المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ٢

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف

- ‌تَقْسِيم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة على طَريقَة الْمُحدثين

- ‌زِيَادَة بسط

- ‌وَهنا أُمُور يَنْبَغِي الانتباه لَهَا

- ‌بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث

- ‌بَيَان علل أَخْبَار رويت فِي الطَّهَارَة

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الصَّلَاة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الصَّوْم

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْجَنَائِز

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي النِّكَاح

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْحُدُود

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي اللبَاس

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الْأَطْعِمَة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي أُمُور شَتَّى

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْأَحْكَام والأقضية

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزّهْد

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَمَا يتَعَلَّق بذلك

- ‌فروع لَهَا تعلق بالرواية بِالْمَعْنَى

- ‌فَوَائِد شَتَّى الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَائِدَة التَّاسِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْعَاشِرَة

- ‌الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة

الفصل: ‌صلة تتعلق بالضعيف وهي تشتمل على ثلاث مسائل

‌صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز ذكر الْمَوْضُوع إِلَّا مَعَ بَيَان فِي أَي نوع كَانَ وَأما غير الْمَوْضُوع من الضَّعِيف فقد اخْتلفُوا فِيهِ

1 -

فَذهب قوم إِلَى جَوَاز الْأَخْذ بِهِ والتساهل فِي أسانيده وَرِوَايَته من غير بَيَان لضَعْفه إِذا كَانَ من غير الْأَحْكَام والعقائد مثل فَضَائِل الْأَعْمَال والقصص

وَمِمَّنْ نقل عَنهُ جَوَاز التساهل فِي ذَلِك عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأحمد بن حَنْبَل

أما ابْن مهْدي فَإِنَّهُ نقل عَنهُ أَنه قَالَ إِذا روينَا عَن رَسُول الله ص = فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا فِي الرِّجَال وَإِذا روينَا فِي الْفَضَائِل وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب تساهلنا فِي الْأَسَانِيد وتسامحنا فِي الرِّجَال

وَأما أَحْمد بن حَنْبَل فقد نقل عَنهُ قَالَ الْأَحَادِيث الرَّقَائِق يحْتَمل أَن يتساهل فِيهَا حَتَّى تَجِيء شَيْء فِيهِ حكم وَقَالَ ابْن إِسْحَاق رجل تكْتب عَنهُ هَذِه الْأَحَادِيث يَعْنِي الْمَغَازِي وَنَحْوهَا وَإِذا جَاءَ الْحَلَال وَالْحرَام أردنَا قوما هَكَذَا وَقبض أَصَابِع يَدَيْهِ الْأَرْبَع

وَقد ذكر الْحَافِظ ابْن حجر أَن للأخذ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي الْفَضَائِل وَنَحْوهَا عِنْد من سوغ ذَلِك ثَلَاثَة شُرُوط

أَحدهَا أَن يكون الضَّعِيف غير شَدِيد الضعْف فَيخرج من انْفَرد من الْكَذَّابين والمتهمين بِالْكَذِبِ وَمن فحش غلطه

وَقد نقل بَعضهم الِاتِّفَاق على ذَلِك

الثَّانِي أَن ينْدَرج تَحت أصل مَعْمُول بِهِ

الثَّالِث أَن لَا يعْتَقد عِنْد الْعَمَل بِهِ ثُبُوته بل يعْتَقد الِاحْتِيَاط

وَقد ذكر هذَيْن الشَّرْطَيْنِ ابْن عبد السَّلَام وَابْن دَقِيق الْعِيد

ص: 653

وَيظْهر من الشَّرْط الثَّالِث أَنه يلْزم بَيَان ضعف الضَّعِيف الْوَارِد فِي الْفَضَائِل وَنَحْوهَا كي لَا يعْتَقد ثُبُوته فِي نفس الْأَمر مَعَ أَنه رُبمَا كَانَ غير ثَابت فِي نفس الْأَمر

وَمن نظر فِي الْأَحَادِيث الضعيفة نظر إمعان وتدبر تبين لَهُ أَنَّهَا إِلَّا الْقَلِيل مِنْهَا يغلب على الظَّن أَنَّهَا غير ثَابِتَة فِي نفس الْأَمر

وَقد ذكر ابْن حزم مَا يقرب من ذَلِك حَيْثُ قَالَ إننا قد أمنا وَللَّه الْحَمد أَن تكون شَرِيعَة أَمر بهَا رَسُول الله ص = أَو ندب إِلَيْهَا أَو فعلهَا عليه الصلاة والسلام فتضيع وَلم تبلغ إِلَى أحد من أمته إِمَّا بتواتر أَو بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى تبلغ إِلَيْهِ وَأمنا أَيْضا قطعا أَن يكون الله تَعَالَى يفرج بنقلها من لَا تقوم الْحجَّة بنقله من الْعُدُول وَأمنا أَيْضا قطعا أَن تكون شَرِيعَة يُخطئ فِيهَا راويها الثِّقَة وَلَا يَأْتِي بَيَان جلي وَاضح بِصِحَّة خطئه فِيهِ

وَأمنا أَيْضا قطعا أَن يُطلق الله عز وجل من قد وَجَبت الْحجَّة علينا بنقله على وضع حَدِيث فِيهِ شرع يسْندهُ إِلَى من تجب الْحجَّة بنقله حَتَّى يبلغ بِهِ إِلَى رَسُول الله ص =

وَكَذَلِكَ نقطع وَنبت بِأَن كل خبر لم يَأْتِ قطّ إِلَّا مُرْسلا أَو لم يروه قطّ إِلَّا مَجْهُول أَو مَجْرُوح ثَابت الجرحة فَإِنَّهُ خبر بالك بِلَا شكّ مَوْضُوع لم يقلهُ رَسُول الله ص = إِذْ لَو جَازَ أَن يكون حَقًا لَكَانَ ذَلِك شرعا صَحِيحا غير لَازم لنا لعدم قيام الْحجَّة علينا فِيهِ

قَالَ عَليّ وَهَذَا الحكم الَّذِي قدمنَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا نَقله من اتّفق على عَدَالَته كالصحابة وثقات التَّابِعين ثمَّ كشعبة وسُفْيَان وَمَالك وَغَيرهم من الْأَئِمَّة فِي عصرهم وبعدهم إِلَيْنَا وَإِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَفِي كل من ثبتَتْ جرحته كالحسن بن عمَارَة

ص: 654

وَجَابِر الْجعْفِيّ وَسَائِر الْمَجْرُوحين الثَّابِتَة جرحتهم

وَأما من اخْتلف فِيهِ فعدله قوم وجرحه آخَرُونَ فَإِن ثبتَتْ عندنَا عَدَالَته قَطعنَا على صِحَة خَبره وَإِن ثبتَتْ عندنَا جرحته قَطعنَا على بطلَان خَبره وَإِن لم يثبت عندنَا شَيْء من ذَلِك وقفنا فِي ذَلِك وقطعنا وَلَا بُد حتما على أَن غَيرنَا لَا بُد أَن يثبت عِنْده أحد الْأَمريْنِ فِيهِ وَلَيْسَ خطؤنا نَحن إِن أَخْطَأنَا وجهلنا إِن جهلنا حجَّة على وجوب ضيَاع دين الله تَعَالَى بل الْحق ثَابت ومعروف عِنْد طَائِفَة وَإِن جهلته أُخْرَى وَالْبَاطِل كَذَلِك أَيْضا كَمَا يجهل قوم مَا نعلمهُ نَحن أَيْضا

وَالْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء

وَلَا يَصح الْخَطَأ فِي خبر الثِّقَة إِلَّا بِأحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا تبين الرَّاوِي واعترافه بِأَنَّهُ أَخطَأ فِيهِ

وَإِمَّا شَهَادَة عدل على أَنه سمع الْخَبَر مَعَ رَاوِيه فَوَهم فِيهِ

وَإِمَّا بِأَن توجب الْمُشَاهدَة بِأَنَّهُ خطأ

هَذَا وَجزم ابْن حزم بِجرح الراويين الْمَذْكُورين إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيّ على الْمَشْهُور من أَمرهمَا عِنْد جُمْهُور الْمُحدثين وَقد ترْجم كلا مِنْهُمَا الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان

فَقَالَ فِي تَرْجَمَة الأول مِنْهُمَا الْحسن بن عمَارَة ت ق الْكُوفِي الْفَقِيه مولى بجيلة عَن ابْن أبي مليكَة وَعَمْرو بن مرّة وَخلق وَعنهُ السُّفْيانَانِ وَيحيى الْقطَّان وشبابة وَعبد الرَّزَّاق

قَالَ ابْن عُيَيْنَة كَانَ لَهُ فضل وَغَيره أحفظ مِنْهُ

وَقَالَ شُعْبَة روى الْحسن بن عمَارَة أَحَادِيث عَن الحكم فسألنا الحكم عَنْهَا فَقَالَ مَا سَمِعت مِنْهَا شَيْئا

وَقَالَ النَّضر بَين شُمَيْل قَالَ الْحسن بن عمَارَة إِن النَّاس كلهم فِي حل مني مَا خلا شُعْبَة

وَقَالَ الدولابي أَبُو بشر حَدثنِي أَبُو صَالح بن عِصَام بن رواد بن الْجراح الْعَسْقَلَانِي حَدثنَا أبي وَسَأَلته عَن قصَّة شُعْبَة وَالْحسن بن عمَارَة فَقَالَ كَانَ ابْن عمَارَة مُوسِرًا وَكَانَ الحكم بن عتيبة مقلا فضمه إِلَى نَفسه فَكَانَ الحكم يحدثه وَلَا يمنعهُ فحدثه بقريب من عشرَة آلَاف قَضِيَّة عَن شُرَيْح وَغَيره وَسمع شُعْبَة عَن

ص: 655

الحكم شَيْئا يَسِيرا فَلَمَّا توفّي الحكم قَالَ شُعْبَة لِلْحسنِ من رَأْيك أَن تحدث عَن الحكم بِكُل مَا سمعته قَالَ نعم مَا أكتم شَيْئا قَالَ فَقَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى أكذب النَّاس فَلْينْظر إِلَى الْحسن بن عمَارَة فَقبل النَّاس مِنْهُ وَتركُوا الْحسن بن عمَارَة

قَالَ ابْن أبي رواد دخلت أَنا وَشعْبَة على الْحسن نعوده فِي مَرضه فدار شُعْبَة فَقعدَ وَرَاء الْحسن من حَيْثُ لَا يرَاهُ فَجعل الْحسن يَقُول النَّاس كلهم من قبلي فِي حل مَا خلا شُعْبَة ويومئ إِلَيْهِ

توفّي سنة ثَلَاث وَخمسين ومئة وَكَانَ من كبار الْفُقَهَاء فِي زَمَانه ولي قَضَاء بَغْدَاد

وَقَالَ فِي تَرْجَمَة الثَّانِي مِنْهُمَا جَابر بن يزِيد د ت ق ابْن الْحَارِث الْجعْفِيّ الْكُوفِي أحد عُلَمَاء الشِّيعَة لَهُ عَن أبي الطُّفَيْل وَالشعْبِيّ وَخلق وَعنهُ شُعْبَة وَأَبُو عوانه وعدة قَالَ ابْن مهْدي عَن سُفْيَان كَانَ جَابر الْجعْفِيّ ورعا فِي الحَدِيث مَا رَأَيْت أورع مِنْهُ فِي الحَدِيث

وَقَالَ شُعْبَة صَدُوق

وَقَالَ يحيى بن أبي كثير عَن شعب كَانَ جَابر إِذا قَالَ أَنبأَنَا وَحدثنَا وَسمعت فَهُوَ من أوثق النَّاس

وَقَالَ وَكِيع مَا شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا أَن جَابِرا الْجعْفِيّ ثِقَة

وَقَالَ ابْن عبد الحكم سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لشعبة لَئِن تَكَلَّمت فِي جَابر الْجعْفِيّ لأتكلمن فِيك

وَقَالَ جرير بن عبد الحميد لَا أستحل أَن يحدث عَن جَابر الْجعْفِيّ كَانَ مِمَّن يُؤمن بالرجعة

وَقَالَ يحيى بن يعلى الْمحَاربي طرح زَائِدَة حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ وَقَالَ هُوَ كَذَّاب يُؤمن بالرجعة

وَقَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة أَنبأَنَا أبي عَن جدي قَالَ إِن كنت لآتي جَابِرا الْجعْفِيّ فِي وَقت لَيْسَ فِيهِ خِيَار وَلَا قثاء فيحول حول خوخة ثمَّ يخرج إِلَيّ بِخِيَار أَو ثقاء فَيَقُول هَذَا من بستاني

وَقَالَ ابْن حبَان كَانَ جَابر سبئيا من أَصْحَاب عبد الله بن سبأ كَانَ يَقُول إِن عليا يرجع إِلَى الدُّنْيَا

وَقَالَ ابْن عدي حَدثنَا عَليّ بن الْحسن بن فديد أَنبأَنَا عبيد الله بن يزِيد بن الْعَوام سَمِعت إِسْحَاق بن مطهر سَمِعت الْحميدِي سَمِعت سُفْيَان سَمِعت جَابِرا الْجعْفِيّ يَقُول انْتقل الْعلم الَّذِي كَانَ فِي النَّبِي ص = إِلَى عَليّ ثمَّ انْتقل من عَليّ إِلَى الْحسن ثمَّ لم يزل حَتَّى بلغ جعفرا

قَالَ

ص: 656

ابْن عدي وَعَامة مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنه كَانَ يُؤمن بالرجعة

2 -

وَذهب قوم إِلَى عدم جَوَاز الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيف فِي أَي نوع كَانَ وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِأبي شامة فِي كتاب الْبَاعِث على إِنْكَار الْبدع والحوادث حَيْثُ قَالَ وَقد أمْلى فِي فضل رَجَب الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن يَعْنِي ابْن عَسَاكِر مَجْلِسا وَهُوَ السَّادِس بعد الْأَرْبَع مئة من أَمَالِيهِ وَقد سمعناه من غير وَاحِد مِمَّن سَمعه عَلَيْهِ ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث كلهَا مُنكرَة

أَحدهَا حَدِيث صَلَاة الرغائب الَّذِي بَينا حَاله

وَالثَّانِي حَدِيث زَائِدَة بن أبي الرقاد قَالَ حَدثنَا زِيَاد النميري عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله ص = إِذا دخل رَجَب قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لنا فِي رَجَب وَشَعْبَان وبلغنا رَمَضَان

قَالَ الْحَافِظ تفرد بِهِ زَائِدَة عَن زِيَاد بن مَأْمُون الْبَصْرِيّ عَن أنس

قلت وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ زَائِدَة بن أبي الرقاد مُنكر الحَدِيث وَزِيَاد بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ أَبُو عمار مَتْرُوك الحَدِيث

وَقَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ الإِمَام زِيَاد بن مَيْمُون أَبُو عمار الْبَصْرِيّ صَاحب الْفَاكِه عَن أنس تَرَكُوهُ

الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث مَنْصُور بن زيد بن زَائِدَة بن قدامَة الْأَسدي عَن مُوسَى بن عمرَان عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِن فِي الْجنَّة عينا أَو قَالَ نَهرا يُقَال لَهُ رَجَب مَاؤُهُ أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن فَمن صَامَ يَوْمًا من رَجَب شرب من ذَلِك النَّهر

قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم تفرد بِهِ مَنْصُور عَن مُوسَى

ثمَّ قَالَ منتقدا على الْحَافِظ الْمَذْكُور وَكنت أود أَن الْحَافِظ لم يذكر ذَلِك فَإِن فِيهِ تقريرا لما فِيهِ من الْأَحَادِيث الْمُنكرَة فقدره كَانَ أجل من أَن يحدث عَن رَسُول الله ص = بِحَدِيث يرى أَنه كذب وَلكنه جرى فِي ذَلِك على عَادَة جمَاعَة من أهل الحَدِيث يتساهلون فِي أَحَادِيث فَضَائِل الْأَعْمَال وَهَذَا عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الحَدِيث وَعند عُلَمَاء الْأُصُول وَالْفِقْه خطأ بل يَنْبَغِي أَن يبين أمره إِن علم وَإِلَّا

ص: 657

دخل تَحت الْوَعيد فق قَوْله ص = من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

3 -

وَقد نقل فِي حكم الحَدِيث الضَّعِيف قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه يُؤْخَذ بِهِ فِي الْأَحْكَام أَيْضا إِذا لم يُوجد فِي الْبَاب غَيره وَقد نسب ذَلِك إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل واشتهر عَنهُ غَايَة الاشتهار

وَقد كَانَ أنَاس من الْمُتَكَلِّمين يتعجبون من هَذَا القَوْل غَايَة التَّعَجُّب بِنَاء على أَن أَحْكَام الدّين يَنْبَغِي أَن تكون مَبْنِيَّة على أساس متين

وَكَانَ أنَاس من غَيرهم يعْجبُونَ بِهَذَا القَوْل ويعدونه أَمارَة على فرط الِاتِّبَاع والتباعد عَن الابتداع وَكَانَ بَينهمَا فريق آخر الْتزم فِي ذَلِك الصمت متمثلا بقول من قَالَ

(فبعضنا قَائِل مَا قَالَه حسن

وبعضنا سَاكِت لم يُؤْت من حصر)

وَقد حاول الْعَلامَة ابْن تَيْمِية إِزَالَة الْإِشْكَال من أَصله فَقَالَ فِي كتاب منهاج السّنة النَّبَوِيَّة إِن قَوْلنَا إِن الحَدِيث الضَّعِيف خير من الرَّأْي لَيْسَ المُرَاد بِهِ الضَّعِيف الْمَتْرُوك لَكِن المُرَاد بِهِ الْحسن كَحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده وَحَدِيث إِبْرَاهِيم الهجري مِمَّن يحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه أَو يُصَحِّحهُ

وَكَانَ الحَدِيث فِي اصْطِلَاح من قبل التِّرْمِذِيّ إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا ضَعِيف والضعيف نَوْعَانِ ضَعِيف مَتْرُوك وَضَعِيف لَيْسَ بمتروك فَتكلم أَئِمَّة الحَدِيث بذلك الِاصْطِلَاح فجَاء من لَا يعرف اصْطِلَاح التِّرْمِذِيّ فَسمع قَول بعض أَئِمَّة الحَدِيث الضَّعِيف أحب إِلَيّ من الْقيَاس فَظن انه يحْتَج بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُضعفهُ مثل التِّرْمِذِيّ وَأخذ يرجح طَريقَة من يرى أَنه أتبع للْحَدِيث الصَّحِيح

وَهُوَ فِي ذَلِك من المتناقضين الَّذين يرجحون الشَّيْء على مَا هُوَ أولى بالرجحان مِنْهُ

ص: 658

وَقد ذكر كثير من المؤلفين مِمَّن كَانَ بعد الْعَلامَة الْمَذْكُور قَول الإِمَام أَحْمد من غير أَن يفسروه بِمَا فسره بِهِ فكأنهم لم يطلعوا على مَا قَالَه أَو لم يظْهر لَهُم ذَلِك فَإِن بَعضهم كَانَ يمِيل إِلَى إِثْبَات كل مَا رُوِيَ على أَي وَجه كَانَ

ويدلك على ذَلِك قَول بَعضهم إِن الحَدِيث الضَّعِيف إِذا تلته الْأمة بِالْقبُولِ ينزل منزلَة الْمُتَوَاتر حَتَّى إِنَّه ينْسَخ بِهِ الْقُرْآن

وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن حَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث قد جَعَلُوهُ نَاسِخا لآيَة الْوَصِيَّة مَعَ أَن بعض الْأَئِمَّة قَالَ إِن أهل الحَدِيث لَا تثبته لَكِن لما تَلَقَّتْهُ الْأمة بِالْقبُولِ صَار فِي حكم الْمُتَوَاتر

وَلَا يخفى أَن هَذَا قَول مستغرب جدا

وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن بعض الْعلمَاء الْأَعْلَام قَالَ إِن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين إِنَّمَا نسختها آيَة الْمَوَارِيث كَمَا اتّفق على ذَلِك السّلف فَإِن الله تَعَالَى قَالَ بعد ذكر الْفَرَائِض {تِلْكَ حُدُود الله} الْآيَة

فأبان أَنه لَا يجوز أَن يُزَاد أحد على مَا فرض الله لَهُ

وَهَذَا معنى قَول النَّبِي عليه الصلاة والسلام إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث

وَإِلَّا فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَنَحْوه من أَصْحَاب السّنَن وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ

وَإِذ كَانَ من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يجوز أَن يَجْعَل نَاسِخا لِلْقُرْآنِ

وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يثبت أَن شَيْئا من الْقُرْآن نسخ بِسنة بِلَا قُرْآن

وَذكرنَا أَيْضا أَن ابْن حزم ذهب إِلَى أَن ذَلِك الحَدِيث متواتر فَإِنَّهُ قَالَ قد يرد خبر مُرْسل إِلَّا أَن الْإِجْمَاع قد صَحَّ بِمَا فِيهِ متيقنا مَنْقُولًا جيلا فجيلا فَإِذا كَانَ ذَلِك علمنَا أَنه مَنْقُول نقل كَافَّة كنقل الْقُرْآن فاستغني عَن ذكر السَّنَد فِيهِ وَكَانَ وُرُود ذَلِك الْمُرْسل وَعدم وُرُوده سَوَاء وَلَا فرق وَذَلِكَ نَحْو لَا وَصِيَّة لوَارث

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قد نَشأ من رِوَايَة الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان لِضعْفِهَا ضَرَر عَظِيم عرفه من عرفه وجهله من جَهله

وَقد شدد النكير مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه على من فعل ذَلِك وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَأَشْبَاه مَا ذكرنَا من كَلَام أهل الْعلم فِي متهمي رَوَاهُ الحَدِيث وإخبارهم عَن معايبهم كثير يطول الْكتاب بِذكرِهِ

ص: 659

على اسْتِقْصَائِهِ وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة لمن تفهم وعقل مَذْهَب الْقَوْم فِيمَا قَالُوا من ذَلِك وبينوا

وَإِنَّمَا ألزموا أنفسهم الْكَشْف عَن معايب رُوَاة الحَدِيث وناقلي الْأَخْبَار وأفتوا بذلك حِين سئلوا لما فِيهِ من عَظِيم الْخطر إِذْ الْأَخْبَار فِي أَمر الدّين إِنَّمَا تَأتي بتحليل أَو تَحْرِيم أَو أَمر أَو نهي أَو ترغيب أَو ترهيب

فَإِذا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بمعدن للصدق وَالْأَمَانَة ثمَّ أقدم على الرِّوَايَة عَنهُ من قد عرفه وَلم يبين مَا فِيهِ لغيره مِمَّن جهل مَعْرفَته كَانَ آثِما بِفِعْلِهِ ذَلِك عاشا لعوام الْمُسلمين إِذْ لَا يُؤمن على بعض من سمع تِلْكَ الْأَخْبَار أَن يستعملها أَو يسْتَعْمل بَعْضهَا ولعلها أَو أَكْثَرهَا أكاذيب لَا أصل لَهَا

مَعَ أَن الْأَخْبَار الصَّحِيحَة من رِوَايَة الثِّقَات وَأهل القناعة أَكثر من أَن يضْطَر إِلَى نقل من لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مقنع

وَلَا أَحسب كثيرا مِمَّن يعرج من النَّاس على مَا وَصفنَا من هَذِه الْأَحَادِيث الضِّعَاف والأسانيد المجهولة ويعتد بروايتها بعد مَعْرفَته بِمَا فِيهَا من التوهن والضعيف إِلَّا أَن الَّذِي يحملهُ على رِوَايَتهَا والاعتداد بهَا إِرَادَة التكثر بذلك عِنْد الْعَوام وَلِأَن يُقَال مَا أَكثر مَا جمع فلَان من الحَدِيث وَألف من الْعدَد

وَمن ذهب فِي الْعلم هَذَا الْمَذْهَب وسلك هَذَا الطَّرِيق لَا نصيب لَهُ فِيهِ وَكَانَ بِأَن يُسمى جَاهِلا أولى من أَن ينْسب إِلَى علم

انْتهى كَلَام الإِمَام مُسلم

وَإِنَّمَا قصر مُسلم غشهم على عوام الْمُسلمين مَعَ أَن كثيرا من خواصهم قد لحقهم من ذَلِك مَا لحق عوامهم لِأَن الْخَواص كَانَ يُمكنهُم أَن يقفوا على حَقِيقَة الْأَمر وَلَكنهُمْ قصروا فَكَأَنَّهُ جعلهم هم الغاشين لأَنْفُسِهِمْ فَإِن كثيرا مِنْهُم كَانَ إِذا رأى حَدِيثا قد ذكره أحد أُولَئِكَ الغاشين للْأمة فِي دينهَا من غير بَيَان لحاله فَإِن كَانَ مُوَافقا لرأيه أَو لرأي من يهوى أَن ينتصر لَهُ كَيفَ مَا كَانَ الْحَال بَادر لنقله ونشره والاستشهاد بِهِ من غير بحث عَنهُ مَعَ مَعْرفَته بِأَن فِي كثير مِمَّا يرْوى الْمَوْضُوع والضعيف الَّذِي اشْتَدَّ ضعفه

ص: 660

وَإِن كَانَ مُخَالفا لرأيه من يحب أَن ينتصر لَهُ فَإِن وجده غير قَابل للتأويل على وَجه يُوَافق مَا يذهب إِلَيْهِ تَركه وَكَثِيرًا مَا يخْطر فِي باله أَن مخالفه رُبمَا وقف عَلَيْهِ واستند إِلَيْهِ فيعد لَهُ حِينَئِذٍ تَأْوِيلا رُبمَا كَانَ هُوَ أول الضاحكين على نَفسه مِنْهُ وَذَلِكَ اسْتِعْدَادًا لهجوم الْخصم قبل أَن يهجم عَلَيْهِ

وَإِن وجده قَابلا للتأويل على وَجه يُوَافق مَا يهواه تساوى عِنْده الْحَالَات وسكنت نَفسه

وَمن نظر فِي الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي تخرج الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي كثير من كتب الْكَلَام أَو الْفِقْه أَو الْأُصُول أَو التَّفْسِير رأى من كَثْرَة الْأَحَادِيث الضعيفة الْوَاهِيَة الَّتِي يوردونها للاحتجاج أمرا هائلا وَقد حكم أهل البصيرة من الْعلمَاء الْأَعْلَام بِأَن هَؤُلَاءِ الَّذين يوردونها للاستشهاد بهَا لَا يعذرُونَ إِلَّا من لم يقصر مِنْهُم فِي الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِذا أَخطَأ بعد ذَلِك لم يكن ملوما

وَقد تعرض كثير من الْعلمَاء الَّذين وقفُوا على الضَّرَر الَّذِي نَشأ من نشر الْأَحَادِيث الضعيفة فِي الْأمة من غير إِشَارَة إِلَى ضعفها لبَيَان ذَلِك وَقد أَحْبَبْت أَن أورد شَيْئا من ذَلِك على طَرِيق التَّلْخِيص

قَالَ الْحَكِيم الْمُحَقق أَبُو الريحان البيروني فِي الْكتاب الَّذِي أَلفه فِي تَحْقِيق مَا ينْسب لأهل الْهِنْد من مقَالَة فِي مَبْحَث صُورَة السَّمَاء وَالْأَرْض إِن الْقُرْآن لم ينْطق فِي هَذَا الْبَاب وَفِي كل شَيْء ضَرُورِيّ بِمَا يحوج إِلَى تعسف فِي تَأْوِيل وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَشْيَاء الضرورية مَعهَا حَذْو القذة بالقذة وبإحكام من غير تشابه وَلم يشْتَمل أَيْضا على شَيْء مِمَّا اخْتلف فِيهِ وأيس من الْوُصُول إِلَيْهِ

وَإِن كَانَ الْإِسْلَام مكيدا فِي مبادئه بِقوم من مناوئيه أظهروه بانتحال وحكوا لِذَوي السَّلامَة فِي الْقُلُوب من كتبهمْ مَا لم يخلق الله مِنْهُ فِيهَا شَيْئا لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا فصدقوهم وكتبوها عَنْهُم مغترين بنفاقهم وَتركُوا مَا عِنْدهم من الْكتاب الْحق لِأَن قُلُوب الْعَامَّة إِلَى الخرافات أميل فتشوشت الْأَخْبَار لذَلِك

ثمَّ جَاءَت طامة أُخْرَى من جِهَة الزَّنَادِقَة كأصحاب ماني كَعبد الْكَرِيم بن أبي العوجاء وَأَمْثَاله فشككوا ضِعَاف الغرائز فِي الْوَاحِد الأول من جِهَة التَّعْدِيل

ص: 661

والتجوير وأمالوهم إِلَى التَّثْنِيَة وزينوا عِنْدهم سيرة ماني حَتَّى اعتصموا بحبله

وَهُوَ رجل غير مقتصر على جهالاته فِي مذْهبه دون الْكَلَام فِي هَيْئَة الْعَالم بِمَا يُنبئ عَن تمويهاته وانتشر ذَلِك فِي الْأَلْسِنَة وانضاف إِلَى مَا تقدم من المكايد الْيَهُودِيَّة فَصَارَ رَأيا مَنْسُوبا إِلَى الْإِسْلَام سُبْحَانَ الله عَن مثله وَالَّذِي يُخَالِفهُ ويتمسك بِالْحَقِّ المطابق لِلْقُرْآنِ فِيهِ موسوما بالْكفْر والإلحاد مَحْكُومًا على دَمه بالإراقة غير مرخص فِي سَماع كَلَامه وَهُوَ دون مَا يسمع من كَلَام فِرْعَوْن {أَنا ربكُم الْأَعْلَى} {مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي} وتطاول العصبية رُبمَا يمِيل عَن الطَّرِيقَة المثلى للحمية وَالله يثبت قدم من يَقْصِدهُ ويقصد الْحق فِيهِ

وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حزم فِي كتاب الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل ذكر فُصُول يعْتَرض بهَا جهلة الْمُلْحِدِينَ على ضعفاء الْمُسلمين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِنَّا لما تدبرنا أَمر طائفتين مِمَّن شاهدنا فِي زَمَاننَا هَذَا وجدناهما قد تفاقم الدَّاء بهما فإمَّا إِحْدَاهمَا فقد جلت الْمُصِيبَة فِيهَا وَبهَا وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دُخُولهمْ إِلَى المعارف بِطَلَب علم الْعدَد وبرهانه وطبائعه ثمَّ تدرجوا إِلَى تَعْدِيل الْكَوَاكِب وهيئة الأفلاك وَفِيمَا دون ذَلِك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شَيْء من كتب الْأَوَائِل وحدودها الَّتِي نصبت فِي الْكَلَام وَمَا مازج بعض مَا ذكرنَا من آراء الفلاسفة فِي الْقَضَاء بالنجوم وَأَنَّهَا ناطقة مُدبرَة وَكَذَلِكَ الْفلك

فأشرقت هَذِه الطَّائِفَة من أَكثر مَا طالعت مِمَّا ذكرنَا على أَشْيَاء صِحَاح يراهنها ضَرُورِيَّة لائحة وَلم يكن مَعهَا من جودة القريحة وصفاء النّظر مَا تعلم بِهِ أَن من أصَاب فِي عشرَة آلَاف مَسْأَلَة مثلا جَائِز أَن يُخطئ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة لَعَلَّهَا أسهل من الْمسَائِل الَّتِي أصَاب فِيهَا فَلم تفرق هَذِه الطَّائِفَة بَين مَا صَحَّ مِمَّا طالعوه بِحجَّة برهانية وَبَين مَا فِي أثْنَاء ذَلِك وتضاعيفه مِمَّا لم يَأْتِ عَلَيْهِ من ذكره من الْأَوَائِل إِلَّا بإقناع أَو بشغب أَو بتقليد لَيْسَ مَعَه شَيْء مِمَّا ذكرنَا

ص: 662

فحملوا كل مَا أشرفوا عَلَيْهِ محملًا وَاحِدًا وقبلوه قبولا مستويا فسرى فيهم الْعجب وتداخلهم الزهو وظنوا أَنهم قد حصلوا على مباينة الْعَالم فِي ذَلِك وللشيطان موالج خُفْيَة ومداخل لَطِيفَة فتوصل إِلَيْهِم من بَاب غامض وَهُوَ إصغار كل شَيْء من عُلُوم الدّيانَة الَّتِي هِيَ الْغَرَض الْمَقْصُود من كل ذِي لب وَالَّتِي هِيَ نتيجة الْعُلُوم الَّتِي طالعوا لَو عقلوا سبلها ومقاصدها

فَلم يعبأوا بِآيَة من كتاب الله الَّذِي هُوَ جَامع عُلُوم الْأَوَّلين والآخرين وَالَّذِي لم يفرط فِيهِ من شَيْء وَالَّذِي من فهمه كَفاهُ وَلَا بِسنة من سنَن رَسُول الله ص = الَّتِي هِيَ بَيَان الْحق وَنور الْأَلْبَاب

وَلم تلق هَذِه الطَّائِفَة من حَملَة الدّين إِلَّا أَقْوَامًا لَا عناية عِنْدهم بِشَيْء مِمَّا قدمْنَاهُ

وَإِنَّمَا عنيت من الشَّرِيعَة بِأحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا بِأَلْفَاظ ينقلون ظَاهرهَا وَلَا يعْرفُونَ مَعَانِيهَا وَلَا يهتمون بفهمها وَإِمَّا بمسائل من الْأَحْكَام لَا يشتغلون بدلائلها ومنبعثها وَإِنَّمَا حسبهم مِنْهَا مَا أَقَامُوا بِهِ 8 جاههم وحالهم وَإِمَّا بخرافات منقولة عَن كل ضَعِيف وَكَذَّاب وساقط لم يهتبلوا قطّ بِمَعْرِِفَة صَحِيح مِنْهَا من سقيم وَلَا مُرْسل من مُسْند وَلَا مَا نقل عَن النَّبِي ص = مِمَّا نقل عَن كَعْب الْأَحْبَار ووهب بن مُنَبّه عَن أهل الْكتاب

فَنَظَرت الطَّائِفَة الأولى إِلَى هَذِه الْآخِرَة بِعَين الاستهجان والاحتقار والاستجهال فَتمكن الشَّيْطَان مِنْهُم وَحل فيهم حَيْثُ أحب فهلكوا وَضَلُّوا واعتقدوا أَن دين الله لَا يَصح مِنْهُ شَيْء وَلَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل فَاعْتقد أَكْثَرهم الْإِلْحَاد وَاسْتِعْمَال الْفَرَائِض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللَّذَّات وقصدوا كسب المَال كَيفَ تيَسّر وظلم الْعباد وَتَدين الْأَقَل مِنْهُم بتعظيم الْكَوَاكِب فأسفت نفس الْمُسلم الناصح لهَذِهِ الْملَّة وَأَهْلهَا على هَلَاك هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِين وخروجهم عَن جملَة الْمُؤمنِينَ بعد أَن غذوا بلبان الْإِسْلَام ونشئوا فِي حجور أَهله

ص: 663

وَأما الطَّائِفَة الثَّانِيَة فهم قوم ابتدؤا الطّلب بِحَدِيث النَّبِي ص = فَلم يزِيدُوا على طلب علو الْإِسْنَاد وَجمع الغرائب دون أَن يهتموا بِشَيْء مِمَّا كتبُوا ويعملوا بِهِ وَإِنَّمَا تَحملُوهُ حملا لَا يزِيد عَن قِرَاءَته دون تدبر مَعَانِيه وَدون أَن يعلمُوا أَنهم المخاطبون بِهِ وَأَنه لم يَأْتِي هملا وَلم يقلهُ رَسُول الله ص = عَبَثا بل أمرنَا بالتفقه فِيهِ وَالْعَمَل بِهِ بل أَكثر هَذِه الطَّائِفَة لَا يعْمل عِنْدهم إِلَّا بِمَا جَاءَ من طَرِيق مقَاتل بن سُلَيْمَان وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم وَتَفْسِير الْكَلْبِيّ وَتلك الطَّبَقَة وَكتب البدء الَّتِي إِنَّمَا هِيَ خرافات مَوْضُوعَات وَلَدهَا الزَّنَادِقَة تدليسا على الْإِسْلَام وَأَهله

فأطلقت هَذِه الطَّائِفَة كل اخْتِلَاط لَا يَصح مثل أَن الأَرْض على حوت والحوت على قرن ثَوْر والثور على الصَّخْرَة والصخرة على عاتق ملك وَالْملك على الظلمَة والظلمة على مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله عز وجل

فنافرت هَذِه الطَّائِفَة كل برهَان وَلم يكن عِنْدهم أَكثر من قَوْلهم نهينَا عَن الْجِدَال

وليت شعري من نَهَاهُم عَنهُ وَالله يَقُول فِي كِتَابه الْمنزل على نبيه الْمُرْسل {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} وَأخْبر تَعَالَى عَن قوم نوح أَنهم قَالُوا {يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا}

وَقد نَص الله تَعَالَى فِي غير مَوضِع من كِتَابه على أصُول الْبَرَاهِين وَقد نبهنا عَلَيْهَا فِي غير مَا مَوضِع من كتَابنَا هَذَا

وحض تَعَالَى على التفكر فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا يَصح الِاعْتِبَار فِي خلقهما إِلَّا بِمَعْرِِفَة هيآتهما وانتقال الْكَوَاكِب فِي أفلاكهما وَاخْتِلَاف حركاتها فِي التَّغْرِيب والتشريق وَنَحْو ذَلِك

وَكَذَلِكَ معرفَة الطبائع وامتزاج العناصر وعوارضها وتركيب أَعْضَاء الْحَيَوَان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أَعْضَائِهِ بَعْضهَا بِبَعْض وَقواهُ المركبة

فَمن أشرف على ذَلِك وَعلمه رأى عَظِيم الْقُدْرَة وتيقن أَن كل ذَلِك صَنْعَة ظَاهِرَة وَإِرَادَة خَالق مُخْتَار

ص: 664

ثمَّ زَاد قوم مِنْهُم فَأتوا بالأفيكة الَّتِي يقشعر مِنْهَا وَهِي أَن أطْلقُوا أَن الدّين لَا يُؤْخَذ بِحجَّة فأقروا عُيُون الْمُلْحِدِينَ وشهدوا أَن الدّين لَا يثبت إِلَّا بالدعاوي وَالْغَلَبَة

وَهَذَا خلاف قَول الله عز وجل {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

هَذَا قَول الله عز وجل وَمَا جَاءَ بِهِ نبيه ص = وَفِي تِلْكَ الْكِفَايَة والغناء عَن قَول كل قَائِل

وَقد حَاج ابْن عَبَّاس الْخَوَارِج وَمَا علمنَا أحدا من الصَّحَابَة نهى عَن الِاحْتِجَاج فَلَا معنى لرأي من جَاءَ بعدهمْ فَكَانَ كَلَام هَذِه الطَّائِفَة مغريا للطائفة الأولى بكفرها إِذْ لم يرَوا فِي خصومهم فِي الْأَغْلَب إِلَّا من هَذِه صفته

ثمَّ زَادَت هَذِه الثَّانِيَة غلوا فِي الْجُنُون فعابوا كتبا لَا علم لَهُم بهَا وَلَا طالعوها وَلَا رَأَوْا مِنْهَا كلمة وَلَا قرؤوها وَلَا أخْبرهُم عَمَّا فِيهَا ثِقَة كالكتب الَّتِي فِيهَا هَيْئَة الأفلاك ومجاري النُّجُوم والكتب الَّتِي جمعهَا أرسطاطاليس فِي حُدُود الْكَلَام

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه الْكتب كلهَا سَالِمَة مفيدة دَالَّة على تَوْحِيد الله عز وجل وَقدرته عَظِيمَة الْمَنْفَعَة فِي انتقاد جَمِيع الْعُلُوم وعزم مَنْفَعَة الْكتب الَّتِي ذكرنَا فِي الْحُدُود فَفِي مسَائِل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بهَا يعْتَرف كَيفَ التَّوَصُّل إِلَى الاستنباط وَكَيف تُؤْخَذ الْأَلْفَاظ على مقتضاها وَكَيف يعرف الْخَاص من الْعَام والمجمل من الْمُفَسّر وَبِنَاء الْأَلْفَاظ بَعْضهَا على بعض وَكَيف تَقْدِيم الْمُقدمَات وإنتاج النتائج وَمَا يَصح من ذَلِك صِحَة ضَرُورِيَّة أبدا وَمَا يَصح مرّة وَيبْطل أُخْرَى وَمَا لَا يَصح الْبَتَّةَ وَضرب الْحُدُود الَّتِي من شَذَّ عَنْهَا كَانَ خَارِجا عَن أَصله وَدَلِيل الْخطاب وَدَلِيل الاستقراء وَغير ذَلِك مِمَّا لَا غناء بالفقيه الْمُجْتَهد لنَفسِهِ وَلأَهل مِلَّته عَنهُ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَلَمَّا رَأينَا عظم المحنة فِيمَا تولد فِي الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذكرنَا رَأينَا من عَظِيم الْأجر وَأفضل الْعَمَل بَيَان هَذَا الْبَاب الْمُشكل بحول الله تَعَالَى وَقدرته وتأييده فَنَقُول وَبِه عز وجل نتأيد ونستعين إِن كل مَا صَحَّ ببرهان أَي شَيْء كَانَ فَهُوَ فِي الْقُرْآن وَكَلَام النَّبِي عليه الصلاة والسلام مَنْصُوص مسطور يُعلمهُ كل

ص: 665

من أَحْكَام النّظر وأيده الله تَعَالَى بفهم وَأما كل مَا عدا ذَلِك مِمَّا لَا يَصح ببرهان وَإِنَّمَا هُوَ إقناع أَو شغب فالقرآن وَكَلَام النَّبِي عليه الصلاة والسلام مِنْهُ خاليان وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ومعاذ الله أَن يَأْتِي كَلَام الله سبحانه وتعالى أَو كَلَام نبيه عليه الصلاة والسلام بِمَا يُبطلهُ عيان أَو برهَان إِنَّمَا ينْسب هَذَا إِلَى الْقُرْآن وَالسّنة من لَا يُؤمن بهما وَيسْعَى فِي إبطالهما {ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ}

ولسنا من تَفْسِير الْكَلْبِيّ وَمن جرى مجْرَاه فِي شَيْء وَلَا نَحن من نقل المتهمين فِي شَأْن إِنَّمَا نحتج بِمَا نَقله الْأَئِمَّة الثِّقَات الْأَثْبَات من رُؤَسَاء الْمُحدثين مُسْندًا فَمن فتش الحَدِيث الصَّحِيح وجد فِيهِ كل مَا قُلْنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

انْتهى مَا تعلق الْغَرَض بإيراده

وَقد تعرض حجَّة الْإِسْلَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ لبَيَان عظم الضَّرَر الَّذِي نَشأ من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ فِي كتاب المنقذ من الضلال ونحا فِي كَلَامه قَرِيبا من منحى ابْن حزم فِي ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ إِن شِئْت

هَذَا وَمن شدد النكير على أُولَئِكَ الْمُحدثين الَّذين يروون الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان ضعفها حَتَّى حصل من الضَّرَر مَا حصل جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين على الِاخْتِلَاف فرقهم

وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة فِي مُقَدّمَة كتاب تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث مَا قَالَه المتكلمون من الْقَدَرِيَّة فِي ذَلِك

فَإِن قيل إِن هَؤُلَاءِ لَا يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ فيكف يسمع كَلَامهم فِي أَهله وهم أَشد النَّاس عَدَاوَة لَهُم يُقَال بِأَن هَؤُلَاءِ لَا يتوقعون فِي وجوب الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ متواترا أَو كَانَ غير متواتر إِلَّا أَنه احتف بِهِ من الْقَرَائِن مَا يدل على صِحَّته وَإِنَّمَا يتوقفون فِي الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ إِذا كَانَ مرويا من طَرِيق الْآحَاد وَلم تقم قرينَة على صِحَّته وَأما الْأَحَادِيث الضعيفة فَلَا يَقُولُونَ بهَا أصلا وَقد نحا منحاهم المتكلمون

ص: 666

منا وَمن نظر فِي كتب الْكَلَام أَو الْأُصُول تبين لَهُ أَنهم لَا يُنكرُونَ الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ مُطلقًا كَمَا توهمه عبارَة أنَاس يُرِيدُونَ التنفير مِنْهُم مَعَ أَن التنفير مِنْهُم يُمكن أَن يحصل بِغَيْر الافتراء عَلَيْهِم وَنسبَة مَا لَا يَقُولُونَ بهم إِلَيْهِم

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قد عرفت أَن الْعلمَاء الْأَعْلَام قد أَنْكَرُوا إنكارا شَدِيدا على الَّذين يروون الْأَحَادِيث الضعيفة من غير بَيَان لِضعْفِهَا وَأما من رَوَاهَا مَعَ بَيَان ضعفها فَلم ينكروا عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن رِوَايَة كثير من عُلَمَاء الحَدِيث للأحاديث الضعيفة لم تكن تَخْلُو عَن فَائِدَة مهمة

قَالَ الْعَلامَة النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قد ذكر مُسلم فِي هَذَا الْبَاب أَن الشّعبِيّ روى عَن الْحَارِث الْأَعْوَر وَشهد أَنه كَاذِب وَعَن غَيره حَدثنِي فلَان وَكَانَ مُتَّهمًا وَعَن غَيره الرِّوَايَة عَن المغفلين والضعفاء والمتروكين فقد يُقَال لم حدث هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة عَن هَؤُلَاءِ مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم لَا يحْتَج بهم

وَيُجَاب عَنهُ بأجوبة أَحدهَا أَنهم رووها ليعرفوها وليبينوا ضعفها لِئَلَّا يلتبس فِي وَقت عَلَيْهِم أَو على غَيرهم أَو يتشككوا فِي أمرهَا

الثَّانِي أَن الضَّعِيف يكْتب حَدِيثه ليعتبر بِهِ أَو يستشهد كَمَا قدمْنَاهُ فِي فصل المتابعات وَلَا يحْتَج بِهِ على انْفِرَاده

الثَّالِث أَن رِوَايَات الرَّاوِي الضَّعِيف يكون فِيهَا الصَّحِيح والضعيف وَالْبَاطِل فيكتبونها ثمَّ يُمَيّز أهل الحَدِيث والإتقان بعض ذَلِك من بعض وَذَلِكَ سهل عَلَيْهِم مَعْرُوف عِنْدهم وَبِهَذَا احْتج سُفْيَان الثَّوْريّ حِين نهى عَن الرِّوَايَة عَن الْكَلْبِيّ فَقيل لَهُ أَنْت تروي عَنهُ فَقَالَ أَنا أعلم صدقه من كذبه

الرَّابِع أَنهم قد يروون عَنْهُم أَحَادِيث التَّرْغِيب والترهيب وفضائل الْأَعْمَال والقصص والزهد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يتَعَلَّق بالحلال وَالْحرَام وَسَائِر

ص: 667

الْأَحْكَام

وَهَذَا الضَّرْب من الحَدِيث يجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِيهِ وَرِوَايَة مَا سوى الْمَوْضُوع مِنْهُ وَالْعَمَل بِهِ لِأَن أصُول ذَلِك صَحِيحَة مقررة فِي الشَّرْع مَعْرُوفَة عِنْد أَهله وعَلى كل حَال فَإِن الْأَئِمَّة لَا يروون عَن الضُّعَفَاء شَيْئا يحتجون بِهِ على انْفِرَاده فِي الْأَحْكَام فَإِن هَذَا شَيْء لَا يَفْعَله إِمَام من أَئِمَّة الْمُحدثين وَلَا مُحَقّق من غَيرهم من الْعلمَاء

وَأما فعل كثيرين من الْفُقَهَاء أَو أَكْثَرهم ذَلِك واعتمادهم عَلَيْهِ فَلَيْسَ بصواب بل قَبِيح جدا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِن كَانَ يعرف ضعفه لم يحل لَهُ أَن يحْتَج بِهِ فَإِنَّهُم متفقون على أَنه لَا يحْتَج بالضعيف فِي الْأَحْكَام وَإِن كَانَ لَا يعرف ضعفه لم يحل لَهُ أَن يهجم على الِاحْتِجَاج بِهِ من غير بحث عَلَيْهِ بالتفتيش عَنهُ إِن كَانَ عَارِفًا أَو بسؤال أهل الْعلم بِهِ إِن لم يكن عَارِفًا وَالله أعلم

تَنْبِيه إِذا أردْت نقل الحَدِيث الضَّعِيف بِغَيْر إِسْنَاد فَلَا تقل فِيهِ قَالَ رَسُول الله كَذَا أَو فعل كَذَا لإشعار ذَلِك بِالْجَزْمِ بل قل فِيهِ رُوِيَ عَن رَسُول الله ص = أَنه قَالَ كَذَا أَو فعل كَذَا أَو بلغنَا عَنهُ كَذَا أَو جَاءَ عَنهُ كَذَا أَو روى بَعضهم عَنهُ كَذَا وَمَا أشبه ذَلِك من الصِّيَغ الَّتِي لَا تشعر بِالْجَزْمِ

وَمثل الضَّعِيف مَا يشك فِي صِحَّته وَضَعفه وَخلاف ذَلِك مُنكر عِنْد الْقَوْم يسْتَحق صَاحبه اللوم

قَالَ النَّوَوِيّ فِي مُقَدّمَة شرح صَحِيح البُخَارِيّ قَالَ الْعلمَاء الْمُحَقِّقُونَ من الْمُحدثين وَغَيرهم إِذا كَانَ الحَدِيث ضَعِيفا لَا يُقَال فِيهِ قَالَ رَسُول الله ص = أَو فعل أَو أَمر أَو نهى أَو حكم وَشبه ذَلِك من صِيغ الْجَزْم

وَكَذَا لَا يُقَال روى أَبُو هُرَيْرَة أَو قَالَ أَو ذكر أَو أخبر أَو حدث أَو نقل أَو أفتى وَشبه ذَلِك وَكَذَا لَا يُقَال ذَلِك فِي التَّابِعين فَمن بعدهمْ

فَمَا كَانَ ضَعِيفا فَلَا يُقَال فِيهِ شَيْء من ذَلِك بِصِيغَة الْجَزْم وَإِنَّمَا يُقَال فِي

ص: 668

الضَّعِيف بِصِيغَة التمريض فَيُقَال رُوِيَ عَنهُ أَو نقل أَو ذكر أَو حُكيَ أَو يُقَال أَو يرْوى أَو يحْكى أَو يعزى أَو جَاءَ عَنهُ أَو بلغنَا عَنهُ

قَالُوا وَإِذا كَانَ الحَدِيث أَو غَيره صَحِيحا أَو حسنا عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فَيُقَال بِصِيغَة الْجَزْم وَدَلِيل هَذَا كُله أَن صِيغَة الْجَزْم تَقْتَضِي صِحَّته عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ فَلَا يُطلق إِلَّا فِيمَا صَحَّ وَإِلَّا فَيكون فِي معنى الْكَاذِب عَلَيْهِ وَهَذَا التَّفْصِيل مِمَّا تَركه كثير من النَّاس من المصنفين فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا وَمن غَيرهم

وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار الإِمَام الْحَافِظ أبي بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن عَليّ الْبَيْهَقِيّ على من خَالف هَذَا من الْعلمَاء وَهَذَا التساهل من فَاعله قَبِيح جدا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ فِي الصَّحِيح بِصِيغَة التمريض وَفِي الضَّعِيف بِالْجَزْمِ وَهَذَا خُرُوج عَن الصَّوَاب وقلب للمعاني وَالله الْمُسْتَعَان

وَقد اعتنى البُخَارِيّ رضي الله عنه بِهَذَا التَّفْصِيل فِي صَحِيحه فَيَقُول فِي التَّرْجَمَة الْوَاحِدَة بعض الْكَلَام بتمريض وَبَعضه بجزم مراعيا مَا ذكرنَا وَهَذَا مَا يزيدك اعتقادا فِي جلالته وتحريه وروع واطلاعه وتحقيقه وإتقانه

ص: 669