المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الحيض مقدمة يُقال: حاضتِ المرأةُ تحيضُ حَيْضًا ومَحِيضًا، فهي حائض: إذا - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ١

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة الطبعة الخامسة

- ‌الإلمام في أصول الأحكام

- ‌الأصل الأولفيمصطلح الحديث

- ‌ مصطلح علم الحديث

- ‌تعريفات:

- ‌تقسيم الحديث باعتبار طرقه:

- ‌أقسام الآحاد:

- ‌تقسيم الحديث من حيثُ القبولُ:

- ‌أنواع الأحاديث المردودة:

- ‌ضعف الحديث من حيثُ فَقْدُ العدالة والضبط:

- ‌ضعفُ الحديث من حيث فَقْدُ الاتصال:

- ‌ضعفُ الحديث من حيثُ وجود الشذوذِ أو العلة:

- ‌أقسامُ الحديث باعتبار من أُضِيفَ إليه:

- ‌فائدة:

- ‌من أنواع الكتب في علم الحديث:

- ‌من أخرج لهم المؤلِّف في بلوغ المرام:

- ‌الذي اطَّلَعْتُ عليه من شروح بلوغ المرام:

- ‌ترجمة المؤلِّف

- ‌دراسته ومشايخه:

- ‌رحلاته:

- ‌أعماله:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌بلوغ المرام

- ‌صلتي ببلوغ المرام:

- ‌الأصل الثانيفيأصول الفقه

- ‌ العلم

- ‌الجهل:

- ‌رُتَبُ المُدْرَكَات:

- ‌النظر:

- ‌الدليل:

- ‌ناصب الدليل:

- ‌المستدِلّ:

- ‌المستدل عليه:

- ‌المستدَلُّ له:

- ‌الاستدلال:

- ‌أصول الفقه:

- ‌أولًا: التعريف الإضافي:

- ‌ الأحكام

- ‌ثانيًا: التعريف اللقبي:

- ‌فائدة أصول الفقه:

- ‌أقسام الأحكام الشرعية:

- ‌فالأحكام التكليفية خمسة:

- ‌الأحكام الوضعية:

- ‌الكلام:

- ‌والاسم:

- ‌الأمر:

- ‌ما يقتضيه الأمر:

- ‌النهي:

- ‌موانع التكليف:

- ‌العامُّ:

- ‌حكمه:

- ‌ التخصيص

- ‌الخاصُّ:

- ‌أقسام التخصيص:

- ‌المطلَقُ والمقيَّد:

- ‌العمل بالمطلق:

- ‌المجمَل والمبيَّن:

- ‌المُبَيَّن:

- ‌العمل بالمُجْمَل:

- ‌النصوص الشرعية:

- ‌كتاب الله تعالى:

- ‌السنة النبوية:

- ‌منزلة السنة من الكتاب:

- ‌النسخ:

- ‌ما يمتنع نسخه:

- ‌شروط النسخ:

- ‌حكمة النسخ:

- ‌تعارض النصوص:

- ‌الإجماع:

- ‌حجية الإجماع:

- ‌مستند الإجماع:

- ‌القياس:

- ‌مسألتان هامَّتان

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌الاجتهاد:

- ‌شروط المجتهد:

- ‌الأصل الثالثفيالقواعد الفقهية

- ‌تعريف وتاريخ:

- ‌معنى القواعد الفقهية

- ‌مَيْزَاتُهَا:

- ‌أنواع القواعد الفقهية ومراتبها:

- ‌الفرق بين القاعدة، والضابط:

- ‌الفرق بين أصول الفقه، والقواعد الفقهية:

- ‌القواعد الكليَّة الخمس الكبرى

- ‌القاعدة الأولى من القواعد الكبرى: (الأمور بمقاصدها):

- ‌القاعدة الثانية من القواعد الكبرى: (لا ضرر ولا ضرار):

- ‌القاعدة الثالثة من القواعد الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك):

- ‌القاعدة الرابعة من القواعد الكبرى: (المشقة تجلب التيسير):

- ‌القاعدة الخامسة من القواعد الكبرى: (العادة محكَّمة):

- ‌قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع العرف

- ‌قرار رقم (9) بشأن العرف:

- ‌القواعد الكلية غير الكبرى

- ‌القاعدة الأولى: (إعمال الكلام أولى من إهماله):

- ‌القاعدة الثانية: (إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز):

- ‌القاعدة الثالثة: (المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصًّا أو دلالة):

- ‌القاعدة الرابعة: (التأسيس أولى من التأكيد):

- ‌القاعدة الخامسه: (إذا تعذَّر الأصل يُصار إلى البدل):

- ‌القاعدة السادسة: (التصرف في أمور الرعية منوط بالمصلحة):

- ‌القاعدة السابعة: (المرء مؤاخَذ بإقراره):

- ‌القاعدة الثامنة: (الجواز الشرعي ينافي الضمان):

- ‌القاعدة التاسعة: (اليد الأمينة لا تَضْمَنُ إلَاّ بالتَّعَدِّي أو التَّفريط):

- ‌القاعدة العاشرة: (الخراج بالضمان):

- ‌القاعدة الحادية عشرة: (على اليد ما أخذَتْ حتى تؤدِّيه):

- ‌القاعدة الثانية عشرة: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص):

- ‌القاعدة الثالثة عشرة: (ما لا يتم الواجب إلَاّ به فهو واجب):

- ‌القاعدة الرابعة عشرة: (من استعجل شيئًا قبل أوانه، عُوقِبَ بحرمانِهِ):

- ‌القاعدة الخامسة عشرة: (ما ثبت بالشرع مقدَّم على ما ثبت بالشرط):

- ‌القاعدة السادسة عشرة: (إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة أفسدها، وإن عاد إلى أمر خارج عنها لم تفسد):

- ‌القاعدة السابعة عشرة: (الأصل براءة الذمَّة):

- ‌القاعدة الثامنة عشرة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان):

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: (البيِّنة على المدَّعِي، واليمين على المدَّعَى عليه):

- ‌القاعدة العشرون: (إذا قويت القرينة، قدِّمت على الأصل):

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: (الصلح جائز بين المسلمين إلَاّ صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، والمسلمون على شروطهم إلَاّ شرطًا أحل حرامًا أو حرَّم حلالاً):

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: (الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشْرَعُ منها إلَاّ ما شرعه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: (الأصل في العادات الإباحة؛ فلا يُمْنَعُ منها إلَاّ ما حرَّمه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: (الشارع لا يأمر إلَاّ بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلَاّ عما مفسدته خالصه أو راجحة):

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون: (إذا تزاحمتِ المصالحُ، قدِّم أعلاها) و (إذا تزاحمت المفاسد، قدِّم أخفُّها):

- ‌القاعدة السادسة والعشرين: (الضرورات تبيح المحظورات):

- ‌القاعدة السابعة والعشرون: (درء المفاسد أولى من جلب المنافع):

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: (الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا):

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون: (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني):

- ‌القاعدة الثلاثون: (الحدود تُدرأ بالشبهات):

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: (الوجوب يتعلَّق بالاستطاعة؛ فلا واجب مع العجز، ولا محرَّم مع الضرورة):

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: (الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌الأصل الرابعفيالمقاصد الشرعية

- ‌المقاصد

- ‌القسم الأول فيما يرجع إلى قصد الشارع من وضع الشريعة

- ‌النوع الأول: في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة

- ‌المسألة الأولى: تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق:

- ‌المسألة الثانية: المقاصد عامة في جميع التكاليف والأزمان والأحوال:

- ‌المسألة الثالثة: المقاصد المعتبرة في الشريعة:

- ‌المسألة الرابعة: الدليل على اعتبار مقاصد الشريعة الكلية:

- ‌النوع الثاني: في بيان قصد الشَّارع في وضع الشريعة للتكليف بالمقدور وما لا حرج فيه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: لا تكليفَ بما لا يطاق:

- ‌المسألة الثالثة: لا تكليفَ بما فيه حرج:

- ‌المسألة الرابعة: الحكمة من نفي الحرج في التكليف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: الاعتدال في التكاليف والدعوة إلى امتثالها:

- ‌النوع الثالث: في بيان قصد الشَّارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: تقسيم المقاصد إلى أصلية وتبعية:

- ‌المسألة الثالثة: العملُ إذا وَقَعَ على وَفْقِ المقاصد الشرعيَّة:

- ‌المسألة الرابعة: الإنسان قد يدع حظَّ نفسه في أمر إلى حظ ما هو أعلى منه:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌العادة إذا قصد بالإتيان بها وجه الله:

- ‌لا يكون العمل صحيحًا أو مقبولاً إلَاّ إِذا رَاعَى وجه الله في القصد التابع:

- ‌يعظم الأجر بقصد المصلحة العامة:

- ‌العادات إذا كانت مصلحتها تعبُّدية، جازت فيها النيابة:

- ‌خير العمل ما وُوظِبَ عليه:

- ‌الشريعة عامَّة ما لم يقم دليل الخصوصية:

- ‌القياس يدل على عموم الأحكام ولا خصوصية للصوفية:

- ‌أحكام العادات:

- ‌الأصل في العبادات التعبد، وفي العادات التعليل:

- ‌القسم الثاني فيما يرجع إلى مقاصد المكلّف في التكليف

- ‌ينبغي أن يكون قصد المكلف من عمله موافقًا لقصد الشَّارع من تشريعه ذلك العمل:

- ‌من قصد من العمل غير ما قصده الشارع بطل عمله وأهدر ثوابه:

- ‌قصد المكلف العمل أقسام:

- ‌ليس لأحد أن يسقط حق الله في نفسه أو ماله أو عمله:

- ‌سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على المشروع مع الداعية إلى الزيادة نهي عن الزيادة:

- ‌مقدمة

- ‌اصطلاحات خاصة في هذا الشرح:

- ‌مقدمة الحافظ ابن حجر لكتابه بلوغ المرام

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌باب الوضوء

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب آداب قضاء الحاجة

- ‌باب الغسل وحكم الجُنُب

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الأذان والإقامة

الفصل: ‌ ‌باب الحيض مقدمة يُقال: حاضتِ المرأةُ تحيضُ حَيْضًا ومَحِيضًا، فهي حائض: إذا

‌باب الحيض

مقدمة

يُقال: حاضتِ المرأةُ تحيضُ حَيْضًا ومَحِيضًا، فهي حائض: إذا جرى دمها، والتَّاء المربوطة تلحق الصفات تفرقةً بين المذكر والمؤنث؛ ولكن الأوصاف الخاصَّة بالنِّساء لا تلحقها إلَاّ سماعًا، فلا يُقال: حائضة بل حائض.

والحيض لغة: السيلان، من قولهم: حاض الوادي: إذا سال.

وشرعًا: دمُ طبيعةٍ وجِبِلَّةٍ يُرْخِيهِ الرحم، يعتاد امرأةً بالغةً في أوقاتٍ معلومة.

قال الأطباء في تحليل الحيض (علميًّا):

الدورة الطمثية (الحيض) تستغرقُ ثمانيةً وعشرين يومًا، يبدأ اليومُ الأوَّل من النزيف في أوَّلِ أيامِ الدورة، وفي اليوم الخامس عندما يتوقَّف النزيف تبدأ كرات دقيقة في النمو بفعلِ تنشيطِ الهرمونات المنطلقة من الغدة النُّخَاميَّة الموجودة داخلَ المخ، أمَّا في اليوم الرّابع عشر من الدورة الشهرية فيكون الرحم قد أعد نفسه لاستقبال بيضة مخصَّبة للحمل، وينخفضُ مستوى الهرمونات عمَّا كان عليه في بداية الدورة، ويحلُّ محلَّها هرمونٌ آخر يعرف باسم الجعرون، وترتفع نسبة هذا الهرمون ويبقى في حدوث الحمل، بينما تنخفضُ النسبة إذا لم يحدث الحمل، ويتقاطر الدمُ داخلَ الرحم فيحدثُ الطمث (الحيض)، أمَّا إذا وقع الحملُ، فلا يحدثُ الطمث (الحيض).

والأصل في الحيض: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع:

ص: 437

قال تعالي: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222].

وأمَّا السنَّة: فمستفيضة، ومنها الأحاديث الثلاثة، التي قال شيخ الإسلام: إنَّ أحكام الحيض تدور عليها، وهي:

1 -

حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش.

2 -

حديث أم حبيبة بنت جَحْش.

3 -

حديث حَمْنَة بنت جَحْش.

وأجمع العلماء عليه وعلى أحكامه في الجملة.

وستأتي أكثرُ أحكامه مفصَّلة، إنْ شاء الله تعالى.

***

ص: 438

117 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ دَمَ الْحَيْضِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ (1).

وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: "ولِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ الْمَاءِ، فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ"(2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

فقد رواه أبو داود والنسائيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم.

وقال في المحرَّر: قال الدَّارقطني: رواته كلهم ثقات، وقال الحاكم: على شرط مسلم.

قال في التلخيص: رواه مسلم في الصحيح (333) دون قوله "وتوضئي"، وقال البيهقي:"وتوضئي" زيادة غير محفوظة، وكأنَّ مسلمًا ضعَّف هذه الرِّواية لمخالفتها سائر الروايات.

(1) أبو داود (286)، والنسائي (216)، ابن حبان (4/ 180)، والحاكم (1/ 174).

(2)

أبو داود (296).

ص: 439

وأمَّا حديث أسماء، فقال الحاكم والذهبي: إنَّه على شرط مسلم.

* مفردات الحديث:

- تُستحاض: الاستحاضة: هي سيلانُ الدمِ في غير أوقاته المعتادة، ويخرُجُ نتيجةَ ورمٍ أو التهاب أو غير ذلك من الأمراض في الرحم، أو في عُنُقِ الرحم، أو في المهبل، أو انفتاح شرْيان، وقد يكون خروجه بسبب تناوُلِ شيءٍ من العقاقيرِ والحبوب أو حالاتٍ نفسية.

- مِرْكَن: المِرْكَنُ، بكسر الميم، وسكون الرَّاء الموحَّدة، وفتح الكاف، بعدها نون: وعاءٌ تُغسل فيه الثيابُ، جمعه مَرَاكِن.

- صفرة: الصفرةُ لون دم الحمرة.

- ذلِكِ: بكسر الكاف: خطابٌ للمرأة التي تشتكي إليه، ويجوزُ فتح الكاف على اعتبار الخطابِ العامِّ.

- أمسكي عن الصلاة: يُقال: أمسَكَ يُمْسِكُ إمساكًا، أي: كفَّ عنه، والمعنى: كُفِّي عن الصلاة واتركيها؛ كما جاء في رواية البخاري (228)، ومسلم (333):"فاتركي الصلاة".

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

في الحديث بيانُ دمِ الحيض، وإثباتُ حكمه، وسيأتي إنْ شاء الله، ودمُ الحيض: دمٌ طبيعيٌّ عادي، نتيجة عملية "فسيولوجية"، نابعةٌ من الدورة الرحمية بسبب الهرمونات التي تؤثِّر على الرحم، والتي يفرزها المبيض، والمبيض متأثرٌ بهرمونات الغدة النخامية التي تتحكم فيه، والغدة النخامية تتأثَّر بأوامر صادرة إليها من منطقة في الدماغ تحت "المهاد".

2 -

وجودُ الاستحاضة في بعض النساء، وبيانُ أحكامها.

3 -

أنَّ المرأة إذا أصيبتْ بالاستحاضة، وأطبَقَ عليها الدم، فإنَّها تميِّز أيام حيضها بلونِ دمِ الحيض الأسود، بينما دَمُ الاستحاضة أحمَرُ مُشْرِقٌ.

ص: 440

4 -

أنَّها تمسك عن الصلاة، فلا تصلِّي في تلك الأيَّام التي يكونُ فيه دمها أسود، فإذا تغيَّر الدم من السواد إلى الحمرة، فذلك علامة طُهْرِها من الحيض، فتتوضَّأ وتصلِّي؛ لأنَّها أصبحت طاهرة.

5 -

أنَّ دم الاستحاضة ليس له حُكْمُ دم الحيض، من ترك الصلاة ونحوها، وإنَّما هو دَمُ مرضٍ تكونُ معه المرأة طاهرةً، تفعل كلَّ ما يفعله النساء الطاهرات من الحيض.

6 -

أنَّ المستحاضة معها نوعُ مرض، فعليها أنْ تغتسل لكلِّ صلاتين غسلًا واحدًا؛ فالظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، والفجر بغسل، وسيأتي بيان خلاف الفقهاء في هذا.

7 -

أنَّها تتوضأ لكلِّ صلاة؛ لأنَّها في حكم مَنْ حَدَثُهُ دائمٌ لا ينقطع.

8 -

قال الفقهاء: إذا كانتِ المستحاضة لها عادةٌ مستقرَّة تجلس أيام عادتها؛ لأنَّ العادة أقوى من غيرها، فإنْ لم تعلَمْ عادتها، عَمِلَتْ بالتمييز الصالح، بأنْ يكونَ بعضُ دمها أسود أو ثخينًا أو منتنًا، فإنْ لم يكن لها تمييزٌ صالح، فتجلس غالب الحيض، وهو ستٌّ أو سبع.

9 -

مَنْ به حدثٌ دائم -كاستحاضة، أو سلس بولٍ، أو مذي، أو ريح، أو جرح لا يرقأ دمه -فعليه أنْ يغسل وجوبًا النجاسةَ ومحلَّها، ويتوضَّأ لوقت كل صلاة إنْ خرج شيء، ويستحبُّ غسل مستحاضة لكلِّ صلاة.

10 -

وجوبُ غسل الدم لصلاة؛ لأنَّ الدم نجسٌ بالإجماع.

11 -

الطهارةُ من النجاسة؛ لأنَّها شرط لصحة الصلاة.

12 -

في الحديث أنَّ المرأة مقبولٌ قولها في أحوالها، من الحمل، والعدَّة وانقضائها، ونحو ذلك.

13 -

أنَّ المستحاضة تصلِّي، ولو مع جريان الدم؛ لأنَّها طاهرة.

14 -

أن الصلاة تجب بمجرَّد انقطاع دم الحيض.

ص: 441

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في وجوب غُسْل المستحاضة لكلِّ صلاة:

فذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وهو مرويٌ عن علي، وابن عبَّاس، وعائشة: إلى أنَّه لا يجب؛ استصحابًا للبراءة الأصلية.

وأجابوا عن أحاديث الأمر بالغسل أنَّه ليس فيها شيء ثابت.

قال الشيخ صِدِّيق في شرح الروضة: لم يأت في شيء من الأحاديث إيجابُ الغسل لكلِّ صلاة، ولا لكلِّ صلاتين، ولا في كل يوم، بل الَّذي صحَّ إيجابُ الغسل عند انقضاء وقت حيضها المعتاد، أو عند انقضاء ما يقومُ مقامَ العادة من التمييز بالقرائن؛ كما في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما بلفظ:"فإذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، فإذا أدبرت، فاغسلي عنك الدم وصلي".

وأمَّا ما في مسلم (334)، بأنَّ أمَّ حبيبة بنت جحش كانت تغتسل لكلِّ صلاة، فلا حجَّة في ذلك؛ لأنَّها فعلته من جهة نفسها، ولم يأمرها النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك، بل قال لها:"امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثمَّ اغتسلي".

وقد وَرَدَ الغسلُ لكلِّ صلاة من طرق لا تقومُ بمثلها حجَّة، لا سيَّما مع معارضتها لما ثبت في الصحيح، ومع ما في ذلك من المشقَّة العظيمة، والشريعةُ سمحةٌ سهلةٌ؛ قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

وذهب بعضهم: إلى وجوب الغسل على المستحاضة لكلِّ صلاة؛ عملًا بأحاديث وردت في بعض السنن.

والأوَّل أرجح؛ فقد قال شيخ الإسلام: والغسلُ لكلِّ صلاةٍ مستحبٌّ، ليس بواجبٍ عند الأئمة الأربعة وغيرهم، بل الواجبُ عليها: أنْ تتوضَّأ لكلِّ صلاة من الصلوات الخمس عند الجمهور.

***

ص: 442

118 -

وَعَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: "كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَبِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً أَيَّام، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ وَصُومِي وَصَلِّي؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكَ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِي حِينَ تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ، قَالَ: وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ (1).

ــ

* درجه الحديث:

الحديث حسن.

رواه الخمسة إلَاّ النسائي، وصحَّحه الترمذي، وحسَّنه البخاري، كما صحَّحه جماعةٌ آخرون: منهم ابن المنذر وابن العربي والشوكاني في السيل الجرَّار، كما نُقِلَ صحَّته عن الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه.

* مفردات الحديث:

- حمنة: بفتح الحاء وسكون الميم: بنت جحش الأسدية، صحابية.

(1) أحمد (26928)، أبو داود (287)، الترمذي (127)، وابن ماجة (627).

ص: 443

- أُستحاض: بضم الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح المثنَّاة الفوقية، يُقال: اسْتُحِيضَتِ المرأةُ، موضوعٌ على صيغة المبني للمفعول من حيثُ ضَمُّ أوله وسكونُ ثانيه، فالمرأة هي المستحاضة.

- حَيْضة: بفتح الحاء، وهو اسم مصدر أستحاض، فالحيضةُ بالفتح: المرَّة الواحدة، وبالكسر: اسمٌ للهيئة.

- كثيرة شديدة: كثيرة في المدَّة، شديدة في الكيفية.

- رَكْضَة: بفتح الزاء، وسكون الكاف، بعدها ضاد معجمة، ثمَّ تاء، وأصل الركض الضرب بالرِّجْل؛ ومنه قوله تعالى:{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42]؛ فهي إصابة لَبَّس الشيطان بها على هذه المرأة المؤمنة في أمر دينها.

- استنقأتِ: قال أبو الوفاء: كذا وقع في هذه الرواية بالألف، والصواب واستنقَيْتِ؛ لأَنَّه من نقى الشيء وأنقيته: إذا نظفته، ولا وجه فيه للألف والهمزة، فالنقاء: هو الطهر بانقطاع الدم.

- فتحيضي: اجعلي نفسك حائضًا، يُقال: تحيضت المرأة أمسكت أيام حيضتها عن الصلاة والصوم.

- وذلكِ

و: بكسر الكاف: خطابٌ للأنثى.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

فيه وجودُ المستحاضات زمن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكن يأتينه عليه الصلاة والسلام ويسألنه فيرشدهنَّ إلى ما شرعَ اللهُ في حقِّهنَّ، فكذا ينبغي لنساء المسلمين أنْ يسالنَ العلماء فيما يشتبه عليهنَّ في أمر دينهنَّ، حتَّى فيما يتعلَّق بالفروج.

2 -

الاستحاضة ليسَتْ حيضًا طبيعيًّا، وإنَّما هو مرضٌ يصيب المرأة من الشيطان الَّذي يجري من ابن آدم مجرى الدم، ويريد أنْ يلبس عليه عباداته بكلِّ ما أقدره الله مِنْ وسائلِ الأذى والمَضَرَّة.

وهذه الركضةُ الشيطانية سمّاها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "عِرْقًا"،

ص: 444

ويسمَّى هذا الشَّرْيان بالعاذل، وعلماءُ الطبِّ يفسِّرون الاستحاضة بأنَّها اضطراباتٌ تطرأ فتسبِّب هذا النزيف الَّذي ربما يكون حادًّا.

قال الدكتور الطبيب محمد علي البار: الاستحاضة دم يخرُجُ من الرحم أو مِنْ عُنُقِ الرحم أو المهبل، نتيجةَ وجودِ ورمٍ حميد أو خبيث، أو وجودِ التهابٍ في عنق الرحم أو المهبل أو غير ذلك من أمراض هذا الجهاز، وقد يكون من استخدامِ العقاقير، ولعلَّ هذا السببَ الأخيرَ مِنْ أكثرها شيوعًا؛ إذ إنَّ استخدام العقاقير تمنع التجلط "التخثر"، هذه أهم أسباب الاستحاضة.

3 -

المرأة المصابة بالاستحاضة التي لا تعرف عادةَ حيضها الأصلية، وليس لها تمييزٌ صالح تَعرِفُ به دمَ الحيض من دم الاستحاضة، فتتحيض بترك الصلاة والصيام ونحوهما عادةَ النساء في أيَّام الحيض، وهي ستَّةُ أيَّام أو سبعة، تعتبر نفسها فيهنَّ حائضًا، عليها أحكامُ الحائض.

4 -

إذا أتمَّتِ المستحاضةُ عادةَ النساء، اغتسلَتْ غُسْلَ الحيض -ولو أنَّ لم الاستحاضة معها- فصلَّتْ أربعةً وعشرين أو ثلاثة وعشرين يومًا، وصامت، وأجزأها عن ذلك الصلاةُ والصيامُ الواجبان عليها؛ لأنَّها أصبحت في حكم الطاهرات من الحيض.

5 -

تفعل هذه الصفة كلَّ شهر؛ لأنَّ العادة الغالبة عند النساء أنَّ شَهْرَها في الحيض والطهر ثلاثون يومًا، ستَّة أو سبعة منها حيض، والباقي طهر، فهذه أقرب حالةٍ لها، والغالب أنْ يكون شهرها شهرًا هلاليًّا.

6 -

أنَّ دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة، ونحوها من العبادات الواجب لها الطهارةُ.

7 -

أنَّ دم الحيض يمنع مِنَ الصلاة، ونحوها ممَّا يشترط له الطهارة من الحيض، وإنَّ الصلاة المتروكة زمَنَ الحيض لا تُقْضَى.

8 -

أنَّ الدم نجسٌ يجبُ غسله بإجماعِ العلماء.

ص: 445

9 -

جمهور العلماء لا يوجبون الغُسْلَ على المستحاضة، فليس لديهم ما يعتمدون عليه في وجوبه، وإنَّما استحبُّوه لها استحبابًا، فإذا أرادت المستحاضة أنْ تغتسلَ فبدلاً من أنْ تغتسِلَ لكلِّ صلاةٍ من الصلوات الخمس، ممَّا يسبِّب لها المشقَّة الكبيرة، لا سيَّما في زمن البرد -فإنَّ لها أنْ تؤخِّر الظهر إلى آخر وقتها، وتقدِّم العصر إلى أوَّل وقتها، وتصلِّيهما في وقتيهما بغسل واحد، وكذلك المغرب والعشاء، وهذا ما يسمَّى: الجمع الصُّورِيَّ، أمَّا الفجر: فلها غسل مستحب واحد لانقطاعها عمَّا قبلها وما بعدها من الصلوات الخمس، ولا شكَّ أنَّ الغسل فيه كمالُ النظافة لولا المشقَّةُ العظيمة.

***

ص: 446

119 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ شَكَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فَقَالَ: امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: "وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ"، وَهِيَ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- شَكَتْ: أخبرت النَّبي صلى الله عليه وسلم على وجه التَّألُّم ممَّا أَلمَّ بها من هذا المرض.

- امكثي: توقَّفي وانتظري قدر عادة حيضتك.

* ما يؤخذ من الحديث:

شكت أم حبيبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم استمرارَ خروجِ الدمِ منها، فأرشدَهَا إلى الأحكامِ الآتية:

1 -

أنَّ المستحاضة تعتبر نفسها حائضًا قدر الأيَّام التي كان يأتيها فيها الحيض، قبل أنْ يصيبها ما أصابَهَا من الاستحاضة.

2 -

إذا مضتْ قدر أيّام عادتها الأصلية، فإنَّها تعتبر طاهرةً من الحيض -ولو أنَّ دم الاستحاضة معها- فتغتسل من الحيض؛ فقد أصبحت طاهرةً من الحيض.

3 -

أنَّ المستحاضة تعتبر ممَّن حدثُهُ دائمٌ لا ينقطع؛ وعليه: فيجب عليها الوضوء لكلِّ صلاة إنْ خرج منها ما ينقض الوضوء، وإلَاّ فهي باقيةٌ على طهارتها.

4 -

أم حبيبة من حرصها رضي الله عنها على كمال الطهارة للعبادة؛ فإنَّها

(1) البخاري (228)، ومسلم (334)، أبو داود (279).

ص: 447

تغتسل لكلِّ صلاة.

5 -

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: دم الاستحاضة مع دم الحيض مُشْكِلٌ، ولابدَّ من فاصلِ يميز بينهما، والعلامات ثلاث:

الأولى: العادة؛ وهي أقوى العلامات؛ لأنَّ الأصل بقاء الحيض دون غيره.

الثانية: التمييز؛ فإنَّ دم الحيض أسود ثخين، ودم الاستحاضة أحمر صافٍ.

الثالثة: اعتبار عادة غالب النساء؛ لأنَّ الأصل إلحاق الفرد بالأغلب.

فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنَّة والاعتبار، وهي مذهب الإمام أحمد؛ فإنَّ أحكام الحيض تدور على ثلاثة أحاديث:

(أ) العادة الخاصَّة: يدل عليها حديث أم حبيبة بنت جحش.

(ب) التمييز: يدل عليه حديث فاطمة بنت أبي حُبَيْش.

(ج) عادة النساء الغالبة: يدل عليها حديث حمنة بنت جحش.

6 -

إِذا زادت عادتها أو تقدَّمت أو تأخَّرت، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد: أنَّ ما تكرَّر ثلاثًا فهو حيض، ويصير عادةً لها، ولهم تفاصيل في صلاتها وصومها قبل التكرار، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد: أنَّها تصير إليه من غير تكرار، واختاره الموفَّق وجَمْعٌ، وهو اختيار شيخ الإسلام.

قال في الفائق: وهو المختار.

وقال في الإنصاف: وهو الصواب، وعليه العمل، ولا يسع النساءَ العملُ بغيره.

قال في الاختيارات: والمتنقِّلة إذا تغيَّرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيض، حتَّى تعلم أنَّها مستحاضة باستمرار الدم.

7 -

قال الشيخ المباركفوري: ما ذهب إليه جماعةٌ من الفقهاء من البحث

ص: 448

والتدقيقِ والتعقيدِ المُغْلَقِ الَّذي يبعد عن أفهام النِّساء وعقولهنَّ كل البعد، فهو ممَّا تأباه هذه الأحاديث وتمجُّه أصولُ الشريعةِ السمحة السهلة.

8 -

ما أطلقة الشَّارعُ عُمِلَ بمقتضى مسمَّاه ووجوده، ولم يَجُزْ تقديره ولا تحديده؛ وهو اختيار كثير من الأصحاب، وكثيرٍ من أهل العلم وغيرهم، وصوَّبه في الإنصاف.

9 -

لا حدَّ لأقل الطهر ولا لأكثره، فما دام الدم موجودًا فهو دم حيض، وما دام النقاء موجودًا فهو طهر؛ صحح ذلك في الكافي، وصوَّبه في الإنصاف، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.

***

ص: 449

120 -

وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَاللَّفْظُ لَهُ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- الكُدْرَة: بضم الكاف، وسكون الدال المهملة، ثُمَّ راء مفتوحة، بعدها تاء، هي الَّلون الأحمر الَّذي يضرب نحو السواد، جمعه كُدَر.

- الصُّفْرَة: بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء الموحَّدة، ثمَّ راء مفتوحة، بعدها تاء، هي اللون الأحمر الذي يميل إلى البياض، فهو أحمر غير قانٍ يكون بلون الذهب.

- شيئًا: أي: حيضًا تقعُدُ فيه المرأة عن الصلاة، ونحوها من العبادات.

- الطهر: بضم الطاء، وسكون الهاء: انقطاع خروج دم الحيض.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الماء الذي ينزل من فرج المرأة -بعد الطهر من الحيض- لا يعتبر حيضًا، ولو كان فيه الكدرة والصفرة المكتسبة من الدَّم.

2 -

أمَّا إذا كان نزولُ هذه الكدرة والصفرة زمن الحيض والعادة، فإنَّه يعتبر حيضًا؛ لأنَّه دم في وقته، إلَاّ أنَّه ممتزجٌ بماء.

3 -

هذا الحديث وأمثاله له حُكْمُ الرفعْ؛ لأنَّ الصحابية تحكي حال نساء الصحابة زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووجوده عندهنَّ وإقراره لهنَّ.

(1) البخاري (326)، أبو داود (307).

ص: 450

4 -

فيه دليلٌ على أنَّ تغيُّر الدَّمِ إلى لونٍ آخر لا يشكِّك في أنَّه حيض، ما دام زمنه ووقته.

5 -

قال في المغني: من رأت الدمَ في أيَّامِ عادتها صفرةً أو كدرةً، فهو حيضٌ، وإنْ رأته بعد أيام حيضتها، لم تعتد به؛ نصَّ عليه أحمد، وهو مذهب الثوري ومالك والشَّافعي؛ لأنَّ أمَّ عطيَّة قالت:"كنَّا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا"[رواه البخاري (326) وأبو داود (307)].

***

ص: 451

121 -

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيْهَمْ، لم يُؤَاكِلُوْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَاّ النِّكَاحَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- اليهود: أبناء يعقوب، ويُسَمَّوْنَ العبرانيين أو الإسرائيليين، نسبةً إِلى أسباط إسرائيل، دينهم اليهودية، ونبيهم موسى عليه السلام، وكتابهم التوراة، كتابٌ أنزله الله تعالى على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام لكن قومه وأمته حرَّفوه من بعده.

- يؤاكلوها: الأكل: إيصالُ ما يُمْضَغُ إلى الجوف، سواءٌ مضغه أو لا، والمؤاكلة: المشاركة في الأكل، ومعنى "لم يؤاكلوها" أي: لم يأكلوا معها بل يعتزلونها.

- اصنعوا: يُقال: صنع يصنع صنعًا، أي: عمل الشيء، والمراد هنا مباشرة الرَّجل امرأته دون الفرج.

- النكاح: المراد هنا الوطء.

(1) مسلم (302).

ص: 452

122 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- فأتزر: يعني: أَلْبَسُ الوِزْرَة، بكسر الواو، وهي كساء تستر به العورة وما حولها، جمعه وزرات.

قوله: "فأتزر": هذا اللفظ الدَّائر على الألسن، قال المطرزي: وهو عاميٌّ، والصوابُ: ائتزر، بهمزتين الأولى للوصل، والثانية فاء الكلمة، وهكذا نص الزمخشري على خطأ من قال:"اتَّزَرَ" بالإدغام؛ لأنَّ التي تدغم هي الأصلية لا المنقلبة.

- فيباشرني: يُقال: باشر الرجلُ زوجه: لامَسَ بشرتها، بإلصاق بشرته ببشرتها؛ مأخوذٌ من البَشَرة، وهي ظاهر الجلد.

* ما يؤخذ من الحديثين:

1 -

الحائض طاهر: بدنها وعَرَقُهَا وثيابها، فتجوزُ مباشرتها وملامستها وقيامها بشؤون منزلها، مِنْ إعداد الطعام والشراب وغير ذلك.

2 -

فيه وجوبُ مخالفة اليهود الَّذين لم يؤاكلوا المرأة الحائض ويعتزلونها.

3 -

أنَّه يَحِلُّ من المرأة الحائض كل شيءٍ إلَاّ الجماع، فيجوزُ لزوجها أنْ يأمرها فتلبس إزارًا أو سروالاً قصيرًا أو طويلًا، ثُمَّ يباشرها في أي مكانٍ في بدنها، مادام ذلك في غير مكان الحيض، وهو الفرج.

والاستمتاعُ بالحائض بما فوق السُّرَّةِ ودون الركبة، لا خلافَ في إباحته

(1) البخاري (300)، مسلم (293).

ص: 453

عند الفقهاء، وإنَّما الخلاف فيما دون السرَّة وفوق الركبة، والآية الكريمة أمرتْ باعتزال المحيض فقطْ، وهو مكانُ الحيض، أي: الفرج؛ فقال تعالي: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، والحديث:"كل شيءٍ إلَاّ النكاح" رواه مسلم، يدل ذلك على إباحة جميع جسد الحائض إلَاّ موضع الأذَى.

* مقارنة بين الأديان الثلاثة:

اليهود: يرون المرأة الحائضَ رِجْساً نجسًا، فيعزلونها ويعتزلونها، فبدنها نجس، وثيابها نجسة، وفُرُشُها نجسة؛ فقد روى الإمام أحمد (11945) ومسلم (302) عن أنس:"أنَّ اليهود كانوا إِذا حاضَتِ المرأةٌ فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت".

أمَّا النصارى: فلديهم التساهُلُ والتفريط، فإنَّهم يستحلُّون جماعها في فَرْجها على ما فيه من الأذى والدنس، وسيأتي قريبًا -إنْ شاء الله تعالى- بيانُ الجَماع في الحيض ومفاسده.

أمَّا الإِسلام: فهو الوسطُ بين الغلو والجفاء، ودينُ العدل في الأمور كلِّها، فالحائضُ محصورة نجاستها في فرجها فقط، فهذا هو المحرَّم؛ قال تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].

وجاء في صحيح مسلم (302) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "اصنعوا كلَّ شيءً إلَاّ النكاح".

وجاء في سنن أبي داود (213) أنَّ حكيم بن حزام قال: يا رسول الله! ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: "لك ما فوق الإزار".

وجاء في البخاري (300) ومسلم (293) عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض"، ومعناه: يلصق بشرته ببشرتها.

وبهذا فالإسلام ترفَّع عن الأذى والقذر، الَّذي لم يتحاش عنه النصارى،

ص: 454

ولم يُهِنِ المرأةَ وينزلها منزلةً سافلة ساقطةً كاليهود، الَّذين قال كتابهم المحرَّف:"إذا كانت امرأةٌ ولها سيل، وكان سيلها دمًا، فسبعة أيَّام تكون في طمثها، وكلُّ من مسَّها يكون نجسًا، وكل من مسَّ فراشها يغسل ثيابه، ويستحمّ بماء، وإن اضطجع معها رَجُلٌ وهي في طمثها يكون نجسًا".

أمَّا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الَّذي يضرب لأمَّته المَثَل في العشرة الزوجية فيقبِّل زوجته وهي حائض، ويضطجع معها، ويدعوها وهي في حال حيضها إلى مضاجعته، ويقرأُ القرآن في حِجْرِها، ويمكِّنها من ترجيلِ رأسه، ويأمرها فتتزر فيباشرها بما فوق الإزار، وهو يتقي الجماعَ ويجتنبه منها.

***

ص: 455

123 -

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ رَسُوْلِ الله صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ:"يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِيْنَارٍ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَرَجَّحَ غَيْرَهُمَا وَقْفَهُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

اختلف العلماء في قبوله، قال الألباني: قوَّاه الإمام أحمد، وقال: ما أحسَنَهُ من حديث! فقيل: تذهب إليه؟ قال: نعم.

وأخرجه أصحاب السنن والطبراني والحاكم والبيهقي بإسنادٍ صحيحٍ على شرط البخاري، وصحَّحه الحاكم والذهبي وابن دقيق العيد وابن القيم وابن حجر العسقلاني.

وقد ضعَّفه ابن السكن وابن الصلاح، وبالغ النووي في نقله الإجماع على ضعفه في شرح مسلم والمجموع، ودعوى الإجماع مردودة، وقال الحافظ ابن حجر: فيه اضطرابٌ كثير جدًّا في متنه وسنده، واختلف فيه قول الإمام أحمد كثيرًا، وقول الترمذي: علماء الأمصار أنَّه لا فدية، دليلٌ أنَّ العمل على تركه. أهـ.

* مفردات الحديث:

- يأتي امرأته: يجامعها بإيلاج.

- حائض: جمعها حُيَّض، يُقال: حاضتِ المرأةُ حَيْضًا، فهي حائض،

(1) أحمد (2122)، الترمذي (136)، أبو داود (266)، النسائي (289)، ابن ماجة (640)، الحاكم (1/ 278).

ص: 456

والحائض -بلا تاء- اسمُ فاعل للمرأة التي أصابها الحيض، وإنَّما تركتْ تاء التأنيث؛ لأنَّ الحيضَ وصفٌ خاصٌّ بالنساء.

- بدينار: الدينار: نَقْدٌ ذهبيٌ، والدينار الإِسلاميُّ: زنته أربعة غرامات وربع من الذهب (4.25 جم).

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

تحريم وطء الحائض، وقد قال تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222].

2 -

أنَّ الَّذي يجامع زوجته وهي حائض فعليه كفَّارة يتصدَّق بها، وهي دينار أو نصف دينار.

3 -

الوطء المحرَّم هنا هو الإيلاجُ، أمَّا مباشرةُ الحائض في غير الفرج: فتقدَّم جوازها، وحديثُ عائشة السابقُ يدلُّ على ذلك.

4 -

قال شيخ الإسلام: وجوبُ الكفَّارة في وطء الحائض وَفْقُ القياس، لو لم يأت به نصٌّ؛ ذلك أنَّ المعاصي التي جاء تحريمها -كالوطء في الصيام، والإحرام، والحيض- تدخلها الكفَّارة، بخلاف المعاصي المحرَّم جنسها، كالظلم، والزنى، لم يشرع لها كفَّارة.

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في حكم كفَّارة الوطء في الحيض:

فذهب الإمام أحمد: إلى وجوبها على من وطئ في فرج الحائض، وعليها هي أيضًا كفَّارة إنْ طاوعته.

والكفارة دينار أو نصفه على التخيير؛ لحديث الباب.

وذهب الأئمة الثلاثة: إلى أنَّه لا كفَّارة عليه ولا عليها، قال الترمذي: وهو قولُ علماء الأمصار.

وقال ابن كثير: فيستغفرُ الله، والأصلُ أنَّ الذِّمَّه بريئة إلَاّ أنْ تقوم الحجة.

ص: 457

وقال ابن عبد البر: حجَّة من لم يوجب الكفَّارة اضطراب الحديث، وأنَّ البراءة الأصلية حجَّةُ من لم يوجبون، مع عدم صحَّة الحديث عندهم.

أمَّا الموجبون: فيرون صحَّة الحديث، وأنَّه صالحٌ لإيجاب حكم شرعي.

فالحديث قوَّاه الإمام أحمد، وذهب إلى العمل به. كما عمل به جماعةٌ آخرون من السلف، قال الألباني: سنده صحيح، صحَّحه جماعةٌ من المتقدِّمين والمتأخِّرين، وأخرجه أصحاب السنن، والبيهقي بإسنادٍ صحيح على شرط البخاري، وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذهبي، وابن دقيق العيد، وابن القيم، والله أعلم.

* تنبيه:

اختلف العلماء في وجه التخيير بين الدينار، ونصفه، على قولين:

1 -

قيل: الدينار للوطء في أوَّل الحيض، ونصف الدينار للوطء في آخره، ويؤيد هذا أنَّ الدَّم في أوَّل أيَّامه أغزر وأشد في إصابة الأذى منه في آخره.

2 -

وقيل: إنَّ التخيير بين الدينار ونصف الدينار، كتخيير المسافر بين القصر والإتمام، ويميل إِلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقدر الدينار (4.25) غرامًا، واختار الشيخ أنَّه لا يجزئ إلَاّ المضروب؛ لأنَّ الدينار اسمٌ للمضروب، واستظهره في الفروع.

أمَّا المشهور من المذهب: فيجزىء المضروبُ وغيره أو قيمته من الفضَّة فقط، والله أعلم.

* مضار الوطء في أثناء الحيض:

قال الدكتور الطبيب محمد علي البار: إدخالُ القضيب في الفرج أثناء الحيض، هو إدخالُ ميكروبات في وقتٍ لا تستطيعُ الأجهزة أنْ تقاومه، فيحدث ما يلي:

1 -

تمتدُّ الالتهابات إلى قناتي الرَّحم فتسدّها، ممَّا يؤدِّي إلى العقم، أو الحمل

ص: 458

خارج الرحم.

2 -

يمتد الالتهاب إلى قناة مجرى البول فالمثانة فالحالبين فالكُلَى، ممّا يسبِّب أمراضَ الجهاز البولي.

3 -

تقلُّ الرغبةُ الجنسية لدى المرأة، وخاصَّةً عند بداية الطمث.

4 -

الصداع النصفي.

5 -

تصاب المرأة بحالة من الكآبةِ والضِّيقِ، فتكون متقلِّبة المزاج.

إلى غير ذلك من الأمراض الكثيرة والتي لم يكشف عنها الآن، وإنَّما عبَّر عنها الحكيمُ العلم بقوله:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فَوَصْفُهُ تعالى له بأنَّه "أذى" يشتمل على مضار كثيرة اللهُ أعلَمُ بها!!.

***

ص: 459

124 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ المْرَأَةُ، لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ?! " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيْثٍ طَوِيْلٍ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أليس إذا حاضت المرأة لم تصلِّ: الاستفهام هنا للتقرير عمَّا جاء في أوَّل الحديث من ذكر نَقْصٍ في دين المرأة.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

تحريمُ الصلاة على الحائض، وعدم صحَّتها منها لو صلَّتها، وليس عليها قضاءُ أيَّامِ حيضها بعد الطهر.

2 -

تحريمُ الصيامِ على الحائض، ولكن تقضي قدر ما أفطرته أيَّامَ حيضها.

3 -

قال ابن المنذر، والوزير ابن هبيرة، والنووي: أجمع العلماء على وجوب قضاء الصوم على الحائض، وسقوط فرض الصلاة عنها في أيام حيضها؛ لما في البخاري (315) ومسلم (335) عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت:"كُنَّا نُؤْمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة".

قال العلماء: والفرق بينهما: أنَّ الصلاة تتكرَّر، فلم يجب قضاؤها للحرج، بخلاف الصوم، والله أعلم.

* فائدة (1):

الحائض ممنوعةٌ من عبادات أخر، منها:

1 -

مَنْعُها من دخول المسجد؛ لحديث: "لا أُحِلُّ المسجد لحائضٍ ولا جنب".

(1) البخاري (304)، مسلم (80).

ص: 460

2 -

ولا يصح أنْ تطوف؛ لحديث: "الطوافُ بالبيت صلاة".

3 -

مَنْعُها من قراءة القرآن؛ لحديث ابن عمر: "ولا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن".

4 -

لا تمسُّ المصحف؛ لحديث عمرو بن حزم: "ولا يَمَسّ المصحفَ إلَاّ طاهر".

* فائدة (2):

بيان قول من جوَّز قراة القرآن ومسَّه للحائض للتعلُّم والتعليم:

ذهب المالكية في الصحيح عندهم: إلى جواز مَسِّ المصحف للحائض، وقراءَتِها للقرآن في حال التعلُّم والتعليم، ولهم في ذلك أدلَّة، وفي هذا القول تيسيرٌ على المتعلِّمات والمعلِّمات في مدارس تحفيظ القرآن، وحتَّى لا يُنْسَى القرآن الكريم ممَّن حفظته منهنَّ، وخاصَّةً أيَّام النِّفاس، ومن يطول حيضها، وهذا هو مذهبُ البخاريِّ، والطبري، وابن المنذر، وداود، والشعبي، ومذهب الشَّافعي القديم، ورواية عن أحمد، وقد أخذ بهذا القول كثيرٌ من علماء العصر.

***

ص: 461

125 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا جِئْنَا سَرِفَ حِضْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فِي حَدِيْثٍ طَوِيْلٍ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- سَرِف: بفتحِ السين المهملة، ثمَّ راء مهملة مكسورة، ثمَّ فاء موحَّدة: اسمٌ لا ينصرف للعَلمِيَّة والتأنيث.

وهو وادٍ يبعد عن حد الحرم من جهة التنعيم بنحو عشر كيلو مترات، وعن مكَّة المسجد الحرام بثمانية عشر كيلو متر، يمر به طريق مكة - المدينة، فهو بين مكَّة وبين واد الجموم (مر الظهران)، وهو ما يعرف الآن بالنوَّارية.

- حِضْتُ: بكسر الحاء؛ لأنَّه إذَا أُسند الماضي الأجوف الثلاثي المجرَّد إلى ضمير الرفع، وكان يائيًّا، كُسِرَ أوله، نحو قول المرأة: حِضْتُ، والنساء حِضْنَ؛ ذلك أنَّ أصله حَيَضْتُ -بالتحريك- قلبت الياء ألفًا؛ لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألفُ لالتقاء الساكنين، فصار حَضْتُ -بالفتح- ثُمَّ أُبدلت الفتحة كسرة؛ لتدل على الياء المحذوفة.

- غير ألَاّ تطوفي: بنصب "غير"، و"ألَاّ" بالتشديد أصله "أنْ لا".

- غير: بمعنى سِوَى، إلَاّ أنَّها تختلف عنها ببعض الأمور، وهي اسمٌ ملازم للإضافة، وتنقطع عنها إنْ فُهِمَ معناها، ولا تتعرَّف بالإضافة؛ لشدة إبهامها.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

كانت عائشة مُحْرِمةً بالعمرة متمتِّعة بها إلى الحج، وذلك في حجة الوداع،

(1) البخاري (305)، مسلم (1211).

ص: 462

فأصابها الحيض بِسَرِف، وادٍ يبعد عن المسجد الحرام بثمانية عشر كيلو متر طريق المدينة - مكة.

2 -

فأدخلَتْ حجَّها على عمرتها، وصارتْ قارنةً؛ لأنَّها لم تتمكَّن من طواف العمرة والتحلُّل منها؛ من أجل حيضتها.

3 -

جوازُ إتيان الحائض بجميع شعائر الحج، من الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، والمبيت بمنى، والسعي بين الصفا والمروة، لو سبق أنْ طَافَتْ قبل الحيض، وصحةُ ذلك منها، حيث لا يشترطُ لها الطهارة، وهو إجماعٌ.

4 -

تحريمُ الطواف على الحائض، وعدم صحَّته منها.

5 -

احترامُ البيت وتعظيمُهُ، وأنْ لا يأتيه المسلم إلَاّ على أحسَنِ هيئة، وأتمِّ طهارة؛ {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. وكانت العرب -حتَّى في جاهليَّتها- تعظِّمه ولا تطوف به في ثيابها التي عصت الله فيها، وإنَّما يستعيرون ثيابَ قريشٍ يطوفون بها، فإِذا لم يجدوا، طافوا عراة.

***

ص: 463

126 -

وَعَنْ مُعَاذٍ بنِ جَبَل رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ? قَالَ: "مَا فَوْقَ الْإِزَارِ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَضَعَّفَهُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف.

رواه أبو داود وضعَّفه، وقال: ليس بالقوي، وعلَّته جهالة حال سعيد الأغطش، قال الحافظ: فإنَّا لا نعرف أحدًا وثَّقه. وأيضًا فعبد الرحمن بن عائذ راويه عن معاذ، قال أبو حاتم: روايته عن عليٍّ مرسلة، فإذا كان كذلك، فعن معاذ أشد أرسالًا.

وله شاهدٌ من حديث حكيم عند أبي داود والترمذي.

* مفردات الحديث:

- وهي حائض: جملة حالية.

- حائض: لم يقل: حائضة؛ لعدم الالتباس بين صفة المذكَّر والمؤنَّث.

- ما فوق الإزار: الإزار ثوبٌ يحيطُ بالنصف الأسفلِ من البدن، يذكَّر ويؤنث، وما فوقَ مَعْقِدِ الإزار هو النصفُ الأعلى من البدن.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

جوازُ مباشرة الحائض بما فوق الإزار.

2 -

النَّهي عن جماعها؛ فهو محرَّم؛ لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].

(1) أبو داود (213).

ص: 464

3 -

أمر الحائض بالاتزار أو لُبْسِ السروال عند إرادة مباشرتها.

4 -

الحديثُ يدلُّ على تحريم مباشرة المرأة فيما بين السرَّة والركبة؛ لأنَّ هذا هو مكان الإزار المنهيّ عن قربه، ولكن الحديث معارَضٌ بالآية الكريمة:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} وبالحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"اصنعوا كل شيء إلَاّ النِّكاح"[رواه مسلم (302)]؛ فالرَّاجح: جواز مباشرة المرأة بكلِّ بدنها، عدا الفرج.

***

ص: 465

127 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْماً" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: وَلَمْ يَأْمُرْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ"، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث مختلفٌ فيه، والرَّاجح أنَّه حسنٌ لغيره؛ فضعَّفه جماعةٌ، منهم الترمذي، وابن القطان، وابن حزم؛ وذلك لأنَّ فيه مَسَّةَ الأزدية، ولا يُعرف حالها، وردَّ تضعيفه النووي، وقال: له شاهدٌ عند ابن ماجه من حديث أنس، وفيه سلام ضعيف، وللحاكم من حديث عثمان بن أبي العاص، ضعَّفه الدَّارقطني، والحسن لم يسمع من عثمان؛ فهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضًا، وقد صحَّحه الحاكم وأقرَّه الذهبي، وحسَّنه الخطابي، وقال: أثنى عليه البخاري.

* مفردات الحديث:

1 -

النفاس: قال ابن فارس: النون والفاء والسين: أصلٌ واحد يدل على خروج النسيم؛ من ريح أو غيرها، ومنه: نفَّس الله كربته.

والنِّفاس: ولادة المرأة.

قال النووي: المشهور في اللغة: أنَّ "نَفِسْتُ" بفتح النون وكسر الفاء، معناه: حِضْتُ، وأمَّا الولادة فيقال: نُفِست بضم النون وكسر الفاء.

قال في شرح الإقناع: دم النفاس: هو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله.

(1) أحمد (26021)، أبو داود (311)، الترمذي (139)، ابن ماجة (648)، الحاكم (1/ 282).

ص: 466

وقال الطبيب محمَّد البار: دم النفاس يعرَّف بالطب: بأنَّه الدم الَّذي يخرُجُ بعد الولادة، ويستمرُّ لمدَّة ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وقد تطول إلى أربعين يومًا، ويكون في الأيَّام الأربعة الأولى قانيًا، غليظًا، ومحتويًا على دم مجمَّد، ثمَّ يخف تدريجيًّا بعد ذلك، ثمَّ يصير بنيَّ اللون مختلطًا بمادَّة مخاطية، وأخيرا تظهر "القَصَّة البيضاء".

وقد تتوقَّف الإفرازات الدموية، ثمَّ يعود الدم إلى الظهور، ويعتبر ذلك نتيجة لوجود بقايا -ولو بسيطة- من المشيمة في الرحم.

- نقعد: يقال: قعد يقعد قعودًا، أي: تمسَّك وكف عن العبادة التي تشترط لها الطهارة كالصلاة.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

النفاس: دمٌ يرخيه الرَّحِمُ مع الولادة.

2 -

النفساءُ أحكامها هي أحكامُ الحائض، فيما يجبُ ويحرُمُ ويُكْرَهُ ويُباح.

3 -

تجلسُ النفساء أربعين يومًا تكفُّ نفسها عمَّا يفعله الطاهرات؛ فتترك الصلاة ونحوها، وذلك من حين وضعها ما تبيَّن فيه خلق إنسان.

قال الترمذي: أجمع أهل العلم على أنَّ النفساء تَدَعُ الصلاة أربعين يومًا، إلَاّ أنْ ترى الطهر قبل، فتغتسلُ وتصلِّي.

وقال ابن رشد وغيره: ابتداءُ النفاس مِنْ خروجِ بعض الولد.

قال الشيخ تقي الدِّين: لا حدَّ لأقل النفاس، ولا حدَّ لأكثره ولو زاد على السبعين وانقطع، والأربعون منتهى الغالب.

4 -

النفساء كالحائض لا تُؤْمَرُ بقضاء الصلاة التي لم تصلِّها أيام نفاسها، وإنَّما تقضي الصومَ الواجب.

* نبذة علمية فقهية عن النفاس:

قال الأطباء: النفاسُ هو الفترة التي تلي الولادة، والتي تؤدِّي إلى عودة

ص: 467

الرحم، وجهازِ المرأةِ التناسليِّ إلى حالتِهِ الطبيعيَّة قبل الولادة، وتحتاج هذه العودة إلى مدَّة تتراوَحُ بين ستَّة وثمانية أسابيع، ليعود الرحمُ إلى حجمه الطبيعي.

يخرج دمُ النفاس من الرحم بعد الولادة ويستمرُّ فترة قد تصلُ إلى أربعين يومًا، والغالب أنَّ المدَّة هي (24) يومًا، وقد يتوقف الدم لفترة ثُمَّ يعود إلى الظهور، ويعتبر ذلك نتيجة لوجود بقايا -ولو بسيطة- من المشيمة في الرحم، أو أنَّ الرحم انقلب إلى الخلف بدلاً من وضعه الطبيعي إلى الأمام.

والفقهاء يعرفون النفاس: بأنَّه الدم الذي يرخيه الرحم مع الولادة، فاهتمامهم بهذا الدم الَّذي أفرزَتْهُ الرحم، بينما الأطبَّاء يركِّزون على حالة الرحم وعودته إلى حالته الطبيعية، فكلا الأمرين مرتبطٌ بالآخر، فالطب إلى النَّاحية الصحية لجهاز المرأة التناسلي، وللرحم على وجه الخصوص، بينما الفقه يهتم بالدم الَّذي يمنعُ الصلاةَ والصيامَ ومَسَّ المصحف ونحوها.

وأمَّا أحكامه الشرعية فنورد منها فقرات:

يثبُتُ النفاسُ بوضع ما تبيَّن فيه خلق إنسان، ولا حدَّ لأقل النفاس، ولا لأكثره؛ فما دام الدم موجودًا فهو نفاس، فإذا انقطع فهو طُهْرٌ.

والنفاس كالحيض فيما يحرِّم؛ كالصلاة، والصوم، والوطء في الفرج، وفيما يوجب؛ كالغسل، وكفارة الوطء، وفيما يُسْقِط؛ كقضاء الصلاة، وفيما يُحِلّ؛ كاستمتاعٍ بما دون الفرج، وفيما يجب قضاؤه؛ كالصيام الواجب.

انتهى كتاب الطهارة

ص: 468