الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
وَأما أَصْحَاب القَوْل الرَّابِع أَن آله الأتقياء من أمته فاحتجوا بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه عَن جَعْفَر بن إلْيَاس بن صَدَقَة حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد حَدثنَا نوح بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من آل مُحَمَّد فَقَالَ كل تَقِيّ وتلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا المتقون} الْأَنْفَال 38
قَالَ الطَّبَرَانِيّ لم يروه عَن يحيى إِلَّا نوح تفرد بِهِ نعيم
وَقد رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن أَحْمد بن يُونُس حَدثنَا نَافِع أَبُو هُرْمُز عَن أنس فَذكره ونوح هَذَا وَنَافِع لَا يحْتَج بهما أحد من أهل الْعلم وَقد رميا بِالْكَذِبِ
وَاحْتج لهَذَا القَوْل أَيْضا بِأَن الله عز وجل قَالَ لنوح عَن ابْنه {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} هود 46 فَأخْرجهُ بشركه أَن يكون من أَهله فَعلم أَن آل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم هم أَتْبَاعه
وَأجَاب عَنهُ الشَّافِعِي رحمه الله بِجَوَاب جيد وَهُوَ أَن
المُرَاد أَنه لَيْسَ من أهلك الَّذين أمرنَا بحملهم ووعدناك نجاتهم لِأَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ لَهُ قبل ذَلِك {احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْل} هود 40 فَلَيْسَ ابْنه من أَهله الَّذين ضمن نجاتهم
قلت وَيدل على صِحَة هَذَا أَن سِيَاق الْآيَة يدل على أَن الْمُؤمنِينَ بِهِ قسم غير أَهله الَّذين هم أَهله لِأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمن آمن} فَمن آمن مَعْطُوف على الْمَفْعُول بِالْحملِ وهم الْأَهْل والاثنان من كل زَوْجَيْنِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع الْمُتَقَدّم قَالُوا وَتَخْصِيص وَاثِلَة بذلك أقرب من تَعْمِيم الْأمة بِهِ وَكَأَنَّهُ جعل وَاثِلَة فِي حكم الْأَهْل تَشْبِيها بِمن يسْتَحق هَذَا الِاسْم
فَهَذَا مَا احْتج بِهِ أَصْحَاب كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال
وَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الأول ويليه القَوْل الثَّانِي وَأما الثَّالِث وَالرَّابِع فضعيفان لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد رفع الشُّبْهَة بقوله إِن الصَّدَقَة لَا تحل لآل مُحَمَّد
وَقَوله إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال
وَقَوله اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتاً وَهَذَا لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ عُمُوم الْأمة قطعا فَأولى مَا حمل عَلَيْهِ الْآل فِي الصَّلَاة الْآل المذكورون فِي سَائِر أَلْفَاظه وَلَا يجوز الْعُدُول عَن ذَلِك
وَأما تنصيصه على الْأزْوَاج والذرية فَلَا يدل على اخْتِصَاص الْآل بهم بل هُوَ حجَّة على عدم الِاخْتِصَاص بهم لما روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث نعيم المجمر عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه فِي
الصَّلَاة عَليّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وأزواجه أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَذريته وَأهل بَيته كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم فَجمع بَين الْأزْوَاج والذرية والأهل وَإِنَّمَا نَص عَلَيْهِم بتعيينهم ليبين أَنهم حقيقيون بِالدُّخُولِ فِي الْآل وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخَارِجِينَ مِنْهُ بل هم أَحَق من دخل فِيهِ وَهَذَا كنظائره من عطف الْخَاص على الْعَام وَعَكسه تَنْبِيها على شرفه وتخصيصاً لَهُ بِالذكر من بَين النَّوْع لِأَنَّهُ من أَحَق أَفْرَاد النَّوْع بِالدُّخُولِ فِيهِ وَهنا للنَّاس طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَن ذكر الْخَاص قبل الْعَام أَو بعده قرينَة تدل على أَن المُرَاد بِهِ بِالْعَام مَا عداهُ
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن الْخَاص ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوصِهِ وَمرَّة بشمول الِاسْم الْعَام لَهُ تَنْبِيها على مزِيد شرفه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الْأَحْزَاب 7
وَقَوله تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} الْبَقَرَة 98
وَأَيْضًا فَإِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم حق لَهُ ولآله دون سَائِر الْأمة وَلِهَذَا تجب عَلَيْهِ وعَلى آله عِنْد الشَّافِعِي رحمه الله وَغَيره كَمَا سَيَأْتِي وَإِن كَانَ عِنْدهم فِي الْآل اخْتِلَاف وَمن لم يُوجِبهَا فَلَا ريب أَنه يستحبها عَلَيْهِ وعَلى آله ويكرهها أَو لَا يستحبها لسَائِر الْمُؤمنِينَ أَو لَا يجوزها على غير النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَآله فَمن قَالَ إِن آله فِي الصَّلَاة كل الْأمة فقد أبعد غَايَة الإبعاد
وَأَيْضًا فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم شرع فِي التَّشَهُّد السَّلَام وَالصَّلَاة فشرع فِي السَّلَام تَسْلِيم الْمُصَلِّي على الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَولا وعَلى نَفسه ثَانِيًا وعَلى سَائِر عباد الله الصَّالِحين ثَالِثا
وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ فَإِذا قُلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم على كل عبد لله صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَأما الصَّلَاة فَلم يشرعها إِلَّا عَلَيْهِ وعَلى آله فَقَط فَدلَّ على أَن آله هم أَهله وأقاربه
وَأَيْضًا فَإِن الله سُبْحَانَهُ أمرنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بعد ذكر حُقُوقه وَمَا خصّه بِهِ دون أمته من حل نِكَاحه لمن تهب نَفسهَا لَهُ وَمن تَحْرِيم نِكَاح أَزوَاجه على الْأمة بعده وَمن سَائِر مَا ذكر مَعَ ذَلِك من حُقُوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله
ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} الْأَحْزَاب 53 ثمَّ ذكر رفع الْجنَاح عَن أَزوَاجه فِي تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عَلَيْهِنَّ وخلوتهم بِهن ثمَّ عقب ذَلِك بِمَا هُوَ حق من حُقُوقه الأكيدة على أمته وَهُوَ أَمرهم بصلاتهم عَلَيْهِ وسلامهم مستفتحاً ذَلِك الْأَمر بإخباره بِأَنَّهُ هُوَ وَمَلَائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ الصَّحَابَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على أَي صفة يؤدون هَذَا الْحق فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد فَالصَّلَاة على آله هِيَ من تَمام الصَّلَاة عَلَيْهِ وتوابعها لِأَن ذَلِك
مِمَّا تقر بِهِ عينه ويزيده الله بِهِ شرفاً وعلواً صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا
وَأما من قَالَ إِنَّهُم الأتقياء من أمته فَهَؤُلَاءِ هم أولياؤه فَمن كَانَ مِنْهُم من أقربائه فَهُوَ من أوليائه وَمن لم يكن مِنْهُم من أقربائه فهم من أوليائه لَا من آله فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كَأَهل بَيته وَالْمُؤمنِينَ بِهِ من أَقَاربه وَلَا يكون من آله وَلَا من أوليائه وَقد يكون من أوليائه وَإِن لم يكن من آله كخلفائه فِي أمته الداعين إِلَى سنته الذابين عَنهُ الناصرين لدينِهِ وَإِن لم يكن من أَقَاربه
وَثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن آل أبي فلَان لَيْسُوا لي بأولياء إِن أوليائي المتقون أَيْن كَانُوا وَمن كَانُوا
وَغلط بعض الروَاة فِي هَذَا الحَدِيث وَقَالَ إِن آل أبي بَيَاض وَالَّذِي غر هَذَا أَن فِي الصَّحِيح إِن آل أبي لَيْسُوا لي بأولياء وأخلى بَيَاضًا بَين أبي وَبَين لَيْسُوا فجَاء بعض النساخ فَكتب على ذَلِك الْموضع بَيَاض يَعْنِي أَنه كَذَا وَقع فجَاء آخر فَظن أَن بَيَاض هُوَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فَقَالَ أبي بَيَاض وَلَا يعرف فِي الْعَرَب أَبُو بَيَاض وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذَلِك وَإِنَّمَا سمى قَبيلَة كَبِيرَة من قبائل قُرَيْش وَالصَّوَاب لمن قَرَأَهَا فِي ذَلِك النّسخ أَن يَقْرَأها إِن آل
أبي بَيَاض بِضَم الضَّاد من بَيَاض لَا بجرها وَالْمعْنَى وَثمّ بَيَاض أَو هُنَا بَيَاض
وَنَظِير هَذَا مَا وَقع فِي كتاب مُسلم فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل وَنحن يَوْم الْقِيَامَة أَي فَوق كَذَا انْظُر وَهَذِه الْأَلْفَاظ لَا معنى لَهَا هُنَا أصلا وَإِنَّمَا هِيَ من تَخْلِيط النساخ والْحَدِيث بِهَذَا السَّنَد والسياق فِي مُسْند الإِمَام أَحْمد وَنحن يَوْم الْقِيَامَة على كوم أَو تل فَوق النَّاس فَاشْتَبَهَ على النَّاسِخ التل أَو الكوم وَلم يفهم مَا المُرَاد فَكتب على الْهَامِش انْظُر وَكتب هُوَ أَو غَيره كَذَا فجَاء آخر فَجمع بَين ذَلِك كُله وَأدْخلهُ فِي متن الحَدِيث سمعته من شَيخنَا أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رحمه الله
وَالْمَقْصُود أَن الْمُتَّقِينَ هم أَوْلِيَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه هم أحب إِلَيْهِ من آله
قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظهير} التَّحْرِيم 4
وَسُئِلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي النَّاس أحب إِلَيْك قَالَ عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا قيل من الرِّجَال قَالَ أَبوهَا رضي الله عنه // مُتَّفق عَلَيْهِ //
وَذَلِكَ أَن الْمُتَّقِينَ هم أَوْلِيَاء الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يُونُس 62 63 وأولياء الله سبحانه وتعالى أَوْلِيَاء لرَسُوله صلى الله عليه وسلم
وَأما من زعم أَن الْآل هم الأتباع فَيُقَال لَا ريب أَن الأتباع يُطلق عَلَيْهِم لفظ الْآل فِي بعض الْمَوَاضِع بِقَرِينَة وَلَا يلْزم من ذَلِك أَنه حَيْثُ وَقع لفظ الْآل يُرَاد بِهِ الأتباع لما ذكرنَا من النُّصُوص وَالله أعلم