الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الرابع
في
المقاصد الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع لعباده من الأحكام ما فيه السداد، وجنَّبهم طرق الغي والفساد، والصلاة والسلام على من أُرْسِلَ رحمةً للعباد، وعلى آله وأصحابه ذوي البصائرِ والرشاد.
أما بعد:
فإن التفقُّه بمقاصد الشريعة، ومعرفة حِكَمِ الله في أحكامه، ومعرفة أسرارِهِ في أوامره ونواهيه: مِنْ أنفع العلوم وأجلّها؛ ذلك أن الأحكام الشرعية في أصولها وفروعها معلَّلةٌ برعاية مصالح العباد في عاجلهم وآجلهم.
فمعرفة أسرار الله تعالى في أحكامه، والتبصَّر فيها: هو كشف عن كنوز ثمينة تزيد المؤمن إيمانًا بربه، ورغبةً في القيام بشرعه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتخفِّف عليه مشقةَ العبادة، وتعينه على اجتناب المعصية، وتقوِّي ثقته بربِّه جل وعلا؛ حينما يتفقَّه بشرعه، ويحصُلُ له المعرفة واليقين: أنه تعالى لم يأمر إلَاّ بما يصلح خلقه، ولا ينهى إلَاّ عما يضرُّهم في حياتهم الأولى والآخرة.
لذا فإني بعد أن قَرَأْتُ الكتابَ القيِّم "الموافقات" للإمام الشاطبي، ذلك الكتاب الذي هو ومؤلِّفه غنيَّان عن الإشادة والتعريف، لمَّا قرأْتُ غالبَ فصوله، استخَرْتُ الله تعالى أن ألخِّص منه نبذةً في المقاصد الشرعية، وأجعلها مقدِّمة لشرحي على "بلوغ المرام" لتكون رابعة للمقدمات الثلاث التي هي أصولُ العلوم الشرعية؛ فهو أصلٌ كبيرٌ، وعلم جليل، جاءت الإشارة إليه، والدلالةُ عليه من الكتاب والسنة بنصوص أكثر من أن تحصى:
منها قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [إبراهيم: 1]، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} ، وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)} [المائدة: 6]، وقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة"، وأشباه ذلك.
ولعل أوَّل من ألَّف فيه: الغزالي بكتابه "شفاء الغليل، في مسالك التعليل"، والعزُّ بن عبد السلام في كتابه "قواعد الأحكام"، ولابن القيِّم في كتابه القيِّم "إعلام الموقِّعين" فصولٌ جيَّدةٌ في هذا الباب، بيَّن فيها حِكَمَ الله وأسرارَهُ في كثيرٍ من الأحكام؛ لا سيَّما في المسائل التي قال المعارضون:"إنها جاءت على خلافِ القياس".
وأما أبو إسحاق الشاطبي: فقد أجاد فيه وأعطاه حقّه من التحقيق والتدقيق في كتابه الجليل "الموافقات"؛ ممَّا دفعني إلى أن ألخِّص منه جملة كافية لطالب العلم، وفِقَرًا مفيدة تدرِّبه على التوسُّع في هذا العلم العظيم، والله الموفق.