الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم َ - الْبَاب الرَّابِع صلى الله عليه وسلم َ -
فِي مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّتِي يتَأَكَّد طلبَهَا إِمَّا وجوبا واما اسْتِحْبَابا مؤكداً
الموطن الأول وَهُوَ اهمها اكدها فِي الصَّلَاة فِي آخر التَّشَهُّد وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على مشروعيته وَاخْتلفُوا فِي وُجُوبه فِيهَا فَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ يواجب فِيهَا ونسبوا من أوجبه إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع مِنْهُم الطَّحَاوِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض والخطابي فَإِنَّهُ قَالَ لَيست بواجبة فِي الصَّلَاة وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَّا الشَّافِعِي وَلَا أعلم لَهُ قدوة وَكَذَلِكَ ابْن الْمُنْذر ذكر أَن الشَّافِعِي تفرد بذلك وَاخْتَارَ عدم الْوُجُوب
وَاحْتج أَرْبَاب هَذَا القَوْل بِأَن قَالُوا وَاللَّفْظ لعياض وَالدَّلِيل على أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيست من فروض الصَّلَاة عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي وإجماعهم عَلَيْهِ وَقد شنع النَّاس عَلَيْهِ الْمَسْأَلَة جدا وَهَذَا تشهد ابْن مَسْعُود رضي الله عنه الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَهُوَ الَّذِي علمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ كل من روى التَّشَهُّد عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله
الله عَنْهُم لم يذكرُوا فِيهِ الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس وَجَابِر كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن وَنَحْوه عَن أبي سعيد
وَقَالَ ابْن عمر كَانَ أَبُو بكر يعلمنَا التَّشَهُّد على الْمِنْبَر كَمَا تعلمُونَ الصّبيان فِي الْكتاب وَكَانَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه يُعلمهُ أَيْضا على الْمِنْبَر يَعْنِي وَلَيْسَ فِي شَيْء من ذَلِك أَمرهم فِيهِ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
قَالَ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد وَمن حجَّة من قَالَ بِأَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيست فرضا فِي الصَّلَاة حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة اخذ عَلْقَمَة بيَدي فَقَالَ إِن عبد الله أَخذ بيَدي كَمَا أخذت بِيَدِك فعلمني التَّشَهُّد فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ فَإِذا أَنْت قلت ذَلِك فقد قضيت الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ قَالُوا فَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يشْهد لمن لم ير الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد وَاجِبَة وَلَا سنة مسنونة وَأَن من تشهد فقد تمت صلَاته إِن شَاءَ قَامَ وَإِن شَاءَ قعد
قَالُوا لِأَن ذَلِك لَو كَانَ وَاجِبا أَو سنة فِي التَّشَهُّد لبين النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذَلِك وَذكره
وَقَالُوا أَيْضا فقد روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والطَّحَاوِي من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا رفع رَأسه من آخر السُّجُود فقد مَضَت صلَاته إِذا هُوَ أحدث وَاللَّفْظ
لحَدِيث الطَّحَاوِيّ وعندكم لَا تمْضِي صلَاته حَتَّى يصلى على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
قَالُوا وَقد روى عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ رضي الله عنه إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته
وَمن حجتهم أَيْضا حَدِيث الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فِي التَّشَهُّد وَقَالَ ثمَّ ليتخير مَا احب من الْكَلَام يَعْنِي وَلم يذكر الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم
وَمن محجتهم أَيْضا حَدِيث فضَالة بن عبيد أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يَدْعُو فِي صلَاته وَلم يحمد الله وَلم يصل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عجل هَذَا ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَو لغيره إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بِحَمْد ربه وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ // إِسْنَاده حسن //
قَالُوا فَفِي حَدِيث فضَالة هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي الَّذِي ترك الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا لَو كَانَت فرضا لأَمره بِإِعَادَة الصَّلَاة كَمَا أَمر الَّذِي لم يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده بِالْإِعَادَةِ
وَاحْتج هَؤُلَاءِ أَيْضا بِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يعلمهَا الْمُسِيء فِي صلَاته وَلَو كَانَت من فروض الصَّلَاة الَّتِي لَا تصح إِلَّا بهَا لعلمه إِيَّاهَا كَمَا علمه الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والطمأنينة فِي الصَّلَاة
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن الْفَرَائِض إِنَّمَا تثبت بِدَلِيل صَحِيح لَا
معَارض لَهُ من مثله أَو بِإِجْمَاع مِمَّن تقوم الْحجَّة بإجماعهم
فَهَذَا جلّ مَا احْتج بِهِ النفاة وعمدتهم
ونازعهم آخَرُونَ فِي ذَلِك نقلا واستدلالا وَقَالُوا
أما نسبتكم الشَّافِعِي وَمن قَالَ بقوله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَى الشذوذ وَمُخَالفَة الْإِجْمَاع فَلَيْسَ بِصَحِيح فقد قَالَ بقوله جمَاعَة من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ
فَمنهمْ عبد الله بن مَسْعُود فَإِنَّهُ كَانَ يَرَاهَا وَاجِبَة فِي الصَّلَاة وَيَقُول لَا صَلَاة لمن لم يصل فِيهَا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذكره ابْن عبد الْبر عَنهُ فِي التَّمْهِيد وَحَكَاهُ غَيره أَيْضا
وَمِنْهُم أَبُو مَسْعُود البدري روى عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره عَن شريك بن جَابر الْجعْفِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن أبي مَسْعُود قَالَ مَا أرى أَن صَلَاة لي تمت حَتَّى أُصَلِّي فِيهَا على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد
وَمِنْهُم عبد الله بن عمر ذكره الْحسن بن شبيب المعمري حَدثنَا عَليّ بن مَيْمُون حَدثنَا خَالِد بن حسان عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن عقبَة بن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه قَالَ لَا تكون صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة وَتشهد وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن نسيت شَيْئا من ذَلِك فاسجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام
وَقَالَ حَدثنَا عُثْمَان ابْن أبي شيبَة حَدثنَا شريك عَن أبي جَعْفَر قَالَ قَالَ أَبُو مَسْعُود البدري مَا أرى أَن صَلَاة لي تمت لَا أُصَلِّي فِيهَا على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمن التَّابِعين أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان
وَمن أَرْبَاب الْمذَاهب المتبوعين إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه قَالَ إِن تَركهَا عمدا لم تصح صلَاته وَإِن تَركهَا سَهوا رَجَوْت أَن تُجزئه
قلت عَن إِسْحَاق فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ ذكرهمَا عَنهُ حَرْب فِي مسَائِله قَالَ بَاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد التَّشَهُّد
قَالَ سَأَلت إِسْحَاق قلت الرجل إِذا تشهد فَلم يصل عَليّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أما أَنا فَأَقُول إِن صلَاته جَائِزَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تجوز صلَاته ثمَّ قَالَ أَنا أذهب إِلَى حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ حَرْب سَمِعت أَبَا يَعْقُوب يَعْنِي إِسْحَاق يَقُول إِذا فرغ من التَّشَهُّد إِمَامًا كَانَ أَو مَأْمُوما صلى على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُجزئهُ غير ذَلِك لقَوْل أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد عرفنَا السَّلَام عَلَيْك يَعْنِي فِي التَّشَهُّد وَالسَّلَام فِيهَا فَكيف الصَّلَاة فَأنْزل الله سبحانه وتعالى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 وَفسّر النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَيفَ هِيَ فأدنى ذكر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ يَكْفِيهِ فليقله بعد التَّشَهُّد وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الجلسة الاخيرة عملان هما عَدْلَانِ لَا يجوز أحد أَن يتْرك وَاحِدًا مِنْهُمَا عمدا وَإِن كَانَ نَاسِيا رجونا أَن تُجزئه مَعَ أَن بعض عُلَمَاء الْحجاز قَالَ لَا يُجزئهُ ترك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَإِن تَركه أعَاد الصَّلَاة تمّ كَلَامه
وَأما الإِمَام أَحْمد فاختلفت الرِّوَايَة عَنهُ فَفِي مسَائِل
الْمروزِي قيل لأبي عبد الله إِن ابْن رَاهْوَيْةِ يَقُول لَو أَن رجلا ترك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد بطلت صلَاته قَالَ مَا أجترئ أَن أَقُول هَذَا
وَقَالَ مرّة هَذَا شذوذ
وَفِي مسَائِل أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي قَالَ أَحْمد كنت أتهيب ذَلِك ثمَّ تبينت فَإِذا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاجِبَة وَظَاهر هَذَا أَنه رَجَعَ عَن قَوْله بِعَدَمِ الْوُجُوب
وَأما قَوْلكُم الدَّلِيل على عدم وُجُوبهَا عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي وإجماعهم عَلَيْهِ فَجَوَابه أَن استدلالكم إِمَّا أَن يكون بِعَمَل النَّاس فِي صلَاتهم وَإِمَّا بقول أهل الْإِجْمَاع إِنَّهَا لَيست بواجبة فَإِن كَانَ الِاسْتِدْلَال بِالْعَمَلِ فَهُوَ من أقوى حجَجنَا عَلَيْكُم فَإِنَّهُ لم يزل عمل النَّاس مستمراً قرنا بعد قرن وعصراً بعد عصر على الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي آخر التَّشَهُّد إمَامهمْ ومأمومهم ومنفردهم ومفترضهم ومتنفلهم حَتَّى لَو سُئِلَ كل مصل هَل صليت على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاة لقَالَ نعم وَحَتَّى لَو سلم من غير صَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَعلم المأمومون مِنْهُ ذَلِك لأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ وَهَذَا أَمر لَا يُمكن إِنْكَاره فَالْعَمَل أقوى حجَّة عَلَيْكُم فَكيف يسوغ لكم أَن تَقولُوا عمل السّلف الصَّالح قبل الشَّافِعِي يَنْفِي الْوُجُوب أفترى السّلف الصَّالح كلهم مَا كَانَ أحد مِنْهُم قطّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي صلَاته وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل
وَأما إِن كَانَ احتجاجكم بقول أهل الْإِجْمَاع أَيْضا إِنَّهَا لَيست
بِفَرْض فَهَذَا مَعَ أَنه لَا يُسمى عملا لم يُعلمهُ أهل الْإِجْمَاع وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة وأصحابهما وغايته أَنه قَول كثير من أهل الْعلم وَقد نازعهم فِي ذَلِك آخَرُونَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأرباب الْمذَاهب كَمَا تقدم فَهَذَا ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأَبُو مَسْعُود وَالشعْبِيّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان وجعفر بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالْإِمَام أَحْمد فِي آخر قوليه يوجبون الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد فَأَيْنَ إِجْمَاع الْمُسلمين مَعَ خلاف هَؤُلَاءِ وَأَيْنَ عمل السّلف الصَّالح وَهَؤُلَاء من أفاضلهم رضي الله عنهم وَلَكِن هَذَا شَأْن من لم يتتبع مَذَاهِب الْعلمَاء وَيعلم مواقع الْإِجْمَاع والنزاع
وَأما قَوْله قد شنع النَّاس على الشَّافِعِي الْمَسْأَلَة جدا فيا سُبْحَانَ الله أَي شناعة عَلَيْهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهل هِيَ إِلَّا من محَاسِن مذْهبه ثمَّ لَا يستحي المشنع عَلَيْهِ مثل هَذِه الْمَسْأَلَة من الْمسَائِل الَّتِي شنعتها ظَاهِرَة جدا يعرفهَا من عرفهَا من الْمسَائِل الَّتِي تخَالف النُّصُوص أَو تخَالف الْإِجْمَاع السَّابِق أَو الْقيَاس أَو الْمصلحَة الراجحة وَلَو تتبعت لبلغت مئين وَلَيْسَ تتبع الْمسَائِل المستشنعة من عَادَة أهل الْعلم فيقتدى بهم فِي ذكرهَا وعدها وَالْمنصف خصم نَفسه فَأَي كتاب خَالف الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أم أَي سنة أم أَي إِجْمَاع وَلأَجل أَن قَالَ قولا اقتضته الْأَدِلَّة وَقَامَت على صِحَّته وَهُوَ من تَمام الصَّلَاة بِلَا خلاف
أما إتْمَام واجباتها أَو تَمام مستحباتها فَهُوَ رحمه الله رأى أَنه من تَمام واجباتها بالأدلة الَّتِي سنذكرها فِيمَا بعد ذَلِك فَلَا إِجْمَاعًا
خرقه وَلَا نصا خَالفه فَمن أَي وَجه يشنع عَلَيْهِ وَهل الشناعة إِلَّا بِمن شنع عَلَيْهِ أليق وَبِه ألحق
وَأما قَوْله وَهَذَا تشهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَهُوَ الَّذِي علمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه إِلَى آخِره
فَهَكَذَا رَأَيْته فِي النُّسْخَة الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِي وَالشَّافِعِيّ إِنَّمَا اخْتَار تشهد ابْن عَبَّاس أما تشهد ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فَأَبُو حنيفَة وَأحمد اختاراه وَمَالك اخْتَار تشهد عمر وَبِالْجُمْلَةِ فجواب ذَلِك من وُجُوه
أَحدهَا أَنا نقُول بِمُوجب هَذَا الدَّلِيل فَإِن مُقْتَضَاهُ وجوب التَّشَهُّد وَلَا يَنْفِي وجوب غَيره فَإِنَّهُ لم يقل أحد إِن هَذَا التَّشَهُّد هُوَ جَمِيع الْوَاجِب من الذّكر فِي هَذِه الْقعدَة فإيجاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِدَلِيل آخر لَا يكون مُعَارضا بترك تَعْلِيمه فِي أَحَادِيث التَّشَهُّد
الثَّانِي أَنكُمْ توجبون السَّلَام من الصَّلَاة وَلم يعلمهُمْ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِيَّاه فِي أَحَادِيث التَّشَهُّد
فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا اوجبنا السَّلَام بقوله صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم // سَنَده حسن // قيل لَكِن وَنحن أَوجَبْنَا الصَّلَاة على النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالأدلة الْمُقْتَضِيَة لَهَا فَإِن كَانَ تَعْلِيم التَّشَهُّد وَحده مَانِعا من إِيجَاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ مَانِعا من إِيجَاب السَّلَام وَإِن لم يمنعهُ لم يمْنَع وجوب الصَّلَاة
الثَّالِث أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا علمهمْ التَّشَهُّد عَمَلهم الصَّلَاة عَلَيْهِ فَكيف يكون تَعْلِيمه للتَّشَهُّد دَالا على وُجُوبه وتعليمه الصَّلَاة لَا يدل على وُجُوبهَا
فَإِن قُلْتُمْ التَّشَهُّد الَّذِي علمهمْ إِيَّاه هُوَ تشهد الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ فَإِذا جلس أحدكُم فَلْيقل التَّحِيَّات لله وَأما تَعْلِيم الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فمطلق
قُلْنَا وَالصَّلَاة الَّتِي علمهمْ إِيَّاهَا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ فِي الصَّلَاة أَيْضا لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَقَوله كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن جلسنا فِي صَلَاتنَا وَقد تقدم فِي الْبَاب الأول
الثَّانِي إِن الصَّلَاة الَّتِي سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يعلمهُمْ إِيَّاهَا نَظِير السَّلَام الَّذِي علموه لأَنهم قَالُوا هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك وَمن الْمَعْلُوم أَن السَّلَام الَّذِي علموه هُوَ قَوْلهم فِي الصَّلَاة السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَوَجَبَ أَن تكون الصَّلَاة المقرونة بِهِ هِيَ فِي الصَّلَاة وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى تَمام تَقْرِير ذَلِك
الرَّابِع أَنه لَو قدر أَن أَحَادِيث التَّشَهُّد تَنْفِي وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لكَانَتْ أَدِلَّة وُجُوبهَا مُقَدّمَة على تِلْكَ لِأَن نَفيهَا يَنْبَنِي على اسْتِصْحَاب الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة ووجوبها ناقل عَنْهَا والناقل
مقدم على الْمَنْفِيّ فَكيف وَلَا تعَارض فَإِن غَايَة مَا ذكرْتُمْ تَعْلِيم التَّشَهُّد أَدِلَّة ساكتة عَن وجوب غَيره وَمَا سكت عَن وجوب شَيْء لَا يكون مُعَارضا لما نطق بِوُجُوبِهِ فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهِ
الْخَامِس أَن تعليمهم التَّشَهُّد كَانَ مُتَقَدما بل لَعَلَّه من حِين فرضت الصَّلَاة
وَأما تعليمهم الصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ بعد نزُول قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْأَحْزَاب 56 وَمَعْلُوم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَحْزَاب بعد نِكَاحه صلى الله عليه وسلم زَيْنَب بنت جحش بعد تخييره أَزوَاجه فَهِيَ بعد فرض التَّشَهُّد فَلَو قدر أَن فرض التَّشَهُّد كَانَ نافياً لوُجُوب الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ مَنْسُوخا بأدلة الْوُجُوب فَإِنَّهَا مُتَأَخِّرَة
وَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله أَن هَذَا يَقْتَضِي تَقْدِيم أَدِلَّة الْوُجُوب لتأخرها وَالَّذِي قبله يَقْتَضِي تَقْدِيمهَا لرفعها الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة من غير نظر إِلَى تقدم وَلَا تَأَخّر وَالَّذِي يدل على تَأَخّر الْأَمر بِالصَّلَاةِ عَن التَّشَهُّد قَوْلهم هَذَا السَّلَام عَلَيْك قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك وَمَعْلُوم أَن السَّلَام عَلَيْهِ مقرون بِذكر التَّشَهُّد لم يشرع فِي الصَّلَاة وَحده بِدُونِ ذكر التَّشَهُّد وَالله أعلم
وَأما قَوْله وَمن حجَّة من لم يرهَا فرضا فِي الصَّلَاة حَدِيث الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه وَفِيه فَإِذا قلت ذَلِك فقد قضيت الصَّلَاة فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ وَلم يذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن هَذِه الزِّيَادَة مدرجة فِي الحَدِيث وَلَيْسَت من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَين ذَلِك الْأَئِمَّة الْحفاظ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل رَوَاهُ الْحسن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله حدث بِهِ عَنهُ مُحَمَّد بن عجلَان وحسين الْجعْفِيّ وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَعبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان فَأَما ابْن عجلَان وحسين الْجعْفِيّ فاتفقا على لَفظه وَأما زُهَيْر فَزَاد عَلَيْهِمَا فِي آخِره كلَاما أدرجه بعض الروَاة عَن زُهَيْر فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْله إِذا قضيت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ
وَرَوَاهُ شَبابَة بن سوار عَن زُهَيْر ففصل بَين لفظ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فِيهِ عَن زُهَيْر قَالَ ابْن مَسْعُود هَذَا الْكَلَام
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن ثَوْبَان عَن الْحسن بن الْحر وَبَينه وَفصل كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم من كَلَام ابْن مَسْعُود وَهُوَ الصَّوَاب
وَقَالَ فِي كتاب السّنَن وَقد ذكر حَدِيث زُهَيْر عَن الْحسن بن الْحر هَذَا وَذكر الزِّيَادَة ثمَّ قَالَ أدرجه بَعضهم عَن زُهَيْر فِي الحَدِيث وَوَصله بِكَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم وفصله شَبابَة عَن زُهَيْر وَجعله من كَلَام عبد الله رضي الله عنه وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ من قَول من أدرجه فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم لِأَن ابْن ثَوْبَان رَوَاهُ عَن الْحسن بن الْحر كَذَلِك وَجعل آخِره من قَول ابْن مَسْعُود ولاتفاق حُسَيْن الْجعْفِيّ وَابْن عجلَان وَمُحَمّد بن أبان فِي روايتهم عَن الْحسن بن الْحر على ترك ذكره فِي آخر الحَدِيث مَعَ اتِّفَاق كل من روى التَّشَهُّد عَن عَلْقَمَة وَعَن غَيره عَن عبد الله بن
مَسْعُود على ذَلِك ثمَّ ذكر رِوَايَة شَبابَة وفصله كَلَام عبد الله من حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ شَبابَة ثِقَة وَقد فصل آخر الحَدِيث جعله من قَول عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ أصح من رِوَايَة من أدرج فِي كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد تَابعه غَسَّان بن الرّبيع وَغَيره فَرَوَاهُ عَن ابْن ثَوْبَان عَن الْحسن بن الْحر كَذَلِك وَجعله آخر الحَدِيث من كَلَام ابْن مَسْعُود لم يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وَذكر أَبُو بكر الْخَطِيب هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْفَصْل للوصل لَهُ وَقَالَ قَول من فصل كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم من كَلَام ابْن مَسْعُود وَبَين أَن الصَّوَاب أَن هَذِه الزِّيَادَة مدرجة
فَإِن قيل فَأنْتم قد رويتم عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه أَن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاجِبَة فِي الصَّلَاة وَهَذَا الَّذِي ساعدكم على أَنه من قَول ابْن مَسْعُود رضي الله عنه يبطل مَا رويتم عَنهُ
فَإِن كَانَ الحَدِيث من كَلَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَهُوَ نَص فِي عدم وُجُوبهَا وَإِن كَانَ من كَلَام ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فَهُوَ مُبْطل لما رويتموه عَنهُ
فَهَذَا سُؤال قوي وَقد أُجِيب عَنهُ بأجوبة
أَحدهَا قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب قَوْله فَإِذا قلت فقد قضيت صَلَاتك مَعْنَاهُ أَنَّهَا قاربت التَّمام وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنا أجمعنا على أَن الصَّلَاة لم تتمّ
وَهَذَا جَوَاب ضَعِيف لِأَنَّهُ قَالَ فَإِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ
وَعند من يُوجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُخَيّر بَين الْقيام وَالْقعُود حَتَّى يَأْتِي بهَا
الْجَواب الثَّانِي أَن هَذَا حَدِيث خرج على معنى فِي التَّشَهُّد وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ فِي الصَّلَاة السَّلَام على الله فَقيل لَهُم إِن الله هُوَ السَّلَام وَلَكِن قُولُوا كَذَا فعلمهم التَّشَهُّد وَمعنى قَوْله إِذا قلت ذَلِك فقد تمت صَلَاتك يَعْنِي إِذا ضم إِلَيْهَا مَا يجب فِيهَا من رُكُوع وَسُجُود وَقِرَاءَة وَتَسْلِيم وَسَائِر أَحْكَامهَا أَلا ترى أَنه لم يذكر التَّسْلِيم من الصَّلَاة وَهُوَ من فرائضها لِأَنَّهُ قد وقفهم على ذَلِك فاستغنى عَن إِعَادَة ذَلِك عَلَيْهِم
قَالُوا وَمثل حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَة إِنَّهَا تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم أَي وَمن ضمن إِلَيْهِم وَسمي مَعَهم فِي الْقُرْآن وهم الثَّمَانِية الْأَصْنَاف
قَالُوا وَمثل ذَلِك قَوْله فِي حَدِيث الْمُسِيء فِي صلَاته ارْجع فصل فَإنَّك لم تصل ثمَّ أمره بِفعل مَا رَآهُ لم يَأْتِ بِهِ أَو لم يقمه من صلَاته فَقَالَ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَذكر الحَدِيث وَسكت عَن التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم
وَقد قَامَ الدَّلِيل من غير هَذَا الحَدِيث على وجوب التَّشَهُّد وَوُجُوب التَّسْلِيم عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا علمهمْ من ذَلِك كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة من الْقُرْآن وأعلمهم أَن ذَلِك فِي صلَاته وَقَامَ الدَّلِيل أَيْضا فِي الْمَسْأَلَة بِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَحَلَّل من الصَّلَاة بِهِ لَا بِغَيْرِهِ من غير هَذَا
الحَدِيث فَكَذَلِك الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَأْخُوذَة من غير ذَلِك الحَدِيث
قَالُوا وكما جَازَ لمن جعل التَّشَهُّد فرضا لحَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه هَذَا ورد من خَالفه وَقَالَ إِذا قعد بِمِقْدَار التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته وَإِن لم يتَشَهَّد وعَلى من قَالَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الْآخِرَة فقد تمت صلَاته بِأَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه إِنَّمَا علق التَّمام فِي حَدِيثه بالتشهد جَازَ لمن أوجب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن يحْتَج بالأحاديث الْمُوجبَة لَهَا وَتَكون حجَّته مِنْهَا على من نفى وُجُوبهَا كالحجة من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه على من نفي وجوب التَّشَهُّد أَو وجوب الْقعدَة مَعَه
قَالُوا واستدلالنا أقوى من استدلالكم فَإِنَّهُ اسْتِدْلَال بِكِتَاب الله عز وجل وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَعمل الْأمة قرنا بعد قرن فَإِن لم يكن ذَلِك أقوى من الِاسْتِدْلَال على وجوب التَّشَهُّد لم يكن دونه وَإِن كَانَ من الْفُقَهَاء من ينازعنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهُوَ كمن ينازعكم من الْفُقَهَاء فِي وجوب التَّشَهُّد وَالْحجّة فِي الدَّلِيل أَيْن كَانَ وَمَعَ من كَانَ
الْجَواب الثَّالِث أَنه لَا يُمكن أحدا مِمَّن ينازعنا أَن يحْتَج علينا بِهَذَا الْأَثر لَا مَرْفُوعا وَلَا مَوْقُوفا
يُقَال لمن احْتج بِهِ لَا يَخْلُو إِمَّا إِن يكون قَوْله إِذا قلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك مُقْتَصرا عَلَيْهِ أَو مُضَافا إِلَى سَائِر واجباتها وَالْأول محَال وباطل وَالثَّانِي حق وَلكنه لَا يَنْفِي وجوب شَيْء مِمَّا تنَازع فِيهِ الْفُقَهَاء من وَاجِبَات الصَّلَاة فضلا عَن نَفْيه وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلِهَذَا كَانَ التَّسْلِيم من تَمام الصَّلَاة وواجباتها عِنْد
مَالك وَكَذَا الْجُلُوس للتَّشَهُّد وَلم يذكرهُ وَكَذَا إِن كَانَ عَلَيْهِ سَهْو وَاجِب فَإِنَّهُ لَا تتمّ الصَّلَاة إِلَّا بِهِ وَلم يذكرهُ
يُوضحهُ الْجَواب الرَّابِع أَن عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى أَن التَّشَهُّد لَيْسَ بِفَرْض بل إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد فقد تمت صلَاته تشهد أَو لم يتَشَهَّد والْحَدِيث دَلِيل على أَن الصَّلَاة لَا تتمّ إِلَّا بالتشهد فَإِن كَانَ استدلالكم بِأَنَّهُ علق على التَّمام بالتشهد فَلَا تجب الصَّلَاة بعده صَحِيحا فَهُوَ حجَّة عَلَيْكُم فِي قَوْلكُم بِعَدَمِ وجوب التَّشَهُّد لِأَنَّهُ علق بِهِ التَّمام وَبَطل قَوْلكُم بِنَفْي فَرِيضَة التَّشَهُّد وَإِن لم يكن الِاسْتِدْلَال بِهِ صَحِيحا بَطل مُعَارضَة أَدِلَّة الْوُجُوب بِهِ وَبَطل قَوْلكُم بِنَفْي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَبَطل قَوْلكُم على التَّقْدِيرَيْنِ
فَإِن قُلْتُمْ نَحن نجيب عَن هَذَا بِأَن قَوْله فَإِذا قلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك المُرَاد بِهِ تَمام الِاسْتِحْبَاب وَتَمام الْوَاجِب قد انْقَضى بِالْجُلُوسِ قيل لكم هَذَا فَاسد على قَول من نفي الصَّلَاة وعَلى قَول من أوجبهَا لِأَن من نفى وُجُوبهَا لَا يُنَازع فِي أَن تَمام الِاسْتِحْبَاب مَوْقُوف عَلَيْهَا وَأَن الصَّلَاة لَا تتمّ التَّمام الْمُسْتَحبّ إِلَّا بهَا وَمن أوجبهَا يَقُول لَا تتمّ التَّمام الْوَاجِب إِلَّا بهَا فعلى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يمكنكم الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ أصلا
قَوْله روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَفِيه إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة فقد مَضَت صلَاته
جَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن الحَدِيث مَعْلُول وَبَيَان تَعْلِيله من وُجُوه
أَحدهَا أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ وَقد اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده
الثَّانِي أَنه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم الإفْرِيقِي وَقد ضعفه غير وَاحِد من الْأَئِمَّة
الثَّالِث أَنه من رِوَايَة بكر بن سوَادَة عَن عبد الله بن عَمْرو وَلم يلقه فَهُوَ مُنْقَطع
الرَّابِع أَنه مُضْطَرب الْإِسْنَاد كَمَا ذكره التِّرْمِذِيّ
الْخَامِس انه مُضْطَرب الْمَتْن فَمرَّة يَقُول إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة فقد مَضَت صلَاته وَلَفظ أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ غير هَذَا وَهُوَ إِذا أحدث الرجل وَقد جلس فِي آخر صلَاته قبل أَن يسلم فقد جَازَت صلَاته وَهَذَا غير لفظ الطَّحَاوِيّ
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِلَفْظ آخر فَقَالَ إِذا قضى الإِمَام الصَّلَاة فَقعدَ فأحدث هُوَ أَو أحد مِمَّن ائتم بِالصَّلَاةِ مَعَه قبل أَن يسلم الإِمَام فقد تمت صلَاته فَلَا يعود فِيهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ غير معنى الأول
قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد روى بِلَفْظ آخر إِذا رفع الْمُصَلِّي رَأسه
من آخر صلَاته وَقضى تشهده ثمَّ أحدث فقد تمت صلَاته وَكلهَا مدارها على الإفْرِيقِي ويوشك أَن يكون هَذَا من سوء حفظه وَالله أعلم
قَوْله وَقَالَ عَليّ رضي الله عنه إِذا جلس مِقْدَار التَّشَهُّد تمت صلَاته
جَوَابه أَن عَليّ بن سعيد قَالَ فِي مسَائِله سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَمَّن ترك التَّشَهُّد فَقَالَ يُعِيد
قلت فَحَدِيث عَليّ رضي الله عنه من قعد مِقْدَار التَّشَهُّد
فَقَالَ لَا يَصح وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِخِلَاف حَدِيث عَليّ وَعبد الله بن عمر
وَقَوله وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قصَّة التَّشَهُّد وَقَالَ ثمَّ ليختر من الْكَلَام مَا شَاءَ وَلم يذكر الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَا يكون مُعَارضا لأحاديث الْوُجُوب كَمَا تقدم تَقْرِيره
قَوْله وَحَدِيث فضَالة عَن عبيد يدل على نفي الْوُجُوب
جَوَابه أَن حَدِيث فضَالة حجَّة لنا فِي الْمَسْأَلَة لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أمره بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي التَّشَهُّد وَأمره للْوُجُوب فَهُوَ نَظِير أمره بالتشهد وَإِذا كَانَ الْأَمر متناولاً لَهما فالتفريق بَين المأمورين تحكم
فَإِن قُلْتُمْ التَّشَهُّد عندنَا لَيْسَ بِوَاجِب
قُلْنَا الحَدِيث حجَّة لنا عَلَيْكُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْوَاجِب إتباع الدَّلِيل
قَوْله النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي بِإِعَادَة الصَّلَاة وَلَو
كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فرضا لأَمره بإعادتها كَمَا أَمر الْمُسِيء فِي صلَاته جَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن هَذَا كَانَ غير عَالم بِوُجُوبِهَا مُعْتَقدًا أَنَّهَا غير وَاجِبَة فَلم يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ وَأمره فِي الْمُسْتَقْبل أَن يَقُولهَا فَأمره بقولِهَا فِي الْمُسْتَقْبل دَلِيل على وُجُوبهَا وَترك أمره بِالْإِعَادَةِ دَلِيل على أَنه يعْذر الْجَاهِل بِعَدَمِ الْوُجُوب وَهَذَا كَمَا لم يَأْمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُسِيء فِي الصَّلَاة بِإِعَادَة مَا مضى من الصَّلَوَات وَقد أخبرهُ أَنه لَا يحسن غير تِلْكَ الصَّلَاة عذرا لَهُ بِالْجَهْلِ
فَإِن قيل فَلم أمره أَن يُعِيد تِلْكَ الصَّلَاة وَلم يعذرهُ بِالْجَهْلِ
قُلْنَا لِأَن الْوَقْت بَاقٍ وَقد علم أَرْكَان الصَّلَاة فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَن يَأْتِي بهَا
فَإِن قيل فَهَلا أَمر تَارِك الصَّلَاة عَلَيْهِ بِإِعَادَة تِلْكَ الصَّلَاة كَمَا أَمر الْمُسِيء
قُلْنَا أمره صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهَا مُحكم ظَاهر فِي الْوُجُوب وَيحْتَمل أَن الرجل لما سمع ذَلِك الْأَمر من النَّبِي صلى الله عليه وسلم بَادر إِلَى الْإِعَادَة من غير أَن يَأْمُرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيحْتَمل أَن تكون الصَّلَاة نفلا لَا تجب عَلَيْهِ إِعَادَتهَا وَيحْتَمل غير ذَلِك فَلَا يتْرك الظَّاهِر من الْأَمر وَهُوَ دَلِيل مُحكم لهَذَا المشتبه الْمُحْتَمل وَالله سبحانه وتعالى أعلم
فَحَدِيث فضَالة إِمَّا مُشْتَرك الدّلَالَة على السوَاء فَلَا حجَّة لكم فِيهِ وَإِمَّا رَاجِح الدّلَالَة من جانبنا كَمَا ذَكرْنَاهُ فَلَا حجَّة لكم فِيهِ أَيْضا فعلى التَّقْدِيرَيْنِ سقط احتجاجكم بِهِ
قَوْله لم يعلّمها النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُسِيء فِي الصَّلَاة وَلَو كَانَت فرضا لعلمها إِيَّاه جَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن حَدِيث الْمُسِيء هَذَا قد جعله الْمُتَأَخّرُونَ مُسْتَندا لَهُم فِي نفي كل مَا ينفون وُجُوبه وَحَمَلُوهُ فَوق طاقته وبالغوا فِي نفي مَا اخْتلف فِي وُجُوبه بِهِ فَمن نفى وجوب الْفَاتِحَة احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب التَّسْلِيم احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب أذكار الرُّكُوع وَالسُّجُود وركني الِاعْتِدَال احْتج بِهِ وَمن نفى وجوب تَكْبِيرَات الِانْتِقَالَات احْتج بِهِ وكل هَذَا تساهل واسترسال فِي الِاسْتِدْلَال وَإِلَّا فَعِنْدَ التَّحْقِيق لَا يَنْفِي وجوب شَيْء من ذَلِك بل غَايَته أَن يكون قد سكت عَن وُجُوبه ونفيه فإيجابه بالأدلة الْمُوجبَة لَهُ لَا يكون مُعَارضا بِهِ
فَإِن قيل سُكُوته عَن الْأَمر بِغَيْر مَا أمره بِهِ يدل على أَنه لَيْسَ بِوَاجِب لِأَنَّهُ فِي مقَام الْبَيَان وَتَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة غير جَائِز قيل هَذَا لَا يُمكن أحد أَن يسْتَدلّ بِهِ على هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يَقُول لَا يجب التَّشَهُّد وَلَا الْجُلُوس لَهُ وَلَا السَّلَام وَلَا النِّيَّة وَلَا قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَلَا كل شَيْء لم يذكرهُ فِي الحَدِيث وطرد هَذَا أَنه لَا يجب عَلَيْهِ اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا الصَّلَاة فِي الْوَقْت لِأَنَّهُ لم يَأْمُرهُ بهما وَهَذَا لَا يَقُوله أحد
فَإِن قُلْتُمْ إِنَّمَا علمه مَا أَسَاءَ فِيهِ وَهُوَ لم يسيء فِي ذَلِك قيل لكم فاقنعوا بِهَذَا الْجَواب من منازعيكم فِي كل مَا نفيتم وُجُوبه بِحَدِيث الْمُسِيء هَذَا
الثَّانِي مَا أَمر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من أَجزَاء الصَّلَاة دَلِيل ظَاهر
فِي الْوُجُوب وَترك أمره للمسيء بِهِ يحْتَمل أموراً
مِنْهَا انه لم يسىء فِيهِ
وَمِنْهَا أَنه وَجب بعد ذَلِك
وَمِنْهَا أَنه علمه مُعظم الْأَركان وأهمها واحال بَقِيَّة تعميمه على مشاهدته صلى الله عليه وسلم فِي صلَاته أَو على تَعْلِيم بعض الصَّحَابَة لَهُ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرهُم بتعليم بَعضهم بَعْضًا فَكَانَ من المستقر عِنْدهم أَنه دلهم فِي تَعْلِيم الْجَاهِل وإرشاد الضال وَأي مَحْذُور فِي أَن يكون النَّبِي صلى الله عليه وسلم علمه الْبَعْض وَعلمه أَصْحَابه الْبَعْض الآخر وَإِذا احْتمل هَذَا لم يكن هَذَا المشتبه الْمُجْمل مُعَارضا لأدلة وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا غَيرهَا من وَاجِبَات الصَّلَاة فضلا عَن أَن يقدم عَلَيْهَا فَالْوَاجِب تَقْدِيم الصَّرِيح الْمُحكم على المشتبه الْمُجْمل وَالله أعلم
قَوْله الْفَرَائِض إِنَّمَا تثبت بِدَلِيل صَحِيح لَا معَارض لَهُ من مثله أَو بِإِجْمَاع
قُلْنَا اسمعوا أدلتنا الْآن على الْوُجُوب فلنا عَلَيْهِ أَدِلَّة
الدَّلِيل الأول قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الْأَحْزَاب 56 وَوجه الدّلَالَة أَن الله سُبْحَانَهُ أَمر الْمُؤمنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأمره الْمُطلق على الْوُجُوب مَا لم يقم دَلِيل على خِلَافه
وَقد ثَبت أَن أَصْحَابه رضي الله عنهم سَأَلُوهُ عَن كَيْفيَّة هَذِه الصَّلَاة الْمَأْمُور بهَا فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد الحَدِيث
وَقد ثَبت أَن السَّلَام الَّذِي علموه هُوَ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة وَهُوَ سَلام التَّشَهُّد فمخرج الْأَمريْنِ والتعليمين والمحلين وَاحِد
يُوضحهُ أَنه علمهمْ التَّشَهُّد آمراً لَهُم بِهِ فِيهِ
وَفِيه ذكر التَّسْلِيم عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ عَن الصَّلَاة عَلَيْهِ فعلمهم إِيَّاهَا ثمَّ شبهها بِمَا علموه من التَّسْلِيم عَلَيْهِ وَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم الْمَذْكُورين فِي الحَدِيث هما الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
يُوضحهُ أَنه لَو كَانَ المُرَاد بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ خَارج الصَّلَاة لَا فِيهَا لَكَانَ كل مُسلم مِنْهُم إِذا سلم علهي يَقُول لَهُ السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَمن الْمَعْلُوم أَنهم لم يَكُونُوا يتقيدون فِي السَّلَام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّة بل كَانَ الدَّاخِل مِنْهُم يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم وَرُبمَا قَالَ السَّلَام على رَسُول الله وَرُبمَا قَالَ السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَنَحْو ذَلِك وهم لم يزَالُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ من أول الْإِسْلَام بِتَحِيَّة الْإِسْلَام وَإِنَّمَا الَّذِي علموه قدر زَائِد عَلَيْهَا وَهُوَ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
يُوضحهُ حَدِيث أبي إِسْحَاق كَيفَ نصلي عَلَيْك إِذا نَحن صلينَا فِي صَلَاتنَا وَقد صحّح هَذِه اللَّفْظَة جمَاعَة من الْحفاظ مِنْهُم ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقد تقدم فِي أول الْكتاب وَمَا أعلت بِهِ وَالْجَوَاب عَن ذَلِك وَإِذا تقرر أَن الصَّلَاة المسؤول عَن كيفيتها هِيَ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي نفس الصَّلَاة وَقد خرج ذَلِك مخرج الْبَيَان الْمَأْمُور بِهِ مِنْهَا فِي الْقُرْآن ثَبت أَنَّهَا على الْوُجُوب ويضاف إِلَى ذَلِك أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بهَا وَلَعَلَّ هَذَا وَجه مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى بقوله كنت اته
ذَلِك ثمَّ تبينت فَإِذا هِيَ وَاجِبَة وَقد تقدم حِكَايَة كَلَامه وعَلى هَذَا الِاسْتِدْلَال أسئلة
أَحدهَا أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم وَالسَّلَام كَمَا علمْتُم يحْتَمل أَمريْن
أَحدهمَا أَن يُرَاد بِهِ السَّلَام عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة
وَالثَّانِي أَن يُرَاد بِهِ السَّلَام من الصَّلَاة نَفسهَا قَالَه ابْن عبد الْبر
الثَّانِي أَن غَايَة مَا ذكرْتُمْ إِنَّمَا يدل دلَالَة اقتران الصَّلَاة بِالسَّلَامِ وَالسَّلَام وَاجِب فِي التَّشَهُّد فَكَذَا الصَّلَاة وَدلَالَة الاقتران ضَعِيفَة
الثَّالِث أَنا لَا نسلم وجوب السَّلَام وَلَا الصَّلَاة وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْكُم إِنَّمَا يتم بعد تَسْلِيم وجوب السَّلَام عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم
وَالْجَوَاب عِنْد هَذِه الأسئلة
أما الأول ففاسد جدا فَإِن فِي نفس الحَدِيث مَا يُبطلهُ وَهُوَ أَنهم قَالُوا هَذَا السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله قد عَرفْنَاهُ فَكيف الصَّلَاة عَلَيْك
لفظ البُخَارِيّ فِي حَدِيث أبي سعيد رضي الله عنه وَأَيْضًا فَإِنَّهُم إِنَّمَا سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن كَيْفيَّة الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَأْمُور بهما فِي الْآيَة لَا عَن كَيْفيَّة السَّلَام من الصَّلَاة
وَأما السُّؤَال الثَّانِي فسؤال من لم يفهم وَجه تَقْرِير الدّلَالَة فَإنَّا لم نحتج بِدلَالَة الاقتران وَإِنَّمَا استدللنا بِالْأَمر بهَا فِي الْقُرْآن وَبينا أَن الصَّلَاة الَّتِي سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن يعلمهُمْ إِيَّاهَا إِنَّمَا هِيَ الصَّلَاة الَّتِي فِي الصَّلَاة
وَأما السُّؤَال الثَّالِث فَفِي غَايَة الْفساد فَإِنَّهُ لَا يعْتَرض على
الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة بِخِلَاف الْمُخَالف فَكيف يكون خلافكم فِي مَسْأَلَة قد قَامَ الدَّلِيل على قَول منازعيكم فِيهَا مُبْطلًا لدَلِيل صَحِيح لَا معَارض لَهُ فِي مَسْأَلَة أُخْرَى وَهل هَذَا إِلَّا عكس طَريقَة أهل الْعلم فَإِن الْأَدِلَّة هِيَ الَّتِي تبطل مَا خالفها من الْأَقْوَال ويعترض بهَا على من خَالف مُوجبهَا فَتقدم على كل قَول اقْتضى خلَافهَا لَا أَن أَقْوَال الْمُجْتَهدين تعَارض بهَا الْأَدِلَّة وَتبطل مقتضاها وَتقدم عَلَيْهَا
ثمَّ إِن الحَدِيث حجَّة عَلَيْكُم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ دَلِيل على وجوب التَّسْلِيم وَالصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَيجب الْمصير اليه
الدَّلِيل الثَّانِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول ذَلِك فِي التَّشَهُّد وأمرنا أَن نصلي كصلاته وَهَذَا يدل على وجوب فعل مَا فعل فِي الصَّلَاة إِلَّا مَا خصّه الدَّلِيل فهاتان مقدمتان
أما الْمُقدمَة الأولى فبيانها مَا روى الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد حَدثنِي سعد بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي الصَّلَاة اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم وَبَارك على مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى فقد وَثَّقَهُ جمَاعَة مِنْهُم الشَّافِعِي رحمه الله وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ وَابْن عدي وَابْن عقدَة وَضَعفه آخَرُونَ
أما الْمُقدمَة الثَّانِيَة فبيانها مَا روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث قَالَ أَتَيْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَنحن شببة متقاربون فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة فَظن أَنا اشتقنا إِلَى أهلنا وَسَأَلنَا عَمَّن تركنَا فِي أهلنا فَأَخْبَرنَاهُ وَكَانَ رَفِيقًا رحِيما فَقَالَ ارْجعُوا إِلَى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم وليؤمكم أكبركم
وعَلى هَذَا الِاسْتِدْلَال من الأسئلة والاعتراضات مَا هُوَ مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع
الدَّلِيل الثَّالِث حَدِيث فضَالة بن عبيد فَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَو لغيره إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة ثمَّ ليصل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ ليَدع بِمَا شَاءَ وَقد تقدم رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى وَأهل السّنَن وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم
وَاعْترض عَلَيْهِ بِوُجُوه
أَحدهَا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَأْمر هَذَا الْمُصَلِّي بِالْإِعَادَةِ وَقد تقدم جَوَابه
الثَّانِي أَن هَذَا الدُّعَاء كَانَ بعد انْقِضَاء الصَّلَاة لَا فِيهَا بِدَلِيل مَا روى التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه من حَدِيث رشدين فِي هَذَا بَينا
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَاعد إِذْ دخل رجل فصلى فَقَالَ اللَّهُمَّ أَغفر لي وارحمني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيهَا الْمُصَلِّي إِذا صليت فَقَعَدت فاحمد الله بِمَا هُوَ أَهله وصل عَليّ ثمَّ ادْعُه
وَجَوَاب هَذَا من وُجُوه
أَحدهَا أَن رشدين ضعفه أَبُو زرْعَة وَغَيره فَلَا يكون حجَّة مَعَ استقلاله فَكيف إِذا خَالف الثِّقَات الْإِثْبَات لِأَن كل من روى هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجلا يَدْعُو فِي صلَاته
الثَّانِي أَن رشدين لم يقل فِي حَدِيثه إِن هَذَا الدَّاعِي دَعَا بعد انْقِضَاء الصَّلَاة وَلَا يدل لَفظه على ذَلِك بل قَالَ فصلى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَهَذَا لَا يدل على أَنه قَالَ بعد فَرَاغه من الصَّلَاة وَنَفس الحَدِيث دَلِيل على ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَمَعْلُوم أَنه لم يرد بذلك الْفَرَاغ من الصَّلَاة بل الدُّخُول فِيهَا وَلَا سِيمَا فَإِن عَامَّة أدعية النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَت فِي الصَّلَاة لَا بعْدهَا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعلي وَأبي مُوسَى وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَحُذَيْفَة وعمار وَغَيرهم وَلم ينْقل أحد مِنْهُم أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته فِي حَدِيث صَحِيح
وَلما سَأَلَهُ الصّديق دُعَاء يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته لم يقل ادْع بِهِ خَارج الصَّلَاة وَلم يقل لهَذَا الدَّاعِي ادْع بِهِ بعد سلامك من الصَّلَاة لَا سِيمَا وَالْمُصَلي مناج ربه مقبل عَلَيْهِ فدعاؤه ربه تَعَالَى فِي هَذِه الْحَال أنسب من دُعَائِهِ لَهُ بعد انْصِرَافه عَنهُ وفراغه من مناجاته
الثَّالِث أَن قَوْله صلى الله عليه وسلم فاحمد الله بِمَا هُوَ أَهله إِنَّمَا أَرَادَ
بِهِ التَّشَهُّد فِي الْقعُود وَلِهَذَا قَالَ إِذا صليت فَقَعَدت يَعْنِي فِي تشهدك فَأمره بِحَمْد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على رَسُوله صلى الله عليه وسلم
الِاعْتِرَاض الثَّالِث أَن الَّذِي أمره أَن يُصَلِّي فِيهِ وَيَدْعُو بعد تحميد الله غير معِين فَلم قُلْتُمْ إِنَّه بعد التَّشَهُّد
وَجَوَاب هَذَا أَنه لَيْسَ فِي الصَّلَاة مَوضِع يشرع فِيهِ الثَّنَاء على الله ثمَّ الصَّلَاة على رَسُوله ثمَّ الدُّعَاء إِلَّا فِي التَّشَهُّد آخر الصَّلَاة فَإِن ذَلِك لَا يشرع فِي الْقيام وَلَا الرُّكُوع وَلَا السُّجُود اتِّفَاقًا فَعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ آخر الصَّلَاة حَال جُلُوسه فِي التَّشَهُّد
الِاعْتِرَاض الرَّابِع أَنه أمره فِيهِ بِالدُّعَاءِ عقب الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالدُّعَاء لَيْسَ بِوَاجِب فَكَذَا الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم
وَجَوَاب هَذَا أَنه لَا يَسْتَحِيل أَن يَأْمر بشيئين فَيقوم الدَّلِيل على عدم وجوب أَحدهمَا فَيبقى الْأُخَر على أصل الْوُجُوب
الثَّانِي أَن هَذَا الْمَذْكُور من الْحَمد وَالثنَاء هُوَ وَاجِب قبل الدُّعَاء فَإِنَّهُ هُوَ التَّشَهُّد وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهِ وَأخْبر الصَّحَابَة أَنه فرض عَلَيْهِم وَلم يكن اقتران الْأَمر بِالدُّعَاءِ بِهِ مسْقطًا لوُجُوبه فَكَذَا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم
الثَّالِث أَن قَوْلكُم الدُّعَاء لَا يجب بَاطِل فَإِن من الدُّعَاء مَا هُوَ وَاجِب وَهُوَ الدُّعَاء بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَار من الذُّنُوب وَالْهِدَايَة وَالْعَفو وَغَيرهَا وَقد روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ من لم يسْأَل الله يغْضب عَلَيْهِ // حَدِيث حسن // وَالْغَضَب لَا يكون إِلَّا على ترك وَاجِب أَو فعل محرم
الِاعْتِرَاض الْخَامِس أَنه لَو كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فرضا فِي الصَّلَاة لم يُؤَخر بَيَانهَا إِلَى هَذَا الْوَقْت حَتَّى يرى رجلا لَا يَفْعَلهَا فيأمره بهَا ولكان الْعلم بِوُجُوبِهَا مستفاداً قبل هَذَا الحَدِيث
وَجَوَاب هَذَا أَنا لم نقل إِنَّهَا وَجَبت على الْأمة إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث بل هَذَا الْمُصَلِّي كَانَ قد تَركهَا فَأمره النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِمَا هُوَ مُسْتَقر مَعْلُوم من شَرعه وَهَذَا كَحَدِيث الْمُسِيء فِي صلَاته فَإِن وجوب الرُّكُوع وَالسُّجُود والطمأنينة على الْأمة لم يكن مستفاداً من حَدِيثه وَتَأْخِير بَيَان النَّبِي صلى الله عليه وسلم لذَلِك إِلَى حِين صَلَاة هَذَا الْأَعرَابِي وَإِنَّمَا أمره أَن يُصَلِّي الصَّلَاة الَّتِي شرعها لأمته قبل هَذَا
الِاعْتِرَاض السَّادِس أَن أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ قَالَا فِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث فضَالة فَقَالَ لَهُ أَو لغيره بِحرف أَو وَلَو كَانَ هَذَا وَاجِبا على كل مُكَلّف لم يكن ذَلِك لَهُ أَو لغيره
وَهَذَا اعْتِرَاض فَاسد من وُجُوه
أَحدهَا أَن الرِّوَايَة الصَّحِيحَة الَّتِي رَوَاهَا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فَقَالَ لَهُ وَلغيره بِالْوَاو وَكَذَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم
الثَّانِي أَن أَو هُنَا لَيست للتَّخْيِير بل للتقسيم وَالْمعْنَى أَن أَي مصل صلى فَلْيقل ذَلِك هَذَا أَو غَيره كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَلَا}
تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَو كفورا) الدَّهْر 34 لَيْسَ المُرَاد التَّخْيِير بل الْمَعْنى أَن أَيهمَا كَانَ فَلَا تطعه إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا
الثَّالِث أَن الحَدِيث صَرِيح فِي الْعُمُوم بقوله إِذا صلى أحدكُم فليبدأ بتحميد الله فَذكره
الرَّابِع أَن فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة علمهمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكره وَهَذَا عَام
الدَّلِيل الرَّابِع ثَلَاثَة أَحَادِيث كل مِنْهَا لَا تقوم الْحجَّة بِهِ عِنْد انْفِرَاده وَقد يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا عِنْد الِاجْتِمَاع
أَحدهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عَمْرو بن شمر عَن جَابر هُوَ الْجعْفِيّ عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا بُرَيْدَة إِذا صليت فِي صَلَاتك فَلَا تتركن التَّشَهُّد وَالصَّلَاة على فَإِنَّهَا زَكَاة الصَّلَاة وَسلم على جَمِيع أَنْبيَاء الله وَرُسُله وَسلم على عباد الله الصَّالِحين
الثَّانِي مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من طَرِيق عَمْرو بن شمر عَن جَابر قَالَ قَالَ الشّعبِيّ سَمِعت مسرو بن الأجدع يَقُول قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول
لَا يقبل الله صَلَاة إِلَّا بِطهُور وبالصلاة عليّ لَكِن عَمْرو بن شمر وَجَابِر لَا يحْتَج بحديثهما وَجَابِر أصلح من عَمْرو
الثَّالِث مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل بن سعد عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا صَلَاة لمن لم يصل على نبيه // إِسْنَاده ضَعِيف // صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أَبى بن عَبَّاس عَن أَبِيه عَن جده وَعبد الْمُهَيْمِن لَيْسَ بِحجَّة وأبيّ أَخُوهُ وَإِن كَانَ ثِقَة احْتج بِهِ البُخَارِيّ فَالْحَدِيث الْمَعْرُوف فِيهِ إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة عبد الْمُهَيْمِن وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِالْوَجْهَيْنِ وَلَا يثبت
الدَّلِيل الْخَامِس أَنه قد ثَبت وُجُوبهَا عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ وَقد تقدم ذَلِك وَلم يحفظ عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه قَالَ لَا تجب وَقَول الصَّحَابِيّ إِذا لم يُخَالِفهُ غَيره حجَّة وَلَا سِيمَا على أصُول أهل الْمَدِينَة وَالْعراق
الدَّلِيل السَّادِس أَن هَذَا عمل النَّاس من عهد نَبِيّهم إِلَى الْآن وَلَو كَانَت الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم غير وَاجِبَة لم يكن اتِّفَاق الْأمة فِي سَائِر الْأَمْصَار والأعصار على قَوْلهَا فِي التَّشَهُّد وَترك الْإِخْلَال بهَا وَقد قَالَ مقَاتل بن حَيَّان فِي تَفْسِيره فِي قَوْله عز وجل {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة} الْمَائِدَة 55 قَالَ إِقَامَتهَا الْمُحَافظَة عَلَيْهَا وعَلى أَوْقَاتهَا وَالْقِيَام فِيهَا وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد الْأَخير
وَقد قَالَ الإِمَام احْمَد النَّاس عِيَال فِي التَّفْسِير على مقَاتل
قَالُوا فَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاة من إِقَامَتهَا الْمَأْمُور بهَا فَتكون وَاجِبَة وَقد تمسك أَصْحَاب هَذَا القَوْل بأقيسة لَا حَاجَة إِلَى ذكرهَا
قَالُوا ثمَّ نقُول لمنازعينا مَا مِنْكُم إِلَّا من أوجب فِي الصَّلَاة أَشْيَاء بِدُونِ هَذِه الْأَدِلَّة هَذَا أَبُو حنيفَة يَقُول بِوُجُوب الْوتر وَأَيْنَ أَدِلَّة وُجُوبه من أَدِلَّة وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيُوجب الوضول على من قهقه فِي صلَاته بِحَدِيث مُرْسل لَا يُقَاوم أدلتنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَيُوجب الْوضُوء من الْقَيْء والرعاف والحجامة وَنَحْوهَا بأدلة لَا تقاوم أَدِلَّة هَذِه الْمَسْأَلَة
وَمَالك يَقُول إِن فِي الصَّلَاة أَشْيَاء بَين الْفَرْض وَالْمُسْتَحب لَيست بِفَرْض وَهِي فَوق الْفَضِيلَة والمستحبة يسميها أَصْحَابه سنناً كَقِرَاءَة سُورَة مَعَ الْفَاتِحَة وتكبيرات الِانْتِقَال والجلسة الأولى والجهر والمخافتة ويوجبون السُّجُود فِي تَركهَا على تَفْصِيل لَهُم فِيهِ
وَأحمد يُسَمِّي هَذِه وَاجِبَات وَيُوجب السُّجُود لتركها سَهوا
فإيجاب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن لم يكن أقوى من إِيجَاب كثير من هَذِه فَلَيْسَتْ دونهَا
فَهَذَا مَا احْتج بِهِ الْفَرِيقَانِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَالْمَقْصُود أَن تشنيع المشنع فِيهَا على الشَّافِعِي بَاطِل فَإِن مَسْأَلَة فِيهَا من الْأَدِلَّة والْآثَار مثل هَذَا كَيفَ يشنع على الذَّاهِب إِلَيْهَا وَالله أعلم