الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الحديث الحسن
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الحسن، وشروطه:
اختُلِفَ في تعريف الحديث الحسن على أوجه كثيرة، ومن أشهر تعريفاته:
- تعريف الإمام الخطابي رحمه الله، إذ عرفه بأنه:"ما عُرِفَ مخرجه، واشتهر رجاله"، قال:"وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء"1.
- وقد اعترض على تعريف الخطابي هذا: بأنه أدخل الصحيح في حد الحسن؛ فإن الصحيح - أيضاً - قد عُرِفَ مخرجه، واشتهر رجاله2.
- وعرَّفَه الإمام الترمذي بقوله: "كل حديث يُروى: لا يكون في إسناده مَنْ يُتَّهَم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غيره وجه نحو ذاك: فهو عندنا حديث حسن"3.
ولكن اعْتُرِضَ عليه أيضاً4.
1 معالم السنن: (1/11) .
2 انظر: مقدمة ابن الصلاح: (ص15)، والاقتراح:(ص163 - 164) .
3 علل الترمذي المطبوعة في آخر "جامعه": (5/758) .
4 انظر: مقدمة ابن الصلاح: (ص15)، وتدريب الراوي:(1/155) .
وتعريف الترمذي - على هذا - يدخل فيه: رواية المستور، والضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوفُ بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عَنْعَنَ، وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عند الترمذي من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة الماضية في تعريفه. كما أفاد ذلك الحافظ ابن حجر، وذكر لكل نوع من هذه الأنواع مثالاً مما حَسَّنَه الترمذي في كتابه1.
وقد حَمَلَ ابن الصلاح تعريف الترمذي على أنه منصرف إلى الحسن لغيره، وهو ما اعتضد بمجيئه من غير وجه، وحَمَلَ تعريف الخطابي على الحسن لذاته، فكأن كل واحد منهما قد عَرَّفَ أحد نوعي الحسن2.
وقد عرَّفَه الحافظ ابن حجر رحمه الله: بأنه الحديث الذي جمع شروط الحديث الصحيح، إلا أنه خفَّ - أي قلَّ - ضبط راويه. وهو الحسن لذاته، لا الحسن لغيره الذي حُسْنُهُ بسبب اعتضاده بغيره3.
وقد تعرض ابن القَيِّم رحمه الله في بعض المناسبات لحدِّ الحسن، وبيان بعض ضوابطه، وذلك أثناء دراسته لحديث ميراث الخال، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
والخالُ وارث من لا وارث له". حيث حَكَمَ عليه بعضهم بالضعف، فقالوا: إن أحاديثه - يعني ميراث الخال - ضعاف.
فردَّ ابن القَيِّم ذلك بقوله:
1 النكت على ابن الصلاح: (1/387 - 399) .
2 انظر: مقدمة ابن الصلاح: (ص15 - 16) .
3 النكت على نزهة النظر: (ص91 - 92) .
"وأما قولهم: إن أحاديثه ضعاف: فكلام فيه إجمال، فإن أُرِيدَ بها أنها ليست في درجة الصحاح التي لا علة لها: فصحيح، ولكن هذا لا يمنع الاحتجاج بها، ولا يوجب انحطاطها عن درجة الحسن، بل هذه الأحاديث وأمثالها هي الأحاديث الحِسَانُ؛ فإنها قد تَعَدَّدَت طُرُقُهَا، وَرُوِيَت من جوه مختلفة، وعُرِفَت مخارجها، ورواتها ليسوا بمجروحين ولا مُتَّهَمِين
…
وليس في أحاديث الأصول ما يُعَارِضُها"1.
وبالنظر إلى كلام ابن القَيِّم هذا: نجد أنه قد ضَبَطَ الحديث الحسن وحدَّهُ بما حدَّه به الترمذي والخطابيُّ معاً، وكأنه أراد أن يقول: إن أحاديث توريث الخال ينطبق عليها وصفُ الحسن بقسميه، وأنها لا تخرجُ عمَّا ضُبِطَ به الحسن بحالٍ.
المسألة الثانية: مراتب الحديث الحسن.
تتفاوت مراتب الحديث الحسن في القوة كتفاوت الصحيح، وقد أشارَ إلى هذا التفاوت الحافظ ابن حجر رحمه الله عند كلامه عن الحسن لذاته، فقال: "وهذا القسم من الحسن مشاركٌ للصحيح في الاحتجاج به - وإن كان دونه - ومشابهٌ له في انقسامه إلى مراتب
1 تهذيب السنن: (4/171) .
بعضها فوق بعض"1. وقال السيوطي: "الحسن - أيضاً - على مراتب كالصحيح"2.
وقد ألمح ابن القَيِّم رحمه الله إلى هذا التفاوت في مراتب الحديث الحسن، بل حدَّدَ رحمه الله هذه المراتب في ثلاث: عليا، ووسطى، ودنيا، ومن كلامه في ذلك:
أن حديث عامر بن ربيعة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قد رُويَ من طريقين، في أحدهما: عاصم بن عبيد الله العمري، وفي الآخر: عبد الله ابن عمر العمري، فقال ابن القَيِّم رحمه الله:"وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أن له أصلاً، وهذا لا ينزل عن وسط درجات الحسن"3.
وأما المرتبة الثالثة للحديث الحسن عند ابن القيم - وهي أدنى مراتبه - فقد قال رحمه الله في حديث تميم الداري في الرجل يُسْلِمُ على يديه الرجل، وأنه أولى الناس بمحياه ومماته، قال:
"وحديث تميم وإن لم يكن في رتبة الصحيح، فلا ينحط عن أدنى درجات الحسن"4.
فتخلص من ذلك: أن ابن القَيِّم رحمه الله يرى أن الحديث
1 نزهة النظر: (ص33) .
2 تدريب الراوي: (1/160) .
3 جلاء الأفهام: (ص29) .
4 تهذيب السنن: (4/186) .
الحسنَ على مراتب متفاوتة في القوة، وأنه ذكر من ذلك: أوسط درجات الحسن، وأدنى درجاته.
ويؤخذ من كلامه هذا - والله أعلم -: أن هناك درجة عليا للحسن، هي فوق الوسطى، ودون أدنى درجات الصحيح.