المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

السّلف رحمهم الله فِي هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَمن تَرْتِيب الْأَنْوَاع فيهمَا - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ٢

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف

- ‌تَقْسِيم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة على طَريقَة الْمُحدثين

- ‌زِيَادَة بسط

- ‌وَهنا أُمُور يَنْبَغِي الانتباه لَهَا

- ‌بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث

- ‌بَيَان علل أَخْبَار رويت فِي الطَّهَارَة

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الصَّلَاة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الصَّوْم

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْجَنَائِز

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي النِّكَاح

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْحُدُود

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي اللبَاس

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الْأَطْعِمَة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي أُمُور شَتَّى

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْأَحْكَام والأقضية

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزّهْد

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَمَا يتَعَلَّق بذلك

- ‌فروع لَهَا تعلق بالرواية بِالْمَعْنَى

- ‌فَوَائِد شَتَّى الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَائِدَة التَّاسِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْعَاشِرَة

- ‌الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة

الفصل: السّلف رحمهم الله فِي هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَمن تَرْتِيب الْأَنْوَاع فيهمَا

السّلف رحمهم الله فِي هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَمن تَرْتِيب الْأَنْوَاع فيهمَا وتذييلها بِمَا كَانَ يَلِيق بهَا وتطبق الْبَعْض مِنْهَا بِالْبَعْضِ وتوفيه كل من ذَلِك حَقه على مُوجب مُقْتَضى الصِّنَاعَة ن وسيحمد مَا أوردت ذَوُو البصائر

وَإِنِّي أوصيهم / إِن أورثهم كَلَامي نوع استماله أَو فضلا لي عَلَيْهِم فَغير مستبدع فِي أَي مَا نوع فرض أَن يزل عَن أَصْحَابه مَا هُوَ أشبه بذلك النَّوْع فِي بعض الْأُصُول أَو الْفُرُوع أَو التطبيق للْبَعْض بِالْبَعْضِ مَتى كَانُوا المخترعين لَهُ وَإِنَّمَا يستبدع ذَلِك مِمَّن زجى عمره راتعا فِي مائدتهم تِلْكَ ثمَّ لم يقوا أَن يتَنَبَّه

وعلماء هَذَا الْفَنّ وَقَلِيل مَا هم كَانُوا - فِي اختراعه واستخراج أُصُوله وتمهيد قواعدها وإحكام أَبْوَابهَا وفصولها وَالنَّظَر فِي تفاريعها واستقراء أمثلتها اللائقة بهَا وتلقطها من حَيْثُ يجب تلقطها وإتعاب الخاطر فِي التفتيش والتنقير عَن ملاقطها وَكَذَا النَّفس وَالروح فِي ركُوب المسالك المتوعرة إِلَى الظفر بهَا مَعَ تشعب هَذَا النَّوْع إِلَى شعب بَعْضهَا أدق من الْبَعْض وتفننها أفانين بَعْضهَا أغمض من بعض - كَمَا عَسى أَن يقرع سَمعك طرف من ذَاك فعلوا مَا وفت بِهِ الْقُوَّة البشرية إِذْ ذَاك ثمَّ وَقع فتورها مِنْهُم مَا هُوَ لَازم الفتور

‌الْفَائِدَة التَّاسِعَة

قد أشكل على بعض الباحثين قَول بعض أَرْبَاب هَذَا الْفَنّ يشْتَرط فِي رَاوِي الصَّحِيح أَن يكون تَامّ الضَّبْط مَعَ قَوْله بتفاوت دَرَجَات الصَّحِيح بِسَبَب تفَاوت دَرَجَات الْعَدَالَة والضبط فِي رُوَاته وَقَالَ إِن تَمام الضَّبْط لَا يتَصَوَّر فِيهِ تفَاوت

ص: 883

فَكيف يَصح أَن يُقَال إِن رُوَاة الصَّحِيح تَتَفَاوَت درجاتهم فِي الْعَدَالَة والضبط بِحَيْثُ يكون بَعضهم أدنى من بعض ف ذَلِك

وَقد توهم أَنه إِذا قيل هَذَا الرَّاوِي أدنى من ذَاك الرَّاوِي فِي الضَّبْط لم يسغْ أَن يُقَال عَنهُ إِنَّه تَامّ الضَّبْط بل يُقَال عَنهُ حِينَئِذٍ سيء الْحِفْظ أَو ضعيفه وسيء الْحِفْظ أَو ضعيفه لَا يعد من رُوَاة الصَّحِيح

وَطلب تَصْوِير هَذِه الْمَسْأَلَة من الْقَائِلين بهَا

وَقد رَأينَا من الْحِكْمَة الْإِجَابَة إِلَى مَا طلب لإِزَالَة مَا نَشأ من كَلَامه من الشُّبْهَة الَّتِي علقت بأذهان كثير من الناظرين فِيهِ مَعَ أَن هَذِه الْمَسْأَلَة من أهم مسَائِل الْفَنّ وَهِي مِمَّا لَا رب فِيهِ عِنْد أربابه وَعند من أمعن النّظر فِيهَا كثيرا من غَيرهم

وَلما فِي ذَلِك من زِيَادَة الْبَيَان - وَهِي مَطْلُوبَة فِي مثل ذَلِك - فَنَقُول لنفرض ان جمَاعَة من الراغبين فِي معرفَة أشعار من يستشهد بكلامهم من الشُّعَرَاء قصدُوا أحد أَئِمَّة أهل الْأَدَب البارعين فِي ذَلِك للأخذ عَنهُ فأجابهم إِلَى مَا طلبُوا مِنْهُ واعتنى بأمرهم وَصَارَ فِي كل يَوْم يروي لَهُم شَيْئا مِمَّا عِنْده ليحفظوه ثمَّ يختبرهم فِي كل مُدَّة وَلم يزل الْأَمر كَذَلِك حَتَّى أخذُوا عَنهُ نَحْو ألف بَيت فَأحب أَن يختبرهم اختبارا تَاما يعرف بِهِ درجاتهم فِي الْحِفْظ والإتقان ليجعلهم أقساما يلقى على كل قسم مِنْهُم مِقْدَار مَا يَقْتَضِيهِ استعداده رِعَايَة للحكمة وَكَانُوا سِتِّينَ

فَنظر أَولا فِي ضعيفي الْحِفْظ فَرَأى فِي أَرْبَعَة وَعشْرين مِنْهُم ضعفا شَدِيدا فِي الْحِفْظ بِحَيْثُ إِنَّهُم كَانُوا يخلون فِي كل مئة بَيت بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ بَيْتا إِلَى نَحْو خمسين بَيْتا فَجعل هَؤُلَاءِ قسما وَاحِدًا ووسمهم فِي نَفسه بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان وَلم يهمه أَمر تقسيمهم إِلَى أَقسَام بل أهمه أَمر الْعِنَايَة بهم إشفاقا عَلَيْهِم فَإِن قُوَّة العناة كثير مَا تجْعَل مثلهم من أهل الدِّرَايَة

ثمَّ نظر فِي بَقِيَّتهمْ وهم سِتَّة وَثَلَاثُونَ فَرَآهُمْ ثَلَاثَة أَقسَام كل قسم مِنْهُم يبلغ اثْنَي عشر وهم متقاربون فِي أَمرهم فأمعن النّظر فِي أعرهم وَهُوَ الْقسم الأول

ص: 884

فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الْعشْر إِلَّا أَن أَفْرَاده مُخْتَلفَة فِي ذَلِك فَمنهمْ من يخل مِنْهَا بِنَحْوِ / الثَّلَاثَة أَو الْأَرْبَعَة فَقَط وَمِنْهُم من يخل مِنْهَا بِنَحْوِ الْخَمْسَة والستة وَمِنْهُم من يخل مِنْهَا بالسبعة إِلَى التِّسْعَة فَتبين أَن هَذَا الْقسم وَهُوَ الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاث دَرَجَات عليا وَهِي الَّتِي لَا تخل بِأَكْثَرَ من نَحْو أَرْبَعَة أَبْيَات فِي المئة ووسطى وَهِي الَّتِي لَا تخل بِأَكْثَرَ من نَحْو سِتَّة فِيهَا وَدُنْيا وَهِي الَّتِي تخل بِنَحْوِ السَّبْعَة وَالثَّمَانِيَة والتسعة

وَبِهَذَا تعلم أَن من لَا يخل فِي المئة بِأَكْثَرَ من نَحْو أَرْبَعَة أَبْيَات يعد من أهل الدرجَة الْعليا من الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان وبينما اللبيب يكبر شَأْن أنَاس من الْعلمَاء الْأَعْلَام يكَاد الْوَاحِد مِنْهُم لَا يُخطئ فِي كل ألف مَسْأَلَة إِلَّا بِنَحْوِ عشر عشرهَا وَرُبمَا كَانَ مدرك الْخَطَأ فِيهَا خفِيا ويعجب مِمَّا أُوتُوا من فرط النباهة والذكاء إِذا بالغبي يزري بهم ويستعظم ذَلِك الْخَطَأ إِن كَانَ مِنْهُم وَذَلِكَ لعدم مَعْرفَته بِلُزُوم مُلَاحظَة النِّسْبَة وَأَن الْإِنْسَان لَا يَخْلُو من الْخَطَأ والسهو وَالنِّسْيَان

ثمَّ أمعن النّظر فِي أوسطهم وَهُوَ الْقسم الثَّانِي فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الْعشْرين وَلَا ينقص عَن الْعشْر ثمَّ أمعن النّظر فِي أَدْنَاهُم وَهُوَ الْقسم الثَّالِث فَوَجَدَهُ يخل فِي كل مئة بَيت بِمَا دون الثَّلَاثِينَ وَلَا ينقص عَن الْعشْرين ثمَّ فعل فِي هذَيْن الْقسمَيْنِ مثل مَا فعل فِي الْقسم الأول وَقد أوردنا هَذَا الْمِثَال على طَرِيق التَّقْرِيب وَمن فهم هَذَا الْمِثَال انحل عَنهُ الْإِشْكَال فِي هَذَا الْموضع وَفِي غَيره مِمَّا يشاكله

قَالَ بعض الْمُحَقِّقين اعْلَم أَن مدَار الرِّوَايَة على عَدَالَة الرَّاوِي وَضَبطه فَإِن كَانَ مبرزا فيهمَا فَحَدِيثه صَحِيح وَإِن كَانَ دون المبرز فيهمَا أَو فِي أَحدهمَا لكنه عدل ضَابِط بِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثه حسن

ثمَّ الْعَدَالَة والضبط إِمَّا أَن يوجدا فِي الرَّاوِي أَو ينتفيا أَو يُوجد أَحدهمَا دون الآخر فَإِن وجدا فِي الرَّاوِي قبل حَدِيثه وَإِن انتفيا فِيهِ لم يقبل حَدِيثه

ص: 885

وَإِن وجدت فِيهِ الْعَدَالَة دون الضَّبْط لم يرد حَدِيثه لعدالته وَلم يقبل لعدم ضَبطه بل يتَوَقَّف فِيهِ إِلَّا أَن يظْهر مَا يُوجب رُجْحَان جَانب الرَّد فَيرد أَو رُجْحَان جَانب الْقبُول فَيقبل ومنن ذَلِك أَن يُوقف لَهُ على شَاهد يحصل بِهِ جبر الضعْف الَّذِي فِي راوية من جِهَة الضَّبْط

وَإِن وجد فِيهِ الضَّبْط دون الْعَدَالَة لم يقبل حَدِيثه لِأَن الْعَدَالَة هِيَ الرُّكْن الْأَكْبَر فِي الرِّوَايَة ثمَّ كل وَاحِد من الْعَدَالَة والضبط لَهُ مَرَاتِب عليا ووسطى وَدُنْيا وَيحصل من تركيب بَعْضهَا مَعَ بعض مَرَاتِب للْحَدِيث مُخْتَلفَة فِي الْقُوَّة والضعف

وَهنا أَمر مُهِمّ يعد عِنْد العارفين من أهل هَذَا الْفَنّ من قبيل المضنون بِهِ على غير أَهله وَهُوَ أَنه لَا يَنْبَغِي ترك الرِّوَايَة عَن الموسومين بِسوء الْحِفْظ وَقلة الإتقان كَمَا يتوهمه غير الْعَارِف بل فِي الرِّوَايَة عَنْهُم فَائِدَة عَظِيمَة عِنْد الجهابذة النقاد وَلذَلِك كَانُوا حريصين على ذَلِك وتتبين لَك الْفَائِدَة فِيمَا نَحن فِيهِ من أوجه أَحدهَا أَن نفرض أَن اثْنَيْنِ من الْقسم الأول وَهِي الدرجَة الْعليا فِي الْحِفْظ والإتقان اخْتلفَا فِي بَيت فَرَوَاهُ أَحدهمَا على وَجه وَالْآخر على وَجه آخر فَإِنَّهُ يعترينا حيرة فِي الْأَمر فَإِذا رَأينَا بعد ذَلِك أحدا مِمَّن شاركهما فِي الْأَخْذ عَن ذَلِك الإِمَام - وَإِن كَانَ موسوما بِسوء الْحِفْظ والإتقان - قد رَوَاهُ على الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ احدهما فَإِنَّهَا تترجح رِوَايَته على رِوَايَة الآخر فِي الْغَالِب وينسب الْمُنْفَرد بالرواية الْأُخْرَى للوهم فِي هَذَا الْموضع فقد أفادت رِوَايَة هَذَا الضَّعِيف تَقْوِيَة أحد القوتين على الآخر

بل لَو فَرضنَا أَن أحد الراويين من الْقسم الأول وَهِي الدرجَة الْعليا وَالْآخر من الْقسم الثَّالِث وَهِي الدرجَة الدُّنْيَا ورأينا هَذَا / الرَّاوِي الضَّعِيف قد وَافَقت رِوَايَته نرجحها فِي الْغَالِب على الرِّوَايَة الَّتِي انْفَرد بهَا من كَانَ فِي الدرجَة الْعليا فَيكون من قبيل قَوْلهم وضعيفان يغلبان قَوِيا

وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْغَالِب لِأَنَّهُ قد تقع مَوَانِع من ذَلِك وَلَا يُدْرِكهَا إِلَّا الجهابذة

ص: 886