الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل الثَّالِث
فِي معنى اسْم النَّبِي صلى الله عليه وسلم واشتقاقه
هَذَا إِلَّا سم هُوَ أشهر أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ اسْم مَنْقُول من الْحَمد وَهُوَ فِي الأَصْل اسْم مفعول من الْحَمد وَهُوَ يتَضَمَّن الثَّنَاء على الْمَحْمُود ومحبته وإجلاله وتعظيمه هَذَا هُوَ حَقِيقَة الْحَمد وَبني على زنة مفعل مثل مُعظم ومحبب ومسود ومبجل ونظائرها لِأَن هَذَا الْبناء مَوْضُوع للتكثير فَإِن اشتق مِنْهُ اسْم فَاعل فَمَعْنَاه من كثر صُدُور الْفِعْل مِنْهُ مرّة بعد مرّة كمعلم ومفهم ومبين ومخلص ومفرج وَنَحْوهَا وَإِن اشتق مِنْهُ اسْم مفعول فَمَعْنَاه من كثر تكَرر وُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى إِمَّا استحقاقاً أَو وقوعاً فمحمد هُوَ كثر حمد الحامدين لَهُ مرّة بعد أُخْرَى أَو الَّذِي يسْتَحق أَن يحمد مرّة بعد أُخْرَى
وَيُقَال حمد فَهُوَ مُحَمَّد كَمَا يُقَال علم فَهُوَ معلم وَهَذَا علم وَصفَة اجْتمع فِيهِ الْأَمْرَانِ فِي حَقه صلى الله عليه وسلم وَإِن كَانَ علما مَحْضا فِي حق كثير مِمَّن تسمى بِهِ غَيره
وَهَذَا شَأْن أَسمَاء الرب تَعَالَى وَأَسْمَاء كِتَابه وَأَسْمَاء نبيه هِيَ أَعْلَام دَالَّة على معَان هِيَ بهَا أَوْصَاف فَلَا تضَاد فِيهَا العلمية الْوَصْف بِخِلَاف غَيرهَا من أَسمَاء المخلوقين فَهُوَ الله الْخَالِق
البارئ المصور القهار فَهَذِهِ أَسمَاء دَالَّة على معَان هِيَ صِفَاته وَكَذَلِكَ الْقُرْآن وَالْفرْقَان وَالْكتاب الْمُبين وَغير ذَلِك من أَسْمَائِهِ
وَكَذَلِكَ أَسمَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُحَمَّد وَأحمد والماحي وَفِي حَدِيث جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن لي أَسمَاء أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد وَأَنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الْكفْر
فَذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذِه الْأَسْمَاء مُبينًا مَا خصّه الله بِهِ من الْفضل وَأَشَارَ إِلَى مَعَانِيهَا وَإِلَّا فَلَو كَانَت أعلاماً مَحْضَة لَا معنى لَهَا لم تدل على مدح وَلِهَذَا قَالَ حسان رضي الله عنه
(وشق لَهُ من اسْمه ليجله
…
فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد)
وَكَذَلِكَ أَسمَاء الرب تَعَالَى كلهَا أَسمَاء مدح وَلَو كَانَت ألفاظاً مُجَرّدَة لَا مَعَاني لَهَا لم تدل على الْمَدْح وَقد وصفهَا الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهَا حسنى كلهَا فَقَالَ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يعْملُونَ} الْأَعْرَاف 18 فَهِيَ لم تكن حسنى لمُجَرّد اللَّفْظ بل لدلالتها على أَوْصَاف الْكَمَال وَلِهَذَا لما سمع بعض الْعَرَب قَارِئًا يقْرَأ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ الله} الْمَائِدَة 38 وَالله غَفُور رَحِيم قَالَ لَيْسَ هَذَا كَلَام الله تَعَالَى فَقَالَ الْقَارئ أتكذب بِكَلَام الله تَعَالَى فَقَالَ لَا وَلَكِن لَيْسَ هَذَا بِكَلَام الله فَعَاد إِلَى حفظه وَقَرَأَ {وَالله عَزِيز حَكِيم} فَقَالَ الْأَعرَابِي
صدقت عز فَحكم فَقطع وَلَو غفر ورحم لما قطع
وَلِهَذَا إِذا ختمت آيَة الرَّحْمَة باسم عَذَاب أَو بِالْعَكْسِ ظهر تنافر الْكَلَام وَعدم انتظامه
وَفِي السّنَن من حَدِيث أبي بن كَعْب قِرَاءَة الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف ثمَّ قَالَ لَيْسَ مِنْهُنَّ إِلَّا شاف كَاف إِن قلت سميعاً عليماً عَزِيزًا حكيماً مَا لم تختم آيَة عَذَاب برحمة أَو آيَة رَحْمَة بِعَذَاب // إِسْنَاده صَحِيح //
وَلَو كَانَت هَذِه الْأَسْمَاء أعلاماً مَحْضَة لَا معنى لَهَا لم يكن فرق بَين ختم الْآيَة بِهَذَا أَو بِهَذَا
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعلل أَحْكَامه وأفعاله بأسمائه وَلَو لم يكن لَهَا معنى لما كَانَ التَّعْلِيل صَحِيحا كَقَوْلِه تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} نوح 10 وَقَوله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أشهر فَإِن فاؤوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاق فَإِن الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الْبَقَرَة 226 227 فختم حكم الْفَيْء الَّذِي هُوَ الرُّجُوع وَالْعود إِلَى رضى الزَّوْجَة وَالْإِحْسَان إِلَيْهَا بِأَنَّهُ غَفُور رَحِيم يعود على عَبده بمغفرته وَرَحمته إِذا رَجَعَ إِلَيْهِ وَالْجَزَاء من جنس الْعَمَل فَكَمَا رَجَعَ إِلَى الَّتِي هِيَ أحسن رَجَعَ الله إِلَيْهِ بالمغفرة وَالرَّحْمَة {وَإِن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم} فَإِن الطَّلَاق لما كَانَ لفظا يسمع وَمعنى يقْصد عقبه باسم السَّمِيع للنطق بِهِ الْعَلِيم بمضمونه
) الْبَقَرَة 235
فَلَمَّا ذكر سبحانه وتعالى التَّعْرِيض بِخطْبَة الْمَرْأَة الدَّال على أَن المعرض فِي قلبه رَغْبَة فِيهَا ومحبة لَهَا وَأَن ذَلِك يحملهُ على الْكَلَام الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى نِكَاحهَا وَرفع الْجنَاح عَن التَّعْرِيض وانطواء الْقلب على مَا فِيهِ من الْميل والمحبة وَنفي مواعدتهن سرا فَقيل هُوَ النِّكَاح وَالْمعْنَى لَا تصرحوا لَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ إِلَّا أَن تعرضوا تعريضاً وَهُوَ القَوْل الْمَعْرُوف وَقيل هُوَ أَن يَتَزَوَّجهَا فِي عدتهَا سرا فَإِذا انْقَضتْ الْعدة أظهر العقد وَيدل على هَذَا قَوْله {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكتاب أَجله} وَهُوَ انْقِضَاء الْعدة وَمن رجح القَوْل الأول قَالَ دلّت الْآيَة على إِبَاحَة التَّعْرِيض بِنَفْي الْجنَاح وَتَحْرِيم التَّصْرِيح بِنَفْي المواعدة سرا وَتَحْرِيم عقد النِّكَاح قبل انْقِضَاء الْعدة فَلَو كَانَ معنى مواعدة السِّرّ هُوَ إسرار العقد كَانَ تَكْرَارا ثمَّ عقب ذَلِك بقوله {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أَن تتعدوا مَا حد لكم فَإِنَّهُ مطلع على مَا تسرون وَمَا تعلنون ثمَّ قَالَ {وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيم} لَوْلَا مغفرته وحلمه لعنتم غَايَة الْعَنَت فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مطلع عَلَيْكُم يعلم مَا فِي قُلُوبكُمْ وَيعلم مَا تَعْمَلُونَ فَإِن وَقَعْتُمْ فِي شَيْء مِمَّا نهاكم عَنهُ فبادروا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ الغفور الْحَلِيم
وَهَذِه طَريقَة الْقُرْآن يقرن بَين أَسمَاء الرَّجَاء وَأَسْمَاء المخافة كَقَوْلِه تَعَالَى {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
) الْمَائِدَة 98 وَقَالَ أهل الْجنَّة {الْحَمد لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِن رَبنَا لغَفُور شكور} سبأ 34 لما صَارُوا إِلَى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قَالُوا {إِن رَبنَا لغَفُور شكور} وَفِي هَذَا معنى التَّعْلِيل أَي بمغفرته وشكره وصلنا إِلَى دَار كرامته فَإِنَّهُ غفر لنا السَّيِّئَات وشكر لنا الْحَسَنَات وَقَالَ تَعَالَى {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} النِّسَاء 147 فَهَذَا جَزَاء لشكرهم أَي إِن شكرتم ربكُم شكركم وَهُوَ عليم بشكركم لَا يخفى عَلَيْهِ من شكره مِمَّن كفره
وَالْقُرْآن مَمْلُوء من هَذَا وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يسْتَدلّ بأسمائه على توحيده وَنفي الشّرك عَنهُ وَلَو كَانَت أَسمَاء لَا معنى لَهَا لم تدل على ذَلِك كَقَوْل هَارُون لعبدة الْعجل {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} طه 90
وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي الْقِصَّة {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} طه 98
وَقَوله تَعَالَى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} الْبَقَرَة 163
وَقَوله سُبْحَانَهُ فِي آخر سُورَة الْحَشْر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} الْحَشْر 22 23 فسبح نزه نَفسه عَن شرك الْمُشْركين بِهِ عقب تمدحه بأسمائه الْحسنى الْمُقْتَضِيَة لتوحيده واستحالة إِثْبَات شريك لَهُ
وَمن تدبر هَذَا الْمَعْنى فِي الْقُرْآن هَبَط بِهِ على رياض من الْعلم حماها الله عَن كل أفاك معرض عَن كتاب الله واقتباس الْهدى مِنْهُ وَلَو لم يكن فِي كتَابنَا هَذَا إِلَّا هَذَا الْفَصْل وَحده لكفى من لَهُ ذوق وَمَعْرِفَة وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَغَيرهمَا وَلَو كَانَت أعلاماً مَحْضَة لم يَصح فِيهَا ذَلِك كَقَوْلِه {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الحجرات 16 {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} الْجُمُعَة 7 {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} آل عمرَان 63 و {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} الْفرْقَان 43 {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم} التَّوْبَة 117 {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمرَان 189 {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} الْبَقَرَة 19 {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عليما} النِّسَاء 49 {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} الْكَهْف 45 (إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِير) هود 111 {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحجرات 18 {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِير} الشورى 27 ونظائره كَثِيرَة
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَل أسماءه دَلِيلا على مَا يُنكره الجاحدون من صِفَات كَمَاله كَقَوْلِه تَعَالَى {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الْملك 14
وَقد اخْتلف النظار فِي هَذِه الْأَسْمَاء هَل هِيَ متباينة نظرا إِلَى تبَاين مَعَانِيهَا وَأَن كل اسْم يدل على غير مَا يدل عَلَيْهِ الآخر أم هِيَ مترادفة لِأَنَّهَا تدل على ذَات وَاحِدَة فمدلولها لَا تعدد فِيهِ وَهَذَا شَأْن المترادفات والنزاع لَفْظِي فِي ذَلِك
وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال هِيَ مترادفة بِالنّظرِ إِلَى الذَّات متباينة بِالنّظرِ إِلَى الصِّفَات وكل اسْم مِنْهَا يدل على الذَّات الموصوفة بِتِلْكَ الصّفة بالمطابقة وعَلى أَحدهمَا وَحده بالتضمن وعَلى الصّفة الْأُخْرَى بالالتزام