الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِرَاءَة أنكرها بعض أهل النَّحْو أَو كثير مِنْهُم وَلم يعْتَبر إنكارهم كإسكان بارئكم ويأمركم وأئمة الْقُرَّاء لَا تجْرِي على الأفشى فِي اللُّغَة والأقيس فِي الْعَرَبيَّة بل على الأثبت فِي الرِّوَايَة
الْفَائِدَة الْخَامِسَة
رأى كَثِيرُونَ من أهل النبل المولعين بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا يتَعَلَّق بهَا من خطّ وَنَحْوه أَنه يَنْبَغِي أَن يوضع فِي هَذَا الْعَصْر علائم للحركات المشوبة ليَكُون الْخط الْعَرَبِيّ وافيا بالغرض فِيهِ فَإنَّا كثيرا مَا نحتاج إِلَى كِتَابَة كَلِمَات فِيهَا شَيْء من تِلْكَ الحركات فَإِن كتبناها بِمَا يقرب مِنْهَا من الحركات الْمَحْضَة كَانَ تحريفا لَهَا وَرُبمَا كَانَ مغيرا لمعناها مَعَ أَن الْأَمر فِي ذَلِك سهل إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِير لشَيْء من الْخط وَإِن الْحَاجة ماسة إِلَيْهِ جدا فنكون قد أجبنا دَاعِي الزَّمَان
على أَنه يَنْبَغِي لنا أَن نراعي شَأْن سَائِر الْأُمَم الَّتِي كتبت لغاتها بالخط الْعَرَبِيّ كالفرس وَمن نحا نحوهم فَإِنَّهُم كثيرا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَى العلائم الْأُخْرَى فَإِذا وضعت كَانَ الْخط الْعَرَبِيّ وافيا بحاجتهم وَفَاء تَاما وَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَى قَول من يَقُول إِن هَذَا نقص لَا يذكر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقع فِي الخطوط الْأُخْرَى فَإِن هَذَا قَول من يرض بِالنَّقْصِ مَعَ إِمْكَان الْكَمَال وَلَقَد أحسن من قَالَ
(وَلم أر فِي عُيُوب النَّاس عَيْبا
…
كنقص القادرين على التَّمام)
وَلَو دَعَا الدَّاعِي إِلَى ذَلِك فِي عصر الْخَلِيل لبادر هُوَ أَو أحد مِمَّن ينتمي إِلَيْهِ إِلَى إِجَابَة الدَّاعِي وَأما عدم وضعهم قَدِيما عَلامَة للحركات المشوبة كالإمامة والإشمام مَعَ وجود ذَلِك فِي لُغَة الْعَرَب فَيمكن أَن يكون سَببه كَون ذَلِك لَيْسَ فِي لُغَة قُرَيْش الَّتِي هِيَ الْمَقْصُود الأول وَعَلَيْهَا عِنْد اخْتِلَاف اللُّغَات الْمعول وَيضم إِلَى هَذَا مَا كَانَ لَهُم من شدَّة الْعِنَايَة بالرواية والتلقي من الأفواه
هَذَا لباب مَا يُقَال فِي هَذِه الْقَضِيَّة على كثرته وتشعبه
وَلَا يخفى أَن هَذَا كَلَام صادر عَن أخلاء لَا يشوب صفاءهم كدر فَيَنْبَغِي أَن يصفى إِلَيْهِ وَيقبل عَلَيْهِ وَلَا يحْسب لَغوا كَمَا يفهم من لحن كَلَام بعض اللغاة
وَقيل الْخَوْض فِي غمار هَذَا الْبَحْث نذْكر هُنَا شَيْئا وَهُوَ أَن مَا ظن من عدم وضع الْقَوْم عَلامَة للإمالة والإشمام لَيْسَ كَذَلِك فقد تبين من الْبَحْث والتتبع أَنهم وضعُوا لَهما عَلامَة بل زادوا فوضعوا عَلامَة لاختلاس الْحَرَكَة ولزيادة الْحَرْف وحذفه وَغير ذَلِك مِمَّا رُبمَا لَا تمس الْحَاجة إِلَيْهِ كثيرا كالروم والإشمام وَالنَّقْل فِي حَال الْوَقْف
قَالَ بعض النُّحَاة فِي الْوَقْف على المتحرك خَمْسَة أوجه الإسكان وَالروم والإشمام والتضعيف وَالنَّقْل وَلكُل مِنْهَا عَلامَة وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ هَذِه العلائم فِي كِتَابه وَهُوَ تلميذ الْخَلِيل بن أَحْمد مخترع هَذَا الشكل المزيل للإشكال وَله فِي ذَلِك كتاب
وَمن أَرَادَ الْبَحْث عَن العلائم الْمَذْكُورَة فَعَلَيهِ بِكِتَاب الْمُحكم فِي نقط الْمَصَاحِف وَكَيْفِيَّة ضَبطهَا على مَذْهَب الْقُرَّاء وَسنَن النَّحْوِيين لأبي عَمْرو الداني
وَقد كَانَ لأهل الْمغرب عناية شَدِيدَة بذلك وَهُوَ أم يتَوَقَّف إتقانه والبراعة فِيهِ على علم وَعمل وَقد أدركنا أُنَاسًا لَهُم فِي ذَلِك يَد بَيْضَاء مِنْهُم الْعَلامَة الْوَالِد غير أه قد كَاد هَذَا الْأَمر أَن ينسى وَعَسَى أَن يتَنَبَّه بعض نبهائهم لدرسه وإحيائه قبل أَن يدرس والكمال يَدْعُو بعضه بَعْضًا كَمَا أَن النَّقْص كَذَلِك
وَقد اعْترض بعض من ألف فِي علم الْخط على المؤلفين فِي أصُول الحَدِيث لذكرهم مسَائِل كَثِيرَة تتَعَلَّق بِعلم الْخط فِي فنهم وَإِن كَانَ لَهَا فِيهِ مُنَاسبَة وَجعل الأول بهم أَن يكتفوا بذكرها فِي الْكتب الْمَوْضُوعَة فِي علم الْخط فَإِنَّهَا بِهِ أَجْدَر
وَيُمكن أَن يُقَال إِن كتب الْخط لما كَانَت فِي الْغَالِب لَا تقْرَأ اضطروا إِلَى ذكرهَا على أَن الْخط أَمر ذُو بَال والتساهل فِيهِ رُبمَا أوقع خللا عَظِيما فِي الحَدِيث والْحَدِيث ذُو شجون وَأكْثر الْمسَائِل إِذا لم تذكر أطرافها لَا يكون فِيهَا كَبِير طائل
وَهَذَا لَيْسَ شَيْئا بِالنّظرِ لما فعله كثير مِمَّن ألف فِي أصُول الْفِقْه فَإِنَّهُم ذكرُوا فِيهِ مسَائِل كَثِيرَة من فنون شَتَّى حَتَّى وصل الْحَال ببعضهم إِلَى أَن ذكر فِيهِ فن الْمنطق وَفِي مقدمتهم الْغَزالِيّ
قَالَ فِي مُقَدّمَة الْمُسْتَصْفى نذْكر فِي هَذِه الْمُقدمَة مدارك الْعُقُول وانحصارها فِي الْحَد والبرهان وَنَذْكُر شَرط الْحَد الْحَقِيقِيّ وَشرط الْبُرْهَان الْحَقِيقِيّ وأقسامهما على منهاج أوجز مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي كتاب محك النّظر وَكتاب معيار الْعلم وَلَيْسَت هَذِه الْمُقدمَة من جملَة علم الْأُصُول وَلَا من مقدماته الْخَاصَّة بِهِ بل هِيَ مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا وكل من لَا يُحِيط بهَا فَلَا ثِقَة بِعُلُومِهِ أصلا فَمن شَاءَ أَن لَا يكْتب هَذِه الْمُقدمَة فليبدأ بِالْكتاب من القطب الأول فَإِن ذَلِك أول أصُول الْفِقْه
وحاجة جَمِيع الْعُلُوم النظرية إِلَى هَذِه الْمُقدمَة كحاجة أصُول الْفِقْه إِلَيْهَا
ولنرجع إِلَى الْمَقْصُود فَنَقُول حَيْثُ لم يكن بُد من وضع علائم للحركات الفرعية يَنْبَغِي أَن تكون سهلة قريبَة من أَصْلهَا فِي الصُّورَة وَلذَا اسْتحْسنَ بَعضهم جعل عَلامَة الفتحة الممالة الفتحة بِعَينهَا إِلَّا أَنه قَلبهَا فَجعل طرفها متجها إِلَى الْجِهَة الْيُمْنَى هَكَذَا - قَالَ بعض شرَّاح الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث إمالا فَاصْبِرُوا وَحَدِيث وإمالا فَلَا تبايعوا إِنَّه بإمالة لَام لَا إِلَى الْكسر وَلَا يكْتب بياء بل يوضع فَوق اللَّام شكْلَة منحرفة عَلامَة على الإمالة
وَإِنَّمَا جعل هَؤُلَاءِ هَذِه الْعَلامَة فَوق الْحَرْف نظرا إِلَى أَن الأَصْل فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة عدم الإمالة فَإِذا لم ينتبه الْقَارئ وظنها فَتْحة لم يعد بذلك لاحنا بِخِلَاف مَا لَو جعلت تَحت الْحَرْف فَإِن الْقَارئ إِذا لم ينتبه وظنها كسرة وأتى بالحرف مكسورا عد لاحنا
وقوى هَذَا الظَّن فِي مثل مُوسَى وَعِيسَى وذكرى وبشرى
وَقد جعل بَعضهم هَذِه الْعَلامَة مُشْتَركَة بَين الإمالة الصُّغْرَى والكبرى إِلَّا أَنه فرق بَينهمَا فَجَعلهَا فِي الإمالة الْكُبْرَى تَحت الْحَرْف وَرُبمَا زَاد بَعضهم على ذَلِك فَوضع فَوق الْألف نقطتين هَكَذَا وَجعلهَا فِي الإمالة الصُّغْرَى فَوق الْحَرْف وَقد الْتزم هَؤُلَاءِ أَن يكتبوا ذَلِك بالمداد الْأَحْمَر
وَأما الْفرس وَنَحْوهم فَإِن الأولى لَهُم أَن يضعوا عَلامَة الإمالة تَحت الْحَرْف وَذَلِكَ لأمرين أَحدهمَا أَن الإمالة لَيست من الْأُمُور الطارئة فِي لغتهم وَلذَا كتبُوا حرف الْمَدّ الَّذِي بعْدهَا بِصُورَة الْيَاء الثَّانِي أَنهم وَإِن عدوا أَن من كسر نَحْو سير وشير مِمَّا أمالوه لاحنا فَإِنَّهُم يعدون أَن من فَتْحة أَشد لحنا
وَالظَّاهِر أَنه يَنْبَغِي لمن أَرَادَ أَن يكْتب نَحْو قيس وزن وكل بالإمالة كَمَا ينطبق بِهِ الْعَامَّة وَهُوَ فِي الأَصْل مكسور أَن يَجْعَل عَلامَة الإمالة تَحت الْحَرْف رِعَايَة لما ذكر
وَقد الْتزم بعض الْكتاب أَن يَجْعَل الفتحة إِذا تَلَاهَا مد قَائِمَة وَبَعْضهمْ لم يلْتَزم ذَلِك إِلَّا فِي بعض الْمَوَاضِع نَحْو يرقى ويروى ويهوى والمرتقى والمنتقى وَنَحْو راس وياس وَاسْتَأْذَنَ إِذا خففت فِيهِ الْهمزَة بِخِلَاف مثل كَاتب وَكِتَابَة حَتَّى إِن بالمواضع الَّتِي حذف فِيهَا حرف الْمَدّ نَحْو هَذَا وَهَؤُلَاء وَهَهُنَا وإلاله والرحمن وَالسَّمَوَات وَلَكِن نَحْو ذَلِك
وكما الْتزم بَعضهم أَن يَجْعَل الفتحة إِذا تَلَاهَا مد قَائِمَة الْتزم بَعضهم ذَلِك فِي الكسرة فَجَعلهَا قَائِمَة إِذا تَلَاهَا مد سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي مَوَاضِع لَا يخْشَى فِيهِ الِاشْتِبَاه نَحْو كريم وحليم وكبير وجليل أَو كَانَ فِي مَوَاضِع يخْشَى فِيهِ الِاشْتِبَاه نَحْو أدنى وأقصى وَأعْطى وأولي وأبدي وأخفي فَإِنَّهَا أَفعَال مضارعة للمتكلم وَهِي إِذا فتحت ياؤها صَارَت أفعالا مَاضِيَة للْغَائِب إِلَّا أَن الدَّاعِي هُنَا أَضْعَف من الدَّاعِي فِيمَا قبله وَالْأولَى لِلْكَاتِبِ أَن لَا يلْتَزم خشيَة أَن لَا يقوم بِحقِّهِ
هَذَا وَقد يظنّ أَن الفتحة والكسرة قد وضعتا من أول الْأَمر على صُورَة وَاحِدَة غير أَنه فرق بَينهمَا بِجعْل الفتحة من فَوق والكسرة من تَحت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن الْخَلِيل لما وضع العلائم جعل عَلامَة الضمة واوا صَغِيرَة تُوضَع فَوق الْحَرْف وعلامة الفتحة ألفا صَغِيرَة فَوق الْحَرْف إِلَّا أَنه جعلهَا مضجعة وعلامة الكسرة يَاء تُوضَع تَحت الحرق وَاخْتَارَ لذَلِك الْيَاء الْمَرْدُودَة وَهِي الَّتِي يرجع بهَا إِلَى
الْجِهَة الْيُمْنَى هَكَذَا إِلَّا أَنَّهَا تَغَيَّرت فِيمَا بعد حَتَّى صَارَت كالفتحة
وَقد اخْتَار بعض الْعَجم وَضعهَا فَوق الْحَرْف عَلامَة على الإمالة إِلَّا أَنه اختصر فِيهَا حَتَّى صَارَت هَكَذَا ومناسبة الْيَاء للإمالة لَا تخفي وَلَو وضعت تَحت الْحَرْف لم يكن فِي ذَلِك بَأْس لتميزها بصورتها وَيُمكن التَّصَرُّف فِيهَا على أوجه شَتَّى مُخْتَلفَة الْوَضع هَكَذَا وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ ذَلِك اخْتِيَار أسهلها عَلَيْهِ
أما الضمة المشوبة بالفتحة فَالْأولى أَن تجْعَل علامتها نفس الضمة الْمَشْهُورَة بِدُونِ زِيَادَة شَيْء عَلَيْهَا إِلَّا أَنَّهَا تجْعَل مَقْلُوبَة بِأَن يكون طرفها متجها إِلَى الْأَعْلَى هَكَذَا وَذَلِكَ مثل الصلوة والزكوة والحيوة فِي الْعَرَبيَّة عِنْد من يَكْتُبهَا بِالْوَاو وَيجْعَل حَرَكَة مَا قبلهَا ضمة مشوبة بالفتحة وَمثل زور وآشوب فِي الفارسية وَيَنْبَغِي تَسْمِيَة هَذِه الْحَرَكَة بالضمة المشوبة
وَبِزِيَادَة هَاتين العلامتين يَتَيَسَّر كِتَابَة الفارسية بِدُونِ إخلال بِشَيْء من حركاتها وَذَلِكَ أَن الْفرس وَكَثِيرًا من الْأُمَم لَا يُوجد فِي لغتهم إِلَّا خمس حركات وَهِي الضمة والفتحة والكسرة والفتحة الممالة إِلَى الكسرة والضمة المشوبة بالفتحة
وَأما الضمة المشوبة بالكسرة فَالْأولى أَن تجْعَل علامتها نفس الضمة الْمَشْهُورَة بِزِيَادَة خطّ تحتهَا مُتَّصِل بهَا هَكَذَا (_) وَهَذِه الصُّورَة مُنَاسبَة لما وضعت لَهُ لِأَن وضع شبه الكسرة تَحت الضمة يشْعر بِأَن هُنَا حَرَكَة ممتزجة من حركتين هما الضمة والكسرة وَأَن الضمة مُتَقَدّمَة على الكسرة وعالية عَلَيْهَا وَإِن كَانَ التَّقَدُّم هُنَا والسبق على طَرِيق الْمجَاز وَمِثَال ذَلِك مَرَرْت بمذعور وَابْن بور
وَهَذِه الْحَرَكَة وَإِن كَانَت قَليلَة فِي الْعَرَبيَّة فَهِيَ كَثِيرَة فِي بعض اللُّغَات الْمَشْهُورَة وَيَنْبَغِي تَسْمِيَتهَا بالضمة الممالة لِأَن فِي لفظ الإمالة بِحَسب الْعرف إشعارا بِوُجُود الْميل إِلَى الكسرة وَمِمَّا يُحَرك لهَذَا الْحَرَكَة رد نَحوه من المضاعف الْمَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك سِيبَوَيْهٍ حَيْثُ قَالَ أما مَا كَانَ من بَنَات الْيَاء فتمال أَلفه
لِأَنَّهَا فِي مَوضِع يَاء وَبدل مِنْهَا ففنحوا نَحْوهَا كَمَا أَن بَعضهم يَقُول قد رد وَقَالَ الفرزدق
(وَمَا حل من جهل حبى حلمائنا
…
وَلَا قَائِل الْمَعْرُوف فِينَا يعنف)
فيشم كَأَنَّهُ ينحو نَحْو فعل فَكَذَا نَحْو الْيَاء
وَأما الكسرة المشوبة بالضمة فَالْأولى أَن يَجْعَل علامتها نفس عَلامَة مقابلتها وَهِي الضمة المشوبة بالكسرة لكَونهَا أشبه الحركات بهَا إِلَّا أَنَّهَا تُوضَع مَقْلُوبَة هَكَذَا وَمِثَال ذَلِك قيل وَجِيء وَخيف وهيب وانقيد واختير وَخفت وهبت وَيَنْبَغِي أَن يكْتب مثل قيل وَجِيء على هَذِه اللُّغَة الْيَاء دون الْوَاو وَذَلِكَ لن الْحَرْف الَّذِي ينشأ عَن هَذِه الْحَرَكَة هُوَ إِلَى الْيَاء أقرب مِنْهُ إِلَى الْوَاو وَقد ذهب بعض النَّاس إِلَى كِتَابَته فِي غير الْعَرَبيَّة بِصُورَة الْوَاو وَذَلِكَ لكَونه مشوبا بِهِ وَجعل الْحَرَكَة الَّتِي نَشأ عَنْهَا نوعا من أَنْوَاع الضمة لكَونهَا مشوبة بهَا وَهُوَ مُخَالف للظَّاهِر فَإِن الظَّاهِر كَون هَذِه الْحَرَكَة نوعا من أَنْوَاع الكسرة لكَون الْكسر أغلب عَلَيْهَا وَكِتَابَة الْحَرْف نَشأ بِصُورَة الْيَاء لكَونه أشبه بهَا
وَمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة فَيتَعَيَّن كِتَابَته بِالْيَاءِ لثَلَاثَة أُمُور أَحدهمَا مَا ذكر وَهُوَ كَونه أشبه بهَا الثَّانِي أَن أشهر اللُّغَات فِيهِ هِيَ لُغَة من يلفظ بِهِ بِالْيَاءِ الثَّالِث رِعَايَة الِاحْتِيَاط فَإِنَّهُ إِذا كتب على هَذِه اللُّغَة بِالْوَاو وَلم ينتبه الْقَارئ للإشمام وأتى بِالضَّمِّ الْخَالِص يكون قد ترك اللُّغَة الفصيحة وَهِي لُغَة من يشم الكسرة ضمة إِلَى لُغَة غير فصيحة وَهِي لُغَة من يَقُول فِيهِ قَول وجوء بِالضَّمِّ الْخَالِص وَأما إِذا كتب بِالْيَاءِ فَإِنَّهُ إِذا لم ينتبه للإشمام وأتى بالكسرة الْخَالِص يكون قد ترك اللُّغَة الفصيحة وَهِي لُغَة من يشم الكسرة ضمة إِلَى اللُّغَة الَّتِي هِيَ أفْصح مِنْهَا وَهِي لُغَة من يَقُول قيل وَجِيء بالكسرة الْخَالِص
وَأكْثر النَّاس فِي أَمر العلائم أما مفرط فَمن المفرطين فِي ذَلِك من
لَا يكَاد يضع عَلامَة فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع وَمن المفرطين فِيهِ من لَا يكَاد يتْرك موضعا بِغَيْر عَلامَة
وَقد رَأَيْت بعض قراء الْفرس جعل ل (مَا) وَنَحْوهَا علائم فَجعل ل (مَا) الشّرطِيَّة الطَّاء واللاستفهامية الْمِيم وللموصولة الْخَاء إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا خبرية لَا إنشائية وللزائدة الصَّاد إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا صلَة فِي الْكَلَام وللكافة الْكَاف وَجعل ذَلِك فَوق الْمِيم مَا وَكتبه بأحرف صَغِيرَة بمداد أَحْمَر وَجرى على مثل ذَلِك فِي كثر من الْأَشْيَاء
وَالْأولَى فِي أَمر العلائم أَن لَا تُوضَع إِلَّا حَيْثُ يضْطَر إِلَيْهَا أَو يبْعَث عَلَيْهَا باعث / وهاك جدولا فِي الحركات وَمَا يتَعَلَّق بهَا أَسمَاء الحركات العلامات مثالها بِالْعَرَبِيَّةِ مثالها بِالْفَارِسِيَّةِ مَعْنَاهَا الضمة جد بر ملآن الضمة المشوبة صلوة خود نَفسه الضمة الممالة رد الكسرة صل أَي شَيْء الكسرة المشمة هبت جه الفتحة صلى الله عليه وسلم هَب رَأس الفتحة الممالة دَرَجَة سه ثَلَاثَة
وَهَذَا المبحث وَاسِط الْأَطْرَاف جدا وَفِيمَا ذكرنَا كِفَايَة للطَّالِب المنتهية وَالله الْمُوفق
وَقد عرفت أَنه قد انتقد على أَكثر كتاب الْعَرَبيَّة عدم وضعهم علائم للْوَقْف فِي أَكثر الإحيان حَتَّى صَار القارىء لَا سِيمَا إِن كَانَ يقْرَأ بِسُرْعَة لَا يدْرِي أَيْن يقف وَإِذا وقف فَرُبمَا وقف فِي مَوضِع لَيْسَ من مَوَاضِع الْوَقْف فيضطر حِينَئِذٍ إِلَى الْبَحْث معرفَة مَوَاضِع الْوَقْف ومراعاتها فِي حَال الْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة
وَأعظم النَّاس اعتناء بِأَمْر الْوَقْف كتاب الْكتاب الْعَزِيز والتالون لَهُ حق تِلَاوَته وَذَلِكَ لما ورد عَن السّلف من الْأَمر بمعرفته ومراعاته رُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {ورتل الْقُرْآن ترتيلا} فَقَالَ الترتيل تجويد الْحُرُوف وَمَعْرِفَة الْوَقْف
وَقَالَ بعض الْقُرَّاء بَاب الْوَقْف جليل الْقدر عَظِيم الْخطر لَا يَتَأَتَّى لأحد معرفَة مَعَاني الْقُرْآن وَلَا استنباط الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مِنْهُ إِلَّا بِمَعْرِِفَة الفواصل وَقَالَ بَعضهم لما لم يُمكن الْقَارئ أَن يقْرَأ السُّورَة فِي نفس وَاحِد وَجب اخْتِيَار مَوضِع يسوغ الْوُقُوف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده ويتحتم أَن يكون موضعا لَا يحِيل الْوُقُوف عَلَيْهِ الْمَعْنى وَلَا يخل بالفهم وَبِذَلِك يحصل الْقَصْد وَتظهر دَلَائِل الإعجاز
وَقد حث كثير من السّلف عَلَيْهِ وَاشْترط كثير من الْخلف على الْمُجِيز أَن لَا يُجِيز أحدا إِلَّا بعد مَعْرفَته بِالْوَقْفِ والابتداء فَإِذا عرف ذَلِك سَاغَ لَهُ أَن يصل فِي مَوَاضِع الْوَقْف عِنْد امتداد النَّفس فَإِن التَّالِي كالضارب فِي الأَرْض / ومواضع الْوَقْف بَين يَدَيْهِ كالمنازل فالعارف لَا يتَعَدَّى منزلا إِلَّا إِذا أَيقَن أَنه يصل إِلَى الْمنزل الَّذِي بَين يَدَيْهِ وَالنَّهَار قَائِم وَالْجَاهِل بالمنازل يعرس حَيْثُ أجنه اللَّيْل وَقد يكون فِي مَوضِع يلْحقهُ فِيهِ ضَرَر من تلف نفس أَو مَال أَو غير ذَلِك
فالقارئ الْعَارِف بالمقاطع يقف حَيْثُ لَا يلْحقهُ لوم وَالْجَاهِل يقف عِنْد انْتِهَاء نَفسه فقد يقف فِي مَوضِع يضر الْوُقُوف بِهِ لإحالته الْمَعْنى أَو إخلاله بالفهم وَقد
حذر الْعلمَاء من الْوَقْف على الْمَوَاضِع الَّتِي لم يتم فِيهَا الْكَلَام وحثوا على تجنبها
وَقد قسم بَعضهم الْوَقْف إِلَى قسمَيْنِ تَامّ وقبيح قَالُوا وَلَو قَالَ جَائِز وقبيح أَو حسن وقبيح لَكَانَ أقرب إِلَى التقابل بَين الْقسمَيْنِ وَكَأن صَاحب هَذَا التَّقْسِيم جعل مَا يُقَابل الْقَبِيح قسما وَاحِدًا وَهُوَ قَول غَرِيب
وقسمه بَعضهم إِلَى قسمَيْنِ تَامّ وَحسن فالتام عِنْده هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده وَالْحسن هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده
وَالْمَشْهُور تَقْسِيم الْوَقْف إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام تَامّ وكاف وَحسن وَوجه الْحصْر فِي ذَلِك أم يُقَال إِن الْقَارئ إِذا وقف على كَلَام تَامّ فَإِن انْقَطع عَمَّا بعده لفظا وَمعنى فَهُوَ التَّام وَإِن تعلق بِمَا بعده فَإِن كَانَ من جِهَة الْمَعْنى دون اللَّفْظ فَهُوَ الْكَافِي وَإِن كَانَ التَّعَلُّق من جِهَة اللَّفْظ فَهُوَ الْحسن
فالوقف التَّام هُوَ الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِهِ مَا بعده لَا من جِهَة اللَّفْظ وَلَا من جِهَة الْمَعْنى وَأكْثر مَا يكون عِنْد انْتِهَاء الْقَصَص وَعند رُؤُوس الْآي نَحْو الْوَقْف على {مَالك يَوْم الدّين} فَإِنَّهُ يَلِيهِ {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وَنَحْو الْوَقْف على نستعين فَإِنَّهُ يَلِيهِ {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} وَنَحْو {وَأُولَئِكَ هم المفلحون} فَإِنَّهُ يَلِيهِ {إِن الَّذين كفرُوا}
وَالْكَافِي هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ والابتداء بِمَا بعده لَا أَن مَا بعده لَهُ تعلق بِهِ من جِهَة الْمَعْنى وَلذَلِك كَانَ دون التَّام وَيكون الْكَافِي فِي رُؤُوس الْآي وَفِي غَيرهَا وَقد يكون بعضه أكفى من بعض وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا وَمَا يذكر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب} فالوقف على (من يَشَاء) كَاف وَالْوَقْف على (كثيرا) أكفى مِنْهُ
وَالْحسن هُوَ الَّذِي يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده لتَعَلُّقه بِهِ من جِهَة اللَّفْظ وَيُسمى أَيْضا الصَّالح لصلوح الْوَقْف عَلَيْهِ وَذَلِكَ نَحْو (الْحَمد لله)
فَإِن الْوَقْف عَلَيْهِ الْحسن لِأَن المُرَاد مَعْقُول غير أَنه لَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده فَلَا بُد من أَن يُعِيد مَا قبله ليتسق بذلك الْكَلَام وَنَحْو الْوَقْف على {رب الْعَالمين} فَإِنَّهُ يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده إِلَّا عِنْد أنَاس قَالُوا إِذا كَانَ رَأس آيَة كَمَا هُنَا جَازَ ذَلِك بل قَالَ بَعضهم إِن الْأَفْضَل الْوَقْف على رُؤُوس الْآيَات وَإِن تعلّقت بِمَا بعْدهَا اتبَاعا لهدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم
استدلوا على ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن أم سَلمَة رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا قَرَأَ قطع آيَة آيَة يَقُول {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} ثمَّ يقف ثمَّ يَقُول {الْحَمد لله رب الْعَالمين} ثمَّ يقف ثمَّ يَقُول {الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ساكتا عَلَيْهِ وَالتِّرْمِذِيّ وَأحمد وَغَيرهم وَهُوَ حَدِيث حسن وَسَنَده صَحِيح
وَالَّذِي مَال إِلَيْهِ أَكثر الباحثين فِي الْوَقْف أَن كل مَوضِع يتَعَلَّق بِهِ مَا بعده من جِهَة اللَّفْظ لَا يسوغ إِن وقف عَلَيْهِ أَن يبتدأ بِمَا بعده وَلَو كَانَ رَأس آيَة
قَالَ الْعمانِي النَّاس مُخْتَلفُونَ فِي الْوَقْف فَمنهمْ من قَالَ هُوَ على الأنفاس فَإِذا انْقَطع النَّفس فِي التِّلَاوَة فَعنده الْوَقْف فكأنهم جعلُوا الْوَقْف تَابعا لمقطع الأنفاس / وجعلوها الأَصْل وَالْوُقُوف مبنيه عَلَيْهَا
وَقَالَ آخَرُونَ الفواصل كلهَا مقاطع فَكل رَأس هُوَ وقف وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يقطع قِرَاءَته آيَة آيَة وَبِمَا رُوِيَ عَن أبي عَمْرو وَعَامة الْأَئِمَّة أَن الْوَقْف على رَأس الْآيَة تَامّ وكاف وَحسن
ثمَّ قَالَ وَأَعْدل الْأَقْوَال عندنَا أَن الْوَقْف قد يكون فِي أوساط الْآي وَقد يكون فِي أواخرها والأغلب فِي رُؤُوس الْآي أَنَّهَا وقف عِنْدهَا وأكثرها فِي السُّور ذَوَات الْآي الْقصار كسورة مَرْيَم وطه وَالشعرَاء وَالصَّافَّات وَنَحْوهَا أَلا ترى أَن
قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة وَالصِّفَات {أَلا إِنَّهُم من إفكهم ليقولون} هُوَ رَأس آيَة وَمَعَ ذَلِك لَا يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ لِأَن الِابْتِدَاء بِمَا بعده يُؤَدِّي إِلَى قبح فَاحش
وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الزخرف {أبوابا وسررا عَلَيْهَا يتكؤون} هُوَ رَأس آيَة وَلَيْسَ بوقف لِأَن قَوْله {وزخرفا} مَعْطُوف على مَا قبله وَلم تكْثر المعطوفات هَا هُنَا فَيجوز لطول الْكَلَام فَإِن وقف على قَوْله {وزخرفا} تمّ الْكَلَام وَحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَمن هَذَا فِي الْقُرْآن كثير ذكرت نبذا مِنْهُ ليقاس عَلَيْهِ
قَالَ أَبُو حَاتِم أَكثر أَوَاخِر الْآي من أول الْقُرْآن إِلَى أَخّرهُ تَامّ أَو كَاف أَو صَالح أَو مَفْهُوم إِلَّا الشَّيْء بعد الشَّيْء
وَهَذَا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ هُوَ مَا ذكرته لَك وَلذَلِك قلت كتب الْوَقْف فَلم تكْثر كَثْرَة كتب الْقِرَاءَة لأَنهم اقتصروا على غير الفواصل الَّتِي اعتقدوا فِيهَا أَنَّهَا مقاطع فَكل من عمل من الْمُتَقَدِّمين كتابا فِي الْوَقْف فَإِنَّمَا أورد فِيهِ الْوُقُوف الَّتِي فِي أواسط الْآي وَلم يتَعَرَّضُوا لغَيْرهَا من الفواصل إِلَّا الْيَسِير أَرَادوا أَن يرخصوا للقارئ الْوَقْف فِي أواسط الْآي كَمَا جَازَ لَهُ الْوَقْف على أواخرها لِأَن الْآيَة رُبمَا طَالَتْ فَلم يبلغ النَّفس آخرهَا وَلِئَلَّا يتَوَهَّم أَن انْقِطَاع الأنفاس إِنَّمَا يكون عِنْد أَوَاخِر الْآيَات دون أواسطها فيضيق الْأَمر بِهِ عِنْد الْقَارئ 1 هـ
وَمِمَّنْ جرى على هَذَا القَوْل الْعَلامَة السجاوندي وَلذَا كتب فَوق كثير من الفواصل لَا قَالَ الْعَلامَة ابْن الْجَزرِي فِي النشر قَول أَئِمَّة الْوَقْف لَا يُوقف على كَذَا مَعْنَاهُ أَنه لَا يبتدأ بِمَا بعده إِذْ كل مَا أَجَازُوا الْوَقْف عَلَيْهِ أَجَازُوا الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَقد أَكثر السجاوندي من هَذَا الْقسم وَبَالغ فِي كِتَابَة لَا وَالْمعْنَى عِنْده لَا تقف وَكثير مِنْهُ يجوز الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَأكْثر يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ
وَقد توهم من لَا معرفَة لَهُ من مقلدي السجاوندي أَن منهعه من الْوَقْف على ذَلِك يَقْتَضِي أَن الْوَقْف عَلَيْهِ قَبِيح ي لَا يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا الِابْتِدَاء بِمَا بعده وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ من الْحسن يحسن الْوَقْف عَلَيْهِ وَلَا يحسن الِابْتِدَاء بِمَا بعده
فصاروا إِذا اضطرهم ضيق النَّفس يتركون الْوَقْف على الْحسن الْجَائِز ويتعمدون الْوَقْف على الْقَبِيح الْمَمْنُوع
فتراهم يَقُولُونَ (صِرَاط الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم غير) ثمَّ يَقُولُونَ (غير المغضوب عَلَيْهِم) وَيَقُولُونَ (هدى لِلْمُتقين الَّذين) ثمَّ يبتدئون فَيَقُولُونَ (الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ) ويتركون الْوَقْف على (عَلَيْهِم) وعَلى الْمُتَّقِينَ الجائزين قطعا ويقفون على غير وَالَّذين اللَّذين تعمد الْوَقْف عَلَيْهِمَا قَبِيح بِالْإِجْمَاع لِأَن الأول مُضَاف وَالثَّانِي مَوْصُول وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع من تعمد الْوَقْف عَلَيْهِ
وحجتهم فِي ذَلِك قَول السجاوندي لَا قلت لَيْت شعري إِذْ منع من الْوَقْف عَلَيْهِ هَل أجَاز الْوَقْف على غير أَو الَّذين فَيعلم أَن مُرَاد السجاوندي بقوله لَا أَي لَا يُوقف عَلَيْهِ على أَن يبْدَأ بِمَا بعده كَغَيْرِهِ من الْأَوْقَاف
ثمَّ ذكر بعض / وقُوف انتقدها عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَمثل ذَلِك كثير فِي وقُوف السجاوندي فَلَا يتَغَيَّر بِكُل مَا فِيهِ بل يتبع فِيهِ الأصوب ويختار مِنْهُ الْأَقْرَب
وَهَذَا وَقد قسم بَعضهم حَيْثُ قَالَ وَالْوُقُوف على خمس دَرَجَات فأعلاها رُتْبَة التَّام ثمَّ الْحسن ثمَّ الْكَافِي ثمَّ الصَّالح ثمَّ الْمَفْهُوم وَهَذِه الْعبارَات قد استعملها أَبُو حَاتِم فِي كِتَابه وَهِي وَإِن كَانَت كَثِيرَة فَهِيَ مُتَقَارِبَة فالحسن وَالْكَافِي يتقاربان والتام فَوْقهمَا وَالْحسن يُقَارب التَّام والصالح وَالْمَفْهُوم يتقاربان أَيْضا والجائز دونهمَا فِي الرُّتْبَة
وَالْمُسْتَحب للقارئ أَن يقف على التَّام فَإِن لم يجد إِلَيْهِ سَبِيلا فالحسن فَإِن لم يُمكن فالكافي وَكَذَلِكَ الصَّالح
وَالْمَفْهُوم أَنه مَا دَامَ يقدر على الْوَقْف فِي الْمَوَاضِع الْمَنْصُوص عَلَيْهَا لَا يعدل عَنْهَا إِلَى الْجَائِز وَلَا يعدل عَن الْجَائِز إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي يكره قطع النَّفس عِنْدهَا
وَالْحسن الْمَذْكُور هُنَا أَعلَى دَرَجَة من الْحسن الْمَذْكُور سَابِقًا فَإِنَّهُ هُنَا يُقَارب
التَّام وَكَأَنَّهُ أحد نَوْعَيْنِ وَلكنه أدناهما قَالَ بَعضهم قد يتَفَاوَت التَّام فِي التَّمام وَذَلِكَ نَحْو {لقد أضلني عَن الذّكر بعد إِذْ جَاءَنِي} فَإِن الْوَقْف عَلَيْهِ تَامّ وَلَكِن الْوَقْف على بعده وَهُوَ {وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا} أتم لتَعَلُّقه بِهِ تعلقا خفِيا وَلِأَنَّهُ آخر الْآيَة وَقد سمى بَعضهم هَذَا النَّوْع الشبيه بالتمام
وَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ الْمُرَاجَعَة فِي كتاب من كتب هَذَا الْفَنّ أَن يعرف أَولا حد كل قسم من الْأَقْسَام عِنْد مؤلف ذَلِك الْكتاب ليَكُون على بَصِيرَة فِي أمره وَقد وضعُوا علائم لهَذِهِ الْأَقْسَام فَجعلُوا التَّاء أَو الْمِيم للتام والحاء لِلْحسنِ وَالْكَاف للكافي وَالصَّاد للصالح وَالْجِيم للجائز وَقد التزموا كِتَابَة هَذِه العلائم بالأحمر ووضعها فَوق مَوضِع الْوَقْف
وَقد تُوضَع فِي بعض الْمَوَاضِع علامتان إِمَّا للْإِشَارَة بِأَنَّهُ من الْمَوَاضِع المحتملة لوَجْهَيْنِ وَإِمَّا للْإِشَارَة إِلَى أَن ثمَّ قَوْلَيْنِ لأرباب الْفَنّ لم يظْهر للواضع رُجْحَان أَحدهمَا على الآخر إِلَّا أَن هُنَا أمرا يجب الانتباه لَهُ وَهُوَ أَنه كثيرا مَا يرى النَّاظر فِي عباراتهم اخْتِلَافا مُبينًا على الآخر إِلَّا أَن هُنَا أَمر يجب الانتباه لَهُ وَهُوَ أَنه كثيرا مَا يرى النَّاظر فِي الْحَقِيقَة فَيحكم بِهِ مَعَ أَنه رُبمَا لم يكن هُنَاكَ اخْتِلَاف وكما يَقع هَذَا بِسَبَب الِاخْتِلَاف فِي الِاصْطِلَاح قد يَقع عَكسه وَهُوَ أَن يظنّ بِسَبَب اتِّفَاق عباراتهم فِي الظَّاهِر أَن لَا خلاف هُنَاكَ مَعَ أَنه قد يكون هُنَاكَ خلاف
وَأما السجاوندي فَإِنَّهُ قسم الْوَقْف إِلَى خَمْسَة أَقسَام لكل قسم مِنْهَا عَلامَة تُوضَع فَوق مَحل الْوَقْف وَتَكون بالمداد الْأَحْمَر والأقسام الْخَمْسَة هِيَ اللَّازِم وَالْمُطلق والجائز والمحجوز لوجه والمرخص للضَّرُورَة وَقد تبع أَثَره فِي ذَلِك جلّ كتاب الْكتاب الْعَزِيز من بعده وَلذَلِك انتشرت طَرِيقَته فِي الْبِلَاد
وَقد أحببنا بَيَان مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ ليَكُون التَّالِي فِي الْمَصَاحِف الَّتِي جرى كتابها على طَرِيقَته على بَصِيرَة فِي الْوَقْف والابتداء فَنَقُول
فالوقف اللَّازِم عِنْده هُوَ مَا قد يُوهم غير المُرَاد إِذا وصل بِمَا بعده نَحْو قَوْله
تَعَالَى فِي صفة الْمُنَافِقين {وَمَا هم بمؤمنين} فالوقف هُنَا عِنْده لَازم إِذْ لَو وصل بقوله {يخادعون الله} لتوهم قبل التدبر أَن الْجُمْلَة صفة لقَوْله (بمؤمنين) فَيَنْتَفِي بذلك الخداع عَنْهُم ويتقرر الْإِيمَان خَالِصا عَن الخداع خَالِصا عَن الخداع كَمَا يكون ذَلِك فِي قَوْلك مَا هَؤُلَاءِ بمؤمنين مخادعين مَعَ أَن الْمَقْصُود هُوَ نفي الْإِيمَان عَنْهُم وَإِثْبَات الخداع لَهُم
وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَا يحزنك قَوْلهم إِن الْعِزَّة لله} وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {فَلَا يحزنك قَوْلهم إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون} فالوقف عِنْد قَوْلهم لَازم فَإِنَّهُ لَو وصل لتوهم أَن مَا بعده هُوَ الْمَقُول وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جملَة مستأنفة وَردت للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وتهديدا لَهُم
وعلامة الْوَقْف اللَّازِم الْمِيم
وَالْوَقْف الْمُطلق هُوَ مَا يكون مَا بعده مِمَّا يحسن الِابْتِدَاء بِهِ وَذَلِكَ كالاسم الْمُبْتَدَأ بِهِ نَحْو {الله يجتبي} وَالْفِعْل المستأنف نَحْو {سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} وَالشّرط نَحْو {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم} والاستفهام نَحْو {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} وَالنَّفْي نَحْو {مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} {إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} وَنَحْو ذَلِك حَيْثُ لم يكن ذَلِك مقولا لقَوْل سَابق وعلامة الْوَقْف الْمُطلق الطَّاء
وَالْوَقْف الْجَائِز مَا يجوز فِيهِ الْوَصْل والفصل لتجاذب الموجبين نَحْو {وَمَا أنزل من قبلك} فَإِن وَاو الْعَطف فِي الْجُمْلَة التالية لَهَا وَهِي {وبالآخرة هم يوقنون} يرجح الْوَصْل وَتَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفِعْل وَوُجُود الضَّمِير يرجح الْوَقْف فتساويا وَإِن كَانَ الْوَصْل هُنَا أرجح من جِهَة وَمثل ذَلِك {إِن هَذَا كَانَ لكم جَزَاء وَكَانَ سعيكم مشكورا} فالوقف على جَزَاء وَإِن كَانَ جَائِزا إِلَّا أَن الْوَصْل هُنَا أحسن رِعَايَة للفواصل وعلامة الْوَقْف الْجَائِز الْجِيم
وَالْوَقْف المحجوز لوجه هُوَ مَا يكون للْوَقْف فِيهِ وَجه إِلَّا أَن الْوَصْل فِيهِ يكون أولى نَحْو {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالآخِرَة} فَإِن مَجِيء مَا بعده وَهُوَ {فَلَا يُخَفف عَنْهُم الْعَذَاب} فالفاء المشعرة بِالسَّبَبِ يَقْتَضِي الْوَصْل ومجيء هَذِه الْجُمْلَة على هَذِه الهيءة يَجْعَل للفصل وَجها وعلامة الْوَقْف المجوز الزَّاي
وَالْوَقْف المرخص فِيهِ للضَّرُورَة هُوَ الَّذِي لَا يرخص فِيهِ فِي حَال الِاخْتِيَار الِاضْطِرَار وَذَلِكَ مَا بعده لَا يَسْتَغْنِي عَمَّا قبله وَإِن كَانَ مفهوما فِي الْجُمْلَة ويرخص فِيهِ فِي حَال الِاضْطِرَار وَذَلِكَ إِمَّا لانْقِطَاع النَّفس أَو لطول الْكَلَام غير أَنه إِذا وقف عَلَيْهِ ابْتَدَأَ بِمَا بعده من غير أَن يعود وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَالسَّمَاء بِنَاء} فَإِن مَا بعده وَهُوَ {وَأنزل من السَّمَاء مَاء} وَإِن كَانَ غير مُسْتَقل لوُجُود ضمير فِيهِ يعود على مَا قبله إِلَّا أَنه جملَة مفهومة وَنَحْو كل من فواصل {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} إِلَى قَوْله {هم فِيهَا خَالدُونَ} وعلامة الْوَقْف المرخص فِيهِ الصَّاد
وَأما الْوَقْف الْقَبِيح فَهُوَ الْوَقْف فِي مَوضِع لم يتم فِيهِ الْكَلَام وَذَلِكَ كالوقف على الشَّرْط دون جَزَائِهِ والمبتدأ دون خَبره وعَلى ذِي الْحَال دون الْحَال وعَلى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ دون الْمُسْتَثْنى وعَلى أحد مفعولي بَاب ظَنَنْت دون الآخر وعَلى الْمَوْصُوف دون الصّفة وعَلى الْمُؤَكّد دون الْمُؤَكّد وعَلى الْمُبدل مِنْهُ دون الْبَدَل وعَلى ذَلِك بِسَبَب عطاس أَو انْقِطَاع نفس لزمَه أَن يعود إِلَى مَا قبله ويبتدىء مِنْهُ حَتَّى يتسق الْكَلَام
والقبيح تَتَفَاوَت درجاته فِي الْقبْح فبعضه أقبح من بعض فَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} يقبح الْوُقُوف على سكارى وأقبح مِنْهُ الْوُقُوف هُنَا على الصَّلَاة
وَأما الِابْتِدَاء فَلَا يكون إِلَّا اختياريا إِذْ لَيْسَ كالوقف قد تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة فَلَا يجوز إِلَّا بمستقبل بِالْمَعْنَى واف بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا يَنْقَسِم إِلَيْهِ الْوَقْف وتتفاوت درجاته فِي التَّمام والكفاية وَالْحسن والقبح كَمَا تَتَفَاوَت دَرَجَات الْوَقْف
وَقد يكون الْوَقْف قبيحا والابتداء حسنا نَحْو {من بعثنَا من مرقدنا هَذَا} الْوَقْف على هَذَا قَبِيح للفصل فِيهِ بَين الْمُبْتَدَأ وَخَبره وَلِأَنَّهُ يُوهم أَن الْإِشَارَة إِلَى المرقد والابتداء بهَا كَاف أَو تَامّ لاستئنافه وَأما الِابْتِدَاء بِمَا بعده فَهُوَ قَبِيح شَدِيد الْقبْح
وعلامة الْوَقْف الْقَبِيح لَا فَإِذا وضعت فَوق مَوضِع علم أَنه لَا وقف هُنَاكَ وَأَنه يَنْبَغِي للقارىء الْوَصْل إِلَّا أَن يكون تَحْتَهُ عَلامَة رُؤُوس الْآيَات فَلهُ أَن يقف هُنَاكَ من غير إِعَادَة بِنَاء على قَول من أجَاز الْوُقُوف على رُؤُوس الْآي مُطلقًا كَأبي عَمْرو فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يتَعَمَّد رُؤُوس الْآي وَهُوَ أحب إِلَيّ
إِلَّا أَن كل ذِي طبع سليم يحكم بِأَن إجازتهم لذَلِك مَشْرُوطَة بِعَدَمِ وُقُوع مَانع خَاص وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة وَالصَّافَّات {أَلا إِنَّهُم من إفكهم ليقولون ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر أَن يُجِيز أحد الْوَقْف على ليقولون على أَن يبتدأ بِمَا بعده قَالَ بعض الْمُفَسّرين كل مَا فِي الْقُرْآن من القَوْل لَا يجوز الْوَقْف عَلَيْهِ لِأَن مَا بعده حكايته
وَهَا هُنَا علائم أُخْرَى قد يَضَعهَا بعض الْكتاب
فَمن ذَلِك الْقَاف وَهِي عَلامَة الْوَقْف الَّذِي قَالَ بِهِ بعض الْعلمَاء وَلم يقل بِهِ أَكْثَرهم وَمن ذَلِك قف وَهِي عَلامَة على أَن الْوَقْف هُنَالك يُؤمر بِهِ الْقَارئ على طَرِيق الِاسْتِحْبَاب بِحَيْثُ إِنَّه إِذا لم يقف وَوصل لم يكن عَلَيْهِ شي وَمن ذَلِك السِّين وَهِي عَلامَة على السكتة وَهِي وَقْفَة من غير تنفس
قَالَ بعض أهل الْفَنّ الْوَقْف وَالْقطع والسكت عِبَارَات يطلقهَا المتقدمون مريدين بهَا فِي الْغَالِب الْوَقْف وَقد فرق الْمُتَأَخّرُونَ بَينهَا فَقَالُوا
الْقطع عبارَة عَن ترك الْقِرَاءَة فَيكون الْقَارئ كالمعرض عَنْهَا والمتنقل إِلَى حَالَة أُخْرَى غَيرهَا وَهُوَ مشْعر بالانتهاء وَلذَا يطْلب مِنْهُ الِاسْتِعَاذَة للْقِرَاءَة المستأنفة وَيَنْبَغِي أَن يكون الْقطع عِنْد رَأس آيَة قَالَ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه
حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي سِنَان عَن ابْن أبي الْهُذيْل أَنه كَانُوا يكْرهُونَ أَن يقرؤوا بعض الْآيَة ويدعوا بَعْضهَا وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَابْن الْهُذيْل تَابِعِيّ كَبِير وَقَوله كَانُوا يُرِيد بِهِ الصَّحَابَة
الْوَقْف عبارَة عَن قطع الصَّوْت على الْكَلِمَة زَمنا يتنفس فِيهِ عَادَة بنية تنفس وَقد سكت حَمْزَة على السَّاكِن قبل الْهمزَة سكتة يسيرَة
وَقد اخْتلفت أَلْفَاظ أهل الْفَنّ فِي التَّعْبِير عَنْهَا فَقيل هِيَ سكتة قَصِيرَة وَقيل هِيَ سكتة مختلسة من غير إشباع وَقيل هِيَ وَقْفَة يسيرَة وَقيل هِيَ وَقْفَة خَفِيفَة وَقيل هِيَ سكتة لَطِيفَة من غير قطع وَقيل هِيَ وقيفة
قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي فِي حجيج الْقِرَاءَة يسكت حَمْزَة على يَاء شَيْء قبل الْهمزَة سكتة خَفِيفَة ثمَّ يهمز وَكَذَلِكَ يسكت على لَام الْمعرفَة فِي الأَرْض وَفِي الْأَسْمَاء وَالْآخِرَة وَنَحْوهَا وَكَأَنَّهُ راد بِهَذِهِ الوقيفة الَّتِي وَقفهَا تَحْقِيق الْهمزَة وتبيينها فَجعل الْهمزَة بِهَذِهِ الوقيفة قبلهَا فِي حَال لَا يجوز مَعهَا إِلَّا التَّحْقِيق لِأَن الْهمزَة قد صَارَت مضارعة للمبتدأ بهَا والمبتدأ بهَا لَا تخفف أَلا ترى أَن أهل التَّخْفِيف لَا يخففونها مُبتَدأَة فَهَذِهِ الوقيفة آذَنت بتحقيقها إِذْ صيرتها فِي حَال مَا لَا يُخَفف من الْهَمْز
وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك مدهم الْألف إِذا كَانَت الْهمزَة بعْدهَا نَحْو السَّمَاء وَمَاء إِلَّا ترى أَن مد الْألف إِذْ كَانَت الْهمزَة بعْدهَا أطول مِنْهُ فِيهَا إِذا لَك يكن بعْدهَا همزَة نَحْو {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} ليَكُون ذَلِك أبين للهمزة فَكَذَلِك وقف حَمْزَة هَذِه الوقيفة لتَكون أبين للهمزة اه
وَاخْتلف فِي السكت فَقيل يجوز فِي رُؤُوس الْآيَات مُطلقًا فِي حَالَة الْوَصْل لقصد الْبَيَان وَحمل بَعضهم الحَدِيث الْوَارِد على ذَلِك وَالْمَشْهُور أَنه مُقَيّد بِالسَّمَاعِ
وَالنَّقْل وَأَنه لَا يسوغ إِلَّا فِيمَا صحت بِهِ الرِّوَايَة لِمَعْنى مَقْصُود بِذَاتِهِ وَقد رووا عَن حَفْص أَنه كَانَ يسكت فِي الْكَهْف على عوجا وَفِي يس على مرقدنا وَفِي الْقِيَامَة على النُّون من من راق وَفِي المطففين على اللَّام من بل ران
وَقَالَ بعض عُلَمَاء الْعَرَبيَّة بعد أَن ذكر أَنهم نقلوا عَن حَمْزَة أَنه قَرَأَ ومكر السيء بِإِسْكَان الْهمزَة لعِلَّة اختلس فَظن سكونا أَو وقف وَقْفَة خَفِيفَة ثمَّ الْمُبْتَدَأ
وَقد أوضح بعض الْمُفَسّرين هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ عِنْد ذكر قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير إِلَّا بأَهْله قَرَأَ الْجُمْهُور استكبار فِي الأَرْض ومكر السيء وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله) قَرَأَ الْجُمْهُور ومكر السيء بِكَسْر الْهمزَة وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة بإسكانها إِمَّا إِجْرَاء للوصل مجْرى الْوَقْف وَإِمَّا إسكانا لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجْرى الْمُتَّصِل كإبل
وَزعم الْمبرد أَن هَذَا لَا يجوز فِي كَلَام منثور وَلَا شعر لِأَن الحركات الْإِعْرَاب دخلا للْفرق بَين الْمعَانِي وَقد اعظم بعض النَّحْوِيين أَن يكون الْأَعْمَش يقْرَأ بِهَذَا وَقَالَ إِنَّمَا وقف وَالدَّلِيل على هَذَا أَنه تَمام الْكَلَام وَأَن الثَّانِي لما لم يكن تَمام الْكَلَام أعربه وَالْحَرَكَة فِي الثَّانِي أثقل مِنْهَا فِي الأول لِأَنَّهَا ضمة بَين كسرتين
وَقَالَ الزّجاج قِرَاءَة حَمْزَة مَوْقُوفا عِنْد الحذاق بيائين لحن لَا يجوز وَإِنَّمَا يجوز فِي الشّعْر للاضطرار
وَقَالَ أَبُو عَليّ إِن قِرَاءَة حَمْزَة بِإِسْكَان الْهمزَة فِي الْوَصْل مَبْنِيّ على إجرائها فِي الْوَصْل مجْرى الْوَقْف وَيحْتَمل وَجها آخر وَهُوَ أَن يَجْعَل (ئ وَلَا) من قَوْله (مكر السيء وَلَا) بِمَنْزِلَة إبل فأسكن الْحَرْف الثَّانِي كَمَا يسكن من إبل فَيُقَال إبل لتوالي الكسرتين لَا سِيمَا والكسرة الأولى هُنَا فِي يَاء فَخفف بِإِسْكَان لِاجْتِمَاع الياآت والكسرات كَمَا خففت الْعَرَب مثل ذَلِك بالحذف وبالقلب وَنزلت حَرَكَة الْإِعْرَاب فِي هَذَا بِمَنْزِلَة حَرَكَة غير الْإِعْرَاب وَلَا تختل بذلك دلَالَة الْإِعْرَاب لِأَن الحكم بمواضعها مَعْلُوم كَمَا كَانَ مَعْلُوما فِي المعتل والإسكان للْوَقْف فَإِذا سَاغَ فِي