفيه حكم بهاء الدين الأخنائي بحضرة مستنبيه القاضي المالكي بقتل بخشباي الاشرفي حداً لكونه لعن أجداد حسام الدين بن حريز قاضي منفلوط بعد أن قال له: أنا شريف، جدي الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبق له أنه ادعى عليه عند بعض الشافعية بأنه شتم ناساً فيهم أشراف، وحكم ذلك النائب الشافعي بقبول توبته وحقن دمه، فلما ادعى الحسام بذلك عند المالكي طلب صورة الحكم السابقة وذكر أنها لا تمنع من سماع هذه الدعوى وفوضها لنائبه المذكور، فسمع البينة على الغائب وحكم وبقي له الحجة.
وفيه أشيع موت الشيخ عز الدين ابن - عبد السلام بن داود ابن عثمان المقدسي شيخ الصلاحية ببيت المقدس، فعين شهاب الدين أحمد ابن.. التبريزي الكوراني عوضه بشرط ثبوت موته، فلما كان بعد قليل حضر شرف الدين - يحيى بن العطار الذي كان استقر في مشيخة خانقاه ناظر الجيش عوضاً عن بهاء الدين ابن المصري إلى القاهرة فأخبر أن ضعف عز الدين لا يقتضي الموت وأنه فارقه في قيد الحياة.
وفي التاسع من جمادى الآخرة كان أول كيهك وهو أول الأربعينية عند المصريين فوقع فيه مطر يسير وكذلك في الليل، ثم أرعدت وأبرقت في يوم الجمعة ووقع المطر الغزير، وتواتر وانتفع به أصحاب الزرع انتفاعاً جيداً.
وفيه استقر في قضاء الشام القاضي تقي الدين أبو بكر بن قاضي شهبة، وكان ناظر الجيش عين لوظيفة القضاء برهان الدين الباعوني وجهزت له الخلعة والتوقيع فجاء كتاب النائب يذكر أنه امتنع واصر على الامتناع فجهز توقيع المذكور.
وفيه حضرنا عند السلطان بسبب محاكمة فذكر أنه بلغه أن الشيخ زين الدين أبا هريرة ابن النقاش بني بيته الذي بجوار جدار - الجامع الطولوني من داخل السور الذي للجامع يغير حق وأنهم حكموا قديماً بهدمه، وكان السلطان أمر أولا أن يتوجه القضاة الأربعة إلى الجامع ويكشفوا حال البيت المذكور، فكشفوه وأعادوا له الجواب بأنه حكم على أولاده بسد الباب الذي فتحه في جدار
الجامع وكذلك المناور التي فوقه، فوجدوها قد سدت وبيضت، فقال في هذا اليوم ما ذكر فقلت له إن كان ثبت عند مولانا السلطان فليحكم بهدمه ونحن ننفذ حكمه فتوقف، فبلغ ذلك علم الدين صالح - البلقيني وكان وقع بين أخيه القاضي جلال الدين وبين ابن النقاش منازعة بسبب نظر وقف في مجلس الأمير الكبير فاستطال ابن النقاش على الجلال فغضب وقال: حكمت بفسقك وعزلتك من وظائفك لكونك بنيت بيتك في رحاب الجامع، فلم يلبث أن أعاده بعد ثلاثة أيام ولكن سطر ذلك المجلس وبقي عندهم، فتوجه البلقنيني إلى العيني واجتمعا بالسلطان وتنصحا له بذلك، فأصغى لهما وأعجبه، فلما كان عند التهنئة برجب أظهر لي - المحضر المذكور فعرفته أنه لا يفيد وكان تاريخه سنة خمس وثمانمائة فسكنا - إلى أن كان ما نذكره.
رجب الفرد الحرام - أوله الجمعة، ثم ثبت أنه رئي ليلة الخميس وأدير المحمل في النصف منه وكان حافلاً والجمع وافر.
وفي يوم الاثنين الخامس منه عقد مجلس بالقصر وادعى فيه نور الدين ابن آقبرص نائب الحكم بطريق الوكالة عن السلطان عند القاضي المالكي على منصوب عن قرقماس بحكم غيبته بالإسكندرية بالسجن بأنه بايع السلطان وحلف له ثم خرج عليه وشق العصا وشهر السلاح وقتل بسببه جماعة، فقامت البينة وحكم القاضي بموجب ما شهدت فيه، فسئل عن موجبه فقال: يجوز للسلطان قتله، فضبطوا عليه هذا الجواب وجهز بريدي إلى الإسكندرية بقتله بعد أن، يقرأ عليه المحضر ويعذر له، فقرئ عليه فاعترف بما شهدت به البينة فقتل
وكان قدم مع المجهزين إلى قرا يلك في سنة 32 البلاد الحلبية، ثم في النيابة سنة 37، ثم خرج في العسكر إلى دفع قرا يلك فأقام بالبيرة: ثم أرسل إليه حمزة بك بن علي بك بن دلغادر يطلب منه نجدة على عمه وهو بمرعش فوصل إليه في طائفة. فلما وصل إلى مرعش جاءه فياض بن ناصر الدين بك ومعه أميران من التركمان فجهز إلى القاهرة، ثم خرج بأمر السلطان إلى تسلم قيسارية من ناصر الدين بك بن دلغادر، ثم وصل الخبر بتأخير ذلك فرجع إلى حلب في رمضان سنة 38، ثم شاع ظهور جانبك الصوفي فجاء الأمر بتوجه قرقماس إلى مصر، فحضر واستقر أمير سلاح، واستقر أينال الجكمي في نيابة حلب بعده، وأطلق السلطان فياضاً وولاه إمرة مرعش، وكان قرقماس الشعباني من مماليك الناصر فرج، ثم تنقلت به الأحوال واستقر دويدار صغيراً في أوائل دولة الأشرف، ثم ولي إمرة مكة شريكاً لحسن بن عجلان، ثم عاد إلى القاهرة وولي الحجوبية الكبرى وباشرها بشهامة وصرامة، وكان مهيباً ويميل إلى الفقهاء ويجالسهم ويطالع كتب العلم، ثم ولي إمرة حلب بعد رجوع السلطان من آمد، ثم صرف عنها واستقر بالقاهرة أمير مجلس، ثم اتفق أن الأشرف مات وهو مع المجردين في البلاد الشمالية، فلما عادوا كان القائم في سلطنة الملك الظاهر جقمق - وخلع العزيز وحبس الأمراء الذين من جهته، ثم لم يلبث أن ثار الظاهر ومعه المماليك الأشرفية، فحاربه الأمراء الذين كانوا بدولة الظاهر، فانكسر وجرح جماعة وقتل جماعة، ثم احضروا في اليوم الثالث فأرسلوا إلى الإسكندرية - وكان ما تقدم.
وفي الرابع من رجب حضر الجماعة لقراءة البخاري بالقصر وحضر معهم السلطان، ثم انقطع وصار يحضر أحياناً وشرط عليهم عدم اللغط، واستقر برهان الدين إبراهيم بن عمر - بن حسن البقاعي قارئاً عوضاً عن نور الدين السويفي إمام الملك الأشرف، واستحسنوا قراءته وفصاحته.
شعبان المكرم - أوله السبت، في الثاني منه عقد مجلس بسبب بيت الشيخ أبي هريرة ابن النقاش المجاور لجامع ابن طولون، وأحضر ولداه وادعى عليهما ولي الدين السفطي بطريق الوكالة عن السلطان وعن الناظر، فأجاباه بأن والدهما استأجر المكان المذكور وحكم بالإجارة القاضي ولي الدين العراقي، وأظهرا بذلك مثبوتاً، فحضر المجلس المذكور ناصر الدين الشنشي نائب الحكم وذكروا عنه أنه كان في سنة 35 حكم بهدمه، فسئل عن ذلك فقال: الذي ثبت عندي أن الأرض المذكورة من رحاب الجامع وأنه لا يجوز فيها البناء، فسألته في المجلس: أنت تقدم لك حكم بعدم بناء ابن النقاش؟ قال: لا، فأعرض السلطان عنه وانفصل المجلس على أن القاضي المالكي ينظر في الإجارة ويعمل فيها ما يقتضيه مذهبه، فادعى عليهما السفطي صبيحة ذلك اليوم إن الإجارة التي بيدهما انقضت وأن الناظر يختار الهدم فحكم المالكي بهدم الدار المذكورة، وكان ابن النقاش وقف الدار المذكورة على صهريج بناه مجاورها، فحكم المالكي بطلان الوقف بانقضاء الإجارة ومكنهما من نقل الأنقاض وتملكها وتسوية الأرض، ثم توجه المالكي بأمر السلطان صبيحة اليوم لمذكور فحضر هدم الدار المذكورة، وذلك في صبيحة يوم الأربعاء خامس شعبان.
وفيه عصى تغري برمش التركماني - نائب حلب وأراد القبض على الأمراء بحلب وأن يملك القلعة، ففطنوا له فحاربوه، وأغلقوا القلعة، فحاصرهم فيها، وجاء الخبر بذلك إلى السلطان في الحادي عشر من رمضان، فأمر بتقليد نائب طرابلس النيابة بحلب، وأرسل إليه تقليده وخلعته مع هجان، وأمره بالمسير بالعسكر إلى حلب والقبض على تغري برمش، وكتب إلى الحاجب بحلب وكان قد فر من حلب إلى حماة بنيابة حماة، وأمر نائب حماة أن يتحول إلى نيابة طرابلس، واستشعر من نائب الشام اينال الجكمي العصيان -، فوافى كتابه في آخر اليوم
المذكور بما يدل على استمراره على الطاعة فاطمأن لذلك، ثم أظهر العصيان وكاتب النواب فما أطاعه أحد وواطا بعض أهل القلعة ورشاهم بجملة من المال، ففطن بهم نائب القلعة فقبض عليهم وقتلهم، وهرب واحد منهم فأعلمه، فاستغاث أهل القلعة بالعوام وسألوهم النصر، فانتحوا واجتمعوا ورجموا من يحاصر القلعة بالحجارة، وخربوا المكان الذي صعدة رماته ليرموا على القلعة منه، فهزموهم وهجموا على دار العدل، ففر النائب لا يلوي على شيء، ونهبوا ما وجدوا ولم يصل معه سوى مائة فارس، فخرج من باب أنطاكية ليس معه إلا ما هو لابسه، وأخذ له ولأتباعه من الأموال ما يفوق الوصف، وظهرت له ودائع كثيرة فاستخرجت، واستمر هو في ذهابه إلى أن وصل شيزر فنزل على علي بن صقل سر التركماني، فآواه وجمع له جمعاً وتوجهوا إلى طرابلس، وكان نائبها جلبان استشعر من تغري برمش أنه يشاققه فأخلى له طرابلس، وتوجه إلى الرملة، فدخل تغري برمش طرابلس وأخذ منها أموالاً وخيولاً. وتوجه قاصداً أينال الجكمي بدمشق فحاصروا حماة، وانضم إليهم جمع من التركمان مع علي يار وجمع من الأعزاب العزية، ثم أجمع رأيهم على الرجوع إلى حلب فنازلوها - وحاصروها في العشرين من شوال فاستعدوا للحصار، وجد تغري برمش ومن معه في حصار أهل حلب وجدوا هم في مدافعته وعاش من معه في القرى فانتهبوها، وفي غالب الأيام يستظهر أهل حلب ويقتلوا من عدوهم - جماعة، ثم حاصر المدينة من جهة الميدان سواء ولكن خربت أماكن وأحرقت بانقوسا، فلم يزالوا كذلك إلى أن خرج أهل حلب فصدقوا الحملة فانهزموا واستمروا إلى جهة الشمال فنزلوا مرج دابق،
وكان قد استولى على عينتاب وأسكن بها جماعة من مماليكه وأتباعه، وبلغ أهلها هزيمته من الحلبيين فوثبوا على من عندهم فانتزعوا منهم القلعة والمدينة وأخرجوهم، فلم يفجأهم إلا الخبر بانهزام اينال الجكمي ومن معه فاجتمعوا على حماة، فلما اصبحوا يقتتلوا انجفل العرب والتركمان - ورحلوا واستمر تغري برمش ومن معه، فلما تراءى الجمعان انهزم تغري برمش ومن معه فاحتووا على وطاقهم ونهبوا أثقالهم -، واستمرت هزيمتهم إلى صهيون ثم إلى الشغر ولم يبق معهم سوى مائتي نفر أو أقل ثم استمروا إلى أنطاكية، فاجتمع عليهم جمع من الفلاحين ورموا عليهم بالسهام وهجموا عليهم فأسروهم، وصادف ذلك - وصول الخبر إلى العسكر السلطاني وهم على خان طوغان خارج حلب، فطلبوا المأسورين فأحضروهم إلى الأمير قطج فقيدهم، واجتمع هو وبقية العسكر في حلب في العشر الأخير من ذي القعدة، وكاتبوا السلطان في العشر الأخير من ذي القعدة - فوصل الخبر، يأمر بقتلهم، فقتلوا تغري برمش وابن صقل اشر في سابع عشر ذي الحجة، ثم ظهر لتغري برمش مال آخر غير ما كان أخذ له لما هرب أولاً، فقيل إن جملة ما أخذ له من العين خاصة أكثر من سبعين ألف دينار؛ وكان اصل تغرب برمش وأقاربه - من أولاد التركمان ببهنسا، وكان أبوه من الأجناد يقال له أحمد بن - المصري فولد له حسن خجا وحسين بك، فلما وقعت المحنة - العظمى باللنكية مات أبوهم، وفر حسين فدخل حلب وهو مراهق، وحين بلوغه فاستخدمه بعض الأمراء ثم انتقل بعده إلى الأمير طوخ وكان يسمي نفسه لما تقرر في الخدمة تغري برمش، فلما قتل طوخ في وقعة شيخ مع نوروز بدمشق اتصل تغري برمش بخدمة جقمق الدويدار واستمر عنده إلى أن رجعوا إلى القاهرة، ثم كان في خدمته لما ولي نيابة دمشق فكان دويدار عنده، فلما أمسك جقمق الأمير برسباي الذي ولي بعد ذلك السلطنة قام تغري برمش بأمره وخدمه وهو في الاعتقال وواصله بالبر وكثرة الخدمة والإحسان - فرعى له ذلك ولما صار سلطاناً استدعى به من الشام فأمره ثم نقله فصار أمير آخور كبيراً، وكان جرده إلى حلب في سنة 32
ثم قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان،
ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة. قرره في نيابة حلب لما نقل أينال الجكمي إلى نيابة الشام فقدمها سنة تسع وثلاثين - فكان من أمره ما كان، ولما جهز الأشرف الأمراء ومنهم جقمق الذي تسلطن بعد ذلك إلى الأبلستين لإخراج ناصر الدين ابن دلغادر وهو الذي صاهره جقمق بعد السلطنة على ابنته التي كانت زوج الأشرف - وقدم بها القاهرة فلما أحس بهم - نزح عن البلاد وعادوا إلى حلب ثم توجهوا إلى مصر، ثم راسل نائب حلب المذكور الاشرف بأن يجهز إليه عسكراً لأخذ ارزنكان وما يليها من القلاع، فجهز ثمانية أمراء مع نواب الشام دمشق - طرابلس وصفد وحماة فاجتمعوا فافتتحوها في السنة المقبلة ورجعوا إلى حلب، فبلغهم وفاة الأشرف فوقعت الوحشة وتوجه الأمراء إلى بلادهم ووصل المصريون إليها، فلما تسلطن الظاهر جقمق وصلت الخلعة من جهته إلى نائب حلب والكمين في نفسه منه - فلبسها وأظهر الطاعة، ثم أخذ في العصيان وطمع في المملكة.
وفيه جاء الخبر بقتل بن جنقر التركماني، وكان فاتكاً يقطع الطرقات بين دمشق وحلب، وفرح الناس بذلك.
وفيه فتك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن في جماعة من جنده، وأسرع في سفك دمائهم وجرى في أمر التجار والباعة في البلاد التي تحت نظره على سيرة الجور والظلم الفاحش من فتح المصادرة ونحو ذلك.
وتراءى الناس الهلال ليلة الأحد وكانت بالعدد الثلاثين من شعبان فلم يروه، فلما كان بعد صلاة - العشاء بنحو ثلث ساعة حضر كتاب من نائب الحكم وهو المحب البكري أنه ثبت عنده فنودي بالصيام، وصل كتاب - نائب الحكم من بلبيس في أول النهار بمثل ذلك، وفي أثناء النهار من نائب الحكم بمنوف العليا كذلك، وكثر بعد ذلك من يخبر برؤيته ويعتذر. وحضر السلطان سماع الحديث في أول يوم في شهر رمضان.
وفيه صرف معين الدين بن شرف الدين موقع الدست ونائب كاتب السر عن كتابة السر بحلب وأذن له في الرجوع إلى القاهرة، واستقر فيها زين الدين عمر بن السفاح نقلاً من نظر الجيش، واستقر في نظر الجيش سراج الدين عمر الحمصي الذي كان ولي القضاء بدمشق في أيام الأشرف بعد طرابلس، وكان أولا ينوب في الحكم بأسيوط من الصعيد وسيرته مشهورة غير مشكورة ثم صرف عن ذلك.
وفي العشر الأول من رمضان - عصى نائب الشام أينال الجكمي وقبض على الحاجب الكبير بدمشق وحصر القلعة بمن فيها وأظهر الإنكار على السلطان في قتله قرقماس القتلة الشنيعة، وكان قبل ذلك وصل إليه كتاب من تغري برمش انه عصى هجم على الحاجب ليقبضه ففر منه إلى حماة فحصر القلعة ورام الاستيلاء عليها، فأظهر نائب الشام الإنكار على تغري برمش - نائب حلب حين قرأ كتابه وعابه - وجهز كتابه إلى السلطان مكراً منه و - خداعاً، فلما حضر عنده الأمراء ليشاورهم على التوجه إلى حلب لقبض على النائب بها ظنوا ذلك على ظاهره فحضروا بغير أهبة منه ومحاربته - فقبض عليهم وسجنهم -، وبلغ ذلك - نائب القلعة فعصى عليهم، وكان - لما قبض على الأمراء أطلق من وافقه على مراده وجلفه وسجن من امتنع عن قصده وخالفه -، وكل ذلك في العشر الأول من شهر - رمضان، ثم جمع من أموال الأمراء - المقبوض عليهم جملة مستكثرة -، وقبض على جماعة من التجار الأكابر وأخذ منهم أموالاً اقترضها، وشرع في استخدام العساكر، وفر منه يونس أحد الأمراء وتشاوروا في القاهرة في أمر النيابة - فاقتضت الآراء لجهة الأمير الكبير - كما سيأتي ذكره.
وفي يوم الاثنين ثالث عشري رمضان استقر الأمير الكبير آقبغا التمرازي في نيابة الشام وخلع عليه بالقصر، وعين جماعة من الأمراء والجند للمسير إلى قتال نائب الشام كان أينال الجكمي الخارج عن الطاعة -، ثم وصل الخبر بأن الذي كان في طرابلس تركها لما وصل تغري برمش نائب حلب إليها، وجاء فيمن أطاعه إلى الرملة فكاتبه السلطان يستحثه على الوصول بالعساكر لتمهيد البلاد الشامية.
وفي ليلة الاثنين من شهر رمضان تراءى الأنس الهلال على العادة وحضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية فلم يروا شيئاً وأصبحوا صائمين، فشاع أن العزيز يوسف ابن برسباي - هرب من قاعة محبسه من القلعة وهرب معه الطواشي الذي كان يخدمه والجارية، وقلق السلطان بسبب ذلك واتهم به جماعة من مماليك أبيه، فبلغ ذلك اينال الأشرفي - فخشي على نفسه فوزع قماشه وتسحب بالليل وبات جماعة من الأمراء ملتبسين بالرميلة، وشاع أن الفتنة تقع يوم العيد، فصلى السلطان العيد بالقصر الكبير، وحضر الأمراء كلهم فصلى بعضهم بالجامع وبعضهم بالقصر، وخطبت بهم بعد الصلاة على منبر لطيف -، وخلع على من له من عادة من الأمراء والقضاة وانصرفوا إلى منازلهم.
شوال أوله الثلاثاء، في يوم السبت خامسه استعفى أركماس الظاهري الدويدار الكبيرمن الخدمة وكرر ذلك، فأعفاه السلطان فطرد الشرطة من بابه وخرج أقطاعه.
فلما كان في يوم الخميس
عاشره استقر تغري بردى الحاجب في وظيفته، وأمر اسنبغا الطياري الدويدار الثاني تقدمة، وقرر في وظيفته رأس نوبة كبيراً، وأخرج تمراز من وظيفة الأمير آخور - من الإصطبل على إمرته، وقرر شاهين في وظيفة دولات باي، وقرر سيدي محمد ولد السلطان في إمرة قراجا بعد القبض على قراجا وحبسه بالإسكندرية، وخرج الأمراء إلى الريدانية وهم الأمير الكبير نائب الشام آقبغا التمرازي وقرا قجا الحسني وتمربائي الظاهري ومن انضم إليهم من الجند، وبقيت وظيفة الأمير الكبير شاغرة ثم عينت ليشبك أمير سلاح، وجاء الخبر بأن الأمراء بالشام تسحبوا من الشام هرباً من النائب ووصلوا إلى الرملة وكاتبوا بذلك واستحثوا على حضور العساكر إليهم، وكان السبب في ذلك أنهم ندموا على طواعية نائب الشام فاجتمعوا وحاربوه وحاربهم فكسرهم، وفر أينال الششماي إلى القلعة فتحصن بها، وخرج الباقون إلى الرملة، واغتنم بهاء الدين ابن حجي كاتب السر إذ ذاك الفصة فخرج من دمشق مسرعاً على الخيل إلى صفد ثم إلى الرملة، ثم قدم القاهرة في اليوم العشرين من شوال.
وفي هذا اليوم وصل طوغان وكان قد توجه إلى الصعيد لإفساد الجند الاشرفية على السلطان، فأعلمهم بأن الملك العزيز خلص وأن الجند اجتمعوا عليه، ووصلت إليهم كتب نائب الشام بأنه واصل، وأطمعهم بأنهم إذا توجهوا إلى القاهرة لوافي نائب الشام بعساكره وينضم إليهم بقيتهم المقيمين بالقاهرة فأصغوا إلى ذلك، ثم ظهر لهم خلاف ذلك وأن العزيز هرب ولم يعرف له مكان فرجعوا عما هموا به، وقبض يشبك على طوغان المذكور وجهزه في مركب مقيداً، فوصل إلى القلعة في هذا اليوم،
وكان السلطان قبل ذلك قبض على قانباي اليوسفي لأنه قيل له إنه صديق طوغان، فضربه فلم يقر بكبير أمر فسجنه حتى وصل طوغان، فعصرا جميعاً فأقرأ بالواقعة، وأن قانباي كان رأساً في هذه الفتنة، وأنه هو الذي أطمع السلطان العزيز وأعلمه بخبر النواب، وانه لم يصل القاهرة حتى اتفقوا الجميع على العصيان، وذكر طوغان أنه فارق العزيز بنواحي الشهداء بغلس، ثم ظهر كذبه وأنه أقام بمشهد ذي النون ثلاثة أيام وبمصر في قاعة بين المطابخ بنواحي سوق شنودة سبعة عشر يوما، فلما بلغه خبر إمساك طوغان وإحضاره خرج.
وفي يوم الثلاثاء عشريه رحل الركب الأول من بركة الجب.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر منه - رحل الركب مع أمير المحمل تنبك أحد الأمراء المقدمين وقد استقر في الحجوبية الكبرى قبل سفره، وكان الحاج كثيراً جداً حتى كانوا خمسة، ركوب الأول والمحمل والتكادرة والمغاربة والينابعة.
وفي يوم الجمعة خامس عشري شوال لبس السلطان الأبيض ووافق نصف برمودة من أشهر القبط فسبق العادة قبل شهر، واستمر البرد في أول النهار بقوة وابتدأ الموت بالطاعون، وفي هذا اليوم قبض على أينال الجكمي نائب الشام وأصعد إلى القلعة بدمشق مقيدا، وكان السبب في ذلك أن نائب الشام آقبغا التمرازي رحل من غزة في النصف
من شوال، ثم تلاحق به الأمراء واجتمعوا جميعاً يوم الأربعاء ثالث عشري شوال بالخربة، واجتمعوا بالنواب الذي كانوا مقيمين بالرملة وتقدم نائب الشام ومن معه من النواب، وتأخر بقية الأمراء ومن معهم من المماليك السلطانية، ولم يكن بينهم إلا قدر ميلين فالتقوا بأينال الجكمي ومن معه، فحمل عليهم أينال الجكمي - بمن معه فقتل صرغتمش دوادار جلبان ووقع طوخ نائب غزة عن فرسه وقتل جماعة، وتمت عليه الكسرة حتى وقع سنجق نائب الشام وكان قاصداً نائب الشام وصل إلى الأمراء والمماليك السلطانية قبل أن يلحقوا به، فصادف لحوقهم به ما وقع لمن كان معه من الهزيمة، فرجع بهم وحمل على أينال ومن معه - فألقوا كثيراً من الجند الذي كانوا مع أينال الجكمي - وقبضوا على ولد قانصوه النوروزي وكان من الشجعان المشهورة، وانهزم أينال الجكمي وتمزق جمعه ونزل العسكر كله في شقحب، واتفق أن جانبك دويدار برسباي الحاجب أدرك أينال الجكمي وهو منهزم وقد أصابته في بدنه عدة جراحات وضعف من كثرة ما سال منه من الدم، فالتجأ إلى ضيعة فنزل في بستان منها، فهجم عليه فقبض عليه واركبه فرسه وهو لا يستطيع الدفع عن نفسه وساقه إلى أن أدخله قلعة دمشق، ورجع إلى العسكر وهم نزول بشقحب يوم الخميس فاعلمهم الخبر، ففرحوا واطمأنوا - فطلبوا ودخلوا الشام يوم الجمعة خامس عشري شوال في أبهة عظيمة. وجهزوا المبشر إلى السلطان بالخبر.
قرأت هذا الفصل من كتاب بعض المماليك السلطانية إلى بعض أصدقائه: ووسط طوغان بعد أن ضرب ضرباً مبرحاً - فاقر أن اركماس الدويدار الكبير كان معهم وقانباي اليوسفي وخرمان، فضرب قانباي وخرمان ضرباً مبرحاً. وذكر لي ولي الدين السفطي أن السلطان أرسله إلى ابن الديري يستفتيه في أمر طوغان وما ظهر منه من الفساد، فأفتى بجواز قتله وأرسل له معه النقل في عدة مواضع، فأمر بتوسيطه لذلك؛ ثم اشتد الخطب على كثير من الناس ممن اتهم بإخفاء الملك العزيز فكبست بيوتهم ونهب بعضها، وكان منهم ناظر الدولة أمين الدين بن الهيصم، فلما كان في ليلة الأحد
السادس والعشرين من شوال ظفر بالملك العزيز ومعه جندي وأخذا ماشيين قاصدين مكاناً يأويان فيه من شدة ما وقع من الطلب وذلك بين العشاءين، فأحضرا إلى الإصطبل وطلع بهما ولد السلطان إليه، فأكرمه وبيته عنده، وهرع الناس لتهنئة السلطان بالظفر به.
ثم تبين أن العزيز كان أوى إلى شخص من مماليك أبيه فعمل عليه الحيلة حتى أطلعه للسلطان ليحظى بذلك عنده.
وفي السابع والعشرين من شوال أحضر أينال الأشرفي -.
فقيد وأرسل إلى السجن بالإسكندرية، وتوجه شهاب الدين أحمد - ابن العطار إلى الإسكندرية بسبب ما يتعلق بالبهار السلطاني وبيعه -.
وفي سلخ شوال ورد الخبر بقتل أينال الجرود نائب صفد في معركة وقعت لنائب الشام أينال الجكمي -، ثم ظهر أن ذلك كذب من بعض الاشرفية، وتحقق أن الجكمي خرج عن دمشق وأن العساكر الظاهرية رحلوا بأمر السلطان من الرملة في النصف من شوال قاصدين نائب الشام، وترك الشام وعصى نحو تدمر -.
واستهل شهر ذي القعدة يوم الخميس وتحدث الناس برؤيته ليلة الأربعاء، واستقر جوهر الخازندار زماماً عوض فيروز
الساقي -، وفي أول يوم منه استقر بهاء الدين بن حجي في قضاء الشام مضافاً لكتابة السر ولبس الخلعة بذلك، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور.
وفي الثاني منه صلى في الجامع الحاكمي على ثلاثة أنفس ماتوا بالطاعون -.
وفي الثامن منه طلب القاضي بهاء الدين بن القاضي عز الدين عبد العزيز بن مظفر البلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جارية أفسدها عبده فغابت عن سيدتها قدر سبعة أيام ثم وجدتها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه ثم هرب العبد، فاتهم بهاء الدين بسيدة الجارية، فاتصل الأمر بالدويدار الصغير فطلبه ليوفق بينهما، فتعاظم فأوصل الأمر بالسلطان ونسب المذكور إلى أمور معضلة وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة إلى غير ذلك من القبائح، فلما وصل أمر بتجريده وضربه بالمقارع، فجرد - فشفع فيه ناظر الجيش فبطح وضرب نحواً من مائة عصا وسلم للدويدار الكبير، وأمر أن يصادره على مال، فتسلمه إلى نزله وأهانه واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار، ثم شفع فيه إلى أن انحطت إلى ألف واحدة وأنعم بها على الدويدار، وكان مما أهين به أن أركب حماراً وفي عنقه باشه وخنزير - وهو مكبوب على وجهه إلى الدويدار وكانت كائنة شنيعة وكثرت القالة فيه مع ذلك، وبلغني أنه مع هذه الشدة في بأو عظيم ورقاعة مفرطة وأصر على عدم الإعطاء وكرر تهديده، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار، فبذلها وبذل معها أشياء أخر وخلص بعد سبعة أيام وعزل من نيابة الحكم، وكنت كلمت السلطان في أمره بعد صلاة الجمعة فقال: والله لولا أنت لكنت حرقته بالنار لما صنع وكأنهم قرروا عنده أنه كان
هو المفسد للجارية - والله يأخذ بحق من افترى عليه ورماه بهذا البلاء حتى تمت عليه هذه المحنة، وبلغني أن قريبه لم ينفعه في هذه الكائنة بشئ - ولا قوة إلا بالله.
وفي التاسع منه وصلت بطاقة بالوقعة بين إينال الجكمي والعسكر المصري وأنه انهزم، وهرع الناس لتهنئة السلطان بذلك - وقد شرحتها قبل في حوادث الشهر الماضي - وحصل عند المتعصبين للأشرفية قلق كبير وهم عظيم بهذه الكائنة.
وفي السابع عشر من ذي القعدة كانت الوقعة يوم الجمعة بين تغرى برمش الذي كان نائب حلب وبين العسكر المصري. وكانوا بعد أن أمسكوا إينال الجكمي توجهوا إلى حماة وبها نائب حماة وقد جمع بها جمعاً جما، فكانت الكسرة عليهم ونهب هو ومن معه، وفر هو إلى أن التجأ بقلعة شيزر، ووصل الخبر بذلك في الخامس والعشرين منه يوم السبت.
وفي العشرين من ذي القعدة وهو التاسع من بشنس من أشهر القبط والرابع من أيار من أشهر الروم فشا الموت بالطاعون بالقاهرة بعد أن كان فشا في قرى مصر البحرية وكثر بالإسكندرية وتروجة والبحيرة والغربية ومنوف - العليا - والمحلة وعدة قرى، ووصل في اليوم بالقاهرة إلى ثلاثين، - ثم وصل في العشرين من ذي القعدة في اليوم إلى الخمسين ثم إلى الستين -، ثم تناقص إلى الأربعين - والثلاثين والعشرين - فما دونها ثم رجع إليها، وأكثره في الرقيق والأطفال ثم تناقص إلى العشرين في أول ذي الحجة.
وفي السابع والعشرين من ذي القعدة وصلت رأس أينال الجكمي - نائب الشام - وطيف بها على رمح، واتفق قبل هذا بيسير أن ذكرنا وقعة بين العسكر المصري وتغرى برمش نائب حلب ومن انضم معه بالقرب من حماة، فانكسر النائب وهرب إلى الجبل الأقرع، فظفر به بعض التركمان - فكبسه - وأسره هو ومن معه ووصل الخبر بذلك في أول يوم من ذي الحجة يوم الجمعة، وفرح الناس بذلك لحصول الأمن ورفع الحرب والطمأنينة في الطرقات، - وتوجه العسكر المصري لتمهيد أمور البلاد الشامية، وكان من أمره أنه في شهر رمضان حاصر القلعة وأظهر العصيان لكنه لم يقطع الخطبة باسم الظاهر وبها قانباي البهلوان وبرسباي الحاجب وفارس نائب القلعة واختلف عليهم التركمان، ثم استشعر نائب القلعة بأن أهل القلعة وافقوا النائب على العصيان فقبض عليهم وقتل بعضهم واسترجع منهم المال الذي رشاهم به النائب في الحصار حتى استغاث أهل القلعة بالعوام من جيرانهم، فاجتمعوا ورجموا المقاتلة بالحجارة، فتسامع بقية أهل البلد فاجتمعوا وساعدوا فانكسر جماعة النائب، وبلغه الخبر فركب جريدة وخرج من البلد ولم يصحبه أحد بفرش ولا فرس ولا خيمة وليس معه سوى ثياب بدنه.
وقرأت كتاباً كتبه إلى القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية من حلب يذكر فيه قصة تغرى برمش نائب حلب ملخصه أنه أظهر العصيان في يوم الجمعة الثامن عشر من شعبان وحاصر القلعة ليملكها، فامتنع عليه نائبها فألح عليهم بالحصار إلى يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان، فركب أهل حلب عليه ونزل الأمير حطيط نائب القلعة ومن معه وساعدهم من بالبلد من الجند والعامة، فوقع بينهم قتال شديد ساعة من نهار أفضى فيه الأمر إلى خذلان تغرى برمش، فخرج من حلب على جرائد الخيل في نحو مائة فارس، واستمر في هزيمته حتى دخل شيزر فنزل على طور على ابن صقيل سر فجمع جمعاً من التركمان والعرب وسار إلى طرابلس ففر منه نائبها، ودخلها هو فأقام بها أياماً واستخرج من أهلها مالاً كثيراً، ثم رجع ومعه ابن صقل سز وعلي يار التركماني وأمير العرب، ونزل بالميدان ظاهر حلب وأعلن بالدعاء للملك العزيز بن الأشرف وكاتب أهل حلب بالدخول معه، فأعلنوا بمخالفته وقفلوا دونه الأبواب وصمموا على طاعة الملك الظاهر، فحاصرهم واستحضر
آلات الحصار من مكاحل وسلالم وغيرها، واشتد الخطب يوم الثلاثاء ثاني عشرى شوال، فحصل من جماعته من الفساد ما لا يعبر عنه، فأحرقوا الزروع وأخربوا القرى من شيزر إلى حلب، ونودي بقتاله ونشبت بينهم الحرب فقتل من الطائفتين جماعة، وفي جميع ذلك كانوا مستظهرين عليه، واستمر على ذلك إلى يوم الأحد رابع ذي القعدة، فرحل عن حلب بعد أن أيس من الظفر بها، وخرج أهلها في أثره فنهبوا آلات الحصار، وسار هو إلى أن نزل مرج دابق، فأقام به إلى يوم الجمعة تاسع ذي القعدة وعاد إلى ناحية حلب فرمى شرفها يوم السبت ولم يقاتل ونزل من الجهة القبلية، ثم بلغه طروق العسكر المصري فرحل يوم الأحد إلى ناحية حماة، فالتقى العسكران بقرب الرفاعي، فلم يلبث أن انكسر هو وابن صقل سز ففر إلى الجهة الغربية، وانهزمت العرب إلى الجهة الشرقية، وذلك في السادس عشر من ذي القعدة، ثم توجه إلى جهة بالس واستمر إلى الشغر ثم إلى الجبل الأقرع فنزل على ابن حنوص التركماني وكان معه، فأضافه ثم باطن عليه الفلاحين بتلك النواحي وأمسكوه وأمسكوا معه طور غلى وجماعة فوصلوا إلى حلب وأدخل طور على جمل، وذلك في يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة، فأودع هو وتغرى برمش بالقلعة - انتهى ملخصا -.
وقرأت بخطه أيضاً أن النائب المذكور في هذه الكائنة ظهر منه من سوء الطوية ما لا يعبر عنه، وأنه ومن معه أفسدوا من الزروع ودورهم شيئاً كثيراً بالتحريق وغيره بحيث أنه أفحش في غالب ما حولها من القرى وأنه لما كسر الكسرة الأخيرة غنم العسكر المصري من المواشي ما لا يدخل تحت الحصر بحيث بيع الجمل بثلاثين درهماً والشاة بخمسة دراهم.
وفيه أن المذكور لما نزل الجبل الأقرع بات ليله وتوجه بكرة الأحد تاسع عشر ذي القعدة قاصداً أنطاكية فوصل إلى دربند هناك، فاجتمع عليه وعلى من معه جماعة من
الفلاحين فقاتلوهم فأمسكوا عليهم المضايق إلى أن قبضوا عليهم فسلبوا جميع من معه وتركوهم، وأما النائب وطور غلى بن صقل سز فإنهم راسلوا أهل حلب، فبادر قطبح الأمير الكبير بحلب والحاجب ونائب حماة فتسلموهما من الذين أسروهما ورحلوا إلى حلب فوصلوا في ثالث عشر ذي القعدة، فسجن إلى أن وصل الأمر من السلطان بقتلهما، فضربت عنق تغرى برمش بحضرة نائب القلعة ووسط طور غلى تحت القلعة وذلك في السابع عشر من ذي الحجة.
ومن خطه أن الخطبة بحلب استمرت في طول هذه الفتنة باسم الملك الظاهر.
شهر ذي الحجة - الحرام أوله الجمعة - في أوائل هذا الشهر شكا القاضي علم الدين - صالح - البلقيني إلى السلطان أن الملك الأشرف كان قد أنعم عليه بألفي دينار، وأنه بعد موت الأشرف استعيد منه أحد الألفين فأنعم عليه بإعادتهما له فلما قضهما استأذنه أن يحضر عنده في كل أسبوع يوم الأحد ويعمل بحضرته ميعاداً فأذن له، فعمل في السابع عشر منه ميعاداً على طريقته في مدرسة والده فلم يعجبه، فلما حضر في الأحد الذي يليه منع من ذلك فرجع خائباً، وكان في أثناء ذلك قد أظهر زهواً عظيماً وهرع إليه ناس ممن يؤثر ولايته وظنوا أن الإذن في ذلك يوصله إلى الغرض، فانحزم ما أملوه وبطل - ولله الأمر -.
وفي صبيحة يوم الخميس ثامن عشرى ذي الحجة قبض على ناظر الجيش عبد الباسط ابن خليل بن يعقوب الشامي، وكان قد عظم قدره في دولة الأشرف جداً بحيث صار هو مدبر المملكة، ثم لما مات الأشرف قام في سلطنة ولده، ثم صار بعض الخاصكية يذمه وقاموا عليه مراراً ليؤذوه وهو ينتصف منهم إلى أن تغيرت الدولة، ثم حظى عند الملك الظاهر واستمر على طريقته في الإستبداد بالأمور ومخالفة الملك فيما يرومه،
فلم يحتمل له ذلك واحتاط به لما طلع إلى الخدمة، وأحاطوا على منزله فقبضوا على ولده وبعض حريمه وأصعدوا إلى القلعة ليقرروا على أحواله، وفر غالب أتباعه منهم القائم بأموره شرف الدين ابن البرهان - وقبض على بعضهم -، وبرز فخر الدين التوريزي له ساعة القبض عليه فادعى عليه أنه يستحق في ذمته ثلاثين ألف دينار فأنكر فرسم عليه - له -، ويقال إنه ذكر له أنه كاتب نواب الشام الذين عصوا، فأنكر ذلك فعوق في قاعة في الحوش السلطاني.
وفي يوم الجمعة جعل أربعة من أتباعه في البرج وهم موسى بن البرهان كاتبه وموفق الدين كاتب الجيش وإبراهيم - الصغير - كاتب الباب وولد القاضي أذرعات ويقال له ضفدع وجعل ولده في طبقة والأستادار جانبك عند أستاذه وأرغون دويداره معه ثم طلب منهم المال، فقرر على موسى عشرة آلاف دينار، وعلى موفق الدين خمسة آلاف دينار، وأطلق إبراهيم الكاتب وضفدع بعد أيام، ثم أحضر الشريف حسن الإسكندراني من الإسكندرية بسبب أنه تاجر لناظر الجيش فعوق في البرج أيضاً، ثم أطلق موسى وموفق الدين وسلما لشهاب الدين - أحمد - بن العطار الدويدار فشرعا في بذل المال؛ وشرع ناظر الجيش في بيع موجوده وباع على السلطان ما في ملكه من الفلفل وهو ألف جمل بأربعين ألف دينار، وحمل من النقد قريباً منها، وباع أشياء كثيرة من نفائسه،