المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: دراسة بعض مؤلفات ابن القيم - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ١

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة ابن القيم، وسيرته العلمية وآثاره

- ‌الفصل الأول: عصر ابن القيم وبيئته

- ‌المبحث الأول: الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني: الحالة الدينية

- ‌المبحث الثالث: الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الرابع: الحالة العلمية والثقافية

- ‌الفصل الثاني: حياة ابن القيم

- ‌المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده

- ‌المبحث الثاني: أسرته ونشأته الأولى

- ‌المبحث الثالث: أخلاقه وصفاته الشخصية

- ‌المبحث الرابع: زهده زعبادته

- ‌المبحث الخامس: نُبْل أهدافه ونقاء آرائه

- ‌المبحث السادس: مِحَنُه وَوَفَاتُه

- ‌الفصل الثالث: سيرته العلمية

- ‌المبحث الأول: نبوغه وتقدمه في العلم، وشهادة الأئمة له، وثناؤهم عليه

- ‌المبحث الثاني: شيوخه

- ‌المبحث الثالث: اهتمامه باقتتناء الكتب، وذكر مكتبته

- ‌المبحث الرابع: أَسْفَارُهُ وَرِحْلاتُهُ

- ‌المبحث الخامس: أَعْمَالُهُ العلمية ومَنَاصِبُهُ

- ‌المبحث السادس: تلاميذه

- ‌الفصل الرابع: مؤلفات ابن القيم

- ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في التأليف وخصائص مؤلفاته

- ‌المبحث الثاني: ذكر مؤلفات ابن القَيِّم

- ‌المبحث الثالث: مَصَادِرُ ابن القَيِّم في مؤلفاته

- ‌المبحث الرابع: دراسةُ بعض مؤلفات ابن القَيِّم

- ‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

- ‌الفصل الأول: آراء ابن القيم وإفاداته في مسائل مصطلح الحديث

- ‌المبحث الأول: أقسام الخبر

- ‌المبحث الثاني: الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث: الحديث الحسن

- ‌المبحث الرابع: المرفوع والموقوف

- ‌المبحث الخامس: الْمُرْسَل

- ‌المبحث السادس: تَعَارُض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

- ‌المبحث السابع: الْمُنْقَطِعُ

- ‌المبحث الثامن: التدليس وحكم المدلس

- ‌المبحث التاسع: الشَّاذ

- ‌المبحث العاشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌المبحث الحادي عشر: الموضوع

- ‌المبجث الثاني عشر: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

- ‌المبحث الثالث عشر: رواية المجهول

- ‌المبحث الرابع عشر: كيفية سماع الحديث وتحمله

- ‌المبحث الخامس عشر: ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌المبحث السادس عشر: مُخْتَلِفُ الحديث

- ‌المبحث السابع عشر: معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌الفصل الثاني: آراء ابن القيم وإفاداته ومنهجه في الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول: آراء ابن القيم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأول: في جواز الجرح، وأنه ليس من الغيبة المحرمة

- ‌المطلب الثاني: هل يثبتُ الجَرْحُ والتَّعْدِيْلُ بقولِ الواحد

- ‌المطلب الثالث: بماذا تثبت العدالة

- ‌المطلب الرابع: إذا خالف رأي أو الراوي أو فتواه روايته، هل يوجب ذلك القدح في روايته

- ‌المطلب الخامس: هل يشترطُ ذكر سببِ الْجَرْح والتعديل

- ‌المطلب السادس: في تعارض الجرح والتعديل

- ‌المطلب السابع: في حكم رواية الْمُبْتَدِعِ

- ‌المطلب الثامن: في ذكر فوائدَ متفرقة في الجرح والتعديل

- ‌المبحث الثاني: في بيان منهج ابن القيم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأول: في مكانة ابن القيم رحمه الله في نقد الرجال

- ‌المطلب الثاني: منهج ابن القَيِّم في نقد الرجال

- ‌المطلب الثالث: بعض الأساليب التي استعملها ابن القَيِّم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الرابع: في ذكر بعض الفوائد الْمُتَفَرِّقَةِ في الكلام على الرواة

الفصل: ‌المبحث الرابع: دراسة بعض مؤلفات ابن القيم

‌المبحث الرابع: دراسةُ بعض مؤلفات ابن القَيِّم

لقد وقع اختياري على بعض كتبه الحديثية لتقديم صورة واقعية عن منهج ابن القَيِّم في مؤلفاته الحديثية بصورة خاصة، بعد أن استعرضت منهجه في مؤلفاته على وجه العموم.

والكتب التي تشملها هذه الدراسة هي:

1-

(تهذيب سنن أبي داود) .

2-

(المنار المنيف في الصحيح والضعيف) .

3-

(رسالة فيها فوائد حديثية) .

ص: 289

أولاً: (تهذيب سنن أبي داود)

1-

تسمية الكتاب:

لم ينص ابن القَيِّم رحمه الله في مقدمة الكتاب على تسميته كما هو الحال في بعض كتبه، ولكنه سماه في كتابه:(زاد المعاد) 1، فقال عند كلامه على نوم الجُنُب دون أن يمس ماءً:"وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب: تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح علله ومشكلاته".

وقد وافق ابن القَيِّم على هذه التسمية من مترجميه: الصَّفَدِي رحمه الله، فذكر هذا الاسم بحروفه2.

أما ابن رجب رحمه الله، فقد سَمَّاه:(تهذيب سنن أبي داود، وإيضاح مشكلاته، والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة)3. وتبعه على ذلك: الداودي4، وابن العماد5.

وهذه التسمية وإن اختلفت عن تسمية المؤلف، إلا أنها لا تبعد عنها كثيراً، وقد راعى ابن رجب في إطلاقها موضوع الكتاب، كما نصَّ عليه ابن القَيِّم في خطبته.

وقد سَمَّاه ابن القَيِّم في مناسبة أخرى تسمية مختصرة، فقال:

(1/154) .

2 الوافي بالوفيات: (2/271) .

3 ذيل طبقات الحنابلة: (2/449) .

4 طبقات المفسرين: (2/92) .

5 الشذرات: (6/169) .

ص: 290

(تهذيب السنن) 1، وبهذه التسمية عُرِف الكتاب واشتهر.

ومما سبق يتبين: أن ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد2 من اتفاق جميع المترجمين لابن القَيِّم على اسم واحد للكتاب- وهو ما ذكره ابن رجب - غير صحيح، فقد تقدم أن الصَّفَدِي خالف في ذلك، وجاءت تسميته موافقة لتسمية ابن القَيِّم.

2-

موضوع الكتاب:

الكتاب في الأصل: تهذيب لمختصر المنذري لسنن أبي داود، وإلى هذا أشار ابن القَيِّم رحمه الله في خطبته، فقال: "وكان الإمام

المنذري - رحمه الله تعالى - قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزوِ أحاديثه، وإيضاح علله وتقريبه

جعلتُ كتابَهُ أفضلَ الزادِ، واتخذته ذخيرةً ليوم المعاد، فَهَذَّبْتُهُ نحو ما هَذَّبَ هو به الأصل"3.

ولكن: هل كان كتاب ابن القَيِّم مجرد اختصار وتهذيب لكتاب المنذري؟

إن الدارس لحياة ابن القَيِّم العلمية، والباحث في أعماله التأليفية، لا يجد للمهذبات والمختصرات مكاناً بين كتبه؛ إذ إن ابن القَيِّم كان عنده الجديد الذي يرغب في تقديمه، فقد كان رحمه الله بحراً لا ساحل له، ولانهاية لعطائه وفوائده الغزيرة، فَلِمَ يشتغل مثله بالمختصرات والتهذيبات؟

1 بدائع الفوائد: (2/177) .

2 ابن قيم الجوزية - حياته وآثاره: (ص144) .

3 تهذيب السنن: (1/9) .

ص: 291

فالناظر في كتابه (تهذيب السنن) يدرك لأول وهلة: أنه وإن كان يصدق عليه وصف الاختصار، إلا أنه في الحقيقة ليس إلا موسوعة من موسوعات ابن القَيِّم العلمية: في الحديث وعلومه، والفقه وأحكامه، وقد أشار رحمه الله في خطبته إلى ذلك، فقال: "

وزدت عليه - يعني كتاب المنذري - من: الكلام على عللٍ سكت عنها أو لم يكملها، والتعرض إلى تصحيح أحاديث لم يُصَحِّحْها، والكلام على متون مُشْكِلَةٍ لم يفتح مُقْفَلَهَا، وزيادة أحاديث صالحة في الباب لم يُشر إليها، وبسطت الكلام على مواضع جليلة لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتاب سواه، فهي جديرة بأن تُثْنَى عليها الخناصر، ويُعَضُّ عليها بالنواجذ"1.

فهكذا يُحَدِّدُ ابن القَيِّم موضوع كتابه، ويصف ما أودعه من علوم بين طيَّاته، وعلى هذا فإنَّ تسمية المؤلف للكتاب - التي مر ذكرها عنه - مطابقةٌ تماماً لموضوع كتابه، فهو: تهذيب، وشرح، وبيانٌ، وتعقب، واستدراك، وغير ذلك.

3-

منهج المؤلف في الكتاب:

إن الحديث عن منهج ابن القَيِّم في هذا الكتاب قد تقدم ذكره عند الكلام على المنهج التأليفي العام لابن القَيِّم في كتبه، كما سيأتي شيء من ذلك - أيضاً - عند الحديث على منهجه في شرح الحديث والاستنباط منه، إلا أنه - مع ذلك - يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي يَتَمَيَّزُ بها هذا الكتاب عن غيره من مؤلفاته، مع إبراز النقاط التي نصَّ عليها في خطبة كتابه، فمن ذلك:

1 تهذيب السنن: (1/9 - 10) .

ص: 292

أولاً: الحكم على الحديث وبيان علله التي سَكَتَ عنها المنذري أو لم يُكَمِّلها.

فتارةً يحكم على الحديث الذي سكت المنذري عن الحكم عليه وبيان علته، فقد سكتَ المنذري عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ السِّجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم ". فقال ابن القَيِّم: "سمعت شيخنا أبا العباس بن تيمية يقول: هذا الحديث موضوع

"1.

وتارةً يُورِدُ ما أُعلَّ به الحديث الذي سَكَتَ عنه المنذري، للجواب عن هذه العلل وإثبات صحة الحديث، وهذا كثير في كتابه؛ فقد سكت المنذري عن حديث أنس رضي الله عنه في تخليل اللحية، فنقل ابنُ القَيِّم إعلال ابن حزم وابن القطَّان له، ثم رد عليهما بقوله:"وفي هذا التعليل نظر"2. ثم أخذ في الجواب عن ذلك.

وذكر إعلالَ ابن حزم لحديث عائشة رضي الله عنها في اعتزال النبي لهن وهن حُيّض - وقد سكت عنه المنذري - ثم قال: "وما ذكره ضعيف

فالحديث غير ساقط"3.

وذكر إعلالَ ابن القطان حديث زينب بنت أبي سلمة في المرأة ترى ما يَرِيبُهَا بعد الطهر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هو عِرْقٌ". ثم قال: "وهذا تعليل فاسد

"4.

1 تهذيب السنن: (4/196) .

2 تهذيب السنن: (3/107) .

3 تهذيب السنن: (1/177) .

4 تهذيب السنن: (1/189) .

ص: 293

والأمثلة على ذلك كثيرة، فحين يكون الحديث مُتَكَلَّماً فيه ويسكت المنذري عن بيان ذلك، نجده يذكر ما أُعِلَّ به الحديث، والجواب عنه وردَّ عِلَّتِهِ، هذا بالإضافة إلى ما سكت عنه المنذري وهو معلول حقاً، كما تقدم مثاله.

وأما ما ذكر المنذري بعض علله ولم يكمل باقيها، فمثاله: أن المنذري ذَكَرَ بعض ما أُعِلَّ به حديث ميراثِ ابن الملاعنة، وترك بعضها، فقال ابن القَيِّم: "وأُعِلَّ أيضاً: بعبد الواحد بن عبد الله بن بسر النَّصْرِيِّ، راويه عن واثلة، قال ابن أبي حاتم:

لا يُحْتَجُّ به"1.

ثانياً: الكلام على المتون الْمُشْكِلَةِ.

فكثيراً ما كان ابن القَيِّم رحمه الله يَعْمَدُ إلى بعض الأحاديث الْمُشْكِلَةِ، فيحاول دفع إِشْكَالاتِهَا، وإزالة غُمُوضِهَا وإِبْهَامِهَا.

فمن ذلك: ما جاء في حديث عليّ رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه رشَّ رجليه بالماء وهما في النعلين، قال ابن القَيِّم: "هذا من الأحاديث الْمُشْكِلَةِ جِداً، وقد اختلفتْ مَسَالك الناس في دفع إِشْكَالِه

". ثم ذكر سبعة من هذه المسالك، وبين رأيه هو2.

ثالثاً: زيادة أحاديث في الباب لم يُشر المنذري إليها.

وقد فَعَلَ ابن القَيِّم رحمه الله هذا كثيراً، فيقول: وفي الباب حديث فلان. وقد يتوسع في ذلك فيذكر كل من روى أحاديث الباب، مع

1 تهذيب السنن: (4/177) .

2 تهذيب السنن: (1/95 - 98)، وانظر أمثلة أخرى في:(3/179) ، (4/102) .

ص: 294

قيامه- في بعض الأحيان - بتخريجها، والكلام على طرقها1.

وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك - أيضاً - عند الكلام على منهجه في التخريج.

رابعاً: زيادة بعض الأبواب مما لم يرد في (سنن أبي داود) .

ولم يكتف ابن القَيِّم رحمه الله بزيادة أحاديث في بعض الأبواب، بل قام بزيادة بعض الأبواب التي لم ترد في (سنن أبي دود) ، مما رأى أن الأمر يستدعي إثباتها، مع إدخالها في المكان الملائم لها، وإيراد جملة من الأحاديث تحتها، فمن ذلك:

أنه زاد في كتاب "الديات" - بعد قول أبي داود: باب فيمن تَطَبَّبَ بغير علم - بابين:

- أحدهما: باب لا يُقْتَصُّ من الجرح قبل الاندمال.

- والثاني: باب من اطلع في بيت قومٍ بغير إذنهم.

ثم قال رحمه الله: "ولم يَذْكُرْ أبو داود هذا الباب ولا الذي قبله، ولا أَحَادِيْثَهُمَا، فذكرناهما للحاجة، والله أعلم"2.

خامساً: بسط الكلام على بعض المسائل، والتوسع في بحثها.

ففي كثير من المواطن نجد أن ابن القَيِّم يتوسع في الكلام: إما

1 انظر أمثلة لذلك في تهذيب السنن: (1/133) ، (5/99، 229، 317) ، (7/3، 60، 135) .

2 تهذيب السنن: (6/379 - 380) .

ص: 295

بشرح حديث وبيان معانيه، كما في حديث تلبية النبي صلى الله عليه وسلم 1، أو مناقشة علله، كما في حديث القلتين2، أو ذكر مذاهب العلماء في مسألة، وأدلة كل فريق، وبيان الراجح من ذلك، وهذا كثير جداً في كتابه3، أو ذكر ما تَضَمَّنَتْهُ أحاديثُ الباب من أحكام، وما اشتملت عليه من فوائد4.

سادساً: تَعَقُّبُ المنذري في بعض المسائل.

وأكثر هذه التعقبات إنما وَقَعَتْ في القضايا الحديثية، وما يتعلق بها:

- فتارةً يرد إعلال المنذري حديثاً، ويجيب عن ذلك مُبَيِّنَاً ثبوت الحديث، وعدم صحة ما أُعِلَّ به5.

- وتارةً يُعِلُّ المنذري حديثاً، فيرى ابن القَيِّم أنَّ له عِلَّةً أقوى من التي ذكر المنذري6.

- وتارةً يردُّ عليه وهْمَهُ في تخريج بعض الأحاديث7.

- وتارة يتعقب المنذري في تعقبه لأبي داود8.

1 تهذيب السنن: (2/335 - 340) .

2 تهذيب السنن: (1/56 - 74) .

3 انظر: تهذيب السنن: (2/308، 320، 345، 382) ، (4/96، 138) ، (5/111، 297) ، (6/336) .

4 تهذيب السنن: (2/344) ، (5/144) .

5 انظر: تهذيب السنن: (1/128، 148) ، (4/170، 315) ، (5/222) ، (7/94) .

6 تهذيب السنن: (2/316) .

7 تهذيب السنن: (5/419 - 420) .

8 تهذيب السنن: (3/134) .

ص: 296

- ويشتد تعقبه للمنذري إذا رآه يسكت عما لا ينبغي السكوت على مثله، ففي حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين: عمرة في ذي القعدة، وعمرة في شوال «قال ابن القَيِّم رحمه الله: "لم يتكلم المنذري على هذا الحديث، وهو وهم

"1.

إلى غير ذلك من الأمور التي تعقب فيها المنذري.

4-

قيمة الكتاب:

من خلال ما تقدم من عرض لموضوع الكتاب، وبيان لمنهج ابن القَيِّم فيه، يمكن لنا أن نقول: إن هذا الكتاب يعد موسوعة حديثية جامعة، يجد المطالع فيها:

1-

شرح الأحاديث وتوضيح معانيها.

2-

استنباط أحكامها واستخراج فقهها.

3-

حلَّ مُشْكِلاتِها وفتح مُقْفَلاتها.

4-

التوفيق بين ما ظاهره التعارض منها.

5-

الكلام على عللها، وبيان صحيحها وضعيفها.

6-

مع جمع أحاديث بعض الأبواب واستيفاء ما ورد فيها.

إلى غير ذلك من الفوائد التي يجدها الناظر منثورة في ثنايا هذا الكتاب وبين صفحاته.

5-

طبعات الكتاب:

اشتهر الكتاب بتلك الطبعة التي وقعت في ثمانية مجلدات، حيث

1 تهذيب السنن: (2/423) .

ص: 297

طُبعَ معه في هذه المجلدات: (مختصر سنن أبي داود) للمنذري و (معالم السنن) للخطابي، وجاء (تهذيب) ابن القَيِّم في ذيل الصفحة.

وقد حقق هذه الطبعة الشيخ/ محمد حامد الفقي، وشَارَكَهُ في الأجزاء الثلاثة الأولى منها: العلامة المحدث/ أحمد محمد شاكر رحمه الله، وكان الفراغ من طبعه في سنة 1369هـ.

وهذه الطبعة - مع ما بُذِلَ فيها من جهد - فإنها مليئة بالأخطاء والتصحيفات، مع شيء من السقط لبعض الكلمات في بعض الأحيان القليلة، ولذلك فإن على المراجع لهذا الكتاب أن يكون يقظاً لمثل ذلك:

ومن الأمثلة لتلك الأخطاء والتصحيفات:

- ابن خزيمة (1/183) صوابه: ابن حزم.

- يحيى بن سعيد (1/29) صوابه: بجير بن سعيد.

- أخيه عبد ربه (3/309) صوابه: أخيه يحيى.

- عن سعيد (3/312) صوابه: عن شعبة.

- المقبري (3/312) صوابه: المقرئ.

- الخزاعي (3/309) صوابه: الحراني.

- محمد المنكدر (3/313) صوابه: محمد بن المنكدر.

- حسين بن عبد الله (4/30) صوابه: حيي بن عبد الله.

والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

كما أن من الأمور التي ينبغي التنبيهُ عليها: أن كتاب ابن القَيِّم لم يكن منفصلاً بالشكل الذي هو عليه الآن، وإنما كان على شكل تعليقات

ص: 298

على كلام المنذري مختلطة معه، ولا يمكن تمييزها عنها وفصلها إلا بالمقابلة الدقيقة بين كتاب ابن القَيِّم ومختصر المنذري لتمييز الزيادات.

وقد قام بتجريد كلام ابن القَيِّم: محمد بن أحمد المسعودي، وتَرَكَ بعضاً من كلام ابن القَيِّم، حيث يقول:"ولست أدَّعي الإحاطة بجميع ما كتبه، بل الغالب والأكثر، وقد سقط منه القليل جداً لتعذركتابته، فعساه زاد لفظة أو لفظات في أثناء الكلام، فلم يُمْكِنُنِي إفرادها لاتصالها بكلام كتبه المنذري"1.

وجاء في آخر النسخة - أيضاً - قول ابن القَيِّم رحمه الله: "وَقَعَ الفراغ منه في الحِجْر - حجر إسماعيل شرَّفَه الله تعالى - تحت الْمِيْزَاب - ميزابِ الرَّحمة في بيت الله - آخر شوال، سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (732هـ) وكان ابتداؤه في رجب من السنة المذكورة"2. فيكون قد عَلَّقَه في مدة أربعة أشهر.

كما أن للكتاب طبعة قديمة في دهلي بالهند، سنة 1891هـ، في (154) صفحة3. والظاهر أن هذه الطبعة اقتصر فيها على تهذيب ابن القيم وحده، ولم أتمكن من الوقوف عليها.

1 انظر ما جاء في آخر (تهذيب السنن) : (8/119 - 120) .

2 تهذيب السنن: (8/122) .

3 معجم ما طبع من كتب السنة (ص 94 - 95) .

ص: 299

ثانياً: (الْمَنَارُ الْمُنِيفُ في الصَّحِيح والضَّعِيفِ) :

1-

تسمية الكتاب:

لم ينص ابن القَيِّم على اسم لهذا الكتاب في مقدمته، كعادته فيما يؤلفه إجابة على سؤال أو فتوى، ولم أر - أيضاً - تَسْمِيَتَهُ له ولا إشارته إليه في شيء من كتبه الأخرى.

أما الذين ترجموا لابن القَيِّم وسردوا مؤلفاته: فلم يذكر أحدٌ منهم كتاباً له باسم: (المنار المنيف)، ولكن ذكر بعضهم كتاباً له باسم:(نَقْدُ الْمَنْقُول والْمَحَكُّ المميز بين المردُودِ والْمَقْبُولِ) كما تقدم الكلام على ذلك عند سرد مؤلفاته، وذكرت هناك: أن هذا الكتاب لعله هو نفسه (المنار المنيف) ؛ وذلك لمطابقة هذه التسمية- (نقد المنقول

) - للمادة الموجودة في (المنار) .

فلعل هذا الاسم هو الذي عُرفَ به قديماً، ثم عُرفَ بعد باسم (المنار المنيف)، وبخاصة أنه قد طُبع مرةً باسم: (نقد المنقول أو المنار

) مما يؤكد وجود تلك العلاقة بين الكتابين، فالله أعلم.

وآخر طبعة للكتاب نشرت باسم: (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) بتحقيق الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني، وإعداد وإخراج الأخ منصور السِّماري وذلك سنة 1419هـ. وبهذا الاسم ذكره السيوطي ونقل عنه في رسالة له باسم (الأوج في خبر عوج) 1، مما

1 انظر: (الحاوي في الفتاوى) للسيوطي: (2/341) .

ص: 300

يؤكد أن هذا الاسم هو الذي اشتهر به الكتاب وعُرِفَ أخيراً1.

2-

موضوع الكتاب:

يشتمل هذا الكتاب على إجابة ابن القَيِّم رحمه الله على ثلاثة أسئلة سُئل عنها، وهذه الأسئلة على ترتيب ورودها في الكتاب على النحو التالي:

السؤال الأول: ويشتمل على أربع مسائل، وهي:

1-

السؤال عن حديث "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك" وكيف يكون هذا التَّضْعِيفُ؟

2-

وقوله في حديث جويرية: "لقد قلتُ بَعْدَكِ أربعَ كلمات، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن".

3-

وحديث "صيام ثلاثة أيام من كل شهر يقوم مقام صيام الشهر".

4-

وحديث: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله

".

وقد قام ابن القَيِّم رحمه الله بالجواب عن هذا السؤال بمسائله الأربع، فبين حال هذه الأحاديث، مع ذكر جملة من الفوائد المتعلقة بها، وبخاصة: الكلام على تفاضل الأعمال وتفاوت درجاتها، وتفاوت قبولها تبعاً لذلك2.

1 وينظر حول تسمية الكتاب: ابن قَيِّم الجوزية - حياته وآثاره: (192 - 194)، ومقدمة المنار المنيف:(ص15 من طبعة أبي غدة) .

2 انظر: المنار المنيف: (ص19 - 43) .

ص: 301

السؤال الثاني: وهو لبُّ الكتاب، فقد سُئل ابن القَيِّم رحمه الله: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن يُنْظَرَ في إسناده؟

وقد أخذ ابن القَيِّم رحمه الله في الجواب عن هذا السؤال - بعد أن بَيَّنَ أَهَمِّيَتَه وعظمَ شأنه - فذكر جملة من الضوابط والقواعد التي يمكن من خلالها معرفة ذلك، مع إيراد جملة من الأمثلة من الأحاديث الموضوعة تحت كل قاعدة. وقد ذَكَرَ ضمن ذلك جملةً من الأحكام الكُلِّيَّةِ الجامعة، كقوله: الأحاديث الواردة في ذلك كلها كذب، أو: لا يصح منها شيء، ونحو ذلك.

وهذا هو أهم أبواب الكتاب وأكبرها، وأكثرها فوائد1.

السؤال الثالث: عن حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم"، وكيف يأتلف مع أحاديث المهدي وخروجه؟ وما وجه الجمع بينهما؟ وهل في المهدي حديث أم لا؟

فأخذ في الجواب عن ذلك، وذكر الأحاديث المتواترة في ذكر المهدي وأخباره، وقَسَّمَ الأحاديث الواردة في المهدي أربعة أقسام: صحاحٌ، وحسانٌ، وغرائب، وموضوعة. وأقوال العلماء في المهدي، وذكَرَ من خَرَجَ من الكَذَّابِيْن ممن ادَّعى أنه المهدي.

ومن هذا العرض يتضح لنا: أن هذا الكتاب يتضمن الكلام على جملة من الأحاديث، وبيان صحيحها من ضعيفها، وإزالة الإشكالات عن بعضها، والتوفيق بين ما يبدو متعارضاً منها، مع اشتماله بصورة أكبر على

1 انظر: المنار المنيف: (ص43 - 141) .

ص: 302

مباحث مهمة في الأحاديث الموضوعة، وجملة من القواعد والضوابط لمعرفة الحديث الموضوع بالنظر إلى متنه دون إسناده.

ولا يخلو الكتاب - مع ذلك كُلِّهِ - من جملة من الفوائد والتعليقات، والشروح والإيضاحات، التي لا يخلو منها كتابٌ من كتب ابن القَيِّم رحمه الله.

3-

سبب تأليف الكتاب:

ذكر الشيخ أبو غدة في سبب تأليف هذا الكتاب: أن ابن القَيِّم رحمه الله أَلَّفَهُ إجابةً لسائل سأله: (هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابط

؟) فجاء هذا الكتاب جواباً على هذا السؤال، وأنه أضاف إلى هذا الجواب جوابين لسؤالين آخرين1.

ولا أدري ما وجه هذا الكلام من الشيخ أبي غدة؟ وما وجه حصره سبب تأليف الكتاب في أنه جواب هذا السؤال بالذات؟ وما دليله على ذلك؟

فالذي أمامنا: أن الكتاب جوابٌ للأسئلة الثلاثة السابقة مجتمعة، وعلى الترتيب الذي بَيَّنَّا، فما وجه تخصيص السؤال الثاني من بينها بأنه سبب تأليف الكتاب؟ لا سيما وقد توسط هذا السؤال الكتاب، وجاء معطوفاً على السؤال الأول بقوله: "وسُئِلْتُ

"؟!.

4-

منهج المؤلف في الكتاب:

لا يختلف المنهج العام لابن القَيِّم في هذا الكتاب كثيراً عن منهجه

1 مقدمة المحقق للمنار المنيف: (ص10 - 11) .

ص: 303

في بقية مؤلفاته، من حيث طريقة تناوله للمسائل الحديثية والفقهية وغيرها، ومع ذلك: فإن الفصل الخاص بالأحاديث الموضوعة وضوابط تمييزها هو الذي يحتاج إلى تسجيل بعض الملاحظات حول منهجه فيه، فمن ذلك:

أولاً: يذكرُ ابن القَيِّم رحمه الله الضابطَ أو الْمِعْيَار الذي يُعْرَفُ به كون الحديث موضوعاً، ثم يذكر أمثلة لذلك من الأحاديث الموضوعة.

وقد أدخلَ ابن القَيِّم ضمن هذه الضوابط: أحكاماً كُلِّيَّةً جامعةً، كقوله أثناء سرد هذه الضوابط: "ومنها: أحاديثُ العقل، كُلُّهَا كَذِبٌ

"1 وقوله: "ومنها: الأحاديث التي يُذْكر فيها الخَضِرُ وحياته، كلها كذب

"2. وقوله: "ومنها: أحاديث صلوات الأيام والليالي

كل أحاديثها كذب"3. وغير ذلك.

فهل هذه الأحكام الكُلِّيَّة الجامعة تدخل ضمن تلك القواعد التي يُسْتَدلُّ بها على وضع الحديث؟ الذي أراه أن بينهما فرقاً، فهذه قواعدُ تعينُ الناظر على معرفة كون الحديث ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أحسن تطبيقها، أما هذه الأحكام الكلية على أحاديثِ أبوابٍ بعينها: فإنها من تطبيقاتِ هذه القواعدِ، ولا يصلُ إليها الشخصُ إلا بعدَ بحثٍ ودرسٍ لأحاديث ذلك الباب وجمعها.

1 المنار المنيف: (ص66) .

2 المنار المنيف: (ص67) .

3 المنار المنيف: (ص95) .

ص: 304

ولذلك أرى - والله أعلم - أن هذه الأحكام والضوابط الجامعة لا مكان لها بين هذه القواعد التي يُعرف بها كون الحديث موضوعاً.

ويدلُّ على ذلك: أنه بعد سرده لهذه القواعد والضوابط قال: "فصل في ذكر جوامع وضوابط كلية في هذا الباب

"1 ثم أخذ في إصدار تلك الأحكام الكلية على أبواب بعينها: أنه لا يصح فيها شيء، فبدأ بأحاديث الحَمَام، ثم أحاديث اتخاذ الدجاج، ثم أحاديث ذم الأولاد

إلى آخر هذه الأحكام الكلية؛ لذا أرى أن ما ذكره من هذه الأحكام الجامعة أثناء ذكر القواعد: مكانه الصحيح ضمن هذه الفصول التي عقدها لهذا الغرض، والله أعلم.

ثانياً: قد يذكرُ ابن القَيِّم أثناء سرده الأحاديث الموضوعة: الشخص الْمُتَّهَمَ بوضعه، مع بيان حاله، وكلام العلماء فيه. وقد يذكر فِرْقَةً أو طائفة متهمة بوضع حديث ما، كقوله في حديث فضل العدس:"ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروه على الْمَنِّ والسلوى، أو أشباههم"2. وقوله في بعض الأحاديث الموضوعة في فضائل علي: "كما يَزْعُمُ أَكْذَبُ الطوائف

"3 يعني الرافضة.

ثالثاً: قد يُبَيِّنُ رحمه الله أثناء سرد أحاديث الباب: أن أمثل شيء جاء فيه كذا، ولا يعني بذلك صحة هذا الأمثل دائماً، ولكنَّ ذلك قد يكون من باب: أصح الضعيفين، فمن ذلك:

1 المنار المنيف: (ص 106) .

2 المنار المنيف: (ص 52) .

3 المنار المنيف: (ص 57) .

ص: 305

- قوله في الأحاديث الواردة في الصخرة ببيت المقدس - بعد أن حكمَ بوضعها-: "وأرفع شيء في الصخرة: أنها كانت قِبْلَةَ اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة الْمُحَمَّدِيَّةَ الكعبة البيت الحرام"1.

- وقال في الأحاديث الواردة في يوم عاشوراء: "وأمثل ما فيها: مَنْ وسَّعَ على عياله يوم عاشوراء، وسَّعَ الله عليه سائر سَنَتِهِ. قال الإمام أحمد: "لا يصح هذا الحديث"2.

- وقال في أحاديث الأَبْدَالِ والأقطابِ والأَغْواثِ: "وأقرب ما فيها: لا تَسُبُّوا أهل الشام؛ فإن فيهم البدلاء

ذكره أحمد، ولا يصح أيضاً؛ فإنه منقطع"3.

رابعاً: يُصْدِرُ ابن القَيِّم - كما سبق بيانه - أحكاماً كلية جامعة في بعض الأبواب، فيقول:"كلُّ حديثٍ في الصخرة فهو كذب مفترى"4. ونحو ذلك من الأمثلة الكثيرة التي احتلت جزءاً كبيراً من كتابه.

وقد يستثني من هذه الأحكام الكلية بعض الأحاديث، كقوله:"أحاديث فضائل الدِّيكِ كُلُّهَا كذب، إلا حديثاً واحداً: إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله فصله"5.

1 المنار المنيف: (ص 88) .

2 المنار المنيف: (ص 112) .

3 المنار المنيف: (ص 136) .

4 المنار المنيف: (ص 87) .

5 المنار المنيف: (ص 130) .

ص: 306

ولكنَّ بعض هذه الأحكام التي أصدرها ابن القَيِّم رحمه الله لا تُسَلَّم له؛ إذ إن بعض الأبواب التي أطلق القول بعدمِ صحة أيِّ حديثٍ فيها، قد وُجِدَ فيها بعض الأحاديث على خلاف ذلك، وأنها تُستثنى من الحكم بالكذب أو الوضع. وقد نبَّه محقق الكتاب على شيء من ذلك1، ولكن تلك الملاحظات الطفيفة لا تُقَلِّلُ من شأن الكتاب بحال، وبخاصة إذا قُورنت بغزارة الفوائد التي احتواها هذا الكتاب.

5-

أصل الكتاب:

ذهب الشيخ أبو غدة في مقدمة تحقيقه للكتاب إلى أن (المنار المنيف) مختصر من كتاب (الموضوعات) لابن الجوزي، فقال: "وهذا الكتاب اللطيف الحجم، الغزير العلم

اختصر فيه الإمام ابن القَيِّم كتابَ الإمام أبي الفرج بن الجوزي المسمى: (الموضوعات) ، وأحسن الاختصار وأجاده

"! 2.

كذا قال الشيخ، وأرى أنَّ هذه دعوى لا دليل عليها، وذلك لما يلي:

- أن كتاب (المنار المنيف) ليس كتاباً مصنفاً في الأحاديث الموضوعة فحسب، ولكنه اشتمل - إلى جانب ذلك - على فصول أخرى في بيان الصحيح والضعيف، وغير ذلك كما مضى، ولذلك فإن هذا الكتاب لا يمكنُ إدراجه بجملته ضمنَ الكتب المصنفة في جمع الأحاديث الموضوعة، فضلاً عن عَدِّهِ اختصاراً لكتاب ابن الجوزي.

1 انظر مثلاً: (ص56، 60، 65، 87) .

2 المنار المنيف: (ص 11 - 12) .

ص: 307

- أنَّ الكتاب جوابٌ لأسئلة طُرحت على ابن القَيِّم كما تقدم، مما يجعله بعيداً عن أن يكون متعلقاً بكتاب آخر.

- لم ينص ابن القَيِّم على اختصاره هذه الفوائد والأجوبة من كتاب ما، وما يمنعُ ابن القَيِّم رحمه الله من النص على ذلك إن كان واقعاً.

- لم أقف على من ذكر ذلك غير أبي غدة، بل ذكروا من مختصري كتاب ابن الجوزي: السفاريني، والسيوطي، وعلي بن أحمد الفاسي1.

- يوجد تفاوتٌ كبيرٌ بين الكتابين: في المنهج والأسلوب، والمادة والمحتوى، وفي الترتيب والعرض.

- لابن القَيِّم في (المنار المنيف) مصادره الخاصة به، التي أضاف منها مادةً لا يمكن وجودها في (موضوعات) ابن الجوزي، كالنقل عن شيخيه: ابن تَيْمِيَّة، والمزي، وغير ذلك من المصادر.

- كما أن لابن القَيِّم في الكتاب أسلوبه المتميز المعروف، الذي تَظْهرُ فيه شخصيته النقدية واضحةً، مع الشرح والتحليل لبعض القضايا، التي لا يُوجد منها شيء في (الموضوعات) .

فهذا ما ظهر لي في هذه القضية، وأنه لا يوجد دليلٌ - صريح أو غير صريحٍ - على أن ابن القَيِّم قد اختصر (الموضوعات) لابن الجوزي في كتابه هذا، فإن كان الشيخ يقصد بذلك: أن ابن القَيِّم استفاد من كتاب

1 انظر: الرسالة المستطرفة: (ص 112-113) .

ص: 308

ابن الجوزي كثيراً في باب الموضوعات، وأنه - كما عَبَّر الشيخ - "قد استخلص من الأبواب التي ساقها ابن الجوزي ضوابط وأمارات تدل على الحديث الموضوع"1: فإن الأمر قد يكونُ مقبولاً شيئاً ما، أما أن يكون مجرد اختصار له: فلا، والله أعلم.

6-

قيمة الكتاب:

من خِلال العَرْضِ المتقدم يَتَبَيَّنُ لنا: أن هذا الكتاب يُعَدُّ مرجعاً مهماً في مجال نقد المتن، وذلك بما اشتمل عليه من ضوابط وقواعد تعين على تمييز الحديث الموضوع من خلال النظر إلى متنه دون إسناده.

هذا بالإضافة إلى ما تضمنه من أحكام حديثية: بالصحة، والحسن، والضعف، والكلام على الكثير من الرواة جرحاً وتعديلاً، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا يُستغنى عنها، والتي لا يخلو منها كتاب من كتب العلامة ابن القَيِّم رحمه الله.

1 المنار المنيف: (ص 12) .

ص: 309

ثالثاً: (فوائد في الكلام على حديث الغَمَامَةِ وحديث الغَزالةِ والضَّبِّ وغيره)

1-

اسم هذه الرسالة:

وردت هذه الرسالة بهذه التسمية في (فهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية) 1 للشيخ الألباني، وأفاد أنها من محفوظات المكتبة الظاهرية، تحت رقم عام 5485 (ق100/1 - 117/2) .

وهذه التسمية: لعلَّ الشيخ الألباني أخَذَها من موضوع الرسالة؛ فإنها تبدأ بالكلام على أحاديث الغمامة، والغزالة، والضب، والناقة، وغيرها.

ووقفت على نسخة منها مصورة عن النسخة الظاهرية، ومحفوظة بمكتبة المخطوطات، بالجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية، ضمن مجموع برقم (1010) م 148. وجاء عنوانها في هذه المصورة:(فائدةُ على بعض الأحاديثِ الْمُشْتَهِرَة) .

ووقفت على صورة منها - أيضاً - في مكتبة فضيلة شيخنا العلامة حماد الأنصاري رحمه الله، وكُتِبَ عليها -ولعله خط الشيخ حماد-:(رسالة لابن القَيِّم في الموضوعات) .

ومن هذا العرض يتبين: أن هذه الرسالة لم يسمها مؤلفها، ولا أحد ممن ذكر مؤلفاته من مترجميه، وقد وَضَعَ لها بعض الواقفين عليها

(ص100) .

ص: 310

أسماء بحسب ما رأى كل واحدٍ منهم أنه يناسب موضوعها، ولعل أقرب الأسماء إلى موضوعها: تسميتها بأنها (رسالة في الموضوعات) لما سيأتي بيانه.

2-

وصف الرسالة:

تقع الرسالة في حوالي تسع عشرة (19) ورقة ذات صفحتين. وقد كُتِبَتْ بخط نسخي واضح وجيد، وهي مصححة، ومقابلة كما يتضح من بعض التعليقات والتصحيحات في حواشيها.

ويبدو أنها جاءت ضمن مجموعة من الفوائد جمعها شخص في الأحاديث الموضوعة خاصة؛ فقد جاء فيها - في الورقة الأولى وبالخط نفسه -: "فائدة أخرى من غير مختصر الأباطيل". ثم قال بعد ذلك:

"فائدة أخرى من كلام الشيخ الإمام العالم، مفتي المسلمين، ناصر السنة المحمدية، أبي عبد الله، شمس الدين، محمد بن أبي بكر بن أيوب، الزرعي الحنبلي تغمده الله برحمته آمين، قال: الحمد لله، أما حديث الغمامة

"1.

3-

موضوع الرسالة:

الرسالة - كما يظهرُ من كلام ابن القَيِّم في أولها - عبارةٌ عن جواب عن جملة من الأحاديث، سُئِل عنها فأخذ في الكلام عليها، وبيان حالها. وأغلبها من الأحاديث المنكرة والموضوعة كما سيأتي.

(ق1/أ)

ص: 311

- فقد بدأها بالكلام على حديث الغمامة التي أَظَلَّتْ النبي صلى الله عليه وسلم في سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب وهو صغير.

- ثم حديث الغزالة التي كَلَّمَتْ النبي صلى الله عليه وسلم.

- ثم حديث الضَّبِّ الذي نطق بالوحدانية بين يديه صلى الله عليه وسلم.

- ثم حديث الناقة التي نَطَقَتْ عنده.

- وكذا حماره يعفور وتكليمه إياه، مع بيان نكارة بعض هذه الأحاديث وكذب بعضها الآخر.

ويُلاحظُ وحدة الموضوع الذي يجمع هذه الأحاديث الخمسة، وهو إثبات بعضِ المعجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفاض ابن القَيِّم في الكلام عليها، فاستغرق ذلك قريباً من نصف الرسالة.

- ثم ذكر بعد ذلك جملةً من الأحاديث الموضوعة: كأحاديث حياة الخضر، وحديث عوج بن عنق، وأحاديث فضائل السور، وصلوات الأيام والليالي والأسبوع وغير ذلك، وهذه يقرب تناوله لها وكلامه عليها من كلامه في (المنار المنيف) .

- ثم انتقل إلى الكلام على جملة من الأحاديث المتعلقة بالمساجد، فذكر تحت ذلك عدة فصول، منها:

- فصل في تعاهد النعل عند دخول المسجد.

- فصل أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.

- فصل في الامتناع عن حضور المسجد لأجل البرد.

- فصل في اتخاذ المسجد بيتاً.

ص: 312

إلى آخر هذه الفصول المتعلقة بالمساجد، ثم عقد بعد ذلك فصلاً في الصلاة في السفينة.

وقد بَيَّن في كلِّ فصلٍ من هذه الفصول نكارةَ بعضِ الأحاديثِ الواردة فيها، وكَذِبِ بعضها، مع بيانِ ثبوتِ أصلٍ لأكثر هذه الأحاديث من جهات أخرى صحيحة.

ومن هذا الْعَرْضِ يتضح أنَّ موضوعَ الرسالة: هو الكلامُ على جملة من الأحاديث الضعيفة، والمنكرة، والموضوعة، وبيان حالها تفصيلاً.

4-

نسبة هذه الرسالة لابن القَيِّم:

سبقت الإشارة إلى أن هذه الرسالة لم يَذْكُرْهَا أحدٌ من الذين ترجموا لابن القَيِّم، ولم أقف - كذلك - على أَيَّةِ إشارة من ابن القَيِّم إليها.

وقد تَوَقَّفَ الشيخ بكر أبو زيد في نسبة هذه الرسالة لابن القَيِّم، وكان سبب ذلك عنده:

- أن ابن القَيِّم كثير النقل فيها عن الذهبي، ووصفه مرةً بأنه شيخه، مع أن الذهبي - كما يرى الشيخ بكر - تلميذ لابن القَيِّم، ومن ثمَّ فإنَّ نَمَطَ الرسالة غريب على مسلك ابن القَيِّم في التأليف.

- وأنه لم ينكشف له من أسباب التوثيق ما يقضي بنسبتها لابن القَيِّم1.

1 ابن قَيِّم الجوزية - حياته وآثاره: (ص178 - 179) .

ص: 313

وأقول وبالله التوفيق:

أما القول بأن الذهبي تلميذ لابن القَيِّم: فقد تقدم الجواب عن ذلك وبيانه عند الكلام على شيوخ ابن القَيِّم، وأن الأدلة تثبت تلمذة ابن القَيِّم للذهبي1.

وأما أسباب التوثيق التي تؤكد نسبة هذه الرسالة لابن القَيِّم: فقد انكشف لي بعض ذلك، فمن هذه الأدلة:

أولاً: نقل ابن القَيِّم كثيراً في أثناء هذه الرسالة عن شيخه ابن تَيْمِيَّة رحمه الله، وبأسلوبه المعهود في ذلك، فمن ذلك:

قوله: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة

"2.

وقوله: "سمعت شيخنا أبا العباس بن تَيْمِيَّة

"3.

وقوله: "سمعت شيخنا ابن تَيْمِيَّة رحمه الله يقول

"4.

إلى غير ذلك من المواضع العديدة التي نَقَلَ فيها عن شيخه شيخ الإسلام5.

ثانياً: وجود تطابق كبير بين هذه الرسالة وبين سائر كتب ابن القَيِّم من حيث: أسلوبه في الكتابة والتعبير، ومنهجه في البحث والمناقشة للقضايا، وطريقة عرضها وتحليلها.

1 انظر ص: (155) .

2 رسالة الموضوعات: (ق9/أ) .

3 رسالة الموضوعات: (ق9/ب) .

4 رسالة الموضوعات: (ق12/ب) .

5 انظر من ذلك: (ق8/أ، 10/ب، 13/أ) .

ص: 314

يلمس ذلك كله من له خبرة ومعرفة بأسلوب ابن القَيِّم وطريقته في الكتابة والتأليف، وقد وافقني على ذلك بعض من طالَعَ الرسالة واستفاد منها.

ثالثاً: وجودُ تطابقٍ كامل بين كلامه على بعض القضايا التي تناولها في هذه الرسالة، وكلامه على القضايا نفسها في كتبه الأخرى، ومن أمثلة ذلك:

1-

أنه تناول في هذه الرسالة قضية وقوع الغلط والوهم من الثقة أحياناً، وأن إخراج أصحاب الصحيح لهذا الثقة فيما لم يخطئ فيه، لا يجعل ما أخطأ فيه على شرطهما1.

وقد تناول القضية بعينها في كتابه (الفروسية) 2، فتطابق كلامُهُ في الكتابين إلى حدٍّ كبير.

2-

أنه تناوَلَ - عند كلامه على حديث الغمامة - قضية ردِّ أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة لَمَّا نصحه بذلك بحيرى الراهب، وما جاء في الترمذي في هذه القصة: وأرسل معه أبو بكر بلالاً رضي الله عنه، وأنَّ ذلك من الغَلَطِ الظَّاهِرِ في هذه القصة3.

وقد تناول القضية بعينها ونَبِّهَ على هذا الغلط في كتابه (زاد المعاد) 4، وبالطريقة نفسها، بشيء من الاختصار.

1 رسالة الموضوعات: (ق4/أ) .

(ص45) .

3 رسالة الموضوعات: (ق2/أ) .

(1/76) .

ص: 315

رابعاً: يُلاحظُ - أيضاً - وجودُ تطابقٍ كبيرٍ بين مَصَادِرِ ابنِ القَيِّم في هذه الرسالة، وطريقة نقله منها، وتعامله معها، وبين مصادره في سائر كتبه، وليُنْظَرْ - على سبيل المثال - قوله في هذه الرسالة:"روينا في الغيلانيات"1، وقد استعمل الطريقة نفسها في النقل عن هذا الكتاب في (اجتماع الجيوش الإسلامية) 2 فقد وجدت فيه العبارة بحروفها.

خامساً: وجودُ تطابقٍ تَامٍّ بين كلام ابن القَيِّم وطريقة معالجته لجملة من الأحاديث الموضوعة في هذه الرسالة، وكلامه على الأحاديث نفسها في كتابه (المنار المنيف)، فمن ذلك:

1-

الكلام على الأحاديث الواردة في حياة الخضر، فقد تطابق كلامه في الكتابين في عدة نقاط، منها على سبيل المثال:

- قوله: "قال شيخ الإسلام: لو كان الخَضِرُ حياً لوجب عليه أن يَتَّبِعَ النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون معه، ويجاهد الكفار معه، ولا يتخلف عنه

"3.

- وقوله: "سُئِلَ محمد بن إسماعيل البخاري عن الخضر وإلياس، هل هما في الأحياء؟ فقال: وكيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد" "4.

2-

الكلام على حديث عوج بن عنق الطويل، فقد تطابق كلامه في الكتابين في عدة نقاط، منها:

1 رسالة الموضوعات: (ق16/أ) .

(ص 210) .

3 رسالة الموضوعات: (ق9/أ)، وقارن مع (المنار المنيف) :(ص68) .

4 رسالة الموضوعات: (ق8/ب)، وقارن مع (المنار المنيف) :(ص67 - 68) .

ص: 316

- قوله: "وأظنه من وضع زنادقة اليهود الذين غَرَضُهم السخرية من أتباع الرسل"1.

- وقوله: "والعجب ممن يخفى عليه كذبُ هذا الحديث وبطلانه، كيف يرويه ويذكره في تفسيره أصدق الكلام، حتى قال الثعلبي

"2.

3-

أحاديث فضائل السور، فقد تطابق كثير من كلامه عنها في الكتابين فمن ذلك:

- قوله: "والذي صحَّ في فضائل القرآن من السور: حديث فضل الفاتحة، وسورة البقرة، وآل عمران، وسورة الإخلاص، والمعوذتين"3.

وبالجملة، فالتشابه كبير بين الكتابين: في المادة، وفي الأسلوب وطريقة العرض، يتضح ذلك بأدنى مقارنة بينهما، الأمر الذي يؤكد - بدون شك - صحة نسبة هذه الرسالة لابن القَيِّم.

سادساً: ما جاء في مطلع الرسالة من التصريح بذكر ابن القَيِّم، ونسبة هذه الفوائد إليه، فإن ذلك إذا ضُمَّتْ إليه الأدلة السابقة: أكدت صدقه وثبوته.

تلك بعض الأدلة التي ظهرت لي، مما يُسْتأنس به في تأكيد صحة نسبة هذه الرسالة لابن القَيِّم رحمه الله.

1 رسالة الموضوعات: (ق9/ب)، وقارن مع (المنار المنيف) :(ص 78) .

2 رسالة الموضوعات: (ق9/ب)، وقارن مع (المنار المنيف) :(ص77) .

3 رسالة الموضوعات: (ق12/أ)، وقارن مع (المنار المنيف) :(ص 113) .

ص: 317

5-

منهجه في هذه الرسالة:

لا يكاد يختلف منهج ابن القَيِّم - كما سبق التنبيه - في هذه الرسالة، عن منهجه العام في كتبه الأخرى، وبخاصة الكتب ذات الطابع الحديثي، وكذا كتبه الأخرى التي تخللتها بعض المباحث الحديثية.

وقد تَمَيَّزَ منهجه في هذه الرسالة: بالتوسع في دراسة بعض الأحاديث، وتفصيل القول في بيان عللها، ومناقشتها، وذكر أقوال العلماء في ذلك كله، وبخاصة الأحاديث الخمسة التي وقعت في أول الرسالة.

6-

قيمة هذه الرسالة:

تُعَدُّ هذه الرسالة دُرَّةً من دُرَرِ ابن القَيِّم النفيسة، فهي تحوي جملة من الأحكام الحديثية: بالضعف، والنكارة، والوضع، وفي بعض الأحيان: بالصحة، سواء ما كان من كلامه، أو من كلامٍ نَقَلَهُ عن غيره من علماء أعلام.

وتظهر فيها شخصية ابن القَيِّم المتميزة في تعليقات له قَيِّمَةٍ ومفيدةٍ في خلال أبحاثه، وكما هي عَادَتُهُ في سائر كتبه.

وبذلك تنضمُّ هذه الرسالة إلى قائمة مؤلفات ابن القَيِّم وبحوثه النافعة في خدمة الحديث النبوي وعلومه، وتَمْيِيز صحيحه من سقيمه، وسليمه من معلوله، وصدقه من مكذوبه1.

1 وقد طُبِعَت هذه الرسالة مؤخراً بعد تقديم أطروحتي هذه، وكتابتي هذه السطور، بتحقيق الأخوين الفاضلين: مشهور بن حسن آل سلمان، وإياد بن عبد اللطيف القيسي، في سنة 1416هـ، وصدرت عن دار ابن الجوزي، بالمملكة العربية السعودية، وهي طبعة جيدة معتنىً بها.

ص: 318

وبعدُ، فهذه أهم مؤلفات ابن القَيِّم الحديثية التي رأيت أن أُبْرِزَها وأتوسع في الكلام عليها وأنا أتحدث عن حياة ابن القَيِّم التأليفية، ومنهجه في ذلك، وما تَرَكَهُ من مؤلفات، وبالله التوفيق.

ص: 319