المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ فَهُوَ أَقسَام يعرف اسْم كل - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ٢

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف

- ‌تَقْسِيم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة على طَريقَة الْمُحدثين

- ‌زِيَادَة بسط

- ‌وَهنا أُمُور يَنْبَغِي الانتباه لَهَا

- ‌بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث

- ‌بَيَان علل أَخْبَار رويت فِي الطَّهَارَة

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الصَّلَاة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الصَّوْم

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْجَنَائِز

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي النِّكَاح

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْحُدُود

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي اللبَاس

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الْأَطْعِمَة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي أُمُور شَتَّى

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْأَحْكَام والأقضية

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزّهْد

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَمَا يتَعَلَّق بذلك

- ‌فروع لَهَا تعلق بالرواية بِالْمَعْنَى

- ‌فَوَائِد شَتَّى الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَائِدَة التَّاسِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْعَاشِرَة

- ‌الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة

الفصل: فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ فَهُوَ أَقسَام يعرف اسْم كل

فِي الرَّاوِي يُوجب طَعنا فِيهِ فَهُوَ أَقسَام يعرف اسْم كل قسم مِنْهَا ورسمه مِمَّا نذكرهُ الْآن

وَهُوَ أَن الحَدِيث الضَّعِيف إِن كَانَ مُوجب الرَّد فِيهِ كذب الرَّاوِي فِي الحَدِيث فَهُوَ الْمَوْضُوع

وَإِن كَانَ تهمته بِالْكَذِبِ فَهُوَ الْمَتْرُوك

وَإِن كَانَ فحش غلطه أَو كَثْرَة غفلته أَو ظُهُور فسقه فَهُوَ الْمُنكر

وَإِن كَانَ وهمه فَهُوَ الْمُعَلل

وَإِن كَانَ مُخَالفَته للثقات فَإِن كَانَت الْمُخَالفَة بالإدراج فِيهِ فَهُوَ المدرج

وَإِن كَانَت بالتقديم وَالتَّأْخِير فَهُوَ المقلوب

وَإِن كَانَت بالإبدال فِيهِ مَعَ التدافع حَيْثُ لَا مُرَجّح فَهُوَ المضطرب

وَإِن كَانَت بتغيير الْحُرُوف مَعَ بَقَاء صُورَة الْخط فَإِن كَانَ التَّغْيِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى النقط فَهُوَ الْمُصحف

وَإِن كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشكل فَهُوَ المحرف

‌زِيَادَة بسط

الْمَوْضُوع هُوَ الحَدِيث المكذوب على رَسُول الله ص = سَوَاء كَانَ عمدا أم خطأ

والمتروك هُوَ الحَدِيث الَّذِي ينْفَرد بروايته من يتهم بِالْكَذِبِ فِي الحَدِيث

وَيدخل فِيهِ من عرف بِالْكَذِبِ فِي غير الحَدِيث وَإِن لم يظْهر كذبه فِي الحَدِيث وَذَلِكَ لِأَن التساهل فِي غير الحَدِيث قد يجر إِلَى التساهل فِي الحَدِيث

قَالَ بعض عُلَمَاء الْأُصُول من تشدد فِي الحَدِيث وتساهل فِي غَيره فَالْأَصَحّ أَن رِوَايَته ترد لِأَن الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا تشدد فِي الحَدِيث لغَرَض وَإِلَّا لزم تشدده مُطلقًا

ص: 574

وَقد يتَغَيَّر ذَلِك الْغَرَض أَو يحصل بِدُونِ تشدد فيكذب

وَقَالَ بَعضهم يرد خبر من عرف بالتساهل فِي الحَدِيث النَّبَوِيّ دون المتساهل فِي حَدِيثه عَن نَفسه وَأَمْثَاله وَمَا لَيْسَ بِحكم فِي الدّين

وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل الْخلاف بَين من يرد حَدِيثه وَبَين من لَا يردهُ فِي الْكَذِب الَّذِي لَا يُفْضِي إِلَى الْخُرُوج عَن الْعَدَالَة وَأما الْكَذِب الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْخُرُوج عَن الْعَدَالَة وَلَو لم يكن فِيهِ إِلَّا خرم الْمُرُوءَة فَلَا خلاف فِي ترك حَدِيث الْمَعْرُوف بِهِ عِنْدهم

وَأما الْمَطْرُوح فقد جعله بَعضهم نوعا مُسْتقِلّا وعرفه بِأَنَّهُ هُوَ مَا نزل عَن الضَّعِيف وارتفع عَن الْمَوْضُوع وَمثل لَهُ بِحَدِيث جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس

وَقد أدّى نظر بَعضهم إِلَى أَنه هُوَ الحَدِيث الْمَتْرُوك الْمُعَرّف هُنَا فَيكون هَذَا الْقسم مِمَّا لَهُ اسمان

وَالْمُنكر هُوَ الحَدِيث الَّذِي ينْفَرد بروايته من فحش غلطه أَو كثرت غفلته أَو تبين فسقه بِغَيْر الْكَذِب

وَهَذَا على رَأْي من لَا يشْتَرط فِي الْمُنكر مُخَالفَة رَاوِيه للثقات وَقد سبق بَيَان الْمُنكر على قَوْلهم

والمعلل هُوَ مَا اطلع فِيهِ بعد الْبَحْث والتتبع على وهم وَقع لراويه من وصل مُنْقَطع أَو إِدْخَال حَدِيث فِي حَدِيث أَو نَحْو ذَلِك

والمدرج هُوَ مَا أدرج فِي الحَدِيث مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ على وَجه يُوهم أَنه مِنْهُ

والإدراج قد يكون فِي الْمَتْن وَقد يكون فِي الْإِسْنَاد

مِثَال الإدراج فِي الْمَتْن مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَن رَسُول الله ص = علمه التَّشَهُّد فَقَالَ قل التَّحِيَّات لله والصلوات فَذكر التَّشَهُّد إِلَى آخِره وَهُوَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله

وَذكر بعده فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ

ص: 575

فَقَوله فَإِذا قلت هَذَا إِلَى آخِره إِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن مَسْعُود أدرج فِي الحَدِيث وَيدل على الإدراج مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهُوَ قَالَ عبد الله فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك

وَمِثَال الإدراج فِي الْإِسْنَاد مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن وَاصل وَمَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن عبد الله قَالَ قلت يَا رَسُول الله أَي الذَّنب أعظم قَالَ أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك الحَدِيث

فرواية وَاصل هَذِه مدرجة على رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش لِأَن واصلا لَا يذكر فِيهِ عمرا بل يَجعله عَن أبي وَائِل عَن عبد الله هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَة ومهدي بن مَيْمُون وَمَالك بن مغول وَسَعِيد بن مَسْرُوق عَن وَاصل

وَقد بَين الإسنادين مَعًا يحيى بن سعيد الْقطَّان فِي رِوَايَته عَن سُفْيَان وَفصل أَحدهمَا من الآخر رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش كِلَاهُمَا عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو عَن عبد الله وَعَن سُفْيَان عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن عبد الله من غير ذكر عَمْرو بن شُرَحْبِيل

قَالَ عَمْرو بن عَليّ فَذَكرته لعبد الرَّحْمَن وَكَانَ حَدثنَا عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور وواصل عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو فَقَالَ دَعه دَعه

لَكِن رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن وَاصل وَحده عَن أبي وَائِل عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل

فَزَاد فِي السَّنَد عمرا من غير ذكر أحد أدرج عَلَيْهِ رِوَايَة وَاصل

فَكَأَن ابْن مهْدي لما حدث بِهِ عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش وواصل بِإِسْنَاد وَاحِد ظن الروَاة عَن ابْن مهْدي اتِّفَاق طرقهم فاقتصر بَعضهم على بعض شُيُوخ سُفْيَان وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَنْبَغِي لمن يروي حَدِيثا بِسَنَد فِيهِ جمَاعَة فِي طبقَة وَاحِدَة مُجْتَمعين فِي الرِّوَايَة عَن شيخ وَاحِد أَن يحذف بَعضهم بل يَأْتِي بِهِ عَن جَمِيعهم

ص: 576

لاحْتِمَال أَن يكون اللَّفْظ فِي السَّنَد أَو الْمَتْن لأَحَدهم وَتَكون رِوَايَة من عداهُ مَحْمُولَة عَلَيْهِ فَإِذا حذف أحدهم فَرُبمَا كَانَ هُوَ صَاحب ذَلِك اللَّفْظ

وَقد عرف بَعضهم المدرج فِي الْمَتْن بقوله هُوَ زِيَادَة تقع فِيهِ

وَالْأولَى أَن يُزَاد وَلَيْسَت مِنْهُ وعرفه بَعضهم بقوله هُوَ الملحق بِالْحَدِيثِ من قَول بعض رُوَاته

وَقد ذكرنَا كثيرا مِمَّا يتَعَلَّق بالمدرج فِيمَا سبق

والمقلوب هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بالتقديم وَالتَّأْخِير

وَذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم فِي السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله تَحت ظلّ عَرْشه

فَإِن فِيهِ وَرجل تصدق بِصَدقَة أخفاها حَتَّى لَا تعلم يَمِينه مَا تنْفق شِمَاله

فَهَذَا مِمَّا انْقَلب على أحد الروَاة وَإِنَّمَا هُوَ حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه كَمَا ورد فِي البُخَارِيّ وَفِي مُسلم فِي بعض طرقه فعكس الرَّاوِي الَّذِي انْقَلب عَلَيْهِ الْأَمر فَجعل الْيَمين فِي مَوضِع الشمَال وَالشمَال فِي مَوضِع الْيَمين

وَقد دلّ على الْقلب أَمْرَانِ أَحدهمَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي اتّفق عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ

وَالثَّانِي مَا يَقْتَضِيهِ وَجه الْكَلَام لِأَن الْمَعْرُوف صُدُور الْإِنْفَاق فِي أغلب الأحيان عَن الْيَمين وَهَذَا النَّوْع من قبيل الْقلب فِي الْمَتْن وَهُوَ قَلِيل

وَالْغَالِب فِي الْقلب أَن يكون فِي الْإِسْنَاد

وَمن أَمْثِلَة الْقلب فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن عمته أنيسَة مَرْفُوعا إِذا أذن ابْن أم مَكْتُوم فَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَإِذا أذن بِلَال فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تشْربُوا

رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا

وَهُوَ مقلوب فَإِن الْمَشْهُور الْمَرْوِيّ فِي الصِّحَاح أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم مَكْتُوم

ص: 577

وَيُؤَيّد ذَلِك مَا جَاءَ فِي يعَض الرِّوَايَات أَن ابْن أم مَكْتُوم وَكَانَ أعمى لَا يُؤذن حَتَّى يُقَال لَهُ أَصبَحت أَصبَحت

وَقد جمع ابْن خُزَيْمَة بَينهمَا فجوز أَن يكون النَّبِي ص = جعل أَذَان اللَّيْل نوبا بَينهمَا فجَاء الخبران على حسب الْحَالين وَتَابعه ابْن حبَان عَلَيْهِ بل بَالغ حَتَّى جزم بذلك

وَقَالَ البُلْقِينِيّ إِنَّه بعيد وَلَو فتحنا بَاب التَّأْوِيل لاندفع كثير من علل الْمُحدثين

قَالَ وَيُمكن أَن يُسمى ذَلِك بالمعكوس فيفرد بِنَوْع وَلم أر من تعرض لذَلِك

وَمن أَمْثِلَة ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا أَمرتكُم بِشَيْء فَأتوهُ وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ مَا اسْتَطَعْتُم فَإِن الْمَعْرُوف مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنهُ فَاجْتَنبُوهُ وَمَا أَمرتكُم بِهِ فافعلوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم

وَمِثَال الْقلب فِي الْإِسْنَاد وَهُوَ الْأَكْثَر قلب كَعْب بن مرّة إِلَى مرّة بن كَعْب وقلب مُسلم بن الْوَلِيد إِلَى الْوَلِيد بن مُسلم وَنَحْو ذَلِك

هَذَا مَا قَالَه بعض أهل الْأَثر مِمَّن خص الْقلب بِمَا ذكر

وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ الْقلب أَعم من ذَلِك وَجعلُوا الْقلب فِي الْإِسْنَاد قسمَيْنِ

أَحدهمَا أَن يكون الحَدِيث مَشْهُورا براو فَيجْعَل مَكَانَهُ راو آخر فِي طبقته ليصير بذلك غَرِيبا مرغوبا فِيهِ وَذَلِكَ نَحْو حَدِيث مَشْهُور بسالم جعل مَكَانَهُ نَافِع

وكحديث مَشْهُور بِمَالك جعل مَكَانَهُ عبيد الله بن عمر

وَمِمَّنْ كَانَ يفعل ذَلِك من الوضاعين حَمَّاد بن عَمْرو النصيبي

وَيُقَال إِن فَاعل ذَلِك هُوَ الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ أَنه يسرق الحَدِيث وَرُبمَا قيل فِي الحَدِيث نَفسه إِنَّه مَسْرُوق

وَإِطْلَاق السّرقَة فِي ذَلِك لَا يظْهر إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ الرَّاوِي الْمُبدل بِهِ مُنْفَردا بِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يستغرب أَن يُقَال إِن الْمُبدل قد سَرقه مِنْهُ

ص: 578

الثَّانِي أَن يُؤْخَذ إِسْنَاد متن فَيجْعَل لمتن آخر وَيجْعَل ذَلِك الْمَتْن لإسناد آخر وَسَماهُ الْعَلامَة ابْن الْجَزرِي بِالْقَلْبِ الْمركب وَقد فعل ذَلِك بَعضهم اختبارا لحفظ الْمُحدث أَو لكَونه مِمَّن يقبل التَّلْقِين أَو لَا يقبله

وَقد جرى ذَلِك للْإِمَام البُخَارِيّ فقد حكى عدَّة من الْمَشَايِخ أَن ذَلِك الإِمَام الأوحد لما قدم بَغْدَاد وَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث اجْتَمعُوا وعمدوا إِلَى مئة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر ودفعوا ذَلِك إِلَى عشرَة أنفس إِلَى كل رجل عشرَة أَحَادِيث وَأمرُوهُمْ إِذا حَضَرُوا الْمجْلس أَن يلْقوا ذَلِك على البُخَارِيّ وَأخذُوا الْموعد للمجلس

فَحَضَرَ الْمجْلس جمَاعَة أَصْحَاب الحَدِيث من الغرباء من أهل خُرَاسَان وَغَيرهم وَمن البغداديين فَلَمَّا اطْمَأَن الْمجْلس بأَهْله انتدب إِلَيْهِ رجل من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ

فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَمَا زَالَ يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى فرغ من عشرته وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ

فَكَانَ الْفُقَهَاء مِمَّن حضر الْمجْلس يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ الرجل فهم وَمن كَانَ مِنْهُم غير ذَلِك يقْضِي على البُخَارِيّ بِالْعَجزِ وَالتَّقْصِير وَقلة الْفَهم

ثمَّ انتدب إِلَيْهِ رجل آخر من الْعشْرَة فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث المقلوبة فَقَالَ البُخَارِيّ لَا أعرفهُ فَسَأَلَهُ عَن آخر فَقَالَ لَا أعرفهُ فَلم يزل يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى فرغ من عشرته وَالْبُخَارِيّ يَقُول لَا أعرفهُ

ثمَّ انتدب إِلَيْهِ الثَّالِث وَالرَّابِع إِلَى تَمام الْعشْرَة حَتَّى فرغوا كلهم من الْأَحَادِيث المقلوبة وَالْبُخَارِيّ لَا يزيدهم على لَا أعرفهُ

فَلَمَّا علم البُخَارِيّ أَنهم قد فرغوا الْتفت إِلَى الأول مِنْهُم فَقَالَ أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا وحديثك الثَّانِي فَهُوَ كَذَا وَالثَّالِث وَالرَّابِع على الْوَلَاء حَتَّى أَتَى على تَمام الْعشْرَة فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكل

ص: 579

إِسْنَاد إِلَى مَتنه وَفعل بالآخرين مثل ذَلِك ورد متون الْأَحَادِيث كلهَا إِلَى أسانيدها وأسانيدها إِلَى متونها فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ

قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يتعجب من حفظ البُخَارِيّ لَهَا وتيقظه لتمييز صوابها من خطأها لِأَنَّهُ فِي الْحِفْظ بمَكَان وَإِنَّمَا يتعجب من حفظه لتواليها كَمَا ألقيت عَلَيْهِ من مرّة وَاحِدَة

وَقد وَقع الْقلب من بعض الثِّقَات الْأَثْبَات وَذَلِكَ بِغَيْر قصد فقد ذكر أَحْمد فِي مُسْنده عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان أَنه قَالَ حدث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي ص = قَالَ لَا تصْحَب الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا جرس

فَقلت لَهُ تعست يَا أَبَا عبد الله يُرِيد عثرت فَقَالَ كَيفَ هُوَ فَقلت حَدثنِي عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن سَالم عَن أبي الْجراح عَن أم حَبِيبَة عَن النَّبِي ص = فَقَالَ صدقت

وَقد اشْتَمَل هَذَا الْخَبَر على شدَّة إنصاف الثَّوْريّ وتواضعه وَعدم أنفته من الرُّجُوع إِلَى الصَّوَاب وعَلى فرط غَيره تِلْمِيذه الْقطَّان على أَمر الحَدِيث حَتَّى خَاطب أستاذه بِمَا خاطبه بِهِ مَعَ عثوره فِي مَوضِع يعثر فِيهِ لِأَن جلّ رِوَايَة نَافِع إِنَّمَا هِيَ عَن ابْن عمر وَإِنَّمَا اتّفق هُنَا أَن كَانَ الْأَمر على خلاف الْمُعْتَاد

وَقد خطأ يحيى الْقطَّان شُعْبَة أَيْضا وَذَلِكَ حَيْثُ حدثوه عَنهُ بِحَدِيث لَا يجد عبد طعم الْإِيمَان حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ

عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن عَليّ فَقَالَ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث عَن ابْن مَسْعُود

وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب

وَلَا يَتَأَتَّى ليحيى أَن يحكم على شُعْبَة بالْخَطَأ إِلَّا بعد أَن يتَيَقَّن أَن الصَّوَاب فِي غير رِوَايَته

على أَن الَّذين يميلون للْجمع بِأَيّ حَال كَانَ يَقُولُونَ فِي مثل هَذَا الْوَضع يحْتَمل أَن يكون عِنْد أبي إِسْحَاق على الْوَجْهَيْنِ فَحدث بِهِ كل مرّة بِأَحَدِهِمَا فَإِن

ص: 580

مثل هَذَا الِاحْتِمَال يستبعده الْمُحَقِّقُونَ

نعم يرْتَفع الاستبعاد لَو أَتَت رِوَايَة عَن الْحَارِث تشعر بذلك

على أَن مدَار الْأَمر عِنْد الْمُحَقِّقين إِنَّمَا هُوَ الْبناء على مَا يغلب على الظَّن وَالِاحْتِمَال الْبعيد لَا يعول عَلَيْهِ عِنْدهم

هَذَا وَقد عرف بَعضهم الْقلب فِي الْمَتْن بقوله هُوَ أَن يعْطى أحد الشَّيْئَيْنِ مَا اشْتهر للْآخر

وَيقرب مِنْهُ قَول الْعَلامَة شمس الدّين مُحَمَّد بن الْجَزرِي هُوَ أَن يكون الحَدِيث على وَجه فينقلب بعض لَفظه على الرَّاوِي فيتغير مَعْنَاهُ وَرُبمَا انعكس وَجعله نوعا مُسْتقِلّا سَمَّاهُ بالمنقلب وَمثل لَهُ بأمثلة مِنْهَا مَا ورد فِي البُخَارِيّ فِي حَدِيث تخاصم الْجنَّة وَالنَّار وَهُوَ أَنه ينشئ الله لَهَا خلقا فذهل الرَّاوِي الآخر فَقلب الْجنَّة بالنَّار فَصَارَ ذَلِك من قبيل المنقلب

والمضطرب هُوَ مَا وَقعت الْمُخَالفَة فِيهِ بالإبدال على وَجه يحصل فِيهِ التدافع مَعَ عدم وجود الْمُرَجح

وَقَالَ ابْن الصّلاح المضطرب من الحَدِيث هُوَ الَّذِي تخْتَلف الرِّوَايَة فِيهِ فيرويه بَعضهم على وَجه وَبَعْضهمْ على وَجه آخر مُخَالف لَهُ

وَإِنَّمَا نُسَمِّيه مضطربا إِذا تَسَاوَت الرِّوَايَتَانِ أما إِذا ترجحت إِحْدَاهمَا بِحَيْثُ لَا تقاومها الْأُخْرَى بِأَن يكون راويها أحفظ أَو أَكثر صُحْبَة للمروي عَنهُ أَو غير ذَلِك من وُجُوه الترجيحات الْمُعْتَمدَة فَالْحكم للراجحة وَلَا يُطلق عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وصف المضطرب وَلَا لَهُ حكمه

ثمَّ قد يَقع الِاضْطِرَاب فِي متن الحَدِيث وَقد يَقع فِي الْإِسْنَاد وَقد يَقع ذَلِك من راو وَاحِد وَقد يَقع من رُوَاة لَهُ جمَاعَة

وَالِاضْطِرَاب مُوجب ضعف الحَدِيث لإشعاره بِأَنَّهُ لم يضْبط

وَقَالَ بَعضهم المضطرب هُوَ الَّذِي يرْوى على أوجه مُخْتَلفَة سَوَاء كَانَ ذَلِك من راو وَاحِد أَو أَكثر فَإِن رجحت إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَو الرِّوَايَات لم يسم مضطربا

ص: 581

لِأَن الْوَاجِب حِينَئِذٍ الْأَخْذ بالراجحة وَترك المرجوحة لكَونهَا إِمَّا شَاذَّة أَو مُنكرَة وَكَذَلِكَ إِن أمكن الْجمع بَين تِلْكَ الرِّوَايَات

وَالِاضْطِرَاب قد يكون فِي الْمَتْن وَقد يكون فِي السَّنَد وَقد يكون فيهمَا

وَمِثَال الِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن فِيمَا أوردهُ الْعِرَاقِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس قَالَت سَأَلت أَو سُئِلَ النَّبِي ص = عَن الزَّكَاة فَقَالَ إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة

وَهَذَا حَدِيث قد اضْطربَ لَفظه وَمَعْنَاهُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا من رِوَايَة شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة

فَهَذَا اضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل

وَقَول الْبَيْهَقِيّ إِنَّه لَا يحفظ لهَذَا اللَّفْظ الثَّانِي إِسْنَادًا معَارض بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه هَكَذَا

وَقَالَ بَعضهم إِن مَا ذكره لَا يصلح مِثَالا فَإِن شيخ شريك ضَعِيف فَهُوَ مَرْدُود من قبل ضعف رَاوِيه لَا من قبل اضطرابه

نعم إِنَّه يزْدَاد بِالِاضْطِرَابِ ضعفا

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِمَّا يُمكن تَأْوِيله بِأَنَّهُ يُمكن أَن تكون رَوَت كلا من اللَّفْظَيْنِ عَن النَّبِي ص = وَأَن المُرَاد بِالْحَقِّ الْمُثبت الْمُسْتَحبّ وبالمنفي الْوَاجِب

وَقَالَ بَعضهم قل أَن يُوجد للاضطراب فِي الْمَتْن مِثَال سَالم من الخدش فَإِن الْأَمْثِلَة الَّتِي يوردونها مِنْهَا مَا يُمكن الْجمع فِيهِ بَين الرِّوَايَات وَمِنْهَا مَا يكون بعض الرِّوَايَات فِيهِ راجحة وَفِي الْحَالين لَا يبْقى الِاضْطِرَاب

وَمِثَال الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد حَدِيث أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَرَاك شبت قَالَ شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا

فَهَذَا مُضْطَرب فَإِنَّهُ لم يرو إِلَّا من طَرِيق أبي إِسْحَاق السبيعِي

وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ فَمنهمْ من رَوَاهُ عَنهُ مُرْسلا وَمِنْهُم من رَوَاهُ مَوْصُولا وَمِنْهُم من جعله من مُسْند أبي بكر وَمِنْهُم من جعله من مُسْند سعد وَمِنْهُم من جعله من مُسْند عَائِشَة

وَقد وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ على نَحْو عشرَة أوجه أوردهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوَاته ثِقَات لَا يُمكن تَرْجِيح بَعضهم على بعض وَالْجمع مُتَعَذر

ص: 582