المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المسح على الخفين - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ١

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة الطبعة الخامسة

- ‌الإلمام في أصول الأحكام

- ‌الأصل الأولفيمصطلح الحديث

- ‌ مصطلح علم الحديث

- ‌تعريفات:

- ‌تقسيم الحديث باعتبار طرقه:

- ‌أقسام الآحاد:

- ‌تقسيم الحديث من حيثُ القبولُ:

- ‌أنواع الأحاديث المردودة:

- ‌ضعف الحديث من حيثُ فَقْدُ العدالة والضبط:

- ‌ضعفُ الحديث من حيث فَقْدُ الاتصال:

- ‌ضعفُ الحديث من حيثُ وجود الشذوذِ أو العلة:

- ‌أقسامُ الحديث باعتبار من أُضِيفَ إليه:

- ‌فائدة:

- ‌من أنواع الكتب في علم الحديث:

- ‌من أخرج لهم المؤلِّف في بلوغ المرام:

- ‌الذي اطَّلَعْتُ عليه من شروح بلوغ المرام:

- ‌ترجمة المؤلِّف

- ‌دراسته ومشايخه:

- ‌رحلاته:

- ‌أعماله:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌بلوغ المرام

- ‌صلتي ببلوغ المرام:

- ‌الأصل الثانيفيأصول الفقه

- ‌ العلم

- ‌الجهل:

- ‌رُتَبُ المُدْرَكَات:

- ‌النظر:

- ‌الدليل:

- ‌ناصب الدليل:

- ‌المستدِلّ:

- ‌المستدل عليه:

- ‌المستدَلُّ له:

- ‌الاستدلال:

- ‌أصول الفقه:

- ‌أولًا: التعريف الإضافي:

- ‌ الأحكام

- ‌ثانيًا: التعريف اللقبي:

- ‌فائدة أصول الفقه:

- ‌أقسام الأحكام الشرعية:

- ‌فالأحكام التكليفية خمسة:

- ‌الأحكام الوضعية:

- ‌الكلام:

- ‌والاسم:

- ‌الأمر:

- ‌ما يقتضيه الأمر:

- ‌النهي:

- ‌موانع التكليف:

- ‌العامُّ:

- ‌حكمه:

- ‌ التخصيص

- ‌الخاصُّ:

- ‌أقسام التخصيص:

- ‌المطلَقُ والمقيَّد:

- ‌العمل بالمطلق:

- ‌المجمَل والمبيَّن:

- ‌المُبَيَّن:

- ‌العمل بالمُجْمَل:

- ‌النصوص الشرعية:

- ‌كتاب الله تعالى:

- ‌السنة النبوية:

- ‌منزلة السنة من الكتاب:

- ‌النسخ:

- ‌ما يمتنع نسخه:

- ‌شروط النسخ:

- ‌حكمة النسخ:

- ‌تعارض النصوص:

- ‌الإجماع:

- ‌حجية الإجماع:

- ‌مستند الإجماع:

- ‌القياس:

- ‌مسألتان هامَّتان

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌الاجتهاد:

- ‌شروط المجتهد:

- ‌الأصل الثالثفيالقواعد الفقهية

- ‌تعريف وتاريخ:

- ‌معنى القواعد الفقهية

- ‌مَيْزَاتُهَا:

- ‌أنواع القواعد الفقهية ومراتبها:

- ‌الفرق بين القاعدة، والضابط:

- ‌الفرق بين أصول الفقه، والقواعد الفقهية:

- ‌القواعد الكليَّة الخمس الكبرى

- ‌القاعدة الأولى من القواعد الكبرى: (الأمور بمقاصدها):

- ‌القاعدة الثانية من القواعد الكبرى: (لا ضرر ولا ضرار):

- ‌القاعدة الثالثة من القواعد الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك):

- ‌القاعدة الرابعة من القواعد الكبرى: (المشقة تجلب التيسير):

- ‌القاعدة الخامسة من القواعد الكبرى: (العادة محكَّمة):

- ‌قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع العرف

- ‌قرار رقم (9) بشأن العرف:

- ‌القواعد الكلية غير الكبرى

- ‌القاعدة الأولى: (إعمال الكلام أولى من إهماله):

- ‌القاعدة الثانية: (إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز):

- ‌القاعدة الثالثة: (المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصًّا أو دلالة):

- ‌القاعدة الرابعة: (التأسيس أولى من التأكيد):

- ‌القاعدة الخامسه: (إذا تعذَّر الأصل يُصار إلى البدل):

- ‌القاعدة السادسة: (التصرف في أمور الرعية منوط بالمصلحة):

- ‌القاعدة السابعة: (المرء مؤاخَذ بإقراره):

- ‌القاعدة الثامنة: (الجواز الشرعي ينافي الضمان):

- ‌القاعدة التاسعة: (اليد الأمينة لا تَضْمَنُ إلَاّ بالتَّعَدِّي أو التَّفريط):

- ‌القاعدة العاشرة: (الخراج بالضمان):

- ‌القاعدة الحادية عشرة: (على اليد ما أخذَتْ حتى تؤدِّيه):

- ‌القاعدة الثانية عشرة: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص):

- ‌القاعدة الثالثة عشرة: (ما لا يتم الواجب إلَاّ به فهو واجب):

- ‌القاعدة الرابعة عشرة: (من استعجل شيئًا قبل أوانه، عُوقِبَ بحرمانِهِ):

- ‌القاعدة الخامسة عشرة: (ما ثبت بالشرع مقدَّم على ما ثبت بالشرط):

- ‌القاعدة السادسة عشرة: (إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة أفسدها، وإن عاد إلى أمر خارج عنها لم تفسد):

- ‌القاعدة السابعة عشرة: (الأصل براءة الذمَّة):

- ‌القاعدة الثامنة عشرة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان):

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: (البيِّنة على المدَّعِي، واليمين على المدَّعَى عليه):

- ‌القاعدة العشرون: (إذا قويت القرينة، قدِّمت على الأصل):

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: (الصلح جائز بين المسلمين إلَاّ صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، والمسلمون على شروطهم إلَاّ شرطًا أحل حرامًا أو حرَّم حلالاً):

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: (الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشْرَعُ منها إلَاّ ما شرعه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: (الأصل في العادات الإباحة؛ فلا يُمْنَعُ منها إلَاّ ما حرَّمه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: (الشارع لا يأمر إلَاّ بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلَاّ عما مفسدته خالصه أو راجحة):

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون: (إذا تزاحمتِ المصالحُ، قدِّم أعلاها) و (إذا تزاحمت المفاسد، قدِّم أخفُّها):

- ‌القاعدة السادسة والعشرين: (الضرورات تبيح المحظورات):

- ‌القاعدة السابعة والعشرون: (درء المفاسد أولى من جلب المنافع):

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: (الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا):

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون: (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني):

- ‌القاعدة الثلاثون: (الحدود تُدرأ بالشبهات):

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: (الوجوب يتعلَّق بالاستطاعة؛ فلا واجب مع العجز، ولا محرَّم مع الضرورة):

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: (الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌الأصل الرابعفيالمقاصد الشرعية

- ‌المقاصد

- ‌القسم الأول فيما يرجع إلى قصد الشارع من وضع الشريعة

- ‌النوع الأول: في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة

- ‌المسألة الأولى: تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق:

- ‌المسألة الثانية: المقاصد عامة في جميع التكاليف والأزمان والأحوال:

- ‌المسألة الثالثة: المقاصد المعتبرة في الشريعة:

- ‌المسألة الرابعة: الدليل على اعتبار مقاصد الشريعة الكلية:

- ‌النوع الثاني: في بيان قصد الشَّارع في وضع الشريعة للتكليف بالمقدور وما لا حرج فيه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: لا تكليفَ بما لا يطاق:

- ‌المسألة الثالثة: لا تكليفَ بما فيه حرج:

- ‌المسألة الرابعة: الحكمة من نفي الحرج في التكليف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: الاعتدال في التكاليف والدعوة إلى امتثالها:

- ‌النوع الثالث: في بيان قصد الشَّارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: تقسيم المقاصد إلى أصلية وتبعية:

- ‌المسألة الثالثة: العملُ إذا وَقَعَ على وَفْقِ المقاصد الشرعيَّة:

- ‌المسألة الرابعة: الإنسان قد يدع حظَّ نفسه في أمر إلى حظ ما هو أعلى منه:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌العادة إذا قصد بالإتيان بها وجه الله:

- ‌لا يكون العمل صحيحًا أو مقبولاً إلَاّ إِذا رَاعَى وجه الله في القصد التابع:

- ‌يعظم الأجر بقصد المصلحة العامة:

- ‌العادات إذا كانت مصلحتها تعبُّدية، جازت فيها النيابة:

- ‌خير العمل ما وُوظِبَ عليه:

- ‌الشريعة عامَّة ما لم يقم دليل الخصوصية:

- ‌القياس يدل على عموم الأحكام ولا خصوصية للصوفية:

- ‌أحكام العادات:

- ‌الأصل في العبادات التعبد، وفي العادات التعليل:

- ‌القسم الثاني فيما يرجع إلى مقاصد المكلّف في التكليف

- ‌ينبغي أن يكون قصد المكلف من عمله موافقًا لقصد الشَّارع من تشريعه ذلك العمل:

- ‌من قصد من العمل غير ما قصده الشارع بطل عمله وأهدر ثوابه:

- ‌قصد المكلف العمل أقسام:

- ‌ليس لأحد أن يسقط حق الله في نفسه أو ماله أو عمله:

- ‌سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على المشروع مع الداعية إلى الزيادة نهي عن الزيادة:

- ‌مقدمة

- ‌اصطلاحات خاصة في هذا الشرح:

- ‌مقدمة الحافظ ابن حجر لكتابه بلوغ المرام

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌باب الوضوء

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب آداب قضاء الحاجة

- ‌باب الغسل وحكم الجُنُب

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الأذان والإقامة

الفصل: ‌باب المسح على الخفين

‌باب المسح على الخفين

مقدِّمة

المسح لغة: إمرار اليد على الشيء.

وشرعًا: إصابة اليد المبتلَّة بالماء، لحائل مخصوص، في زمنٍ مخصوص.

والخف لغةً: بضمِّ الخاء وتشديد الفاء: واحد الخِفَافِ التي تلبس على الرِّجل، سمِّي بذلك؛ لخفَّته.

وشرعًا: السَّاتر للقدمين إلى الكعبين فأكثر، من جلد وغيره.

وَذُكِرَ بعد الوضوء؛ لأنَّه بَدَلٌ عن غَسْلِ ما تحته.

والمسح رخصة:

والرخصة لغةً: التسهيلُ في الأمر.

وشرعًا: ما ثبَتَ على خلاف دليلٍ شرعيٍّ، لمعارضِ راجح.

وفي الحديث: "إنَّ الله يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رخصه"[رواه ابن خزيمة (3/ 259) وابن حبان (8/ 333)].

والمسح دلَّت عليه الأحاديثُ المتواترة:

قال الحسن البصري: حدَّثني سبعون من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه.

وقال الإمام أحمد: ليس في نفسي مِنَ المَسْحِ شيء؛ فيه أربعون

ص: 256

حديثًا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن المبارك: ليس بين الصحابة خلافٌ في جواز المسح على الخفين.

ونقل ابن المنذر الإجماعَ على جوازه، واتفق عليه أهل السنَّة والجماعة؛ فهو جائزٌ في الحضر والسفر، للرِّجال والنِّساء؛ تيسيرًا على المسلمين.

***

ص: 257

53 -

عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. .

وَلِلْأَرْبَعَةِ عَنْهُ إِلَّا النَّسَائِيَّ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ"، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. (1).

ــ

* درجة الحديث:

ما زاده الأربعة إلَاّ النسائيُّ، قال المؤلف: في إسناده ضعفٌ.

قال في التلخيص: "مسح أعلى الخف وأسفله" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة، عن المغيرة؛ وأحمد يضعِّف كاتب المغيرة.

وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة: حديث الوليد ليس بمحفوظٍ، قال الترمذي: هذا حديثٌ معلولٌ لم يسنده عن ثور غير الوليد.

* مفردات الحديث:

- فأهوَيْتُ: قال في المصباح: أهوَى إلى الشيء بيده: مدَّها ليأخذه، إذا كان عن قرب، فإنْ كان عن بُعْدٍ، قيل: هوى إليه بغير ألف.

- لأنزع: نزع ينزع، من باب ضرب، قلع الشيء، والمراد: لأقلع خفيه من رجليه، فالنزع: قلع الشيء من مكانه.

(1) البخاري (206)، مسلم (274)، أبو داود (165)، الترمذي (97)، ابن ماجة (550).

ص: 258

- خفيه: تثنية خف، هو ما يلبس في الرِّجْلِ من جِلْدٍ ساتر للكعبين، وقد يستر ما فوقهما، جمعه: خِفَافٌ وأخفاف.

- كنت مع النَّبي صلى الله عليه وسلم: في غزوة تبوك في رجب سنة تسع؛ كما جاء مبينًا في روايةٍ أخرى من روايات صحيح البخاري.

- دعهما: فعل أمرٍ من وَدَعَ، فهو معتلُّ الفاء، فتحذف إذا صيغ منه فعل أمر، ومعناه: اتركهما في مكانهما.

- فإنِّي أدخلتهما طاهرتين: تعليلٌ لترك نزعهما، والضميرُ في "أدخلتهما" يعود إلى القدمين.

- طاهرتين: حالٌ من ضمير القدمَيْن، كما بينَتْ ذلك روايةُ أبى داود (165):"فإِنِّي أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان".

- فمسح عليهما: الضمير يعود إلى الخفين، وتثنية الضمير لا يجوز إلَاّ إذا وجد دليل يعيِّن مرجع كل ضميرة كما هو الحال هنا.

وفيه إضمارٌ، تقديره: فأحدَثَ فمسَحَ عليهما؛ لأنَّ وقت جواز المسح بعد الحَدَثِ لا قبله.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

هذا أحدُ أدلَّة جواز المسح على الخفَّيْنِ من النصوص المتواترة، والمسح لمن عليه الخُفَّان أفضلُ من الغَسْلِ، مراعاةً لأصل التشريع، فالفرعُ أفضل من الأصل، وأمَّا مع عَدَمِ اللُّبْسِ فالأفضلُ الغسل، ولا يلبس ليمسح؛ لأنَّ الغسل هو الأصل.

2 -

اشتراطُ كمال الطهارة لجوازِ المَسْحِ على الخفين، فلو غَسَلَ إحدى رجلَيْهِ، ثم أدخلها الخفَّ، قبل غسل الأخرَى، لم يجزىء المسح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فإنِّي أدخلتهما طاهرتين"؛ فهذه علَّةٌ لترك نزع الخفين، وجواز المسح عليهما.

ص: 259

وبيان علَّة الحكم يحصل منها ثلاث فوائد:

الأولى: اطمئنان القلب بالحكم، وارتياحه إليه.

الثانية: سمو الشريعة الإسلامية، مِنْ أنَّه لا يوجد حكمٌ، إلَاّ وله علَّة وحكمة.

الثالثة: ثبوت الحكم لكلِّ ما ماثَلَ الحكم المعلَّل لعموم العلَّة.

قال شيخ الإسلام: إنَّ العِلَلَ مناطُهَا وتعلُّقها بالمعاني المرادة، لا بالأشخاص، فخصائصُ النَّبي صلى الله عليه وسلم إنَّما جاءَتْ من أجل أنَّه صلى الله عليه وسلم نبي.

3 -

قال النووي: إنْ لبس مُحْدِثًا، لم يجزئه المسح إجماعًا.

4 -

أنَّ رواية النسائي تدل على أنَّ المسح يكون على أعلى الخف وأسفله، ولكن ضعَّف أئمةُ الحديث هذه الزيادة، فالصحيحُ: أنَّ المسح يكون على أعلى الخف فقط.

قال الوزير: أجمعوا على أنَّ المسح يختصُّ بظاهر الخف.

قال ابن القيم: لم يصحَّ عنه أنَّه مسح أسفلهما، وإنَّما جاء في حديثٍ منقطع، والأحاديثُ الصحيحةُ على خلافه.

5 -

وجوبُ غسل الرجلين في الوضوء؛ لما استقرَّ في نفس الصحابي من نزع الخفين لغسل الرجلين عند الوضوء، وإقرار النَّبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك، لولا أنَّه يريد المسح عليهما.

6 -

أنْ يكون الخف ساترًا لمحلِّ العضو المفروض، وهذا مأخوذٌ من مسمَّى الخف، فإن لم يستر العضو لخَرْقٍ فيه وشق ونحوهما، فالرَّاجحُ: جواز المسح عليه، وَإِنْ ظهر بعضُ العضو، فإنَّ الظاهر تابع للمستور، فإنَّه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً.

7 -

الوضوءُ أمام النَّاس لا ينافي الآداب العامة، لاسيما مع الأصحاب والمستخدمين والأتباع.

ص: 260

8 -

تشرُّف المغيرة بن شعبة بخدمة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع كونه من أَكْبَرِ بيت في قبيلة ثقيف.

9 -

جواز خِدْمَةِ الفاضلِ بتقديمِ حذائِهِ وخلعهما أو حملهما، إذا كانت الخدمةُ لدينه وعلمه، أو لحقِّهِ من أبوَّةٍ أو ولايةٍ عامَّة ونحو ذلك، وأنَّه لا يعتبر مِنَ المخدوم تكبُّرًا على غيره واستهانةً بهم، ما دام الحاملُ على ذلك النظرَ إلى مبدأٍ شريفٍ وَسامٍ، كما أنه لا يعتبر من الخادم ذُلاًّ وإهانةً لنفسه، ما دام الحاملُ له غرضٌ شريفٌ، ومقصدٌ حسنٌ.

10 -

توجيهُ الخادمِ إلى الصواب مع بيانِ وجه الحكم؛ ليكونَ أشدَّ طمأنينةً لقلبه، وأفقه لنفسه، وأسرع لقبوله.

11 -

الطهارةُ عند كثيرٍ من الفقهاء -ومنهم أصحابنا الحنابلة- لا تكون إلَاّ إذا كانت بالماء، دون التيمُّم؛ فهو عندهم مبيحٌ لا رافع للحدث، وعلى هذا: يشترط لجواز المسح أَنْ تكون الطهارة التي لَبِسَ بعدها الخفين هي طهارة بالماء.

ولكن القول الثاني الذي يعتبر فيه التيمُّم بدلاً من الماء، وقائمًا مقامَهُ في كلِّ شيء، حتَّى في رفع الحدث: فإنَّه يجوز أنْ يمسح ولو كانت الطهارة طهارة تيمُّم، وهو الصحيح.

12 -

جواز إعانه المتوضىء على وضوئه بتقريب الماء أو الصبِّ عليه ونحو ذلك، أمَّا غَسْل أعضائه: فلا يكون إلَاّ من حاجة.

***

ص: 261

54 -

وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه-أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ" أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (1).

ــ

*درجة الحديث:

الحديث صحيح. فقد أخرجه أبو داود بإسنادٍ حسن، وقال المؤلِّف في التلخيص: وفي الباب حديثٌ عن علي، إسناده صحيح.

* مفردات الحديث:

- لو: حرف شرطٍ غير جازم، وهي حرف امتناع لا متناع، فينتفي جوابها لانتفاء شرطها، ففي الحديث انتفاء مشروعية المسح على ظاهر الخف؛ لانتفاء كون دين الله بمجرَّد العقل.

- الدِّين: المراد به هنا الشرع، وله معانٍ أخر.

- الرأي: يطلق على الاعتقاد والتَّدبير والعقل، وجمعه آراء، ومجرَّد العقلِ دون الرواية والنَّقْل ليس بِشَرْعٍ.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

وجوبُ كون مسح الخف على أعلى الخف فقطْ، فلا يجزىء مسح غيره، ولا يشرع مسح غيره معه، سواء الأسفل أو الجوانب.

2 -

إنَّ الدِّين مبناه على النَّقْلِ عن الله تعالى، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الرأي هو المُحْكَمَ فيه، فالواجبُ الاتباعُ، لا الابتداع.

3 -

الذي يتبادر للذِّهْن هو أنَّ الأولى بالمسح هو أسفل الخف، لا أعلاه؛ لأنَّ

(1) أبو داود (162).

ص: 262

الأسفل هو الذي يباشر الأرض، وربمَّا أصابته النجاسة، فكان أولى بالإزالة، ولكن الواجب هو تقديمُ النَّقل الصحيحِ على الرأي؛ فإنَّ الذي شرع ذلك هو أعلم بالمصالح. وليس معنى هذا أنَّ الشرع لا يعبأ بالعقل ولا يعتبره؛ فإنَّ تشريف العقل في القرآن الكريم، وتوجيه مواهبهِ ومخاطبته، هي أكثر وأكبر من أن يستشهد بها؛ قال تعالى:{أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} [يس: 68]، وقال:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)} [الروم: 24]، وقال:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]، فالعقل نعمةٌ كُبرى أَنعم الله بها على الإنسان. وإنَّما معناه: أنَّ العقل غير مستقلٍّ بالتَّشريع، فهو يسلِّم ويتلقَّى شرع الله تعالى بنفسٍ راضيةٍ، ويحاول فهم أسرار الله فيها، فإنْ أدرك؛ فذاك من نعمة الله عليه؛ وإلَاّ سلك سبيل الذين قالوا:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

4 -

العقل السليم يوافق النقل الصحيح، فالشريعة التي أنزلها الله تعالى لا تقصد إلَاّ نفس الغرض، الذي خُلِقَ العقل من أجله، حينما يكون العقل سليمًا صحيحًا لم يغلبه الهَوَى والشهوات، ولم يمسَّه الضعفُ والخِفَّة. على أنَّه من المعلوم أنَّ العقل لا يكون معيارًا على الشريعة، بل الشريعة هي التي تكون مقياسًا لنقد العقول، فإذا كان هناك عقلٌ يقبل أحكام الشرع، عُلِمَ أنَّه عقلٌ سليمٌ بريءٌ من العلَاّت، وإذا أبى قبولها، علم أنَّه مريض وعليل.

5 -

وجوب الخضوع والتسليم، لأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو غايةُ العبادة، وهو كمالُ الانقياد والتسليم.

6 -

لعلَّ -والله أعلم- مِنْ حكمة هذا الحكم، أنَّ الغَسْلَ يُتْلَفُ الخف، فاكتفي بالمسح تيسيرًا وتسهيلًا، وحفظًا لمالية الخف، والمسح ليس غسلًا يزيل النجاسة وينقِّي الخف، وما دام أنَّ المسح لن يَزِيلَ الأذى العالق بأسفل الخف، بل إنْ مسحه بالماء يسبِّب حمله للنجاسة، جعل المسح أعلاه ليزيل

ص: 263

ما علق به من غبار؛ لأنَّ ظاهر الخف هو الذي يُرَى، والأفضل أنْ يكون المصلِّي في غاية النظافة، والله أعلم.

7 -

مسح الخف في حديث المغيرة مجمَلٌ، وهذا الحديث بيَّن صفته وكيفيته.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء هل المسح على جميع ظاهر الخف أم لا؟:

والرّاجح: أنَّ المسح يكون على أكثره؛ لأنَّ المسح عليهما لا بهما.

واختلفوا هل يمسحان كالأذنين معًا، أم تقدَّم اليمنى؟:

والرَّاجح: تقديم اليمنى؛ وذلك لأنَّ الرِّجْلين مستقلتان، وليستا كالأذنين تابعتين للرَّأس.

ولأنَّ مسحهما فَرْعُ غَسْلهما، والغسل فيه استحباب التيامن.

ولأنَّ حديث عائشة صريحٌ في استحباب تيامنه في طهوره، ومسح الخفين من الطهور، فيسن أنْ يمسح بأصابع يديه على ظهور قدميه، فيمسح اليمنى باليمنى، ثمَّ يمسح اليسرى باليسرى، ويفرِّج بين أصابعه، وكيفما مسح أجزأ.

وأجمعوا على أنَّ المسح عليه مرَّةً واحدة، وأنَّه لا يسن تكراره.

***

ص: 264

55 -

وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ (1).

ــ

*درجة الحديث:

الحديث صحيح. فقد صحَّحَهُ الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبَّان، والطحاوي، ونقل الترمذي عن البخاري أنَّه قال: حديثٌ حسنٌ، ليس في التوقيت شيءٌ أصح منه، وقال النووي: إنَّه جاء بأسانيدَ صحيحةٍ.

وَقال ابن عبد الهادي في المحرَّر: رواه أحمد (17625)، والنسائي، وابن ماجه (478)، ورواه ابن خزيمة، وابن حبَّان (4/ 149).

* مفردات الحديث:

- سَفْرًا: بفتح السِّين، وسكون الفاء، آخره راء: جمع مسافر، مثل راكب ورَكْب، وصاحب وصَحْب، وكان في الأصل مصدرًا، فأمَّا مسافر فجمعه: مسافرون.

- ننزع: يُقال: نَزَعَ يَنْزِعُ نَزْعًا -من باب ضرب-: قلعه، فالنزع: الجذب والقلع.

- خِفَاف: بكسر الخاء، ففاء مفتوحة: جمع خُفّ، والخف: ما يُلبس في الرجل من جلدٍ رقيق.

- جنابة: تقدّمت، وسيأتي بيانها أتم في باب الغسل، إنْ شاء الله تعالى.

- غائط: أصله: المكان المنخفض الواسع من الأرض، فكان من أراد أنْ يتبرَّز

(1) الترمذي (96)، والنسائي (127)، ابن خزيمة (1/ 13).

ص: 265

يستتر به عن النَّاظرين، وكثر استعماله حتَّى سُمِّيَ الخارجُ من الإنسان غائطًا، من باب الكناية، وجمعه غوط وغياط.

- بَوْل: بفتح فسكون: سائلٌ تفرزه الكليتان، فيجتمع في المثانة حتَّى تدفعه إلى الخارج، عن طريق مسلكه، جمعه أبوال، وتقدَّم.

- نَوْم: فترة من الخمود، مصحوبة بنقصٍ في الإدراك والشعور، تتوقَّف فيها الوظائف البدنية، وهو فترة راحة تساعد الجسم على تعويض ما فقده، من طاقات مختلفة، خلال العمل.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

جوازُ المسح على الخفَّيْن في السفر، كما كان في الحضر؛ بل الحاجة إليه في السفر أشد.

2 -

أنَّ مدَّةَ المسحِ على الخُفَّيْنِ في السفر ثلاثة أيَّامٍ بلَيالِيْهِنَّ، وأنَّهُ بعد الثَّلاثَة يَجبُ خَلعهما، وغَسْلُ ما تحتهما من القدمين في الوضوء.

3 -

إنَّ المسح على الخفين يكون من الحدث الأصغر، دون الحدث الأكبر؛ ففيه: يجب خلعهما وغسل ما تحتهما، وهو حكم مُجْمَع عليه بين العلماء.

4 -

نقض الوضوء من الخارج من السبيلين، وأهمُّه البول والغائط.

5 -

نقض الوضوء من النوم.

6 -

مثل النَّوم في نقض الوضوء، كلُّ ما أزال العقلَ وغطَّاهُ؛ من إغماءٍ وبنجٍ ومسكر وغيرها.

7 -

عمومُ الحديث يفيدُ جوازَ المسحِ على الخفَّيْنِ، سواءٌ كان صالحًا أو مخروقًا؛ فإنَّ الغالبَ على خفاف الصحابة رضي الله عنهم أنْ لا تسلم من وجود الشقوق والخروق.

وهذا خلاف ما قيَّده به أصحاب الإمامين الشَّافعي وأحمد، من اشتراط عدم الخرق أو الشق في الخف، وهو قولٌ مرجوحٌ، والله أعلم.

ص: 266

8 -

لا يجوز المسح على مالا يستر محل الفرض؛ أخذًا من مسمَّى الخف عندهم.

9 -

جواز المسح على الجوربين ونحوهما، ممَّا له حكم الخفين، يستر محل الفرض، والحاجة إلى لُبْسهِ والمشقَّة في نزعه، من أي شيءٍ يكون الجورب؛ من صوفٍ أو وبرٍ أَو قطنٍ أو غيرها.

10 -

قال في المغني: ولا يجوز المسح على الخف الرقيق الذي يصف البَشَرَةَ؛ لأنَّه غير ساترٍ لمحل الفرض؛ فأشبه النَّعل.

وقال النووي في المجموع: وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإنْ كان رقيقًا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود.

* خلاف العلماء:

ذهب الإمام أحمد: إلى جواز المسح على الجوربين، وهما ما يصنع على هيئة الخف من غير الجلد.

قال ابن المنذر: تروى إباحةُ المسح على الجوربين عن تسعة من الصحابة، وهم: علي وعمَّار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى وسهل بن سعد.

وهو قول: عطاء والحسن وابن المسيب وابن المبارك والثوري وإسحاق وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؛ لما روى الإمام أحمد (1774)، وأبو داود (159)، والترمذي (99) عن المغيرة بن شعبة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين.

قال الترمذي: حسنٌ صحيح.

قال الألباني: رجاله كلهم ثقات؛ فإنَّهم رجال البخاري في صحيحه محتجًّا بهم.

ص: 267

وذهب الأئمة الثلاثة -فيما استقرَّت عليه مذاهبهم أخيرًا- إلى جواز المسح عليهما.

واختلف العلماء: أيهما أفضل الغَسْلُ أو المسح؟:

فذهب الشافعية: إلى أنَّ الغَسْلَ أفضل؛ بشرط أنَّه لا يترك المسح رغبةً عن السنَّة.

وذهب الحنابلة: إلى أنَّ المسح أفضل من الغسل.

قال في شرح الإقناع: المسح على الخفين أفضل من الغسل؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنَّما طلبوا الأفضل، وفيه مخالفةُ أهل البدع، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله يُحِبُّ أنْ يُؤْخَذَ برخصه"[رواه ابن خزيمة (3/ 259)، وابن حبَّان (8/ 333)].

وأمَّا ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال: لم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلَّف ضد حاله التي عليها قدماه، فإنْ كانتا في الخف، مَسَحَ عليهما، وإِنْ كَانتا مكشوفتين، غسل القدمين".

وقال رحمه الله: هذا أعدل الأقوال.

***

ص: 268

56 -

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: "جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ" يَعْنِي فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- ثلاثة أيام: اليوم: من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس؛ ولذا من فعل شيئًا بالنَّهار، وأخبر به بعد غروب الشمس، يقول: فعلته أمس، واستحسن بعضهم أنْ يقول: أمسِ الأقربَ، وهو مذكَّر، وجمعه أيام، جمعه مؤنث، فيقال: أيام مباركة.

- لياليهنَّ: جمع ليلة، قال في المصباح: وقياس جمعها ليلات، والليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.

وقال في المعجم الوسيط: تقول: فعلت الليلة كذا، من الصبح إلى نصف النَّهار، فإذا انتصف النَّهار قلتَ: البارحة، أي: الليلة التي قد مضت.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

مدَّة مسح المقيم: يومٌ وليلةٌ، ويكون -على الرَّاجح من قولي العلماء- من ابتداء المسح بعد الحدث، إلى مثل وقته من اليوم الثاني.

2 -

مدَّه مسح المسافر: ثلاثة أيام ولياليهنَّ، وهو من ابتداء المسح بعد الحدث إلى مثل وقته من اليوم الرَّابع.

3 -

مثل الخفين في المدَّة: العمامةُ، وخُمُرُ النِّساء، عند من يقول بجواز المسح عليها؛ ففيها خلاف، والرَّاجح: جواز ذلك.

(1) مسلم (176).

ص: 269

4 -

في الحديث دليلٌ على حكمةِ الشرع، وتنزيل الأمور منازلها، واعتبارِ الأحوال؛ فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم فرَّق -هنا- بين المسافر والمقيم، فجعل للمسافر مُدَّةً أطول من مدَّة المقيم، مراعاةً بحال المسافر ومشقَّته، واحتياجه إلى زيادة المدَّة، بخلاف المقيم المستقر المرتاح، والله حكيمٌ عليم.

5 -

فيه بيانُ يُسْرِ الشريعة وسماحَتِها، ومراعاتِها لأحوالِ النَّاسِ في قوتهم وضعفهم وحاجتهم.

***

ص: 270

57 -

وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ -يَعْنِي: الْعَمَائِمَ- وَالتَّسَاخِينِ -يَعْنِي: الْخِفَافَ-" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صححَّه الحاكم، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

قال في المحرَّر: رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى الموصلي والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وفي قوله نظر؛ فإنَّه من رواية ثور بن زيد عن راشد بن سعد، عن ثوبان، وثور لم يرو له مسلم، بل انفرد به البخاري، وراشد بن سعد لم يحتجَّ به الشيخان، ووثَّقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي، وخالفهم ابن حزم، والحق معهم.

وقال الحافظ في الدراية (1/ 72): إسناده منقطع، وضعَّفه البيهقي، وقال البخاري: حديث لا يصح.

* مفردات الحديث:

- سرية: جمعها سرايا، وهي القطعةُ من الجيش، سُمِّيَتْ سريةً؛ لأنَّها تَسْرِي في خُفْية، وهي ما بين خمسة أنفس إلى ثلاثمائة، وهي من الخيل نحو أربعمائة، واصطلَحَ علماءُ السيرة النبوية على أنَّ كلَّ جيش لم يكن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي سريَّه، وكُلَّ ما حضر فيه صلى الله عليه وسلم يسمَّى غزوة.

- العصائب: مفردها عِصَابة، وهي ما عُصبَ به الرَّأسُ من منديل ونحوه.

- العمائم: مفردها عمامة، وهي ما يلف على الرَّأس.

(1) أحمد (1878)، أبو داود (146)، الحاكم (1/ 275).

ص: 271

- التساخين: بفتح التاء: نوعٌ من الخفاف، قال ثعلب: لا واحد لها من لفظها، يعني: الخفاف أو الأخفاف.

* ما يُؤْخذ من الحديث:

1 -

جواز المسح على العمامة، والخفاف في السفر.

2 -

كما يجوز في السفر، فإنَّه يجوز أيضًا في الحضر؛ فالرخصة عامَّة.

3 -

فيه تعليم الجيش والغزاة والمسافرين، إلى ما يحتاجون إليه من الأحكام الشرعية؛ ففيه تنبيهُ ولاةِ الأمور وقُوَّادِ الجيوش وكبارِ رجال الأمن، أنْ يُعْنَوْا بتوعية جنودهم التوعية الشرعية، لاسيَّما في الأحكام التي يحتاجون إليها.

4 -

أنَّ الأنسب في توجيه العامَّة، وإرشادهم، أنْ يُعْطَوْا من العلم المسائلُ التي هم في حاجتها، والتي تدورُ في محيطهم الحاضر؛ لأنَّهم في حاجتها الآن.

5 -

صفة مسح العمامة، وهو أنْ يمسح بيده المبتلَّة بالماء ظاهرَ العمامةِ دون باطنها؛ لأنَّ أعلاها يشبه ظاهر الخف، ولا يجب أنْ يمسح مع العمامة ما جرت العادةُ بكشفه من الرَّأس.

6 -

هؤلاء الذين أمرهم النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على العصائب والخفاف جنودٌ كثيرون ومسافرون، وحالة الصحابة رضي الله عنهم في تقلُّلهم من الدنيا ومتاعها معلومةٌ، فيكون من المحقَّق أنَّ غالب عمائمهم وخفافهم قديمةٌ وممزَّقة، ويبدو منها بعض محل الفرض، فمسحوا عليها، وسيأتي بيان الخلاف، إِنْ شاءَ الله تعالى.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في جواز المسح على الخف المخرَّق:

فذهب الإمامان الشافعي وأحمد وأتباعهما: إلى أنَّه لا يجوز المسح عليه، ولو كان خرقًا واحدًا، أو كان صغيرًا أيضًا، ودليلهم: أنَّ ما ظهر من محل الفرض ففرضه الغَسْل، وما سُتِرَ ففرضه المسح؛ والغسل لا يجامع

ص: 272

المسح، إذ لا يُجْمَع بين البدلِ والمبدَلِ منه، في محلٍّ واحدٍ.

وذهب الإمام أبو حنيفة: إلى أنَّه لا يجوز المسح عليه إذا كان الخرق قدر ثلاثة أصابع فأكثر.

وذهب الإمام مالك: إلى أنَّه لا يمسح عليه إذا أكثر وفحش، ويحدِّد فحشَهُ العرف.

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية: إلى جواز المسح على الخُفِّ المخروق، مادام اسمُ الخفِّ باقيًا عليه، وهو مذهبُ الثوري وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي.

وقال شيخ الإسلام: إنَّ هذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن يسير ستر العورة، وعن يسير النجاسة ونحو ذلك؛ فإنَّ السنَّة وردت بالمسح على الخفين مطلقًا، وقد استفاضت الأخبار عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح:"أنَّه مسح على الخفين"، وتلقَّى الصحابة عنه ذلك، فأطلقوا القول بجواز المسح على الخفين، ومعلومٌ أنَّ الخفاف عادةً لا يخلو كثيرٌ منها من فَتْق أو خَرْق، وكان كثير من الصحابة فُقَراءَ لم يكنْ يمكنهم تجديدُ ذلك.

ومن تدبَّر الشريعةَ، وأعطى القياس حقَّه، علم أنَّ الرخصة في هذا الباب واسعة، وأنَّ ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلَّة على رفع الحرج عن هذه الأمَّة بَلَغَتْ مبلغ القطع، ومقصدُ الشَّارع من مشروعية الرخصة الرفقُ في تحمُّل المشاقِّ، فالأخذُ بها مطلقًا موافقة للعقيدة.

أمَّا لو زال اسم الخفِّ منه، وزال معناه والفائدة منه: فهذا لا يصح المسح عليه.

***

ص: 273

58 -

وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَوْقُوفًا، وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا:"إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ، فَلَبِسَ خُفَّيْهِ، فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا، وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا، وَلَا يَخْلَعْهُمَا -إِنْ شَاءَ- إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ". أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (1).

ــ

*درجة الحديث:

الحديث شاذٌّ.

والمحفوظ في المسح على الخفين ونحوهما: هو التوقيت؛ للمقيم يومٌ وليلة، وللمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ.

وقد تكلَّم ابن دقيق العيد عن هذا الحديث موقوفاً ومرفوعًا في كتابه "الإلمام"؛ فقال: رواه الدَّارقطني من جهة أسد، ووثَّقه الكوفي والنسائي والبزَّار، قال الحاكم: وروي عن أنس مرفوعًا بإسنادٍ صحيحٍ، ورواته عن آخرهم ثقات إلَاّ أنَّه شاذٌّ بمرة.

قال محرِّره عفا الله عنه: والشذوذ في الحديث لا ينافي ثقة رواته؛ ولذا قال صاحب التنقيح: إسناده قوي، ولكن مخالفته لمن هو أوثق منه تُوجِبُ ردَّه، واعتباره من قسم الضعيف في الحديث.

* مفردات الحديث:

- ولا يخلعهما: "لا" ناهية، إلَاّ أنَّه لم يُرِدِ النَهْيَ؛ بدليل قوله:"إنْ شاء"، ومعنى "لا يخلعهما" أي: لا ينزع الخفين من الرِّجْلين.

(1) الدَّارقطني (1/ 203)، الحاكم (1/ 181).

ص: 274

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

فيه اشتراط الطهارة في المسح على الخفين، وأنَّه لا يجوز المسح عليهما إلَاّ إذا لُبسَا بعد كمال الطهارة؛ كما تقدَّم في حديث المغيرة بن شعبة.

2 -

أنَّ الَمسح رخصةٌ، فهو جائزٌ، وليس بواجبٍ، وقد قُيِّد الأمر بالمسح، ويحتمل أنْ يكونَ للاستحباب.

قال شيخ الإسلام: الأفضل لِلَابس الخف: أنْ يمسح عليه، والأفضل لمن قدماه مكشوفتان: غسلهما؛ اقتداءً بالنَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

3 -

الحديث مطلق عن التوقيت؛ ولكنَّه مقيد بالأحاديث الأُخر التي تقدَّمت، ومنها حديث علي، وحديث صفوان رضي الله عنهما من أنَّ للمسح مدَّةً محدودة.

4 -

المسح على الخفين ونحوهما خاصٌّ بالحدث الأصغر؛ أمَّا الحدث الأكبر فلا يجوز المسح معه، بل لابد من خلع الخفين وغسل القدمين؛ لقوله:"إلَاّ من جنابة"؛ لأنَّ حدث الجنابة أشدُّ وأغلظُ من الحدث الأصغر، فإنَّه يحرُمُ على الجنب ما لا يحرُمُ على صاحب الحدث الأصغر.

5 -

فيه مشروعيةُ الصلاة في الخفين ونحوهما؛ لقوله: "وليصل فيهما"، كما صحَّ:"أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه".

***

ص: 275

59 -

وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح. قال الحافظ في التلخيص: أخرجه ابن خزيمة، واللفظ له، وصحَّحه الخطابي، ونقل البيهقي أنَّ الشَّافعي صحَّحه.

وقد رواه ابن ماجه، وابن حبَّان (4/ 154)، وابن الجارود (2/ 232)، وابن أبي شيبة (1/ 2163)، والدَّارقطني، والترمذي في العلل.

* مفردات الحديث:

- رخَّص: الرُّخْصة، بضم الرَّاء، وسكون الخاء، وزن غُرْفة، جمعها رُخَصٌ، وهي التسهيل في الأمر والتيسير.

- إذا تطهَّر: المراد بالتطهُّر هنا: الطهارة من المحدثين.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

مدَّة مسح المسافر ثلاثة أيَّامٍ ولياليهنَّ، ومسح المقيم يوم وليلة.

2 -

أنْ يكون المسح بعد طهارةٍ كاملةٍ، ولُبْسِ الخفين بعدها.

3 -

الفرق بين المسافر والمقيم: هو أنَّ المسافر في مظنَّة الحاجة إلى طول المدَّة لمشقَّة السفر والبَرْدِ والحفاءِ وتوفيرِ الوقت، بخلاف المقيمِ فهو في راحةٍ من هذا كلِّه.

(1) الدَّارقطني (1/ 204)، ابن خزيمة (1/ 96).

ص: 276

4 -

المسح على الخفين ونحوهما رخصةٌ من الله تعالى، وتسهيلٌ على خلقه، والنَّبي صلى الله عليه وسلم المرخِّصُ مبلِّغٌ عن الله تعالى.

5 -

كلَّما اشتدَّتِ الحاجةُ حصلتِ الرخصة والتيسير، وهذه هي قاعدة الإسلام الكبرى في أحكامه الرشيدة.

6 -

قوله: "رخَّص" دليلٌ على أنَّ المسح على الخفين رخصةٌ لا عزيمة، والرخصةُ ليست بواجبة، فيكونُ المسحُ على الخفين ليس بواجب.

7 -

الرخصة لغةً: السهولة، واصطلاحًا: ما ثَبَتَ على خلافِ دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجحٍ؛ فالدليل الشرعي -هنا -وهو: وجوبُ غَسْلِ الرجلين في الوضوء، ومسح الرَّأس، أمَّا المعارض الرَّاجح: فهو التسهيل بالمسح.

8 -

وفيه دليلٌ على أنَّ الشرع ينزل المكلَّفين على موجب أحوالهم؛ فكل واحدٍ له منزلته المناسبة لحاله.

***

ص: 277

60 -

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ عِمَارَةَ رضي الله عنه "أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ? قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَوْمًا? قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَيَوْمَيْنِ? قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَثَلَاثَةً أَيَّامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا شِئْتَ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

قال المؤلِّف في التلخيص: ضعَّفه البخاري، فقال: لا يصح، وقال أبو داود: اختُلِفَ في إسناده، وليس بالقوي، وقال أحمد: رجالُهُ لا يُعْرَفون، وقال أبو الفتح الأزدي: هو حديثٌ ليس بالقائم. وقال ابن حبَّان: لست أعتمد على إسناد خبره، وقال الدَّارقطني: لا يثبت، وقال ابن عبد البر: لا يثبت، وليس له إسنادٌ قائم، ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه.

* مفردات الحديث:

- أمسح: الهمزة هي أصلُ أدواتِ الاستفهام، وقد حُذِفَتْ هنا للتسهيل والاكتفاء بالهمزة الثانية.

- نعم: بفتحتين: حرف جواب يؤتَى بها للدَّلالة على جملة الجواب المحذوفة قائمة مقامها، فقوله في الحديث "نعم" أي: امسَحْ على الخفين.

وهذا المعنى هو أحد استعمالاتها الثلاثة.

*ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحديث يدل على عَدَمِ توقيتِ المسح على الخفين، وأنَّ المتوضِّىء يمسح

(1) أبو داود (158).

ص: 278

عليهما اليومَ واليومَيْن والثلاثة، وما شاء بعدها من الأيَّام.

2 -

الحديثُ على فرض صحَّته مقيَّدٌ بأحاديث التوقيت باليوم والليلة للمقيم، وثلاثةِ أيَّامٍ للمسافر، ويمكنُ جعلُ إطلاقه على ما قاله شيخ الإسلام: من أنَّه لا توقيت في حق المسافر الذي يشق عليه اشتغاله بالخلع واللبس، بل يمسح حتَّى تَنْفَكَّ أزمته وانشغاله.

3 -

وعلى كلٍّ، فالحديث ضعيف؛ وبناءً عليه: فلا يقاوم أحاديث التوقيت الصحيحة، ولا يُعْمَلُ به، وإنْ عُمِلَ به، قُيِّدَ بأحاديث التوقيت، أو يحمل على حالة عذر المسافر وانشغاله.

فائدة:

المؤلِّف رحمه الله لم يأتِ بما يفيدُ جوازَ المسحِ على الجبيرة.

والجبيرة: ما يُربَطُ على كَسْرٍ أو جُرْحٍ؛ من أخشابٍ، أو أسياخٍ، أو خرقٍ أو جِبْس، ونحوها.

والأصل فيها: ما رواه أبو داود والدَّارقطني عن جابر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في صاحب الشجَّة: إنَّما يكفيه أنْ يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده.

على أنَّ الحديثَ يُضَعَّف أو ليس بالقوي، ولكن قال الصنعاني: إنَّه يَعْضُدُهُ حديثُ عيٍّ في المسح على الجبائر بالماء؛ فالجبيرةُ يمسحُ عليها كالخف والعمامة، ولكنَّها تخالفهما بأحكامٍ هي:

1 -

أنَّه لا يشترط أنْ تستُرَ محلّ الفرض.

2 -

ويمسحُ عليها في الحدثِ الأصغرِ والأكبر.

3 -

والمسحُ عليها غيرُ مؤقَّت؛ بل يمسحُ حتَّى يحصل البرء.

4 -

والمسحُ يكون عليها كلها وليس على بعضها.

5 -

وعلى الرَّاجح من قولي العلماء: أنَّه لا يشترط الطهارة عند ربطها.

ص: 279