الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْضهَا بَعْضًا فَيلْزمهُ مَا بلغه حَتَّى بلغه مَا نسخه وَلَيْسَ الْخَبَر كَذَلِك بل يلْزمنَا تَصْدِيق مَا بلغنَا من ذَلِك لِأَن الله تَعَالَى لَا يَقُول إِلَّا الْحق وَكَذَلِكَ رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَعَلِيهِ أَن يعْتَقد مَعَ ذَلِك أَن مَا كَانَ فِي ذَلِك الْخَبَر من تَخْصِيص لم يبلغهُ أَو زِيَادَة لم تبلغه فَهِيَ حق
وَلَا نقطع بتكذيب مَا لَيْسَ فِي ذَلِك الْخَبَر أصلا وَكَذَلِكَ أَمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ لَا تصدقوا أهل الْكتاب إِذا حدثوكم وَلَا تكذبوهم فتكذبوا بِحَق أَو تصدقوا بباطل أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ فَهَذَا حكم الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي الْوَعْظ وَغَيره وَمَا كَانَ من الْأَخْبَار لَا يحْتَمل خلاف نَصه صدق كَمَا هُوَ وَلزِمَ تَكْذِيب كل ظن خَالف نَص ذَلِك الْخَبَر وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
والْحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ أهل الْكتاب يقرأون التَّوْرَاة بالعبرانية ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ لأهل الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم وَقُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل الْآيَة قَالَ الشُّرَّاح يَعْنِي إِذا كَانَ مَا يخبرونهم بِهِ مُحْتملا لِئَلَّا يكون فِي نفس الْأَمر صدقا فيكذبوه أَو كذبا فيصدقوه فيقعوا فِي الْحَرج
الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة
قد بَينا فِيمَا سبق الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وأقسامها وحد كل وَاحِد مِنْهَا وَذكرنَا فِيهِ
أَن علم الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ قسم يتَعَلَّق بروايته وَقسم يتَعَلَّق بدرايته وَأَن الْعلمَاء قسموا كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى أَقسَام سموا كل وَاحِد مِنْهَا باسم
وَقد أحببنا الزِّيَادَة هُنَا على مَا ذكر هُنَاكَ فَنَقُول قَالَ بعض الْمُحدثين تَنْقَسِم عُلُوم الحَدِيث الْآن إِلَّا ثَلَاثَة أَقسَام
الأول حفظ متون الحَدِيث وَمَعْرِفَة غريبها وفقهها وَهَذَا أشرفها
وَالثَّانِي حفظ أسانيدها وَمَعْرِفَة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وَهَذَا كَانَ مهما وَقد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف فِيهِ وَألف من الْكتب فَلَا فَائِدَة فِي تَحْصِيل / مَا هُوَ حَاصِل
وَالثَّالِث جمعه وكتابته وسماعه والبحث عَن طرقه وَطلب الْعُلُوّ فِيهِ والرحلة إِلَى الْبلدَانِ لأجل ذَلِك والمشتغل بِهَذَا مشتغل عَمَّا هُوَ الأهم من الْعُلُوم النافعة فضلا عَن الْعَمَل بِهِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب الْأَصْلِيّ إِلَّا أَنه لَا بَأْس بِهِ لأهل البطالة لما فِيهِ من بَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الْمُتَّصِلَة بِسَيِّد الْبشر
وَقد اعْترض عَلَيْهِ بعض الْعلمَاء فِي قَوْله وَهَذَا قد كفيه المشتغل بِالْعلمِ بِمَا صنف فِيهِ وَألف من الْكتب فَقَالَ وَيُقَال عَلَيْهِ إِن كَانَ التصنيف فِي هَذَا الْفَنّ يُوجب الاتكال على ذَلِك وَعدم الِاشْتِغَال بِهِ فَالْقَوْل كَذَلِك فِي الْفَنّ الأول فَإِن فقه الحَدِيث وغربيه لَا يُحْصى كم صنف فِيهِ بل لَو ادّعى مُدع أَن التصانيف فِيهِ أَكثر من التصانيف فِي تَمْيِيز الرِّجَال وَالصَّحِيح من السقيم لما كَانَ قَوْله غير صَحِيح بل ذَلِك هُوَ الْوَاقِع
فَإِن كَانَ الِاشْتِغَال بِالْأولِ مهما فالاشتغال بِالثَّانِي أهم لِأَنَّهُ الْمرقاة إِلَى الأول فَمن أخل بِهِ خلط السقيم بِالصَّحِيحِ والمجرح بالمعدل وَهُوَ لَا يشْعر
فَالْحق أَن كلا مِنْهُمَا فِي علم الحَدِيث مُهِمّ وَلَا شكّ أَن من جَمعهمَا حَاز الْقدح الْمُعَلَّى مَعَ قصوره فِيهِ إِن أخل بالثالث وَمن أخل بهما فَلَا حَظّ لَهُ فِي اسْم الْحَافِظ وَمن أحرز الأول وأخل بِالثَّانِي كَانَ بَعيدا من اسْم الْمُحدث عرفا وَمن أحرز الثَّانِي وأخل الأول لم يبعد عَنهُ أسم الْمُحدث لَكِن فِيهِ نقص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأول
وَمن جمع الثَّلَاث كَانَ فَقِيها مُحدثا كَامِلا وَمن انْفَرد بِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا كَانَ دونه إِلَّا أَن من اقْتصر على الثَّانِي وَالثَّالِث فَهُوَ مُحدث صرف لاحظ لَهُ فِي اسْم الْفَقِيه كَمَا أَن من انْفَرد بِالْأولِ فلاحظ لَهُ فِي اسْم الْمُحدث وَمن انْفَرد بِالْأولِ وَالثَّانِي فَهَل يُسمى مُحدثا فِيهِ بحث اه
فَإِن قيل هَل يُمكن الْجمع بَين قَول هَذَا النَّاقِد وَمن نحا نَحوه وَقَول من قَالَ الْعُلُوم ثَلَاثَة علم نضج وَمَا احْتَرَقَ وَهُوَ علم النَّحْو وَالْأُصُول وَعلم لَا نضج وَلَا احْتَرَقَ وَهُوَ علم الْبَيَان وَالتَّفْسِير وَعلم نضج وَاحْتَرَقَ وَهُوَ علم الحَدِيث وَالْفِقْه
يُقَال نعم يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن يُرَاد بنضج الْعلم كَونه قد بَين بَيَانا كَافِيا بِحَيْثُ لَا يحْتَاج طَالبه إِلَى فرط عناء فِي تَحْصِيل مطلبه وباحتراقه كَونه قد استقصي الْبَحْث فِيهِ ثمَّ تجوز بِهِ الْحَد فأفضى ذَلِك إِلَى ذكر كثير مِمَّا لَا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة إِمَّا لكَونه مِمَّا يفْرض فرضا أَو لنَحْو ذَلِك حَتَّى يصير الطَّالِب لِكَثْرَة المباحث مَعَ عدم مَعْرفَته مَا يلْزم مِنْهَا مِمَّا لَا يلْزم حائرا فِي أمره
وَهَذَا الْمَعْنى لَا يظْهر بتمامة فِي علم الحَدِيث وَإِنَّمَا يظْهر فِي نَحْو النَّحْو فَإِن فِيهِ كثيرا مِمَّا لَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ لَا سِيمَا الْحجَج الَّتِي لَا يدل عَلَيْهَا نقل وَلَا عقل وَالْأولَى إِخْرَاج علم الحَدِيث من هَذَا الْقسم
وَهَذَا الْعبارَة وَإِن كَانَت من قبيل الْملح الَّتِي تستحسن فِي المحاضرة وَلَا يستقصى الْبَحْث فِيهَا إِلَّا أَن فِيهَا إِشَارَة إِلَى أَمر يَنْبَغِي الانتباه إِلَيْهِ وَهُوَ أَن مَا نضج وَاحْتَرَقَ من الْعُلُوم يَنْبَغِي السَّعْي فِي تنقيحه ليسهل على الطَّالِب تنَاوله
وَالِانْتِفَاع بِهِ وَمَا لم ينضج مِنْهَا السَّعْي فِي إِكْمَال مباحثه لينضج أَو يقرب من النضج
وَمن أمعن النّظر فِي هَذَا الْأَمر تبين لَهُ أَن فرط النضج فِي علم من الْعُلُوم لَا يُفْضِي إِلَى احتراقه وَإِنَّمَا يُفْضِي فِي الْغَالِب إِلَى إِفْرَاد بعض مباحثه بالبحث فَإِذا اتَّسع الْأَمر فِي مَبْحَث مِنْهَا صَار فَنًّا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ وَإِن كَانَ متفرعا عَن غَيره وَكَثِيرًا مَا يكون الْفَنّ المتفرع من غَيره وَاسع الْأَطْرَاف جدا قَالَ بعض الْمُحدثين علم الحَدِيث يشْتَمل على أَنْوَاع كَثِيرَة كل نوع مِنْهَا علم مُسْتَقل لَو / أنْفق الطَّالِب فِيهِ عمره لما أدْرك نهايته
وَلما كَانَ الِاسْتِقْصَاء فِي الْعُلُوم غير مُمكن حث الْعلمَاء طلابها على الِاقْتِصَار فِيهَا أَو الاقتصاد وَقد ذكر فِي أَوَائِل الْإِحْيَاء مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الْأَمر فأحببنا إِيرَاد ذَلِك قَالَ وَإِن تفرعت من نَفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظَاهر الْإِثْم وباطنه وَصَارَ ذَلِك ديدنا لَك وَعَادَة متيسرة فِيك وَمَا أبعد ذَلِك مِنْك فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فِيهَا
فابتدئ بِكِتَاب الله تَعَالَى ثمَّ بِسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم ثمَّ بِعلم التَّفْسِير وَسَائِر عُلُوم الْقُرْآن من علم النَّاسِخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وَكَذَلِكَ فِي السّنة ثمَّ اشْتغل بالفروع وَهُوَ علم الْمَذْهَب من علم الْفِقْه دون الْخلاف ثمَّ بأصول الْفِقْه وَهَكَذَا إِلَى بَقِيَّة الْعُلُوم على مَا يَتَّسِع لَهُ الْعُمر ويساعد فِيهِ الْوَقْت وَلَا تستغرق عمرك فِي فن وَاحِد مِنْهَا طلبا للاستقصاء فَإِن الْعلم كثير والعمر قصير
وَهَذِه الْعُلُوم آلَات ومقدمات وَلَيْسَت مَطْلُوبَة لعينها بل لغَيْرهَا وكل مَا يطْلب لغيره فَلَا يَنْبَغِي أَن ينسى فِيهِ الْمَطْلُوب ويستكثر مِنْهُ
فاقتصر من شَائِع علم اللُّغَة على مَا تفهم بِهِ كَلَام الْعَرَب وتنطق بِهِ وَمن
غَرِيبه على غَرِيب الْقُرْآن وغريب الحَدِيث ودع التعمق فِيهِ وَاقْتصر من علم النَّحْو على مَا يتَعَلَّق بالمتاب وَالسّنة فملا من علم إِلَّا وَله اقْتِصَار واقتصاد واستصقاء وَنحن نشِير إِلَيْهَا فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَالْكَلَام لتقيس بهَا غَيرهَا
فالاقتصار فِي التَّفْسِير مَا يبلغ ضعف الْقُرْآن كَمَا صنفه الواحدي النَّيْسَابُورِي وَهُوَ الْوَجِيز
والاقتصاد مَا يبلغ ثَلَاثَة أَضْعَاف الْقُرْآن كَمَا صنفه من الْوَسِيط فِيهِ وَمَا وَرَاء ذَلِك استصقاء مُسْتَغْنى عَنهُ فَلَا مرد لَهُ إِلَى إنتهاء الْعُمر
وَأما الحَدِيث فالاقتصار فِيهِ تَحْصِيل مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بتصحيح نُسْخَة على رجل خَبِير بِعلم متن الحَدِيث وَأما حفظ أسامي الرِّجَال فقد كفيت فِيهِ بِمَا تحمله عَنْك من قبلك وَلَك أَن تعول على كتبهمْ وَلَيْسَ يلزمك حفظ متون الصَّحِيحَيْنِ وَلَكِن تحصله تحصيلا تقدر مِنْهُ على طلب مَا تحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد الْحَاجة
وَأما الاقتصاد فِيهِ فَأن تضيف إِلَيْهِمَا مَا خرج عَنْهُمَا مِمَّا ورد فِي المسندات الصَّحِيحَة وَأما الِاسْتِقْصَاء فَمَا وَرَاء ذَلِك إِلَى اسْتِيعَاب كل مَا نقل من الضَّعِيف وَالْقَوِي وَالصَّحِيح والسقيم مَعَ معرفَة الطّرق الْكَثِيرَة فِي النَّقْل وَمَعْرِفَة أَحْوَال الرِّجَال وأسمائهم واوصافهم
وَأما الْفِقْه فالاقتصار فِيهِ على مَا يحويه مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ الَّذِي رتبناه فِي خُلَاصَة الْمُخْتَصر والاقتصاد يه مَا يبلغ ثَلَاثَة أَمْثَاله وَهُوَ الْقدر الَّذِي أوردناه فِي الْوَسِيط من الْمَذْهَب والاسقصاء مَا أوردناه فِي الْبَسِيط إِلَى مَا وَرَاء ذَلِك من المطولات
وَأما الْكَرم فالمقصود فِيهِ حماية المعتقدات الَّتِي نقلهَا أهل السّنة عَن السّلف الصَّالح لَا غير وَمَا وَرَاء ذَلِك لكشف حقائق الْأُمُور من غير طريقها ومقصود حفظ السّنة تحصل رُتْبَة الِاقْتِصَار مِنْهُ بمعتقد وجيز وَهُوَ اقدر الَّذِي أوردناه فِي كتاب قَوَاعِد العقائد من جملَة هَذَا الْكتاب
والاقتصاد فِيهِ مَا يبلغ قدر مئة ورقة وَهُوَ الَّذِي أوردناه فِي كتاب الاقتصاد فِي الِاعْتِقَاد وَيحْتَاج إِلَيْهِ لمناظرة مُبْتَدع ومعارضة بدعته بِمَا يُفْسِدهَا وينزعها عَن قلب الْعَاميّ وَذَلِكَ لَا ينفع إِلَّا مَعَ الْعَوام قبل اشتداد تعصبهم وَأما المبتدع بعد ان يعلم من الجدل وَلَو شَاءَ يَسِيرا فقلما ينفع مَعَه الْكَلَام 1 هـ
وَمن فروع علم الحَدِيث علم نَاسخ / الحَدِيث ومنسوخه وَهُوَ دَاخل فِي علم تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث وأفردوه عَنهُ لفرط الْعِنَايَة بِهِ فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على أَنه من اهم عُلُوم الحَدِيث وَالْمَشْهُور أَنه فن وعر المسلك وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْخطب فِي مَعْرفَته سهل وَمَا وَقع لكثير مِمَّن ألف فِيهِ إِدْخَال كثير مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ يه لَيْسَ ناشئا من وعورة مسلكه بل لعدم وقوفهم على جَمِيع مَا يلْزم فِي مَعْرفَته قَالَ بعض الْمُحدثين هَذَا النَّوْع وَإِن تعلق بِعلم الحَدِيث فَهُوَ بأصول الْفِقْه أشبه
وَمن فروع علم الحَدِيث معرفَة أَسبَاب وُرُود الحَدِيث وَقد صنف فِيهِ بعض الْعلمَاء وَقد جرت عَادَة اكثر شرَّاح الحَدِيث التَّعَرُّض لذَلِك إِذا كَانَ للْحَدِيث سَبَب ووقفوا عَلَيْهِ كَمَا انهم كثيرا مَا يتعرضون لغير ذَلِك مِمَّا يهم الطَّالِب مَعْرفَته غير أَنه ينْتَقد على كثير مِنْهُم أَمر وَهُوَ أَنهم كثيرا مَا يدْخلُونَ فِي معنى الحَدِيث مَالا يدل عَلَيْهِ الحَدِيث
وَقد وَقع مثل ذَلِك لكثير من الْمُفَسّرين أَيْضا وَقد حذر من ذَلِك بعض الْمُحَقِّقين مِنْهُم فَقَالَ يَنْبَغِي للمفسر أَن لَا يحمل لفظ الْكتاب الْعَزِيز مَا لَا يحْتَملهُ لِئَلَّا ينْسب إِلَى الله سُبْحَانَهُ أَشْيَاء لم يلقها وَلَا دلّ لفظ كِتَابه عَلَيْهَا فالتفسير فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ شرح الْفظ المستغلق عِنْد السَّامع بِمَا هُوَ وَاضح عِنْده مِمَّا يرادفه أَو يُقَارِبه أَو لَهُ دلَالَة عَلَيْهِ بِإِحْدَى طرق الدلالات
هَذَا وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة لمن أَرَادَ الِاقْتِصَار والاقتصاد فِي هَذَا الْفَنّ وَقد أحببنا أَن نختم هَذَا الْكتاب بمقالة متممة لما نَحن فِيهِ الْآن ومذكرة بِمَا سلف من قبل وَهِي للعلامة مجد الدّين الْمُبَارك بن الْأَثِير وَقد أوردهَا فِي خطْبَة كِتَابه جَامع الْأُصُول
لأحاديث الرَّسُول فَقَالَ
وَبعد فَإِن شرف الْعُلُوم يتَفَاوَت بشرف مدلولها وقدرها يعظم بِعظم محصولها وَلَا خلاف عِنْد ذَوي البصائر أَن أجلهَا مَا كَانَت الْفَائِدَة فِيهِ اعم والنفع بِهِ أتم والسعادة باقتنائه أدوم وَالْإِنْسَان بتحصيله ألزم كعلم الشَّرِيعَة الَّذِي هُوَ طَرِيق السُّعَدَاء إِلَى دَار الْبَقَاء مَا سلكه أحد إِلَّا اهْتَدَى وَلَا استمسك بِهِ من خَابَ وَلَا تجنبه من رشد فَمَا امْنَعْ جناب من احتمى بحماه وأرغد مآب من ازدان بحلاه
وعلوم الشَّرِيعَة على اختلافها تَنْقَسِم إِلَى فرض وَنفل وَالْفَرْض يَنْقَسِم إِلَى فرض عين وَفرض كِفَايَة وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَقسَام وأنواع بعصها أصُول وَبَعضهَا فروع وَبَعضهَا مُقَدمَات وَبَعضهَا متممات وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع تفصيلها إِذْ لَيْسَ لنا بغرض
إِلَّا أَن من أصُول فروض الكفايات علم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وآثار أَصْحَابه رضي الله عنهم الَّتِي هِيَ ثَانِي أَدِلَّة الْأَحْكَام ومعرفتها أَمر شرِيف وشأن جليل لَا يحبط بِهِ إِلَّا من هذب نَفسه بمتابعة أوَامِر الشَّرْع ونواهيه وأزاح الزيغ عَن قلبه وَلسَانه
وَله أصُول وَأَحْكَام وقواعد وأوضاع واصطلاحات ذكرهَا الْعلمَاء وَشَرحهَا المحدثون وَالْفُقَهَاء يحْتَاج طَالبه إِلَى مَعْرفَتهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا بعد تَقْدِيم معرفَة اللُّغَة وَالْإِعْرَاب اللَّذين هما أصل لمعْرِفَة الحَدِيث وَغَيره لوُرُود الشَّرِيعَة المطهرة بِلِسَان الْعَرَب
وتبك الْأَشْيَاء
كَالْعلمِ بِالرِّجَالِ وأساميهم وأنسابهم وأعمارهم وَوقت وفاتهم
وَالْعلم بِصِفَات الروَاة وشرائطهم الَّتِي يجوز مَعهَا قبُول روايتهم
وَالْعلم بمستند الروَاة وَكَيْفِيَّة أَخذهم الحَدِيث وتقسيم طرقه وَالْعلم بِلَفْظ الروَاة وإيرادهم مَا سَمِعُوهُ وإيصاله إِلَى من يَأْخُذهُ عَنْهُم وَذكر مراتبه وَالْعلم بِجَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى / وَرِوَايَة بعضه وَالزِّيَادَة فِيهِ وَإِضَافَة مَا لَيْسَ مِنْهُ إِلَيْهِ وانفراد الثِّقَة بِزِيَادَة فِيهِ
وَالْعلم بالسند وشرائطه والعالي مِنْهُ والنازل
وَالْعلم بالحرج وَالتَّعْدِيل وجوازهما ووقوعهما وَبَيَان طَبَقَات الْمَجْرُوحين
وَالْعلم بأقسام الصَّحِيح من الحَدِيث وَالْكذب وانقسام الْخَبَر إِلَيْهِمَا وَإِلَى الْغَرِيب وَالْحسن وَغَيرهمَا
وَالْعلم بأخبار الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَغير لَك مِمَّا تواضع عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث وَهُوَ بَينهم مُتَعَارَف
فَمن أتقنها أَتَى دَار هَذَا الْعلم من بَابهَا وأحاط بهَا من جَمِيع جهاتها وبقدر مَا يفوتهُ مِنْهَا تنزل عَن الْغَايَة دَرَجَته وتنحط عَن النِّهَايَة رتبته إِلَّا أَن معرفَة الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ وَإِن تعلّقت بِعلم الحَدِيث فَإِن الْمُحدث لَا يفْتَقر إِلَيْهَا لِأَن ذَلِك من وَظِيفَة الْفَقِيه لِأَنَّهُ يستنبط الْأَحْكَام من الْأَحَادِيث فَيحْتَاج إِلَى معرفَة الْمُتَوَاتر والآحاد والناسخ والمنسوخ
وَأما الْمُحدث فوظيفته أَن ينْقل ويروي مَا سَمعه من الْأَحَادِيث كَمَا سَمعه فَإِن
تصدى لما رَوَاهُ فَزِيَادَة فِي الْفضل وَكَمَال فِي الِاخْتِيَار جَمعنَا الله وَإِيَّاكُم معشر الطالبين على قبُول الدَّلَائِل وألهمنا وَإِيَّاكُم الِاقْتِدَاء بالسلف الصَّالح من الْأَئِمَّة الْأَوَائِل وأحلنا وَإِيَّاكُم من الْعلم النافع أَعلَى الْمنَازل ووفقنا إيَّاكُمْ للْعَمَل بالعالي من الحَدِيث والنازل إِنَّه سميع الدُّعَاء حقيق بالإجابة
مِمَّا لَا شكّ فِيهِ عِنْد الباحثين فِي أَمر الخطوط وتولد بَعْضهَا من بعض أَن الْخط الْعَرَبِيّ الْمَعْرُوف بالخط الْكُوفِي قد تولد من الْخط السرياني الْمَعْرُوف بالخط السرتجيلي وَيدل على ذَلِك أُمُور
الأول شدَّة التشابه بَين الخطين بِحَيْثُ يظنّ النَّاظر فِي أول الْأَمر أَنَّهُمَا من نوع وَاحِد
الثَّانِي أَن الْحُرُوف المفصولة عَمَّا بعْدهَا فِي الْخط السرياني وَهِي الْألف وَالدَّال وَالرَّاء وَالزَّاي وَالْوَاو وَالتَّاء وَالصَّاد وَالْهَاء هِيَ الْحُرُوف المفصولة عَمَّا بعْدهَا فِي الْخط الْعَرَبِيّ وَيسْتَثْنى من ذَلِك التَّاء وَالصَّاد وَالْهَاء فَإِن الْعَرَب التزمت وَصلهَا
الثَّالِث أَن الْعَرَب كَانُوا كالسريانيين يعدون حُرُوف الهجاء على نسق أبجد فَيَقُولُونَ أبجد هوز خطي كلمن سعفص قرشت
وَلما رَأَوْا أَن فِي لغتهم سِتَّة أحرف لم تُوجد فِيهَا زادوا لفظتين وهما ثخذ ضظغ
فَاجْتمع بذلك شَمل الْحُرُوف الْعَرَبيَّة
وَلما رأى الْعَرَب أَن هَذِه الْحُرُوف السِّتَّة لَيْسَ فِيهَا صور فِي الْخط السرياني لعدم الِاحْتِيَاج فِيهِ إِلَى ذَلِك عَمدُوا إِلَى كل حرف مِنْهَا فنظروا إِلَى الْحَرْف الَّذِي يُنَاسِبه فجعلوه على صورته فَنَشَأَ من ذَلِك أَن صَارَت الثَّاء مَعَ التَّاء وَالْخَاء مَعَ الْحَاء والذال مَعَ الدَّال وَالضَّاد مَعَ الصَّاد والظاء مَعَ الطَّاء والغين مَعَ الْعين على صُورَة وَاحِدَة
وَقد اسْتحْسنَ ذَلِك مِنْهُم بعض الْمُحَقِّقين فِي اللُّغَات السامية ووصفهم بالبراعة حَيْثُ قَالَ إِن الْعَرَب لما رَأَوْا أَن صور الْحُرُوف فِي الْخط السرياني اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ والحروف الْعَرَبيَّة ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ لم يخترعوا صورا جَدِيدَة للحروف المختصة بهم كَمَا فعل بعض الْأُمَم الغربية الشمالية وَلَا اتَّخذُوا طَريقَة وضع صُورَتَيْنِ أَو أَكثر لكل حرف من الْحُرُوف المختصة بهم كَمَا فعل اللاتين فِي الْفَاء وَالْخَاء والثاء وَالرَّاء اليونانيات وكما فعل من اقتفى من الْأُمَم الغربية حِين