الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع عشر: معرفة من اختلط من الرواة الثقات
الْمُخْتَلِطِ:
هو سيء الحفظ الذي يكون سوء الحفظ طارئاً عليه؛ لكبره، أو لذهاب بصره، أو لاحتراق كتبه، أو عَدَمِها: بأن كان يعتمدها فَرَجَعَ إلى حفظه فساء1.
وحقيقة الاختلاط:
"فساد العقل، وعدمُ انتظام الأقوالِ والأفعال: إما بِخِرَف أو ضرر، أو مرض، أوعرض: من موتِ ابن أو سرقة مالٍ كالمسعودي، أو ذهاب كتب: كابن لهيعة، أو احتراقها: كابن الملقن". قاله السخاوي2.
حكم رواية الْمُخْتَلِطِ:
الحكم في ذلك يكون باعتبار الرواة عن الْمُخْتَلِطِ:
- فمن أخذ عنه قبل الاختلاط: قُبِلَ حديثه.
- ومن أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يُدْرَ أخذ عنه بعد الاختلاط أو قبله: لم يُقْبل حديثه.
1 نزهة النظر: (ص51) .
2 فتح المغيث: (3/331) .
كذا قال غير واحد من أهل العلم1.
ولكن إذا تُوبِع الْمُخْتَلِطِ - فيما روي عنه بعد الاختلاط - أو فيما لم يتميز من حديثه - فَوُجِدَ لروايته أصلٌ من غير طريقه: بأن وَافَقَهُ ثقة، أو مَنْ يَصْلُحُ حديثه للاعتبار: قُبِلَتْ روايته2.
وقد أشار ابن القَيِّم رحمه الله إلى أن الْمُخْتَلِطَ يُقْبَل حديثه إذا كان الراوي له أَخَذَ عنه قبل الاختلاط، فقال - في حديث لسعيد الجُريري من رواية يزيد بن هارون عنه - وقد أخذ عنه بعد الاختلاط -:
"إن حماد بن سلمة قد تابع يزيد بن هارون على روايته
…
وسماع حماد منه قديم"3. يعني: فيكون مقبولاً.
وقال في حديث أبي هريرة مرفوعاً: " من صَلَّى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه" - وقد روى من طريق: ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة -:
"وهذا الحديث حسن؛ فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه، وسماعُهُ منه قديمٌ قبل اختلاطِهِ، فلا يكون اختلاطه موجباً لرد ما حَدَّثَ به قبل الاختلاط"4.
1 انظر: مقدمة ابن الصلاح: (ص195)، وتدريب الراوي:(2/372) .
2 انظر: نزهة النظر: (ص 51 - 52) .
3 تهذيب السنن: (3/426) .
4 زاد المعاد: (1/501) . وانظر: تهذيب السنن: (4/325) .
وقال في حديث السِّعَاية - وقد روى من طريق سعيد بن أبي عروبة -:
"وسعيدٌ وإن كان قد اختلط في آخر عمره، فهذا الحديث من رواية: يزيد بن زريع، وعبدة، وإسماعيل، والجِلَّة عن سعيد، وهؤلاء أعلم بحديثه، ولم يرووا عنه إلا ما كان قبل اختلاطه؛ ولهذا أخرج أصحاب الصحيح حديثهم عنه"1.
فهكذا نجدُ ابن القَيِّم رحمه الله يُقَرِّرُ ما ذهبَ إليه أئمة هذا الشأن: من قبول رواية الْمُخْتَلِطِ إذا كانت من رواية من أَخَذَ عنه قبل اختلاطه، ويؤكد أن ما وُجِدَ من ذلك في "الصحيحين" فإنه محمول على هذا2.
وأما إذا كانت رواية الْمُخْتَلِطِ لم تأت إلا من طريق من أخذ عنه بعد اختلاطه، فإن ابن القَيِّم رحمه الله لم يرَ رَدَّ ذلك مطلقاً، ولا جعله عِلَّةً دائماً، بل يرى أنه لابد من ضبطه بضابطٍ، فقال مرة في رواية يزيد بن هارون، عن سعيد الجريري، وقد روى عنه بعد الاختلاط:"هذا إنما يكون علة إذا كان الراوي ممن لا يُمَيِّزُ حديث الشيخ صحيحه من سقِيمه. وأما يزيد بن هارون وأمثاله إذا رووا عن رجل قد وقع في حديثه بعض الاختلاط، فإنهم يميزون حديثه وينتقونه"3.
1 تهذيب السنن: (5/399) .
2 وانظر: تدريب الراوي: (2/380) .
3 تهذيب السنن: (3/426 - 427) .
وهذا الكلام منه رحمه الله فيه إطلاق لابد من ضبطه وتقييده، فَيُقَالُ: يُقبل حديث من روى عن الْمُخْتَلِطِ في الاختلاط: إذا كان ممن يَنْتَقِي من حديثه، ويميزُ بين الصحيح والسقَيِّم، بتصريحه أو نحو ذلك، كما كان من حال وكيع بن الجراح مع سعيد بن أبي عروبة، فقد قال له يحيى بن معين: تُحَدِّثُ عن سعيد بن أبي عروبة، وإِنَّمَا سمعت منه في الاختلاط؟ قال: رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مُسْتَوٍ؟ 1. فهذا التصريح من وكيع رحمه الله يدل على أنه ينتقي من حديثه، وأما من لم يصرِّح بذلك، ولم يأت عنه دليل آخر يفيد ذلك: فإن الأمر بالنسبة له محل توقف، والله أعلم.
1 الكفاية: (ص 217) .