المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المواقيت 128 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رضي الله - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ١

[عبد الله البسام]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمة الطبعة الخامسة

- ‌الإلمام في أصول الأحكام

- ‌الأصل الأولفيمصطلح الحديث

- ‌ مصطلح علم الحديث

- ‌تعريفات:

- ‌تقسيم الحديث باعتبار طرقه:

- ‌أقسام الآحاد:

- ‌تقسيم الحديث من حيثُ القبولُ:

- ‌أنواع الأحاديث المردودة:

- ‌ضعف الحديث من حيثُ فَقْدُ العدالة والضبط:

- ‌ضعفُ الحديث من حيث فَقْدُ الاتصال:

- ‌ضعفُ الحديث من حيثُ وجود الشذوذِ أو العلة:

- ‌أقسامُ الحديث باعتبار من أُضِيفَ إليه:

- ‌فائدة:

- ‌من أنواع الكتب في علم الحديث:

- ‌من أخرج لهم المؤلِّف في بلوغ المرام:

- ‌الذي اطَّلَعْتُ عليه من شروح بلوغ المرام:

- ‌ترجمة المؤلِّف

- ‌دراسته ومشايخه:

- ‌رحلاته:

- ‌أعماله:

- ‌مؤلَّفاته:

- ‌بلوغ المرام

- ‌صلتي ببلوغ المرام:

- ‌الأصل الثانيفيأصول الفقه

- ‌ العلم

- ‌الجهل:

- ‌رُتَبُ المُدْرَكَات:

- ‌النظر:

- ‌الدليل:

- ‌ناصب الدليل:

- ‌المستدِلّ:

- ‌المستدل عليه:

- ‌المستدَلُّ له:

- ‌الاستدلال:

- ‌أصول الفقه:

- ‌أولًا: التعريف الإضافي:

- ‌ الأحكام

- ‌ثانيًا: التعريف اللقبي:

- ‌فائدة أصول الفقه:

- ‌أقسام الأحكام الشرعية:

- ‌فالأحكام التكليفية خمسة:

- ‌الأحكام الوضعية:

- ‌الكلام:

- ‌والاسم:

- ‌الأمر:

- ‌ما يقتضيه الأمر:

- ‌النهي:

- ‌موانع التكليف:

- ‌العامُّ:

- ‌حكمه:

- ‌ التخصيص

- ‌الخاصُّ:

- ‌أقسام التخصيص:

- ‌المطلَقُ والمقيَّد:

- ‌العمل بالمطلق:

- ‌المجمَل والمبيَّن:

- ‌المُبَيَّن:

- ‌العمل بالمُجْمَل:

- ‌النصوص الشرعية:

- ‌كتاب الله تعالى:

- ‌السنة النبوية:

- ‌منزلة السنة من الكتاب:

- ‌النسخ:

- ‌ما يمتنع نسخه:

- ‌شروط النسخ:

- ‌حكمة النسخ:

- ‌تعارض النصوص:

- ‌الإجماع:

- ‌حجية الإجماع:

- ‌مستند الإجماع:

- ‌القياس:

- ‌مسألتان هامَّتان

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌الاجتهاد:

- ‌شروط المجتهد:

- ‌الأصل الثالثفيالقواعد الفقهية

- ‌تعريف وتاريخ:

- ‌معنى القواعد الفقهية

- ‌مَيْزَاتُهَا:

- ‌أنواع القواعد الفقهية ومراتبها:

- ‌الفرق بين القاعدة، والضابط:

- ‌الفرق بين أصول الفقه، والقواعد الفقهية:

- ‌القواعد الكليَّة الخمس الكبرى

- ‌القاعدة الأولى من القواعد الكبرى: (الأمور بمقاصدها):

- ‌القاعدة الثانية من القواعد الكبرى: (لا ضرر ولا ضرار):

- ‌القاعدة الثالثة من القواعد الكبرى: (اليقين لا يزول بالشك):

- ‌القاعدة الرابعة من القواعد الكبرى: (المشقة تجلب التيسير):

- ‌القاعدة الخامسة من القواعد الكبرى: (العادة محكَّمة):

- ‌قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع العرف

- ‌قرار رقم (9) بشأن العرف:

- ‌القواعد الكلية غير الكبرى

- ‌القاعدة الأولى: (إعمال الكلام أولى من إهماله):

- ‌القاعدة الثانية: (إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز):

- ‌القاعدة الثالثة: (المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصًّا أو دلالة):

- ‌القاعدة الرابعة: (التأسيس أولى من التأكيد):

- ‌القاعدة الخامسه: (إذا تعذَّر الأصل يُصار إلى البدل):

- ‌القاعدة السادسة: (التصرف في أمور الرعية منوط بالمصلحة):

- ‌القاعدة السابعة: (المرء مؤاخَذ بإقراره):

- ‌القاعدة الثامنة: (الجواز الشرعي ينافي الضمان):

- ‌القاعدة التاسعة: (اليد الأمينة لا تَضْمَنُ إلَاّ بالتَّعَدِّي أو التَّفريط):

- ‌القاعدة العاشرة: (الخراج بالضمان):

- ‌القاعدة الحادية عشرة: (على اليد ما أخذَتْ حتى تؤدِّيه):

- ‌القاعدة الثانية عشرة: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص):

- ‌القاعدة الثالثة عشرة: (ما لا يتم الواجب إلَاّ به فهو واجب):

- ‌القاعدة الرابعة عشرة: (من استعجل شيئًا قبل أوانه، عُوقِبَ بحرمانِهِ):

- ‌القاعدة الخامسة عشرة: (ما ثبت بالشرع مقدَّم على ما ثبت بالشرط):

- ‌القاعدة السادسة عشرة: (إذا عاد التحريم إلى نفس العبادة أفسدها، وإن عاد إلى أمر خارج عنها لم تفسد):

- ‌القاعدة السابعة عشرة: (الأصل براءة الذمَّة):

- ‌القاعدة الثامنة عشرة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان):

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: (البيِّنة على المدَّعِي، واليمين على المدَّعَى عليه):

- ‌القاعدة العشرون: (إذا قويت القرينة، قدِّمت على الأصل):

- ‌القاعدة الحادية والعشرون: (الصلح جائز بين المسلمين إلَاّ صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، والمسلمون على شروطهم إلَاّ شرطًا أحل حرامًا أو حرَّم حلالاً):

- ‌القاعدة الثانية والعشرون: (الأصل في العبادات الحظر، فلا يُشْرَعُ منها إلَاّ ما شرعه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: (الأصل في العادات الإباحة؛ فلا يُمْنَعُ منها إلَاّ ما حرَّمه الله ورسوله):

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون: (الشارع لا يأمر إلَاّ بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلَاّ عما مفسدته خالصه أو راجحة):

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون: (إذا تزاحمتِ المصالحُ، قدِّم أعلاها) و (إذا تزاحمت المفاسد، قدِّم أخفُّها):

- ‌القاعدة السادسة والعشرين: (الضرورات تبيح المحظورات):

- ‌القاعدة السابعة والعشرون: (درء المفاسد أولى من جلب المنافع):

- ‌القاعدة الثامنة والعشرون: (الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا):

- ‌القاعدة التاسعة والعشرون: (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني):

- ‌القاعدة الثلاثون: (الحدود تُدرأ بالشبهات):

- ‌القاعدة الحادية والثلاثون: (الوجوب يتعلَّق بالاستطاعة؛ فلا واجب مع العجز، ولا محرَّم مع الضرورة):

- ‌القاعدة الثانية والثلاثون: (الشريعة مبنية على أصلين: الإخلاص لله، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌فائدة:

- ‌الأصل الرابعفيالمقاصد الشرعية

- ‌المقاصد

- ‌القسم الأول فيما يرجع إلى قصد الشارع من وضع الشريعة

- ‌النوع الأول: في بيان قصد الشارع في وضع الشريعة

- ‌المسألة الأولى: تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق:

- ‌المسألة الثانية: المقاصد عامة في جميع التكاليف والأزمان والأحوال:

- ‌المسألة الثالثة: المقاصد المعتبرة في الشريعة:

- ‌المسألة الرابعة: الدليل على اعتبار مقاصد الشريعة الكلية:

- ‌النوع الثاني: في بيان قصد الشَّارع في وضع الشريعة للتكليف بالمقدور وما لا حرج فيه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: لا تكليفَ بما لا يطاق:

- ‌المسألة الثالثة: لا تكليفَ بما فيه حرج:

- ‌المسألة الرابعة: الحكمة من نفي الحرج في التكليف:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة: الاعتدال في التكاليف والدعوة إلى امتثالها:

- ‌النوع الثالث: في بيان قصد الشَّارع في دخول المكلَّف تحت أحكام الشريعة:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية: تقسيم المقاصد إلى أصلية وتبعية:

- ‌المسألة الثالثة: العملُ إذا وَقَعَ على وَفْقِ المقاصد الشرعيَّة:

- ‌المسألة الرابعة: الإنسان قد يدع حظَّ نفسه في أمر إلى حظ ما هو أعلى منه:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌العادة إذا قصد بالإتيان بها وجه الله:

- ‌لا يكون العمل صحيحًا أو مقبولاً إلَاّ إِذا رَاعَى وجه الله في القصد التابع:

- ‌يعظم الأجر بقصد المصلحة العامة:

- ‌العادات إذا كانت مصلحتها تعبُّدية، جازت فيها النيابة:

- ‌خير العمل ما وُوظِبَ عليه:

- ‌الشريعة عامَّة ما لم يقم دليل الخصوصية:

- ‌القياس يدل على عموم الأحكام ولا خصوصية للصوفية:

- ‌أحكام العادات:

- ‌الأصل في العبادات التعبد، وفي العادات التعليل:

- ‌القسم الثاني فيما يرجع إلى مقاصد المكلّف في التكليف

- ‌ينبغي أن يكون قصد المكلف من عمله موافقًا لقصد الشَّارع من تشريعه ذلك العمل:

- ‌من قصد من العمل غير ما قصده الشارع بطل عمله وأهدر ثوابه:

- ‌قصد المكلف العمل أقسام:

- ‌ليس لأحد أن يسقط حق الله في نفسه أو ماله أو عمله:

- ‌سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على المشروع مع الداعية إلى الزيادة نهي عن الزيادة:

- ‌مقدمة

- ‌اصطلاحات خاصة في هذا الشرح:

- ‌مقدمة الحافظ ابن حجر لكتابه بلوغ المرام

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌باب الوضوء

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب آداب قضاء الحاجة

- ‌باب الغسل وحكم الجُنُب

- ‌باب التيمم

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الأذان والإقامة

الفصل: ‌ ‌باب المواقيت 128 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رضي الله

‌باب المواقيت

128 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ وَقْتُ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1)، وَلَهُ مِنْ حَدِيْثِ بُرَيْدَةَ فِي الْعَصْرِ:"وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ"(2)، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى:"وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ"(3).

ــ

* مفردات الحديث:

- زالت الشمس: يُقال: زالَ عَنْ مَوضعه، يزول زوالاً، لازمٌ ويتعدَّى بالهمزة، ومعناه: مالت الشمسُ عنْ وَسَطِ السماء إلى جانب الغروب.

- تصفرّ الشمس: تكون صفراء عند قربها من الغروب، والصفرةُ لون دم الحمرة.

(1) مسلم (612).

(2)

مسلم (613).

(3)

مسلم (614).

ص: 472

- الشَّفَق: المراد به هنا الأحمر، الَّذي هو بقيَّةُ شعاعِ الشمس الغاربة.

- نصف الليل الأوسط: هو نصفُ الليل؛ وبهذا يكون قد ذهب الثلث الأوَّل، ونصف الثلث الأوسط؛ فإنَّ الأوسط صفة للنصف، والمراد به الأوَّل، وإنَّما عبَّر عنه بالأوسط؛ لأنَّ الليل إذا قسم نصفين ينتهي النصف الأوَّل إلى وسط الليل.

- والشمسُ نقيَّة: بيضاءُ صافيةٌ لم يخالطْهَا شيءٌ من الصفرة، والجملة اسمية وقعتْ موقعَ الحال.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

فيه بيانُ الأوقاتِ التي عيَّنها الله تعالى، لأداء الصلواتِ الخمس المكتوبة.

2 -

أنَّ الصلوات الخمس لا تصح إلَاّ في هذه الأوقات المحدَّدة؛ لقوله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103]، ولما رواه أحمد (3071) عن ابن عباس أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"الوقت ما بين هذين"، ولما روى البخاري (553) عن بريدة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"من فاتته صلاة العصر، حبط عمله".

قال شيخ الإسلام: الوقت لا يُمْكِنُ تلافيه، فإذا فات، لم يمكنْ فعلُ الصلاة فيه.

وقد اختلف العلماء هل إذا أخَّرها عن وقتها عمدًا بدون عذر، يقضيها أم لا؟ سيأتي بيان ذلك، إنْ شاء الله.

3 -

أنَّ وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، إلى أنْ يصير ظل كل شيءٍ طوله، بعد الظل الَّذي زالت عليه الشمس، ثمَّ يدخل وقت العصر من غير فصلٍ بينهما ولا مشترك.

4 -

أنَّ وقت صلاة العصر من أنتهاء وقت الظهر، ويمتدُّ الوقت المختار ما دامت الشمسُ بيضاءَ نقيةً، فإذا اصفرَّتْ، دخل وقت الضرورة إلى الغروب.

ص: 473

5 -

أنَّ وقت صلاة المغرب مِنْ سقوط كلِّ قرص الشمس غائبة، إلى أنْ يغيب الشفق الأحمر، ثمَّ يدخلُ وقت العشاء، بدون فاصلٍ بينهما ولا مشترك.

6 -

أنَّ وقت صلاة العشاء من غيبة الشفق الأحمر إلى نصف الليل، وجمهور العلماء على أنَّه وقتها المختار، وأمَّا وَقْتُ الأداء: فهو ممتدٌّ إلى طلوع الفجر الثاني، وقال بعضهم: إنَّ وقتها ينتهي إلى نصف الليل، وهو أقوى من حيث الدليلُ.

7 -

أنَّ وقت صلاة الصبح مِنْ طلوع الفجر الثاني، حتَّى تطلع الشمس.

* قرار هيئة كبار العلماء:

جاء في القرار الصَّادر برقم (61) في 12/ 4 / 1398 هـ:

من هيئة كبار العلماء ما خلاصته:

1 -

من كان يقيم في بلادٍ يتمايَزُ فيها الليل من النَّهار، بطلوعِ فجر وغروبِ شمس، إلَاّ أنَّ نهارها يطول جدًا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أنْ يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا؛ لعموم قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء].

2 -

ومن كان يقيمُ في بلادٍ لا تغيبُ عنها الشمس صيفًا ولا تطلُعُ فيها شتاءً، أو في بلادٍ يستمر نهارها إلى ستَّة أشهر، ويستمر ليلها إلى ستَّة أشهر مثلًا، وجب عليهم أنْ يصلوا الصلوات الخمس في كلِّ أربع وعشرين ساعة، وأنْ يَقْدُروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلادٍ إليهم، تتمايز فيه الصلواتُ المفروضة بعضُها عن بعض؛ لما ثبت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم حدَّث أصحابه عن المسيح الدجَّال، فقالوا: ما لُبْثُهُ في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، فقيل: يا رسول الله: اليوم الَّذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له".

ص: 474

فتجب على المسلمين في البلاد المذكورة أنْ يحدِّدوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلادٍ إليهم يتمايَزُ فيها الليل من النَّهار، وتعرف فيها أوقاتُ الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية، في كلِّ أربعٍ وعشرين ساعة.

هيئة كبار العلماء

* خلاف العلماء:

اختلف العلماء في نهاية الوقت المختار للعصر:

فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشَّافعي وأحمد: وجمهور العلماء: إلى أنَّه ينتهي بمصير الظِّل مثليه، بعد فيء الزوال.

ودليلهم ما رواه أحمد (3071) وأبو داود (393) والترمذي (149)، "أنَّ جبريل أمَّ النبَّي صلى الله عليه وسلم فصلَّى به العصر -في المرَّة الثانية- حين صار ظل كل شيءٍ مثليه، ثمَّ قال الصلاة ما بين هذين الوقتين" قال البخاري: هو أصح شيء في المواقيت.

والرواية الأخرى عن الإمام أحمد: أنَّ وقت صلاة العصر يمتد إلى اصفرار الشمس، صحَّحه في الشرح الكبير، واختاره المجد، والشيخ تقي الدِّين؛ لما روى مسلم (612) عن عبد الله بن عمرو:"ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس"، وهو متأخِّر، والعمل بالمتأخِّر متعيِّن.

قال شيخ الإسلام: وهو الصحيحُ، وعليه تدلُّ الأحاديث الصحيحة. واختلف العلماء في نهاية الوقت المختار لصلاة العشاء:

فذهب الإمام أحمد في المشهور من مذهبه: أنَّه ينتهي بثلث الليل الأوَّل؛ وهو الجديد من مذهب الإمام الشَّافعي؛ لما في الصحيح عن عائشة قالت: "كانوا يصلون العتمة فيما بين أنْ يغيب الشفق إلى ثلث الليل".

ص: 475

وذهب الإمام أبو حنيفة: إلى امتداد الوقت المختار إلى نصف الليل، وهو أحد القولين في مذهب الشَّافعي، والرواية الأخرى في مذهب أحمد.

قال في المغني: وهو قول الثوري، وابن المبارك، وأبي ثور، وأصحاب الرَّأي، واحد قولي الشَّافعي؛ لما روي عن أنس:"أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة العشاء إلى نصف الليل"[رواه البخاري (572)].

قال في الإنصاف: جزم به الموفَّق في العمدة، واختارها القاضي، وابن عقيل، والمجد، وابن عبد القوي.

قال في الفروع: وهي أظهر.

قال الشيخ ابن سعدي: وهو الصحيح.

قال شيخ الإسلام: لو قيل: إلى النصف تارة، وإلى الثلث تارةً أخرى، لكان وجيهًا.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: وقت الاختيار إلى ثلث الليل، ورواية أخرى إلى نصفه، وكلاهما جاء به أحاديث ثابتة.

والليل الشرعي المعتبر من غياب الشمس، إلى طلوع الفجر الثاني.

وذهب جماهير أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة وأتباعهم: إلى أنَّه بعد وقت الاختيار للعشاء، يدخل وقت الضرورة، ويمتد حتَّى طلوع الفجر.

ويحرُمُ إيقاعُ الصلاة فيه عند بعضهم، ومنهم الحنابلة، إلَاّ أنَّها أداءٌ ليست قضاءً؛ ودليلهم حديث أبى قتادة في مسلم؛ فإنَّه ظاهر في امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الصلاة الأُخرى، إلَاّ صلاة الفجر، فقد خصَّها الإجماع.

***

ص: 476

129 -

وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِيْنَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: "وَالْعِشَاءُ أَحْيَانًا يُقَدِّمُهَا وَأَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا، إِذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ"(2).

وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: "فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِيْنَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا"(3).

ــ

* مفردات الحديث:

- رَحْلَهُ: بفتح الرَّاء المهملة، وسكون الحاء المهملة، بعدها لامٌ ثُمَّ هاءٌ، والرَّحْلُ: مسكن الإنسان، وما يستصحبه من الأثاث عند رحيله أو سفره.

- في أقصى المدينة: حال من "رحل"، وليس ظرفاً للفعل، ومعناه: أبعد بيتٍ في المدينة.

(1) البخاري (547)، مسلم (647).

(2)

البخاري (560)، مسلم (646).

(3)

مسلم (614).

ص: 477

- والشمس حيَّة: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الباء المثنَّاة، ثمَّ تاء، أي: بيضاء نقية قوية الأثر، حرارةً وإنارةً ولونًا، والواو للحال، والجملة الاسمية في موضع الحال من فاعل "يرجع"، فحياةُ الشمس عبارةٌ عن بقاء جرمها لم يتغيَّر، وبقاء لونها لم يتغير، وإنَّما يدخلها التغيير بدنو المغيب.

- ينفتل: بالفاء، والتاء المثنَّاة الفوقية مكسورة، أي: يلتفت إلى من خلفه وينصرف إليهم.

-جليسه: الجليس على وزن فعيل بمعنى المجالس، وأراد به الَّذي إلى جنبه.

- بغَلَس: بفتحتين، الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلَطَ بضوء الصبح.

- أَبطؤوا: أبطأ الرَّجلُ إبطاءً، أي: تأخَّر مجيئه، وبَطُؤ من باب قرب، فهو بطيء على وزن فعيل.

- انشق الفجر: انشقَّ الشيء: انفرج، قال في النهاية: شق الفجر وانشق: إذا طلع، كأنَّه موضع طلوعه.

- الغداة: ويُقال: الغُدْوة بضم الغين، هي البكرة، وقد حدَّها بعضهم بأنَّها: ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.

- لا يَكَاد: كَادَ من أفعال المقاربة التي تَدُلُّ على قرب وقوع الشيء، قال في المصباح: كدت أفعل كذا، معناه: قاربت الفعلَ ولم أفعل، وما كدت أفعل، معناه: فعلْتُ بعد إبطاء؛ ومنه قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)} معناه: ذبحوها بعد إبطاء.

* ما يُؤْخَذ من الحديث:

1 -

استحبابُ تعجيل صلاة العصر في أوَّل وقتها؛ فإنَّ الصحابة يصلُّونها مع النَّبي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يذهبون إلى رحالهم في أقصى المدينة، والشمسُ حيَّةٌ مرتفعةٌ بيضاءُ نقيةٌ، لم تدخلْها صفرة المساء.

2 -

استحبابُ تأخير صلاة العشاء حتَّى يذهَبَ عامَّة الليل، وهذا التَّأخير مقيَّد بما

ص: 478

إذا لم يجتمعْ أصحابها لها.

3 -

تقديم صلاة العشاء في أوَّل وقتها إذا رأى أصحابَهُ قد اجتمعوا للصلاة، وذلك مراعاةً لراحتهم، وعدم المشقَّة عليهم في الانتظار في وقت راحتهم.

4 -

يكونُ التَّأخير مستحبًّا في حقِّ جماعة في مكانٍ واحد، وفي حقِّ النساء في بيوتهنَّ.

5 -

كراهة النوم قبلها؛ لئلا يستغرق النَّائم في النوم حتَّى تفوته، أو يفوته وقتها المختار.

6 -

كراهة الحديث بعدها؛ لئلا يتأخَّر عن النوم، فيشق عليه قيام الليل، أو القيام لصلاة الصبح، وهذا في حَقِّ من ليس عنده عذر، من ضيف أو دراسة علم أو عَمَلٍ فيه مصلحة للمسلمين.

7 -

استحباب تعجيل صلاة الصبح، وذلك بأن يدخل فيها بغلس، حيث لا يزال ظلام الليل قد خالطه قليل من ضوء الصبح؛ فإنَّه مع تطويل القراءة ينصرف من الصلاة، والنَّاس يعرف بعضهم بعضًا.

8 -

قال ابن دقيق العيد: صلاة الجماعة أفضلُ من الصلاةِ في أوَّل الوقت.

9 -

استحباب تطويل القراءة في صلاة الصبح؛ فهو المراد من قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)} [الإسراء]، وهنا قدِّرت في الستين آية، ومائة آية.

10 -

استحباب مراعاة حالة المأمومين، بعدم التأخُّر عليهم في أداء الصلاة، وطول الانتظار، ومن حيث تخفيفُ الصلاة بدون إخلال بما يكمِّلها من الواجبات والمستحبات، والميزانُ في ذلك إرشادُهُ صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل.

11 -

حالة المساجد زمن النبوَّة، من عدم الإضاءة، وبساطة المبنى، ولكنَّها منوَّرة بالإيمان والصلاة والعبادة؛ قال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: 18].

ص: 479

130 -

وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُوْلِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- ليبصر: بضم الياء من الإبصار، والَّلام فيه التَّأكيد.

- مواقع: جمع موقع، وهو موضع الوقوع.

- نبله: بفتح النون، وسكون الباء الموحَّدة التحتية: هي السهام العربية، وهي مؤنثة، جمعه نبال وأنبال، لا واحد لها من لفظها.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحبابُ تعجيل صلاة المغرب في أوَّل وقتها، بحيث ينصرفُ منها والضوء باق، واستحبابُ التعجيل باتفاقِ الأئمَّة؛ قاله الشيخ تقي الدِّين.

2 -

المراد بالغروب هو غروبُ قرص الشمس جميعه، بحيث لا يرى منه شيء، ونُقِلَ الإجماع على ذلك؛ لما في البخاري (536)، ومسلم (636) من حديث سلمة بن الأكوع:"أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس، وتوارت بالحجاب".

3 -

يمتد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة والشَّافعي وأحمد.

قال النووي: هذا هو الصوابُ الَّذي لا يجوز غيره؛ وذلك لما روى مسلم (612) وغيره عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقت المغرب

(1) البخاري (559)، مسلم (637).

ص: 480

ما لم يسقط نور الشفق"، ولما روى الدَّارقطني (1/ 229) عن ابن عمر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشفقُ الحمرة، فإذا غاب، وَجَبَتِ الصلاة".

قال عياض: الشفق: الحمرةُ التي تَبْقَى في السماء بعد مَغِيب الشمس، وهو بقيَّة شعاعها؛ هذا هو قولُ أهلِ اللغة وفقهاءِ أهل الحجاز.

***

ص: 481

131 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَعْتَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعِشَاءِ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى، وَقَالَ: إِنَّهُ لَوَقْتُهَا، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- أَعْتَمَ: دخل في العَتَمَةِ، وهي ظلمة الليل، وسمِّيت الصلاةُ باسم وقتها، والعتمة: آخرُ ثلث الليل الأوَّل.

- العشاء: بكسر العين والمد، سمِّيت الصلاةُ باسم وقتها الَّذي تصلَّى فيه.

- عامَّة الليل: أي كثيرٌ من الليل، لا أكثره.

- إنَّه لوقتها: أي: وقتها الفاضل، لولا المشقَّة على الأُمَّة.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحبابُ تأخير صلاة العشاء إلى عامَّة الليل، إلَاّ أنَّه لا يتجاوز ثلثه أو نصفه؛ فإنَّهما آخر الوقت المختار، على خلاف فيهما، تقدَّم.

2 -

استحباب مراعاة حالة المأمومين، وعَدَم المشقَّة عليهم في الانتظارِ، وتطويلِ الصلاة.

3 -

فيه دليلٌ على القاعدة الشرعية: "درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح"، فدفع مشقَّتهم قُدِّمَتْ على مصلحة فضيلة الوقت المختار لها.

4 -

جواز عمل العمل المفضول أحياناً؛ لبيان حُكْمِهِ للنَّاس.

5 -

رحمة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وطلبُهُ أيسَرَ الأمرين؛ تخفيفًا على الأُمَّة، وتسهيلاً في أعمالهم؛ قال عليه الصلاة والسلام:" إنَّما بعثتم ميسرين، ولم تُبْعَثُوا معسِّرين"[رواه البخاري (220)].

(1) مسلم (638).

ص: 482

132 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- اشتد: أصله اشتَدَدَ، فأُدغمتِ الدَّالُ الأولى في الثانية، فهو من الاشتداد من الافتعال.

- أبردوا: بهمزةٍ مفتوحة مقطوعة، وكسر الرَّاء، أي: ادخلوا في صلاة الظهر في وقت البرد.

- بالصلاة: الباء للتعدية، والمعنى: ادخلوا في صلاة الظهر في البرد، وهو سكون شدَّة الحر، وذلك بانكسار شدَّة حر الظهيرة.

- فإنَّ شدَّة الحرِّ: الفاء للتعليل، أراد بيانَ أنَّ علَّة الأمر بالإبراد هي شدَّةُ الحر المُذهبةُ للخشوع.

- فيح جهنَّم: بفتح الفاء، وسكون المثنَّاة التحتية، فحاء مهملة، أي: شدَّة غليانها.

- جهنَّم: أكثر النحاة على أنَّه لفظٌ أعجميٌّ عُرِّبَ، فهو غير منصرف للعَلَميَّة والعُجْمَة، وذكره في الصِّحَاح في الرباعي.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحبابُ الإبراد في صلاة الظهر أيام شدة الحر؛ وذلك بأنْ تُؤَخَّر عن أوَّل وقتها إلى أَنْ تَخِفَّ شدة الحرارة، واستحباب الإبراد هو مذهبُ الأئمةِ الأربعة، وجمهورِ العلماء.

(1) البخاري (536)، مسلم (615).

ص: 483

2 -

الحكمة في هذا: راحة المصلِّين، وتأديتها في جوٍّ مريحٍ بعيدٍ عمَّا يشغل قلب المصلِّي عن الصلاة، ويذهبُ عنه الخشوعَ الَّذي هو رُوحُ الصلاة؛ ولذا استحبَّ العلماء الإبراد حتَّى في حقِّ من يصلِّي وحده أو في بيته؛ لأنَّ المعنى في الجميع واحد.

3 -

سبب شدَّة الحرِّ هو نَفَسٌ من جهنَّم، يأذنُ الله تعالى بفتحه، فيحدث هذا الوهج الحار؛ فقد روى البخاري (537) من حديث أبي هريرة؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"اشتكَتِ النَّار إلى ربِّها، فقالت: يا ربِّ أَكَلَ بَعْضِي بعْضًا، فأذِنَ لي بنفسين: نفسٌ في الشتاء، ونفسٌ في الصيف، فهو أشدُّ ما تجدون من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير".

قال القاضي عياض والنووي: لا مانع من حمل الحديث على ظاهره، من شكاية النَّار إلى ربِّها حقيقةً؛ فإنَّه ما من شي إلَاّ يسبِّح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.

قال مُحَرِّره: وهذا لا يخالف الظواهر الكونية، فالكلُّ بأمر الله تعالى وبعلمه.

قال شيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي -رحمه الله تعالى- عند كلامه على هذا الحديث: ولا منافاة بين هذا وبين الأسباب المحسوسة؛ فإنَّها كلَّها من أسباب الحر والبرد، فيجب على المسلم أنْ يثبت الأسباب الغيبية الَّتي ذكرها الشَّارع، ويؤمن بها، ويثبت الأسباب المشاهدة المحسوسة، فمن كذَّب أحدهما، فقد أخطأ.

4 -

قال ابن حجر في الفتح ما خلاصته: الأمر بالإبراد أمرُ استحباب، وقيل: أمر إرشاد، وقيل: بل هو للوجوب؛ حكاه عياض وغيره.

وغفل الكرماني، فنقَلَ الإجماعَ على عدم الوجوب، نعم قال جمهور أهل العلم: يستحبُّ التأخير في شدَّة الحر إلى أن يبرد الوقت، وذلك في البلاد الحارَّة.

***

ص: 484

133 -

وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيْجٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه أحمد، وأبو داود، والدَّارمي (1/ 301) وابن ماجه، والطبراني في الكبير (24/ 222)، وصحَّحه جماعةٌ، منهم الترمذي وابن حبَّان وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وقال الديلمي: إسناده صحيح، وقال السيوطي: إنَّه متواتر، وكذا قال المناوي في فيض القدير. وأقر الحافظ في فتح الباري تصحيح من صحَّحه، وللحديث عدَّة طرق، العمدة فيها حديثُ رافع بن خديج.

* مفردات الحديث:

- أَصْبحوا: ادخلوا في الصباح، والمراد: أطيلوا صلاة الصبح وقراءتها، حتَّى تسفروا؛ كما جاء في الرواية الأُخرى:"أسْفِروا".

- فإنَّه أعظم لأجوركم: تعليلٌ لإطالة صلاة الصبح بالنهار، والقراءة فيها.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحباب إطالة القراءة في صلاة الصبح، بحيث يدخل في الصلاة في أوَّل وقتها، ولا يخرج إلَاّ وقد أسفَرَ؛ كما جاء في بعض روايات هذا الحديث:"أسفروا بالصبح"، ولما ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ بالستين إنْ قصر، والمائة

(1) أحمد (16806)، أبو داود (424)، الترمذي (154)، النسائي (549)، ابن ماجة (672).

ص: 485

إنْ أطال" [رواه البخاري (516)، ومسلم (647)]، وقراءته مرتَّلة، صلوات الله وسلامه عليه.

2 -

فسَّرنا الإصباح بالصلاة بإطالةِ القراءة؛ ليوافقَ هذا الحديث "ابتداء صلاته صلى الله عليه وسلم بغلس"، وهو ظلمة آخر الليل.

3 -

صلاة الفجر في أوَّل وقتها، وإطالةُ القراءة فيها هو مذهبُ جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة.

أمَّا الحنفية: فيرون التأخير، وحُجَّتهم ظاهر الحديث، ويقولون: إنَّه آخر الأمرين في حياته، عليه الصلاة والسلام.

***

ص: 486

134 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه نَحْوَهُ، وَقَالَ:"سَجْدَةً" بَدَلَ "رَكْعَةً"، ثُمَّ قَالَ: وَالسَّجْدَةُ إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَةُ (2).

ــ

* مفردات الحديث:

- مَنْ: شرطية، شرطها "أدرك" الأولى، وجوابها "أدرك" الثانية، والفاء جاءت لتربط الجواب بالشرط.

- سجدة: معناها الركعة بركوعها وسجودها.

- فقد أدرك الصبح: أي: أدرك صلاة الصبح أداء.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

الحديثُ يدل على امتداد وقت الصبح إلى طلوع الشمس.

2 -

يدل على امتداد وقت العصر إلى غروب الشمس.

3 -

يدل على أنَّ إدراك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، يعتبر إدراكًا للصلاة في وقتها؛ فهي أداءٌ لا قضاء.

فإدراكُ ركعة من الصلاة في الوقت يسري على الصلاة كلِّها، فتكون كلها

(1) البخاري (579)، مسلم (608).

(2)

مسلم (609).

ص: 487

أداء، مع الإثم بإيقاع بعض الصلاة بعد وقتها.

5 -

تأخيرُ صلاة العصر إلى اصفرار الشمس لا يجوز؛ لأنَّ هذا وقت ضرورة، نُهِيَ عن الصلاة فيه؛ فقد روى مسلم (831) من حديث عقبة بن عامر قال:"ثلاثُ ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، وأنْ نقبر فيهنَّ موتانا"، منها:"وحين تَضَيَّفُ الشمس للغروب حتَّى تغرب".

"وكان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمسُ بيضاءُ نقية مرتفعة".

6 -

جاء في بعض الروايات: "من أدرك ركعة"، وفي بعضها:"سجدة" بدل "ركعة"، وليس المراد نفس الركوع أو نفس السجود، وإنَّما المراد ركعة كاملة بأعمالها وأقوالها، إلَاّ أنَّه عبَّر عن الكل باسم البعض.

7 -

المشهور من مذهبنا: أنَّ الوقت يُدْرَكُ بتكبيرة الإحرام فيه، والرواية الأخرى: أنه لا يُدْرَكُ إلَاّ بإدراك ركعة، كما يدل عليه هذا الحديث، واختاره الشيخ تقي الدِّين، وقال: إنَّه عامٌّ في جميع الإدراكات لا تكون إلَاّ بركعة، واختاره من المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن السعدي، رحمهما الله تعالى.

***

ص: 488

135 -

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ"(1).

وَلَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّي فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ"(2).

وَالْحُكْمُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَزَادَ:"إِلَّا يَوْمَ الْجُمْعَةِ"(3)، وَكَذَا لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ نَحْوُهُ (4).

ــ

* درجة الحديث:

زيادة الشَّافعي وزيادة أبي داود ضعيفتان؛ فزيادة الشافعي فيها إبراهيم بن يحيى، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهما ضعيفان، قال أبو حاتم: إبراهيم

(1) البخاري (586)، مسلم (827).

(2)

مسلم (831).

(3)

الشافعي (1/ 139).

(4)

أبو داود (1083).

ص: 489

ضعيف، وقال الأزدي: منكر الحديث.

وأمَّا إسحاق، فقال الزهري: يُرْسِلُ الأحاديثَ، وقال ابن سعد: يروي أحاديث منكرة، ولا يحتجُّون بحديثه.

وأمَّا زيادة أبي داود، فهي منقطعة؛ لأنَّ أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة، ومع هذا ففيها ليث بن أبي سُلَيْم، وهو ضعيف.

قال أحمد: مضطرب الحديث.

وقال ابن معين: ضعيف الحديث.

* مفردات الحديث:

- لا صلاة بعد العصر، ولا صلاة بعد الفجر: قَالَ ابن دقيق العيد: صيغةُ النفي إذا دخلَتْ على الفعل في ألفاظ الشَّارع، فالأوْلَى حملُها على نفي الفعلِ الشرعيِّ، لا على نفي الفعلِ الوجوديِّ؛ فيكون قوله:"لا صلاة بعد الصبح" نفيًا للصلاة الشرعية لا الجنسية، وإنَّما قلنا ذلك؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ الشَّارع يطلق ألفاظه على عُرْفِهِ، وهو الشرعيُّ، وأيضًا: إذا حملناه على الفعل الجنسي، وهو غيرُ مُنْتَفٍ، احتجنا إلى إضمارٍ لتصحيح اللفظ، وهو المسمَّى بدلالة الاقتضاء.

- نَقْبُر: بضم الباء وكسرها، أي: ندفن فيها الموتى.

- الشمس بازغة: بزغَتِ الشمسُ تبزُغُ بزوغًا، من باب نصر، أي: ابتدأت في الطلوع.

- حين: الحين: وقتٌ مبهمٌ يصلُحُ لجميع الأزمان -طال أو قصر- والمراد به هنا: وقتُ الزوال.

- قائم الظهيرة: هو قيام الشمس وقت الزوال من قولهم: قامت به دابَّته، أي: وقفت، والمعنى: أنَّ الشمس إذا بلَغَتْ وسَطَ السماء، أبطأتْ حركة الظلِّ إلى أنْ تزول، فيحسب النَّاظر إليها أنَّها وقَفَتْ وهي سائرة؛ ولكنَّه سير لا يظهر له

ص: 490

أثرٌ سريع، فيُقال لذلك الوقوف المشاهد:"قائم الظهيرة".

- حتَّى تزول: حتَّى تميلَ عن وسط السماء نحو المغرب.

- تَضَيَّف الشمس للغروب: بفتح التاء والضاد المعجمة، وتشديد الياء: تميل نحو الغروب.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

نفيُ صحة الصلاة بعد صلاة الصبح؛ لأنَّه دَخَلَ وقت النَّهي الَّذي لا تصحُّ فيه الصلاة.

2 -

نَفْيُ صحة الصلاة بعد صلاة العصر؛ لأنَّه دَخَلَ وقت النَّهي الَّذي لا تصح الصلاة فيه.

3 -

رواية مسلم: "لا صلاة بعد صلاة الفجر" أزالتِ الشكَّ الَّذي جاء في رواية: "لا صلاة بعد الصبح"، والَّذي فيه احتمالُ إرادة طلوع الصبح، أو إرادة فعل الصلاة.

4 -

النَّفْيُ في هذين الوقتين أبلَغُ من النَّهي؛ لأنَّ النَّفي فيه نفيُ وقوع حقيقة الشيء، وأمَّا النَّهي فلا يُعْطِي هذا المعنى.

5 -

السَّاعاتُ الثلاث التي ينهى فيها عن الصلاة وعن دفن الموتى هي:

(أ) من طلوع الشمس حتَّى ترتفع قِيدَ رمح وتزول حمرتها.

(ب) حين ينتهي ارتفاعُ الشمسِ حتَّى تزول.

(ج) حين تميلُ إلى الغروب حتَّى يتم غروبها.

* أوقات النهى بالبسط:

1 -

من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.

2 -

من طلوع الشمس حتَّى ترتفع قدر رمح.

3 -

عند قيام الشمس حال الاستواء حتَّى تزول.

4 -

من بعد صلاة العصر إلى اصفرار الشمس.

ص: 491

5 -

من الاصفرار حتَّى يتم الغروب.

* خلاف العلماء:

أجمع العلماء على تحريم الصلوات النوافل المطلقة، وأنَّها لا تصح ولا تنعقد في أوقات النهي الخمسة المتقدِّم ذكرها.

واختلفوا في جواز الصلوات ذوات الأسباب؛ كتحية المسجد، وركعتي الوضوء، وصلاة الكسوف:

ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور من مذهبه: إلى عدم جواز نفل الصلاة في أوقات النهي مطلقًا، سواءً كانت من ذوات الأسباب أو غيرها.

وذهب الإمام الشَّافعي: إلى جواز نفل ذوات الأسباب، وهو روايةٌ قوية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام وغيره من أصحاب أحمد.

ومنشأ الخلاف بين الفريقَيْن: هو بُدُوُّ التعارض بين الأحاديث، فطائفة منها: عمومها يفيد النهي عن الصلاة مطلقًا في تلك الأوقات، وطائفة أخرى: عمومها يفيد استحباب إيقاع الصلاة ذات السبب، ولو في وقت النَّهي.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: التحقيقُ: أنَّ العموم في الأوقات مقدَّم على العموم في الصلوات؛ ولأنَّ أحاديثَ النَّهي قد دخلها التخصيص بالفائتةِ، والنومِ عنها، والنَّافلةِ التي تقضى؛ فضَعُفَ جانبُ عموم تخصيصها بذلك.

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: تجويزُ ذواتِ الأسباب في أوقات النَّهي أرجحُ مِنْ منعها؛ لأنَّ ذواتِ الأسباب تفوت بفوات أسبابها، بخلاف النوافل المطلقة.

واختلف العلماء هل يبدأ النهي عن الصلاة بطلوع الفجر أم بعد صلاة الفجر؟:

ص: 492

ذهب إلى الأوَّل الأئمة أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وأتباعهم؛ مستدلِّين بما روى أبو داود (1278) والترمذي (419) عن ابن عمر؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا صلاة بعد الفجر إلَاّ سجدتين".

وذهب الشَّافعية: إلى أنَّ النَّهي يبتدىء من صلاة الفجر؛ واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (561) عن أبي سعيد: "لا صلاة بعد صلاة الفجر حتَّى تطلع الشمس"، وغيره من الأحاديث.

وما استدل به الحنابلة فيه مقال، ولا يُقاوِمُ أحاديثَ الصحيحين؛ كما سيأتي بيان ذلك.

* فائدة:

الحكمة في النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات، هي البعدُ عن مشابهة المشركين الَّذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها؛ فالإِسلامُ يريد من أتباعه الوَحْدَةَ في عباداتهم وعاداتهم وأحوالهم، ويريدُ منهم الاستقلال؛ فلا يحتذون غيرهم، بل تكون لهم شخصيَّتهم الإسلامية.

***

ص: 493

136 -

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى، أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أوْ نَهَارٍ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، والدَّارمي (2/ 96)، وابن ماجه، والدَّارقطني (1/ 424)، والحاكم، والبيهقي (5/ 92)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

* مفردات الحديث:

- عبد مناف: ابن قُصَيٍّ، هو الأب الرَّابعُ للنَّبي صلى الله عليه وسلم، وذريته هم أعزُّ بيتٍ في قريش، قال الزركلي: وكان له أمرُ قريشٍ بعد أبيه.

- أية ساعة: "أي" اسم موصول، والتَّاء للتَّأنيث جاءتْ للمطابقة؛ لأنَّ "أيًّا" الموصولة تجوزُ فيها المطابقة.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

عبد مناف هو الأبُ الرَّابع للنَّبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ذريته فيهم سقايةُ الحجيج والرفادة، وهم قِمَّةُ الشرف في قريش، وراوي الحديث جبير بن مطعم من زعماء بني عبد مناف؛ فإنَّ أباه الرَّابع عبدُ مناف.

2 -

تحريمُ منع المتعبِّدين في المسجد الحرام في أي ساعة من ساعات الليل

(1) أحمد (16301)، أبو داود (1894)، الترمذي (865)، النسائي (585)، ابن ماجة (1254)، ابن حبان (4/ 421).

ص: 494

والنَّهار، سواءٌ كان وقت نهي أو لا.

وقال بعضهم: إن المراد به ركعتا الطواف؛ بدليل قَرْنِ الصلاة بالطواف.

وقال بعضهم: إن الحديث لا يعطي شيئًا من هذين المعنيين، وإنما هو خطابٌ موجَّه إلى ولاة البيت، بأن لا يمنعوا منه أحدًا في أي وقت، أما مسألة "أن الوقت للصلاة أو عدمه"، فأمرٌ مرجعه إلى نصوصِ الشرع، وهذا توجيهٌ حسنٌ.

3 -

ظاهرُ الحديث: جوازُ الصلاة في المسجدِ الحرامِ في أية ساعة من الليل والنَّهار.

4 -

إقرارُ ولاية البيت في يد مَنْ ولَاّه اللهُ تعالى أَمْرَ المسلمين، في مكَّة المكرمة وما حولها.

5 -

الحديثُ دليلٌ على صِحَّة قول من يرى أنَّ الصلواتِ ذوات الأسباب تُصلَّى في أوقات النَّهي؛ لأنَّه خصَّص أحاديثَ النَّهي العامَّة.

6 -

فيه فضيلةٌ ومنقبةٌ كبيرة لقريشِ وُلَاةِ هذا البيت، ولبني عبد مناف منهم خاصَّة، وفضيلةٌ لمن جاء بعدهم ممَّن شرَّفه الله بخدمة هذا البيت المبارك، الَّذي قال الله فيه:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} [آل عمران]، وقال:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57].

***

ص: 495

137 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح السند، ولكنَّه موقوف.

أخرجه ابن خزيمة، من حديث ابن عمر مرفوعًا، والبيهقي (1/ 373)، وصوَّبا وقفه، وقال: روي هذا الحديث عن عليٍّ، وابن عمر، وابن عبَّاس، وعبادة بن الصامت، وشدَّاد بن أوس، وأبي هريرة، ولا يصح فيه شيء.

* مفردات الحديث:

- الشفق: قال ابن بَطَّال في شرح المهذَّب: الشفق: هو بقيَّةُ ضوء الشمس وحمرتها في أوَّل الليل، يرى في المغرب إلى صلاة العشاء.

قال الخليلُ: الشفق: الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الأخيرة، فإذا ذَهَبَ، قيل: غاب الشفق.

- الحمرة: بضم الحاء، وسكون الميم، هي مؤنَّث اللون الأحمر.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

تعيُّن تفسير الشفق أنَّه الحمرة التي تكونُ إثْرَ شعاع الشمس بعد مغيبها؛ وهذا التفسير مرفوعٌ إلى النَّبى صلى الله عليه وسلم، وتمام الحديث:"فإذا غاب الشفق، وجبت الصلاة".

(1) ابن خزيمة (1/ 182)، الدَّارقطني (1/ 269).

ص: 496

2 -

هذا الشفق الأحمر هو الَّذي يحدِّد نهاية وقت صلاة المغرب، وبداية صلاة العشاء، قال النووي: الصوابُ أنَّ المراد بالشفق هو الأحمر، ولا يجوز غيره.

3 -

يمتد وقتُ المغرب إلى غيبة هذا الشفق الأحمر، ثمَّ يبدأ وقت العشاء، وهذا مذهب الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة والشَّافعي وأحمد.

***

ص: 497

138 -

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَتَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلَاةُ -أَيْ: صَلَاةُ الصُّبْحِ- وَيَحِلَّ فِيهِ الطَّعَامُ" رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (1).

وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَزَادَ فِي الَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ:"إِنَّهُ يَذْهَبُ مُسْتَطِيلًا فِي الْأُفُقِ"، وَفِي الْآخَرِ:"إِنَّهُ كَذَنَبِ السِّرْحَان"(2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح الإسناد، والرَّاجح وقفه.

قال الدَّارقطني: لم يرفعه غير أبي أحمد الزبيري، عن الثوري، عن ابن جريج، ووقفه الفريابي وغيره عن الثوري، ووقفه أصحاب ابن جريج عنه أيضًا، لكنْ له شاهدٌ من رواية جابر عند الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفجرِ فجران، فأمَّا الَّذي يكون كذنب السرحان فلا يُحِلُّ الصلاةَ، ولا يُحَرَّمُ الطعامَ، وأمَّا الَّذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنَّه يُحِلُّ الصلاة، ويحرَّم الطعامَ".

قال البيهقي: روي موصولاً ومرسلًا، والمرسل أصح، وأخرجه الحاكم وصحَّحه.

وفي الباب: عن سمرة رواه مسلم، وعن ابن مسعود متَّفقٌ عليه.

(1) ابن خزيمة (3/ 210)، الحاكم (1/ 191).

(2)

الحاكم (1/ 191).

ص: 498

* مفردات الحديث:

- مستطيلًا: استطال الشيء استطالة، بمعنى: طال وامتدَّ وارتفع، ومستطيلًا هنا: اسم فاعل.

- الأفق: بضمتين، قال في المصباح: الناحيةُ مِنَ الأرض ومِنَ السماء، والجمع آفاق.

- كَذَنَب السِّرْحان: بكسر السِّين المهملة، وسكون الرَّاء، فحاء مهملة، والسرَحان هو الذئب، وذنبه يمتدُّ مستطيلًا ممتدًا مرتفعًا؛ ففيه شَبَهٌ منه.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

أنَّ الفجر فجران: الأوَّل منهما: الفجر الكاذب، والثاني: الصادق، وأحكامهما وصفاتهما مختلفة.

2 -

صفة الأوَّل منهما أنْ يذهَبَ مستطيلًا في الأفق، وأنَّه كذنب الذئب من امتداده إلى أعلى الأفق، ومن حيثُ لونُهُ الأبيضُ الضارب إلى الزرقة.

3 -

صفة الفجر الثاني منهما أنَّه معترضٌ في الأفق، وأنَّ لونه أبيضُ ناصعُ البياض.

4 -

حكم الفجر الأوَّل أنَّ ظهوره لا يحرِّم الأكلَ على مَنْ أراد الصيام؛ لأنَّه لا يزال الليل باقيًا، وأنَّها لا تَحِلُّ فيه صلاة الصبح؛ لأنَّه لم يدخُلْ وقتها.

5 -

حكمُ الفجر الثاني يحرِّم على من أراد الصيامَ الأكلَ؛ لأنَّ ظهوره هو بدايةُ النهار، وتَحِلُّ فيه صلاةُ الصبح؛ لأنه قد دَخَلَ وقتها.

***

ص: 499

139 -

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح. صحَّحه الترمذي والحاكم، وقد أخرجه البخاري (527)، ومسلم (85) عن ابن مسعود بلفظ:"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قالَ: الصَّلَاةُ لوقتها".

* مفردات الحديث:

- الأعمال: "أل" من أدوات العموم، وقد عورض بحديث:"أفضل الأعمال إيمانٌ بالله" فحمل هنا على الأعمال البدنية، فلا تتناول أعمال القلوب.

- في أوَّل وقتها: رواية البخاري: "الصلاة لوقتها" بدون لفظ "أول" ووجه الجمع في رواية البخاري مثل الَّلام في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي: مستقبلاتٍ أوَّلَ عدتهنَّ.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

أنَّ أفضل الأعمال الصالحات هو أداء الصلاة المفروضة في أوَّل وقتها.

2 -

عِظَمُ الصلواتِ الخمس، وفضيلةُ الاهتمام بهنَّ، وأدائهنَّ في أوَّلِ وقتهنَّ.

3 -

يستثنى من ذلك الصلاةُ التي يستحبُّ أنْ تصلَّى في آخر وقتها المختار، وهي العشاءُ، فقد صلَاّها صلى الله عليه وسلم حين ذهَبَ عامَّةُ الليل، وقال:"إنَّه لَوَقْتُها لولا أنْ أشُقَّ على أمتي"[رواه مسلم (638)]، وكذلك فضيلة الإبراد في الظهر؛

(1) الترمذي (173)، الحاكم (1/ 188).

ص: 500

فيخصَّص بهما حديث الباب.

4 -

قال فقهاؤنا: وتحصُلُ فضيلة التعجيل في أوَّل الوقت بالتأهُّب، والأخذ بأسبابها من طهارةٍ وسترة؛ لأنَّ مَنْ فَعَلَ ذلك وأخَذَ بفعل الأسباب لا يُعدُّ متوانيًا، بل مهتمًّا بها.

5 -

جاء في بعض الأحاديث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أي الأعمال أفضل؟ فقال: "إيمانٌ بالله عز وجل"، وكما وردتْ أحاديث أخر في أنواع البر بأنَّ فعلها هو أفضل الأعمال.

وأحسنُ جوابٍ على هذا بين شبه هذا التعارض، أنَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ حكمته يخاطبُ كلَّ واحد على حسب حاله، ويوجِّهه إلى ما هيأه الله له:

فإنْ كَان قويَّ البدن شجاعًا، وَجَّهه إلى الجهاد، وإنْ كان ليس فيه لياقةٌ لذلك، وجَّهه إلى القيامِ بأداء الصلوات، وإنْ كان غنيًّا، وجَّهه إلى الصدقة؛ ليعمَلَ كلُّ إنسان بالَّذي يحسنه، ويستغلّ مواهبه التي منحه الله إيَّاها، فيما يُصْلِحُ نفسه، وينفع غيره، وكلٌّ ميسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له، وهذه من حكمة اختلاف مواهب الخلق، وميولهم واستعداداتهم، والله أعلم.

6 -

قال ابن الملقن: الَّذي قيل في الجمع بين الأحاديث المتعارضة: أنَّها أجوبة مخصوصة، لمسائل مخصوص، بالنسبة إلى حاله أو وقته، أو بالنسبة إلى عموم ذلك الحال والوقت، أو بالنسبة إلى المخاطبين بذلك.

7 -

فيه السؤالُ عن العلم ومراتبه في الأفضلية، وتقديمُ الأهمِّ فالأهمِّ في الأعمال.

***

ص: 501

140 -

وَعَنْ أَبِي مَحْذُوْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللهِ، وَأوْسَطُهُ رَحْمَةُ اللهِ، وَاَخِرُهُ عَفْوُ اللهِ" أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيْفٍ جِدًّا (1)، وَلِلْتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، دُوْنَ الأَوْسَطِ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ أَيْضًا (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيف جِدًّا.

قال في التلخيص: لأنَّه من رواية يعقوب بن الوليد المدني، قال أحمد: كان من الكذَّابين الكبار، وكذَّبه ابن معين، وتركه النسائي، ونسبه ابن حِبَّان إلى الوضع.

قال البيهقي: كذَّبه الحفَّاظ، ونسبوه إلى الوضع.

قال أحمد: لا أعرف شيئًا يثبت فيه، يعني في هذا الباب.

وكذلك رواية الترمذي من طريق يعقوب المذكور.

وقال ابن الملقِّن: هذا الحديث لا يصح من جميع طرقه.

* مفردات الحديث:

- رضوان الله: بكسر الرَّاء: رضاء الله، منافٍ لسخطه، قال الألوسي: رضا الله لا يعادله شيء، ويستتبع ما لا يكادُ يَخْطُرُ على بال، فهو أعلى المراتب الثلاث.

- رحمة الله: تفضُّله وإحسانه على عبده، فهي دون مرتبة الرضا.

(1) الدَّارقطني (1/ 249).

(2)

الترمذي (172).

ص: 502

- عفو الله: معناه: محو الذنب، ولا يكون المحو إلَاّ من تقصير، والتقصير هنا بالنسبة لِسَبْقِ مَنْ أدَّى الصلاةَ في أوَّل وقتها.

قال الإمام الشافعي: رضوانُ الله أحبُّ إلينا من عفوه، فالعفو يشبه أنْ يكون للمقصِّرين.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

استحبابُ أداء الصلاة المفروضة في أوَّل وقتها؛ طلبًا لرضوان الله تعالى.

2 -

إِنْ لمْ يَكنْ ذلك فلتؤدَّ في وسطه؛ لنيل رحمة الله تعالى.

3 -

أمَّا أداؤها في آخر الوقت، ففيه تكاسُلٌ وتثاقُلٌ عن الطاعة، فمن أخَّرها إلى آخر وقتها، فإنَّ الله تعالى يعفو عنه، ويسامحه على تكاسُلِهِ وعدمِ مبادرته.

4 -

أنَّ أفضل الثلاثة رضوان الله، ثمَّ رحمة الله، ثمَّ عفو الله، والعفو لا يكون إلَاّ بعد شيءٍ من التقصير.

5 -

فضيلةُ النشاط في العبادة، والمبادرةِ إليها، والإتيانِ إليها برغبة؛ قال تعالى:{يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، وقال تعالى:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]، وذم المنافقين بقوله:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء].

***

ص: 503

141 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ الفَجْرِ إلَاّ سَجْدَتَيْنِ" أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ.

وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالرَّزَّاقِ: "لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ إلَاّ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ"(1)، وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث ضعيفٌ؛ كما مال لذلك ابن حجر، ومنهم من صحَّحه.

فقد أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والدَّارقطني، والبيهقي من عدَّة طرقٍ، كلُّها عن قدامة بن موسى بسنده إلى ابن عمر.

قال الترمذي: غريبٌ لا نعرفه إلَاّ من حديث قدامة بن موسى، عن محمد ابن الحصين، وقُدَامَةُ ثقةٌ احتَجَّ به مسلم، وثَّقه ابن معين، وأبو زرعة، وغيرهما، ولكن شيخه -وهو محمَّد بن الحصين- مجهول، ويعضُدُ الحديثَ شواهدُهُ، ممَّا روي عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم.

قال ابن الملقِّن: أعلَّه ابن القطَّان بما ليس بعلَّة.

قال الألباني: الحديثُ صحيحٌ بالنظر إلى مجموعِ طرقه، التي خلت من متهمٍ، أو راوٍ واهٍ جدًّا.

لكنْ كلام ابن حجر في التلخيص الحبير يفيد ضعفه، وينظر كذلك نصب الراية.

(1) أحمد (4742)، أبو داود (1278)، الترمذي (419)، عبدالرزاق (3/ 53)، ولم يروه ابن ماجة.

(2)

الدارقطني (1/ 419).

ص: 504

مفردات الحديث:

- لا صلاة: كلمة "لا" نافية، ولكنَّه نَفْيٌ بمعنى النَّهْي، والتقدير: لا تصلُّوا.

- سجدتين: أي: ركعتين كاملتين، وهذا من إطلاقه الجزء وإرادة الكل؛ كما فسَّرتها الرواية الثانية.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

النفي المتضمِّن للنهي عن الصلاة النَّافلة بعد طلوع الفجر، إلَاّ ركعتي الفجر، وهما راتبة صلاة الفجر.

2 -

جواز ركعتَي الفجر بعد طلوع الفجر، وأنَّهما في وقتهما، وهذا الحديث معارَضٌ بما هو أصحُّ منه؛ وهو ما جاء في البخاري (1995)، ومسلم (827) من حديث أبي سعيدٍ الخدري؛ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا صَلَاةَ بَعْدَ صلَاةِ الفجر حتَّى تَطْلُعَ الشمس".

وَبِمَا روى البخاري (581) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم "نَهَى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتَّى تَطْلُعَ الشمس".

قال المجد في المنتقى: وهذه النصوصُ الصحيحةُ تدُلُّ على أنَّ النَّهي في الفجر لا يتعلَّق بطلوعه.

3 -

يحتمل أنَّ المؤلِّفَ أورَدَ هذا الحديث لبيان جوازِ قضاء ركعتَيِ الفجر، بعد أداءِ فَرْضِها في وقت النَّهي.

***

ص: 505

142 -

وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: صَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ بَيْتِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلْتُهُ؟ فَقَالَ:"شُغِلْتُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ، فَقُلْتُ: أفَنَقْضِيْهِمَا إذَا فَاتَتَا؟ قَالَ: لَا" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (1).

وَلأبِي دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِمَعْنَاهُ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

حديثُ أمِّ سَلَمة رواه أحمد، والنسائي (579) والسراج، من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أمِّ سلمة، قالت:"دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بعد العصر ركعتَيْن، فقلت: ما هذه الصلاة؟ فما كنْتَ تصلِّيها، فقال: قَدِمَ وفد بني تميم، فشغلوني عن ركعتين، كنت أركعها بعد الظهر".

إسناده صحيح، وأصله في الصحيحين، إلَاّ قولها: "أفنقضيهما

"؛ فقد ضعَّفها البيهقي، وابن حجر في الفتح، وصحَّحها ابن حبان، وقال ابن رجب في شرح البخاري: إسنادها جيد، وكذلك قال ابن باز.

* مفردات الحديث:

- شغلت: مبني للمجهول، وهو من باب نفع، والمصدر: الشُّغْل بضم الشين، وأمَّا الغين، فيجوز ضمها وسكونها، وشغلت عن كذا أُلْهِيتُ عنه، قال ابن

(1) أحمد (6/ 315).

(2)

أبو داود (1280).

ص: 506

فارس: ولا يكادون يقولون: "اشتَغَلَ" بالبناء للفاعل، وهو جائز.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

يدلُّ الحديث على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عن الرَّاتبة التي بعد الظهر، فصلَاّها بعد صلاة العصر قضاءً.

2 -

أم سلمة رضي الله عنها سألته هل نفعلُ ذلك، بأنْ نقضي هاتين الركعتين هذا الوقت إذا فاتتا؟ فنفى ذلك، وقال: لا تقضوهما في هذا الوقت.

3 -

دلَّ هذا الحديث على أنَّ قضاءَ راتبة الظهر -التي بعدها- بعد صلاة العصر من خصائصِهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَهَامُّهُ كثيرة وكبيرة، والله تعالى أعطاه ذلك لتكميل ثوابِهِ وأعماله، ما لم يُعْطَ غيره مِنْ نوافل العبادات، وهي كالوصالِ، ووجوب صلاة الليل، ممَّا هو مذكورٌ في كتب الخصائص.

***

ص: 507