المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: في حكم رواية المبتدع - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ١

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: حياة ابن القيم، وسيرته العلمية وآثاره

- ‌الفصل الأول: عصر ابن القيم وبيئته

- ‌المبحث الأول: الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني: الحالة الدينية

- ‌المبحث الثالث: الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الرابع: الحالة العلمية والثقافية

- ‌الفصل الثاني: حياة ابن القيم

- ‌المبحث الأول: اسمه، ونسبه، ومولده

- ‌المبحث الثاني: أسرته ونشأته الأولى

- ‌المبحث الثالث: أخلاقه وصفاته الشخصية

- ‌المبحث الرابع: زهده زعبادته

- ‌المبحث الخامس: نُبْل أهدافه ونقاء آرائه

- ‌المبحث السادس: مِحَنُه وَوَفَاتُه

- ‌الفصل الثالث: سيرته العلمية

- ‌المبحث الأول: نبوغه وتقدمه في العلم، وشهادة الأئمة له، وثناؤهم عليه

- ‌المبحث الثاني: شيوخه

- ‌المبحث الثالث: اهتمامه باقتتناء الكتب، وذكر مكتبته

- ‌المبحث الرابع: أَسْفَارُهُ وَرِحْلاتُهُ

- ‌المبحث الخامس: أَعْمَالُهُ العلمية ومَنَاصِبُهُ

- ‌المبحث السادس: تلاميذه

- ‌الفصل الرابع: مؤلفات ابن القيم

- ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في التأليف وخصائص مؤلفاته

- ‌المبحث الثاني: ذكر مؤلفات ابن القَيِّم

- ‌المبحث الثالث: مَصَادِرُ ابن القَيِّم في مؤلفاته

- ‌المبحث الرابع: دراسةُ بعض مؤلفات ابن القَيِّم

- ‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

- ‌الفصل الأول: آراء ابن القيم وإفاداته في مسائل مصطلح الحديث

- ‌المبحث الأول: أقسام الخبر

- ‌المبحث الثاني: الحديث الصحيح

- ‌المبحث الثالث: الحديث الحسن

- ‌المبحث الرابع: المرفوع والموقوف

- ‌المبحث الخامس: الْمُرْسَل

- ‌المبحث السادس: تَعَارُض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

- ‌المبحث السابع: الْمُنْقَطِعُ

- ‌المبحث الثامن: التدليس وحكم المدلس

- ‌المبحث التاسع: الشَّاذ

- ‌المبحث العاشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

- ‌المبحث الحادي عشر: الموضوع

- ‌المبجث الثاني عشر: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

- ‌المبحث الثالث عشر: رواية المجهول

- ‌المبحث الرابع عشر: كيفية سماع الحديث وتحمله

- ‌المبحث الخامس عشر: ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌المبحث السادس عشر: مُخْتَلِفُ الحديث

- ‌المبحث السابع عشر: معرفة من اختلط من الرواة الثقات

- ‌الفصل الثاني: آراء ابن القيم وإفاداته ومنهجه في الجرح والتعديل

- ‌المبحث الأول: آراء ابن القيم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأول: في جواز الجرح، وأنه ليس من الغيبة المحرمة

- ‌المطلب الثاني: هل يثبتُ الجَرْحُ والتَّعْدِيْلُ بقولِ الواحد

- ‌المطلب الثالث: بماذا تثبت العدالة

- ‌المطلب الرابع: إذا خالف رأي أو الراوي أو فتواه روايته، هل يوجب ذلك القدح في روايته

- ‌المطلب الخامس: هل يشترطُ ذكر سببِ الْجَرْح والتعديل

- ‌المطلب السادس: في تعارض الجرح والتعديل

- ‌المطلب السابع: في حكم رواية الْمُبْتَدِعِ

- ‌المطلب الثامن: في ذكر فوائدَ متفرقة في الجرح والتعديل

- ‌المبحث الثاني: في بيان منهج ابن القيم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الأول: في مكانة ابن القيم رحمه الله في نقد الرجال

- ‌المطلب الثاني: منهج ابن القَيِّم في نقد الرجال

- ‌المطلب الثالث: بعض الأساليب التي استعملها ابن القَيِّم في الجرح والتعديل

- ‌المطلب الرابع: في ذكر بعض الفوائد الْمُتَفَرِّقَةِ في الكلام على الرواة

الفصل: ‌المطلب السابع: في حكم رواية المبتدع

‌المطلب السابع: في حكم رواية الْمُبْتَدِعِ

مناسبة الكلام على رواية المبتدع في مبحث الجرح والتعديل: أن "البِدْعَةَ" من أسباب الطَّعْنِ في الراوي وجرحه، وبالتالي رَدِّ حديثه بشروطه.

والبدعة إما أن تكون مُكَفِّرةً، أو غير مكفرةٍ.

فالبدعة المكفرة1:

الجمهور على عدم قبول رواية صاحبها، قال النووي:"مَنْ كَفَر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق"2. وقال ابن كثير: "المبتدع إن كفر ببدعته، فلا إشكال في ردِّ روايته"3.

واختار الحافظ ابن حجر رحمه الله التفصيل في ذلك، فقال: "والتحقيق: أنه لا يُرَدُّ كل مُكَفَّرٍ ببدعته

فالمعتمد: أن الذي تُرَدُّ روايته: من أَنْكَرَ أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضَبْطُه لما يرويه، مع وَرَعِهِ وتقواه: فلا مانع من قبوله"4.

1 قال ابن حجر: "لا بد أن يكون ذلك التكفير متفقاً عليه من قواعد جميع الأئمة، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في عليٍّ أو غيره، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة، أو غير ذلك".

هدي الساري (ص 385)، وانظر: فتح المغيث: (1/332 - 333) .

2 التقريب: (ص13) .

3 اختصار علوم الحديث: (ص99) .

4 نزهة النظر: (ص50) .

ص: 557

وَسَبَقَهُ إلى هذا المعنى ابنُ دقيق العيد، فقال: "والذي تَقَرَّرَ عندنا: أنه لا تُعْتَبَرُ المذاهب في الرواية؛ إذ لا نُكَفِّرُ أحداً من أهل القبلة إلا بإنكار متواتر من الشريعة. فإذا اعتقدنا ذلك، وانضم إليه التقوى والورع والضبط والخوف من الله تعالى، فقد حصل معتمد الرواية

"1.

وأما البدعة غير الْمُكَفِّرة: فللعلماء في قبول رواية صاحبها أقوال:

أولها: عدم قبولها مطلقاً:

قالوا: لأن في الرواية عنه ترويجاً لأمره، وتنويهاً بذكره.

وقد رَدَّ العلماء هذا القول، قال ابن الصلاح: "بعيدٌ مباعد للشائع عن أئمة الحديث؛ فإن كُتُبَهُم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة

"2. وقال ابن حجر: "وهو بعيد"3.

الثاني: تقبل مطلقاً ما لم يكن مُسْتَحِلاًّ للكذب لنصرةِ مذهبه.

قالوا: لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه4. وعزاه بعضهم للشافعي، لقوله: "أقبلُ شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم"5.

1 الاقتراح: (ص333-334) .

2 مقدمة ابن الصلاح: (ص55) .

3 نزهة النظر: (ص50) .

4 المصدر السابق.

5 مقدمة ابن الصلاح: (ص54) .

ص: 558

الثالث: التفصيل، فتقبل رواية من لم يكن داعية إلى بدعته، ولا تقبل رواية الداعية.

وهذا مذهب الأكثرين من العلماء، قال ابن الصلاح:"وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها"1.

وَفَصَّل ابن حجر رحمه الله في غير الداعية أيضاً، فقال:"الأكثر على قبول غير الداعية، إلا إنْ روى ما يقوِّي بدعته فَيُرَدُّ على المذهب المختار"2.

وبالنظر إلى استبعاد الأئمة للمذهب الأول، فإنه يتحصل لدينا من مجموع المذهبين الباقيين أن رواية المبتدع تُقبل بشروط ثلاثة:

1-

أن يكون صاحبُها ممن لا يستحل الكذب لنصرة مذهبه، فيقبلُ أهلُ الصدق منهم.

2-

أن يكون غير دَاعِيَةٍ إلى بدعته.

3-

أن لا يروي ما يؤيد بدعته ويوافقها ويُقَوِّيها.

وقد عرض ابن القَيِّم رحمه الله لهذه القضية في مناسبات مختلفة، والذي يظهر من مجموع كلامه: هو القول بقبول رواية المبتدع بالشروط التي مر ذكرها.

فمن كلامه رحمه الله في قبول رواية أصحاب البدع غير المكفرة:

1 مقدمة ابن الصلاح: (ص55) .

2 نزهة النظر: (ص51) .

ص: 559

"وقد رُمِي جماعة من الأئمة الْمُحْتَجِّ بروايتهم بالقدر: كابن أبي عروبة، وابن أبي ذئب، وغيرهما. وبالإرجاء: كَطَلْق بن حبيب وغيره، وهذا أشهر من أن يذكر نظائره، وأئمة الحديث لا يردون حديث الثقة بمثل ذلك"1.

وقال مرة: "رواية أهل البدع مقبولة، فكم في الصحيح من رواية الشيعة الغلاة، والقدرية، والخوارج، والمرجئة، وغيرهم

؛ إذ مجرد كونهم شيعة لا يوجب رد حديثهم"2.

يعني: إذا لم يكن داعية، ولم يرو ما يؤيد بدعته؛ فإن ما خُرِّجَ في الصحيح من رواية هذا الضرب، محمول على هذا3.

ومقصوده بالشيعة الغلاة: من كان من هؤلاء في زمان السلف، وهم يختلفون عمن وجد منهم في الأزمنة المتأخرة، قال الذهبي رحمه الله:

"فالشيعي الغالي في زمان السلف وَعُرْفِهم: هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنه، وتَعَرَّض لِسَبِّهم.

والغالي في زماننا وعرفنا: هو الذي يُكَفِّرُ هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضالٌّ مُعَثَّرٌ"4.

1 تهذيب السنن: (1/361) .

2 تهذيب السنن: (3/101) .

3 انظر: هدي الساري: (ص385) .

4 الميزان: (1/ 6) .

ص: 560

واعتبر رحمه الله التشيع الغالي في عهد السلف من البدع الصغرى، وأنه لا يُتْرَكُ حديثهم. وأما الرَّفْضُ الكامل، والحطُّ على الشيخين فقد عَدَّه بدعةً كبرى، فلا يحتج بأصحابها ولا كرامة1.

وقد جاء عن ابن القَيِّم رحمه الله ما يؤكد عدم قبوله رواية المبتدع إذا روى ما يؤيد بدعته، فإنه رحمه الله قال عن الأجلح بن عبد الله - وكان شيعياً -:

"وأما حديث الأجلح بن عبد الله بن أبي الهذيل، عن علي رضي الله عنه، أنه قال: "ما أعرف أحداً من هذه الأمة عَبَدَ الله بعد نَبِيِّهَا غَيْري، عبدتُ الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين": فالأجلح وإن كان صدوقاً، فإنه شيعي، وهذا الحديث معلوم بطلانه بالضرورة؛ فإن علياًرضي الله عنه لم يعبد الله قبل جميع الصحابة سبع سنين"2.

فتبين من ذلك: أن ابن القَيِّم رحمه الله يتفق مع أكثر العلماء وجمهورهم في قبول رواية المبتدع بشروطها، كما دل عليه كلامه الذي نقلناه عنه.

1 الميزان: (1/5-6) .

2 أحكام أهل الذمة: (2/505) .

ص: 561