المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيان شاف للمعلل من الحديث - توجيه النظر إلى أصول الأثر - جـ ٢

[طاهر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌المبحث الثَّالِث فِي الحَدِيث الضَّعِيف

- ‌تَقْسِيم الحَدِيث الضَّعِيف إِلَى أقسامه الْمَشْهُورَة على طَريقَة الْمُحدثين

- ‌زِيَادَة بسط

- ‌وَهنا أُمُور يَنْبَغِي الانتباه لَهَا

- ‌بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث

- ‌بَيَان علل أَخْبَار رويت فِي الطَّهَارَة

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الصَّلَاة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزَّكَاة وَالصَّدقَات

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الصَّوْم

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْجَنَائِز

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي النِّكَاح

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْحُدُود

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي اللبَاس

- ‌بَاب علل أَخْبَار رويت فِي الْأَطْعِمَة

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي أُمُور شَتَّى

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْأَحْكَام والأقضية

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الزّهْد

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْمَنَاسِك

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْغَزْو وَالسير

- ‌علل أَخْبَار رويت فِي الْبيُوع

- ‌صلَة تتَعَلَّق بالضعيف وَهِي تشْتَمل على ثَلَاث مسَائِل

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَمَا يتَعَلَّق بذلك

- ‌فروع لَهَا تعلق بالرواية بِالْمَعْنَى

- ‌فَوَائِد شَتَّى الْفَائِدَة الأولى

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَائِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْخَامِسَة

- ‌تَنْبِيهَات

- ‌الْفَائِدَة السَّابِعَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْفَائِدَة التَّاسِعَة

- ‌الْفَائِدَة الْعَاشِرَة

- ‌الْفَائِدَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَائِدَة الثَّانِيَة عشرَة

الفصل: ‌بيان شاف للمعلل من الحديث

وَهُوَ التوالي وَقد يكون أَسْوَأ حَالا مِنْهُ وَذَلِكَ فِيمَا إِذا كَانَ الِانْقِطَاع فِيهِ من ثَلَاثَة مَوَاضِع وَحِينَئِذٍ فتقديم المعضل على الْمُنْقَطع وَالْحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَسْوَأ حَالا مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنّظرِ للْغَالِب فَهُوَ حكم مَبْنِيّ على الْجُمْلَة فَيَنْبَغِي الانتباه لذَلِك وَلما أشبهه

‌بَيَان شاف للمعلل من الحَدِيث

هَذَا النَّوْع من أجل أواع عُلُوم الحَدِيث وَأَشْرَفهَا وأدقها وأغمضها وَلَا يقوم بِهِ إِلَّا من كَانَ لَهُ فهم ثاقب وَحفظ وَاسع وَمَعْرِفَة تَامَّة بِالْأَسَانِيدِ والمتون وأحوال الروَاة وَلِهَذَا لم يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا الْقَلِيل من أَئِمَّة الحَدِيث كعلي بن الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَيَعْقُوب بن أبي شيبَة وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَأبي زرْعَة وَالدَّارَقُطْنِيّ

وَيُقَال للمعلل الْمَعْلُول والمعلل أما الْمَعْلُول فقد وَقع فِي كَلَام البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأبي يعلى الخليلي وَالْحَاكِم وَغَيرهم

وَقد أنكر بعض الْعلمَاء ذَلِك من جِهَة اللُّغَة وَأَنَّهُمْ قَالُوا إِن الْمَعْلُول فِي اللُّغَة اسْم مفعول من عله إِذا سقَاهُ السقية الثَّانِيَة

وتعقبهم آخَرُونَ فَقَالُوا قد ذكر فِي بعض كتب اللُّغَة عل الشَّيْء إِذا أَصَابَته عِلّة فَيكون لفظ مَعْلُول هُنَا مأخوذا مِنْهُ قَالَ ابْن الْقُوطِيَّة عل الْإِنْسَان مرض وَالشَّيْء أَصَابَته الْعلَّة فَيكون اسْتِعْمَاله بِالْمَعْنَى الَّذِي أرادوه غير مُنكر بل قَالَ بَعضهم اسْتِعْمَال هَذَا اللَّفْظ أولى لوُقُوعه فِي عِبَارَات أهل الْفَنّ مَعَ ثُبُوته لُغَة وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ

قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَول كَعْب

(تجلو عوارض ذِي ظلم إِذا ابتسمت

كَأَنَّهُ منهل بِالرَّاحِ مَعْلُول)

قَوْله مَعْلُول اسْم مفعول كَمَا أَن منهلا كَذَلِك إِلَّا أَن فعله ثلاثي مُجَرّد يُقَال عله يعله بِالضَّمِّ على الْقيَاس ويعله بِالْكَسْرِ إِذا سقَاهُ ثَانِيًا وأصل ذَلِك أَن

ص: 598

الْإِبِل إِذا شربت فِي أول الْورْد سمي ذَلِك نهلا فَإِذا ردَّتْ إِلَى أعطانها ثمَّ سقيت الثَّانِيَة سمي ذَلِك الْعِلَل

وَزعم الحريري أَن الْمَعْلُول ل يسْتَعْمل إِلَّا بِهَذَا الْمَعْنى وَأَن إِطْلَاق النَّاس لَهُ على الَّذِي أَصَابَته الْعلَّة وهم وَأَنه إِنَّمَا يُقَال لذَلِك معل من أعله الله وَكَذَا قَالَ ابْن مكي وَغَيره ولحنوا الْمُحدثين فِي قَوْلهم حَدِيث مَعْلُول وَقَالُوا الصَّوَاب معل أَو مُعَلل

انْتهى

وَالصَّوَاب أَنه يجوز أَن يُقَال عله فَهُوَ مَعْلُول من الْعلَّة إِلَّا أَنه قَلِيل وَمِمَّنْ نقل ذَلِك الجوهريي فِي صحاحه وَابْن الْقُوطِيَّة فِي أَفعاله وقطرب فِي كتاب فعلت وأفعلت وَذكر ابْن سَيّده فِي الْمُحكم أَن فِي كتاب أبي إِسْحَاق فِي الْعرُوض مَعْلُول ثمَّ قَالَ وَلست على ثِقَة مِنْهُ

انْتهى

قيل وَيشْهد بِهَذِهِ اللُّغَة قَوْلهم عليل كَمَا تَقول جريح وقتيل

انْتهى

وَلَا دَلِيل فِي ذَلِك لقَولهم عقيد وَضمير وهما بِمَعْنى مُغفل لَا بِمَعْنى مفعول

وَنَظِير هَذَا أَن الْمُحدثين يَقُولُونَ أعضل فلَان الحَدِيث فَهُوَ معضل بِالْفَتْح ورد بِأَن الْمَعْرُوف أعضل الْأَمر فَهُوَ معضل كأشكل فَهُوَ مُشكل

وَأجَاب ابْن الصّلاح بِأَنَّهُم قَالُوا أَمر عضيل أَي مُشكل وفعيل يدل على الثلاثي فعلى هَذَا يكون لنا عضل قاصرا وأعضل مُتَعَدِّيا وقاصرا كَمَا قَالُوا ظلم اللَّيْل وأظلم اللَّيْل وأظلم الله اللَّيْل

انْتهى

وَقد بَينا أَن فعيلا يَأْتِي من غير الثلاثي ثمَّ إِنَّه لَا يكون من الثلاثي الْقَاصِر

وَأما الْمُعَلل فقد شاع اسْتِعْمَال الْقَوْم لَهُ وذاع وَهُوَ اسْم مفعول من قَوْلك عللته تعليلا إِلَّا أَن التَّعْلِيل فِي اللُّغَة لَا يُنَاسب الْمَعْنى المُرَاد لِأَنَّهُ بِمَعْنى الإلهاء تَقول عللت الصَّبِي بِالطَّعَامِ تعليلا إِلَّا ألهيته عَن اللَّبن

وَلذَا قَالَ بَعضهم الْأَحْسَن أَن يُسمى هَذَا النَّوْع بالمعل لِأَن الْأَكْثَر فِي اسْتِعْمَال الْفِعْل أَن يَقُولُوا أعله

ص: 599

فلَان بِكَذَا وَالْقِيَاس فِيهِ أَن يكون اسْم الْمَفْعُول مِنْهُ معلا وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي اللُّغَة وَإِن كَانَ نَادِر الِاسْتِعْمَال فَإِن الْأَكْثَر فِي الِاسْتِعْمَال لفظ عليل وَقد جَاءَ معل فِي عبارَة بعض الْمُحدثين

وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي إِيرَاد عِبَارَات الْقَوْم فِي المعل قَالَ جَامع أشتات هَذَا الْفَنّ الْحَافِظ ابْن الصّلاح النَّوْع الثَّامِن عشر معرفَة الحَدِيث الْمُعَلل ويسميه أهل الحَدِيث الْمَعْلُول وَذَلِكَ مِنْهُم وَمن الْفُقَهَاء فِي قَوْلهم فِي بَاب الْقيَاس الْعلَّة والمعلول مرذول عِنْد أهل الْعَرَبيَّة واللغة

اعْلَم أَن معرفَة علل الحَدِيث من أجل عُلُوم الحَدِيث وأدقها وَأَشْرَفهَا وَإِنَّمَا يضطلع بذلك أهل الْحِفْظ والخبرة والفهم الثاقب وَهِي عبارَة عَن أَسبَاب خُفْيَة غامضة قادحة فِيهِ فَالْحَدِيث الْمُعَلل هُوَ الحَدِيث الَّذِي اطلع فِيهِ على عِلّة تقدح فِي صِحَّته مَعَ أَن الظَّاهِر السَّلامَة مِنْهَا

ويتطرق ذَلِك إِلَى الْإِسْنَاد الَّذِي رِجَاله ثِقَات الْجَامِع شُرُوط الصِّحَّة من حَيْثُ الظَّاهِر

ويستعان على إِدْرَاكهَا بتفرد الرَّاوِي وبمخالفة غَيره لَهُ مَعَ قَرَائِن تنضم إِلَى ذَلِك تنبه الْعَارِف بِهَذَا الشَّأْن على إرْسَال فِي الْمَوْصُول أَو وقف فِي الْمَرْفُوع أَو دُخُول حَدِيث فِي حَدِيث أَو وهم واهم بِغَيْر ذَلِك بِحَيْثُ يغلب على ظَنّه ذَلِك فَيحكم بِهِ أَو يتَرَدَّد فَيتَوَقَّف فِيهِ وكل ذَلِك مَانع من الحكم بِصِحَّة مَا وجد ذَلِك فِيهِ

وَكَثِيرًا مَا يعللون الْمَوْصُول بالمرسل مثل أَن يَجِيء الحَدِيث بِإِسْنَاد مَوْصُول وَيَجِيء أَيْضا بِإِسْنَاد مُنْقَطع أقوى من إِسْنَاد الْمَوْصُول وَلِهَذَا اشْتَمَلت كتب علل الحَدِيث على جمع طرقه قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر السَّبِيل إِلَى معرفَة عِلّة الحَدِيث أَن

ص: 600

يجمع بَين طرقه وَينظر فِي اخْتِلَاف رُوَاته وَيعْتَبر بمكانهم من الْحِفْظ ومنزلتهم فِي الإتقان والضبط

وَرُوِيَ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ الْبَاب إِذا لم تجمع طرقه لم يتَبَيَّن خطوه

ثمَّ قد تقع الْعلَّة فِي إِسْنَاد الحَدِيث وَهُوَ الْأَكْثَر وَقد تقع فِي مَتنه ثمَّ مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد قد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا كَمَا فِي التَّعْلِيل بِالْإِرْسَال وَالْوَقْف وَقد يقْدَح فِي صِحَة الْإِسْنَاد خَاصَّة من غير قدح فِي صِحَة الْمَتْن

فَمن أَمْثِلَة مَا وَقعت الْعلَّة فِي إِسْنَاده من غير قدح فِي الْمَتْن مَا رَوَاهُ الثِّقَة يعلى بن عبيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي ص = قَالَ البيعان بِالْخِيَارِ الحَدِيث

فَهَذَا الْإِسْنَاد مُتَّصِل بِنَقْل الْعدْل عَن الْعدْل وَهُوَ مُعَلل غير صَحِيح والمتن على كل حَال صَحِيح وَالْعلَّة فِي قَوْله عَن عَمْرو بن دِينَار إِنَّمَا هُوَ عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر هَكَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة من أَصْحَاب سُفْيَان عَنهُ فَوَهم يعلى بن عبيد وَعدل عَن عبد الله بن دِينَار إِلَى عَمْرو بن دِينَار وَكِلَاهُمَا ثِقَة

وَمِثَال الْعلَّة فِي الْمَتْن مَا نفرد مُسلم بِإِخْرَاجِهِ فِي حَدِيث أنس من اللَّفْظ الْمُصَرّح بِنَفْي قِرَاءَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

فعلل قوم رِوَايَة اللَّفْظ الْمَذْكُور لما رَأَوْا الْأَكْثَرين إِنَّمَا قَالُوا فِيهِ فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين من غير تعرض لذكر الْبَسْمَلَة وَهُوَ الَّذِي اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح وَرَأَوا أَن من رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقع لَهُ ففهم من قَوْله كَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد أَنهم كَانُوا

ص: 601

لَا يبسملون فَرَوَاهُ على مَا فهم وَأَخْطَأ لِأَن مَعْنَاهُ أَن السُّورَة الَّتِي كَانُوا يفتتحون بهَا من السُّور هِيَ الْفَاتِحَة وَلَيْسَ فِيهِ تعرض لذكر التَّسْمِيَة

وانضم إِلَى ذَلِك أُمُور مِنْهَا أَنه ثَبت عَن أنس أَنه سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بِالتَّسْمِيَةِ فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله ص = وَالله أعلم

ثمَّ اعْلَم أَنه قد يُطلق اسْم الْعلَّة على غير مَا ذَكرْنَاهُ من بَاقِي الْأَسْبَاب القادحة فِي الحَدِيث المخرجة لَهُ من حَال الصِّحَّة إِلَى حَال الضعْف الْمَانِعَة من الْعَمَل بِهِ على مَا هُوَ مُقْتَضى لفظ الْعلَّة فِي الأَصْل وَلذَلِك تَجِد فِي كثير من كتب علل الحَدِيث الْكثير من الْجرْح بِالْكَذِبِ والغفلة وَسُوء الْحِفْظ وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الْجرْح وَسمي التِّرْمِذِيّ النّسخ عِلّة من علل الحَدِيث

ثمَّ إِن بَعضهم أطلق اسْم الْعلَّة على مَا لَيْسَ بقادح من وُجُوه الْخلاف نَحْو إرْسَال من أرسل الحَدِيث الَّذِي أسْندهُ الثِّقَة الضَّابِط حَتَّى قَالَ من أَقسَام الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح مَعْلُول كَمَا قَالَ بَعضهم من الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح شَاذ وَالله أعلم

قَالَ الْمُحَقق الطَّيِّبِيّ فِي الْخُلَاصَة فِي علم الحَدِيث أَقُول وَفِي قَول ابْن الصّلاح فعلل قوم هَذِه الرِّوَايَة إِشَارَة إِلَى أَنه غير رَاض عَن تخطئتهم مُسلما وَذَلِكَ أَن الْمَذْكُور فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أنس قَالَ صليت مَعَ رَسُول الله ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحد مِنْهُم يقْرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَفِي رِوَايَة أَن النَّبِي ص = وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يفتتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا فِي آخرهَا

ص: 602

وروى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ سمعني أبي وَأَنا أَقرَأ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ أَي بني مُحدث إياك وَالْحَدَث وَقد صليت مَعَ النَّبِي ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع مِنْهُم أحدا يَقُولهَا فَلَا تقلها إِذا أَنْت صليت فَقل الْحَمد لله رب الْعَالمين

فَأَيْنَ الْعلَّة وَلَعَلَّ المعل مَال إِلَى مذْهبه والإذعان للحق أَحَق من المراء

وَقد تصدى الْعَلامَة ابْن تَيْمِية لبَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة على الْوَجْه الَّذِي أَدَّاهُ إِلَيْهِ بَحثه وَذَلِكَ حِين سَأَلَهُ سَائل عَن حَدِيث أنس صليت خلف النَّبِي ص = وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَكَانُوا يفتتحون بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين لَا يذكرُونَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي أول قِرَاءَة وَلَا آخرهَا هَل هُوَ مُضْطَرب أم لَا مَا حكم هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا فَقَالَ فِي جَوَابه

أما حَدِيث أنس فَرَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَرُوِيَ فِي الصَّحِيح بِأَلْفَاظ لَا تخلف هَذَا اللَّفْظ مثل قَوْله فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

وَهَذَا اللَّفْظ لَا يُنَافِي الأول لِأَن أنسا لم ينف الْقِرَاءَة فِي السِّرّ وَلَا يُمكنهُ نفي ذَلِك فَإِنَّهُ قد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن النَّبِي ص = كَانَت لَهُ سكتة طَوِيلَة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة فَإِذا قَرَأَ فِي تِلْكَ السكتة الْبَسْمَلَة لم يسْمعهَا أنس وَلَا يُمكنهُ فِي ذَلِك فَإِن أنسا إِنَّمَا نفى مَا يُمكنهُ الْعلم بانتفائه وَهُوَ ذكرهَا جَهرا

وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَن أنسا سُئِلَ هَل كَانَ رَسُول الله ص = يقْرَأ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ إِنَّك لتسألني عَن شَيْء مَا سَأَلَني عَنهُ أحد وَقَالَ لَا أحفظه

وَهَذَا لَا يُنَافِي ذَلِك الأول لِأَنَّهُ سَأَلَهُ عَن قِرَاءَة ذَلِك سرا وَهُوَ لَا يعلم ذَلِك

فأحاديث أنس الصَّحِيحَة كلهَا مؤتلفة متفقة تبين أَنه نفى الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ وَأَنه لم يتَكَلَّم فِي قرَاءَتهَا سرا لَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات وَحِينَئِذٍ فَلَا اضْطِرَاب فِي أَحَادِيثه

ص: 603

الصَّحِيحَة وَلَكِن من الْعلمَاء من ظن أَن أنسا لم يقل ذَلِك وَلَكِن روى أَن النَّبِي ص = كَانَ يفْتَتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأَن مَقْصُود أنس كَانَ الْإِخْبَار بالسورة لَا بِالْكَلِمَةِ وَأَن الرَّاوِي عَن أنس ظن أَن مَقْصُوده هُوَ الْكَلِمَة وَأَنه رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فنفى الْقِرَاءَة بالبسملة اجْتِهَادًا مِنْهُ لَا سَمَاعا عَن انس

لَكِن من الْمَعْلُوم أَن رِوَايَة الثِّقَات الْأَثْبَات لَا تدفع بِمثل هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا سِيمَا وافتتاح الصَّلَاة بِالْفَاتِحَةِ من الْعلم الَّذِي يُعلمهُ كل وَاحِد فَكل من صلى أنس خَلفه من الْخُلَفَاء والأمراء وَغَيرهم يفْتَتح الصَّلَاة بِالْفَاتِحَةِ وَجَمِيع النَّاس يعلمُونَ ذَلِك فَلم يكن فِي هَذَا من الْعلم مَا يحْتَاج بِهِ إِلَى رِوَايَة أنس وَلَا ينْحَصر مثل هَذَا فِي الصَّلَاة خلف النَّبِي ص = وصاحبيه فَلَو لم يكن إِلَّا تِلْكَ الرِّوَايَة لم يجز تَفْسِيرهَا بِهَذَا فَكيف مَعَ تَصْرِيح الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة عَن أنس بمقصوده وَمرَاده

وَقد مَعَ مُحَمَّد بن طَاهِر الْمَقْدِسِي جزأ فِي طرق حَدِيث أنس وَرِوَايَة الثِّقَات الْأَثْبَات لَهُ بِهَذَا اللَّفْظ عَن أنس على وَجه يعلم من تدبره أَنه مَحْفُوظ صَحِيح كَمَا أخرجه أهل الصَّحِيح وَلَيْسَ عَن النَّبِي ص = حَدِيث صَحِيح يُنَاقض حَدِيث أنس بل غَيره من الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيث عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا يُوَافق حَدِيث أنس وَمَا خَالفه فإمَّا أَن يكون ضَعِيفا أَو يكون مُحْتملا وَالله أعلم

وَقد سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة مرّة أُخْرَى فَأجَاب عَنْهَا بِجَوَاب مَبْسُوط وَهِي من الْمسَائِل المهمة الَّتِي اشْتَدَّ فِيهَا النزاع بَين الْفَرِيقَيْنِ وَقد صنف من الْجَانِبَيْنِ مصنفات كَثِيرَة غير أَن مِنْهُم من الْتزم الِانْتِصَار لِلْقَوْلِ الَّذِي ألزم نَفسه الْأَخْذ بِهِ محاولا جعل الصَّحِيح ذَا عِلّة والمعل سالما من الْعلَّة

وَمِنْهُم من الْتزم الِانْتِصَار لما أَدَّاهُ إِلَيْهِ الدَّلِيل وَهَؤُلَاء قد أَحْسنُوا وَمَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل

وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب عُلُوم الحَدِيث فِي النَّوْع السَّابِع وَالْعِشْرين هَذَا

ص: 604

النَّوْع مِنْهُ معرفَة علل الحَدِيث وَهُوَ علم بِرَأْسِهِ غَيره صَحِيح والسقيم وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل

أخبرنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سَلمَة بن عبد الله قَالَ سَمِعت أَبَا قدامَة السَّرخسِيّ يَقُول عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول لِأَن أعرف عِلّة حَدِيث هُوَ عِنْدِي أحب إِلَيّ من أَن أكتب عشْرين حَدِيثا لَيست عِنْدِي

قَالَ أَبُو عبد الله وَإِنَّمَا يُعلل الحَدِيث من أوجه لَيْسَ للجرح فِيهَا مدْخل فَإِن حَدِيث الْمَجْرُوح سَاقِط واه وَعلة الحَدِيث تكْثر فِي أَحَادِيث الثِّقَات بِأَن يحدثوا بِحَدِيث لَهُ عِلّة فيخفى عَلَيْهِم علمهَا فَيصير الحَدِيث معلولا وَالْحجّة فِيهِ عندنَا الْحِفْظ والفهم والمعرفة لَا غير

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام فَلَو قلت للْعَالم بعلل الحَدِيث من أَيْن قلت هَذَا لم لَكِن لَهُ حجَّة

وَأَخْبرنِي أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبدويه بِالريِّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن صَالح الكيليني قَالَ سَمِعت أَبَا زرْعَة وَقَالَ لَهُ رجل مَا الْحجَّة فِي تعليلكم الحَدِيث

قَالَ الْحجَّة أَن تَسْأَلنِي عَن حَدِيث لَهُ عِلّة فاذكر علته ثمَّ تقصد ابْن واره يَعْنِي مُحَمَّد بن مُسلم بن واره فتسأله عَنهُ وَلَا تخبره بأنك قد سَأَلتنِي عَنهُ فيذكر علته ثمَّ تقصد أَبَا حَاتِم فيعلله ثمَّ تميز كلامنا على ذَلِك الحَدِيث فَإِن وجدت بَيْننَا خلافًا فِي علته فَاعْلَم أَن كلا مِنْهَا تكلم على مُرَاده وَإِن وجدت الْكَلِمَة متفقة فَاعْلَم حَقِيقَة هَذَا الْعلم

قَالَ فَفعل الرجل ذَلِك فاتفقت كلمتهم عَلَيْهِ فَقَالَ أشهد أَن هَذَا الْعلم إلهام

ثمَّ ذكر بعد ذَلِك من علل الحَدِيث عشرَة أَجنَاس وَأورد لكل جنس مِثَالا مَعَ بَيَان الْعلَّة الَّتِي فِيهِ وَقد أَحْبَبْت أَن أذكر ذَلِك موردا قبل كل مِثَال تَعْرِيف الْجِنْس الَّذِي أورد ذَلِك الْمِثَال لأَجله زِيَادَة فِي الْإِيضَاح لما فِي هَذَا النَّوْع من الغموض وهاك مَا أوردهُ

ص: 605

الْجِنْس الأول من أَجنَاس علل الحَدِيث أَن يكون السَّنَد ظَاهره الصِّحَّة وَلَكِن فِيهِ من لَا يعرف بِالسَّمَاعِ مِمَّن روى عَنهُ

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد قَالَ قَالَ ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = قَالَ من جلس مَجْلِسا كثر فِيهِ لغطه فَقَالَ قبل أَن يقوم سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا غفر لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسه ذَلِك

قَالَ أَبُو عبد الله هَذَا حَدِيث من تَأمله لم يشك أَنه شَرط الصَّحِيح وَله عِلّة فَاحِشَة

حَدثنِي أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الْوراق قَالَ سَمِعت أَبَا حَامِد أَحْمد بن حمدون الْقصار يَقُول سَمِعت مُسلم بن الْحجَّاج وَجَاء إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ فَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ دَعْنِي حَتَّى أقبل رجليك يَا أستاذ الأستاذين وَسيد الْمُحدثين وطبيب الحَدِيث فِي علله حَدثَك مُحَمَّد بن سَلام قَالَ حَدثنَا مخلد بن يزِيد الْحَرَّانِي قَالَ أخبرنها ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ص = فِي كَفَّارَة الْمجْلس فَمَا علته

قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا حَدِيث مليح وَلَا أعلم فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَاب غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا أَنه مَعْلُول حَدثنَا بِهِ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا

ص: 606

وهيب قَالَ حَدثنَا سُهَيْل عَن عون بن عبد الله قَوْله قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل هَذَا أولى فَإِنَّهُ لَا يذكر لمُوسَى بن عقبَة سَماع من سُهَيْل

وَالْجِنْس الثَّانِي من علل الحَدِيث أَن يسند الحَدِيث من وَجه ظَاهره الصِّحَّة وَلَكِن يكون مُرْسلا من وَجه رَوَاهُ الثِّقَات الْحفاظ

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الدروي قَالَ حَدثنَا قبيصَة بن عقبَة عَن سُفْيَان عَن خَالِد الْحذاء أَو عَاصِم عَن أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = أرْحم أمتِي أَبُو بكر وأشدهم فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقرؤهم أبي بن كَعْب وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وَإِن لَك أمة أَمينا وَإِن أَمِين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة

قَالَ أَبُو عبد الله وَهَذَا علته من نوع آخر فَلَو صَحَّ بِإِسْنَادِهِ لأخرج فِي الصَّحِيح إِنَّمَا روى خَالِد عَن أبي قلَابَة أَن رَسُول الله ص = قَالَ أرْحم أمتِي مُرْسلا فأسند وَوصل إِن لكل أمة أَمينا وَأَبُو عُبَيْدَة أَمِين هَذِه الْأمة

هَكَذَا رَوَاهُ البصريون الْحفاظ عَن خَالِد الْحذاء وَعَاصِم جَمِيعًا فأسقط الْمُرْسل من الحَدِيث وَخرج الْمُتَّصِل بِذكر أبي عُبَيْدَة فِي الصَّحِيحَيْنِ

وَالْجِنْس الثَّالِث من علل الحَدِيث أَن يكون الحَدِيث مَحْفُوظًا عَن صَحَابِيّ ويروى عَن غَيره لاخْتِلَاف بِلَاد رُوَاته

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير

ص: 607

عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله ص = قَالَ إِنِّي لأستغفر الله وَأَبُو إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مئة مرّة

قَالَ أَبُو عبد الله وَهَذَا إِسْنَاد لَا ينظر فِيهِ حَدِيثي إِلَّا ظن أَنه من شَرط الصَّحِيح

والمدنيون إِذا رووا عَن الْكُوفِيّين زلقوا

حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن صَالح بن هاني قَالَ حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو الرّبيع قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا بردة يحدث عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = إِنَّه ليغان على قلبِي فأستغفر الله فِي الْيَوْم مئة مرّة

قَالَ أَبُو عبد الله رَوَاهُ مُسلم بن الْحجَّاج فِي الصَّحِيح عَن أبي الرّبيع وَهُوَ الصَّحِيح الْمَحْفُوظ وَرَوَاهُ الْكُوفِيُّونَ أَيْضا مسعر وَشعْبَة وَغَيرهمَا عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي بردة هَكَذَا

وَالْجِنْس الرَّابِع من علل الحَدِيث أَن يكون الحَدِيث مَحْفُوظًا عَن صَحَابِيّ يرْوى عَن تَابِعِيّ فَيَقَع الْوَهم بالتصريح بِمَا يَقْتَضِي صِحَّته عَن غَيره مِمَّن لَا يكون مَعْرُوفا من جِهَته

ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى القَاضِي قَالَ حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ حَدثنَا زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن عُثْمَان بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه أَنه سمع النَّبِي ص = يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ

قَالَ أَبُو عبد الله قد خرج العسكري وَغَيره من الْمَشَايِخ هَذَا الحَدِيث فِي

ص: 608

الوحدان وَهُوَ مَعْلُول من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن عُثْمَان هُوَ ابْن أبي سُلَيْمَان وَالْآخر أَن عُثْمَان إِنَّمَا رَوَاهُ عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه

وَالثَّالِث قَوْله سمع النَّبِي ص =

وَأَبُو سُلَيْمَان لم يسمع من النَّبِي ص = وَلم يره وَقد خرجت شواهده فِي التَّلْخِيص

وَالْجِنْس الْخَامِس من الْعِلَل أَن يكون رُوِيَ بالعنعنة وَسقط مِنْهُ راو دلّ عَلَيْهِ طَرِيق أُخْرَى مَحْفُوظَة

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا بَحر بن نصر قَالَ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن أبن شهَاب عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن رجال من الْأَنْصَار أهم كَانُوا مَعَ رَسُول الله ص = ذَات لَيْلَة فَرمي بِنَجْم فَاسْتَنَارَ فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ

قَالَ أَبُو عبد الله عِلّة هَذَا الحَدِيث أَن يُونُس على حفظه وجلالة مَحَله قصر بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي رجال من الْأَنْصَار

هَكَذَا رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة وَيُونُس فِي سَائِر الرِّوَايَات وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَصَالح بن كيسَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيرهم عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ مخرج فِي الصَّحِيح

وَالْجِنْس السَّادِس من الْعِلَل أَن يخْتَلف على رجل بِالْإِسْنَادِ وَغَيره وَيكون الْمَحْفُوظ مَا قَابل الْإِسْنَاد

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ قَالَ حَدثنَا حَاتِم بن اللَّيْث الْجَوْهَرِي قَالَ حَدثنَا حَامِد بن أبي حَمْزَة السكرِي قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد قَالَ حَدثنِي أبي عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ قلت يَا رَسُول الله

ص: 609

مَالك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهرنَا قَالَ كَانَت لُغَة إِسْمَاعِيل قد درست فجَاء بهَا جِبْرِيل عليه السلام إِلَيّ فحفظنيها

قَالَ أَبُو عبد الله لهَذَا الحَدِيث عِلّة عَجِيبَة حَدثنِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْعَبَّاس الضَّبِّيّ من أصل كِتَابه قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن رزين الفاشاني من أصل كِتَابه قَالَ حَدثنَا عَليّ بن خشرم قَالَ حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد قَالَ بَلغنِي أَن عمر بن الْخطاب قَالَ يَا رَسُول الله إِنَّك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهرنَا فَقَالَ رَسُول الله ص = إِن لُغَة إِسْمَاعِيل كَانَت قد درست فَأَتَانِي بهَا جِبْرِيل فحفظنيها

وَالْجِنْس السَّابِع من علل الحَدِيث أَن يخْتَلف على رجل فِي تَسْمِيَة من روى عَنهُ أَو عدم تَسْمِيَته

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ الشَّيْخ أَبُو بكر بن إِسْحَاق الْفَقِيه قَالَ أخبرنَا أَبُو بكر يَعْقُوب بن يُوسُف المطوعي قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن مُحَمَّد المباركي قَالَ حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن فرافصة عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ النَّبِي ص = الْمُؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم

قَالَ أَبُو عبد الله وَهَكَذَا رَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس وَيحيى بن الضريس عَن الثَّوْريّ فَنَظَرت فَإِذا لَهُ عِلّة أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد المحبوبي بمرو قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن سيار قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن الْحجَّاج بن فرافصة عَن رجل عَن أبي سَلمَة قَالَ سُفْيَان أرَاهُ ذكر أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ص = الْمُؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم

وَالْجِنْس الثَّامِن من علل الحَدِيث أَن يكون الرَّاوِي عَن شخص قد أدْركهُ وَسمع مِنْهُ وَلكنه لم يسمع مِنْهُ ذَلِك الحَدِيث

ومثاله مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن

ص: 610

إِسْحَاق الصغاني قَالَ حَدثنَا روح بن عبَادَة قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله عَن يحيى بن أبي كثير عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي ص = كَانَ إِذا أفطر عِنْد أهل بَيت قَالَ أفطر عنْدكُمْ الصائمون وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار وَنزلت عَلَيْكُم السكينَة

قَالَ أَبُو عبد الله قد ثَبت من غير وَجه رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أنس إِلَّا أَنه لم يسمع مِنْهُ هَذَا الحَدِيث وَله عِلّة أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس قَاسم بن قَاسم السياري وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن بن حَلِيم المروزيان بمرو قَالَا حَدثنَا أَبُو الموجه قَالَ أخبرنَا عَبْدَانِ قَالَ أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ حدثت عَن أنس أَن النَّبِي ص = كَانَ إِذا أفطر عَن أهل بَيت قَالَ أفطر عنْدكُمْ الصائمون وَأكل طَعَامكُمْ الْأَبْرَار وصلت عَلَيْكُم الْمَلَائِكَة

وَالْجِنْس التَّاسِع من علل الحَدِيث أَن يكون للْحَدِيث طَرِيق مَعْرُوف فيروي أحد رِجَاله الحَدِيث من غير ذَلِك الطَّرِيق فَيَقَع فِي الْوَهم

ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ قَالَ حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان بن صَالح السَّهْمِي قَالَ حَدثنَا سعيد بن كثير بن عفير قَالَ حَدثنِي الْمُنْذر بن عبد الله الْحزَامِي عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله ص = كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ تبَارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ

قَالَ أَبُو عبد الله لهَذَا الحَدِيث عِلّة صَحِيحَة وَالْمُنْذر عبد الله أَخذ طَرِيق الجادة فِيهِ حَدثنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الله الْعلوِي النَّقِيب بِالْكُوفَةِ قَالَ حَدثنَا الْحُسَيْن بن الحكم الْحبرِي قَالَ حَدثنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن سَلمَة قَالَ حَدثنَا عبد الله بن الْفضل عَن الْأَعْرَج عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي ص = أَنه كَانَ إِذا افْتتح الصَّلَاة فَذكر الحَدِيث بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ وَهَذَا مخرج فِي الصَّحِيح لمُسلم

ص: 611

الْجِنْس الْعَاشِر من علل الحَدِيث أَن يرْوى الحَدِيث مَرْفُوعا من وَجه مَوْقُوفا من وَجه

ومثاله مَا أخبرنَا بِهِ أَحْمد بن عَليّ بن الْحسن الْمُقْرِئ قَالَ حَدثنَا أَبُو فَرْوَة يزِيد بن مُحَمَّد بن يزِيد بن سِنَان الرهاوي قَالَ حَدثنَا أبي عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن النَّبِي ص = قَالَ من ضحك فِي صلَاته يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء

قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم لهَذَا الحَدِيث عِلّة صَحِيحَة أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن السبيعِي بِالْكُوفَةِ قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْعَبْسِي قَالَ حَدثنَا وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان قَالَ سُئِلَ جَابر عَن الرجل يضْحك فِي الصَّلَاة قَالَ يُعِيد الصَّلَاة وَلَا يُعِيد الْوضُوء

قَالَ أَبُو عبد الله فقد ذكرنَا علل الحَدِيث على عشرَة أَجنَاس وَبقيت أَجنَاس لم نذكرها وإ مَا جَعلتهَا مِثَالا لأحاديث كَثِيرَة معلولة ليهتدي إِلَيْهَا المتبحر فِي هَذَا الْعلم فَإِن معرفَة علل الحَدِيث من أجل هَذِه الْعُلُوم انْتهى كَلَام الْحَاكِم

وَقد ألفت فِي علل الحَدِيث كتب وأجلها كتاب ابْن الْمَدِينِيّ وان أبي حَاتِم والخلال وأجمعها كتاب الدَّارَقُطْنِيّ

وَقد وقفت على أحد هَذِه الْكتب وَهُوَ كتاب الإِمَام أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن ابْن الإِمَام أبي حَاتِم فرأيته من الْكتب الجليلة الْمِقْدَار الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَن الِاطِّلَاع عَلَيْهَا وتكرار النّظر إِلَيْهَا من أَرَادَ الإشراف على هَذَا النَّوْع الَّذِي هُوَ من أغمض الْأَنْوَاع فضلا عَمَّن يحب أَن يعد نَفسه لاتباع آثَار الواقفين على أسراره

قَالَ فِي مُقَدّمَة الْكتاب حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير يَقُول قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي معرفَة الحَدِيث إلهام

قَالَ ابْن نمير وَصدق لَو قلت لَهُ من أَيْن قلت لم يكن لَهُ جَوَاب

وَسمعت أبي يَقُول قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي إنكارنا الحَدِيث عِنْد الْجُهَّال كهَانَة

وَسمعت

ص: 612