الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فقد ذكرنا -في "المقدمة الأولى" من مقدمات هذا الشرح -بيانَ أهمية "بلوغ المرام"، وعظم قدره، وجليل فائدته، والميزات الطيبة التي انفرد بها عن الكتب المصنفة في بابه، مما دعا العلماء إلى العنايةِ به، والإقبالِ عليه، والاستفادةِ منه، واختيارِهِ على غيره في حلقات الدروس، وقاعات المعاهد والجامعات، حتى صار هو العمدة في الاستظهار والاستنباط والاستفادة، فتعدَّدت طباعته، وكثر تداوله، وكما قيل:"المورد العذب كثير الزحام".
كما ذكرت في تلك "المقدمة" صِلَتي بهذا الكتاب، وطول صحبتِي إيَّاه، فإنَّها ألفة قديمة، وعلاقة وثيقة، وصلة عريقة، تطلب مني الوفاء لماضيه، وخدمة قارئيه، والقيام بحق مؤلفه، وذلك بشرح يقرِّب معانيه، ويكشف عن مطاويه، ويستخرج درره ويجلو أصدافه ويبرز محاسنه، فحدَّثْتُ نفسي بأني -بعد أن توفَّرَتِ المصادر، وَكَثُرَتِ المراجع، وتيسَّرت الأمور- أستطيعُ أن أقدِّم لطلاب العلم شرحًا يلائم أذواقهم، ويشاكل مناهجهم، ويناسب ما يُلقى عليهم من دروس مادة الحديث، وزاد في إقدامي على شرح هذا الكتاب أمران:
أحدهما: ما لمسته من إقبال على شرحي على "العمدة" المسمى "تيسير العلَّام"، واختياره لتدريس مادة الحديث في كثير من دور العلم، وحلقات الدروس في المساجد، وإعجاب الكثير في جمعه وترتيبه وتنسيقه وتبويبه.
الثاني: أنَّ الشروح المتداولة لـ"بلوغ المرام" غير مرتَّبة ولا منسَّقة،
وطريقة تأليفها تخالف النهج الذي تسير عليه المعاهد والجامعات الآن.
فأقدمت على تأليف هذا الشرح الذي أرجو أن يكون مناسبًا لوقته، ملائمًا لقرَّائه، كافيًا في بابه، وافيًا في مقصوده، وما في هذا الكتاب من فوائد وأحكام، فهي قسمان:
أحدهما: ما استخرجته من خزين الحافظة ثمرة دراسات سابقة صاغتها الملكة حتى صار من إعدادها.
الثاني: نقولٌ من تلك المراجع؛ إما بنصِّها، وإما باختصار لا يخل بمعناها؛ فإني لا أحذف من الكلام إلَاّ استطرادات خارجة عن الموضوع، أو زيادات عن الخلاصة المختارة.
وبعد: فقد حَلَّيْتُ هذا الشرح بأمورٍ تزيدُ في حسنه، وترغِّبُ في قراءته، وأوجزها بما يأتي:
أولًا: فَصَّلْتُ مواضيعَ الكتاب ونسقتها، ليأخذ كلُّ طالب علم بغيته ومراده؛ ففيه الكلام عن درجة الحديث، وتفسير غريبه، وبيان أحكامه، وتفصيل الخلاف في مسائله، فكل موضوع من هذه المواضيع له فصله الخاص به وحده.
ثانيًا: أنني لم أنتصر لأي إمامٍ، ولم أتعصَّب لأي مذهب، وإنما وجَّهت قصدي إلى ما يرجِّحه الدليل من أقوال العلماء، رحمهم الله تعالى.
ثالثًا: أنني ألحقت به ما يناسبه من القرارات التي صدرت من المجامع الفقهية، وهي: مجمَّع الفقه الإِسلامي -التابع لمنظمة المؤتمر الإِسلامي، ومقره جدة، والمجمَّع الفقهي الإِسلامي التابع لرابطة العالم الإِسلامي، ومقره مكة المكرمة، ومجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومجمَّع البحوث الإِسلامية بالقاهرة.
وهذه القرارات قسمان:
إما مسائل قديمة بحثها علماء المجلس؛ فقيمة القرار منها دراسته من
أحد هذه المجامع، أو منها كلها، وإعطاء المسلمين فيه رأيًا جماعيًّا من نخبة ممتازة من علماء المسلمين.
وإما مسائل مستجدة اقتضاها العصر الحاضرة فدرسها أحد هذه المجامع الكبيرة، وخرج منها برأي شرعي جماعي، طبقت عليه النصوص الشرعية، مما أبان عن عظمة هذه الشريعة وشمولها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
رابعًا: أنني حرصتُ على تتبع الحقائق العلمية التي توصَّل إليها العلم في هذه الأزمنة، التي تطوَّرَتْ فيها العلوم الطبيعية والعلوم الكونية؛ مما له صلة في نصوص هذا الكتاب ومسائله؛ لأبرز بقدر علمي واستطاعتي ما تحمله هذه النصوص الكريمة من إعجاز علمي باهر، طابَقَ بكلِّ وضوحٍ وجلاء ما في تلك الحقائق العلمية الجديدة؛ تحقيقًا لقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت، الآية: 53]، وقوله جلَّ وعلا:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} [ص، الآية: 88]، فبظهور هذا التطابق بين النصوص الكريمة وما أودعه الله في هذا الكون من حقائق، يُعْلَمُ أنَّه كله جاء من لدن حكيم خبير، فيزداد الذين آمنوا إيمانًا، وتقوم الحجة الظاهرة القوية على المعاندين.
خامسًا: أنَّ هذا الشرح بالرغم من حرصي على تقريبه لطالب العلم المبتدىء، إلَاّ أنِّي توسَّعْتُ فيه اتساعًا، فبحثتُ جميعَ جوانب الحديث روايةً ودراية، فقد تكلَّمْتُ على درجة الحديث من حيثُ القبولُ والرَّدُّ، وذلك في الأحاديث التي ليست في الصحيحَيْنِ أو أحدهما، ثم شرحتُ مفرداتِ الحديث وغريبَ لفظه لغةً ونحوًا وصرفًا، واصطلاحًا، وتعريفًا عمليًّا، ثم إني استنبطتُ الأحكام والآدابَ بطريقةٍ موسَّعة، وَعُنِيتُ عنايةً تامَّةً بعِلَلِ الأحكام وأسرارها؛ لأظهر محاسن الإِسلام وأحكامه أمام القارىء لا سَيَّما الناشئة منهم؛ ليزيد تعلقهم بدينهم، فيأخذوه عن قناعة ويقين.
سادسًا: تتميمًا لفائدة هذا الشرح، فإني ألحقتُ -غالبًا- في كل حديث