المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم - جلاء الأفهام - ت الأرنؤوط

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌وَأما حَدِيث فضَالة بن عبيد رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أنس بن مَالك رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عمر بن الْخطاب رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي بن كَعْب رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أَوْس بن أَوْس رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث فَاطِمَة رضي الله عنها

- ‌وَأما حَدِيث الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث جَابر بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌وَأما حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث رويفع بن ثَابت رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن بشير بن مَسْعُود رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عمار بن يَاسر رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عبد الله بن جُزْء الزبيدِيّ رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما

- ‌واما حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي ذَر رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث أبي بكر الصّديق رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها

- ‌وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما

- ‌وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه

- ‌وَأما حَدِيث سعيد بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عُمَيْر البدري

- ‌فِي الْمَرَاسِيل والموقوفات

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي افْتِتَاح صَلَاة الْمُصَلِّي بقول اللَّهُمَّ وَمعنى ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي بَيَان معنى الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌فصل

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي معنى اسْم النَّبِي صلى الله عليه وسلم واشتقاقه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي معنى الْآل واشتقاقه وَأَحْكَامه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِي ذكر إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي ذكر الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة بَين النَّاس وَبَيَان مَا فِيهَا

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌فِي ذكر نُكْتَة حَسَنَة فِي هَذَا الحَدِيث الْمَطْلُوب فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ وعَلى آله كَمَا صلى على إِبْرَاهِيم وعَلى آله

- ‌الْفَصْل الثَّامِن

- ‌فِي قَوْله اللَّهم بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل محمّد

- ‌الْفَصْل التَّاسِع

- ‌فِي اختتام هَذِه الصَّلَاة بِهَذَيْنِ الاسمين من أَسمَاء الرب سبحانه وتعالى وهما الحميد والمجيد

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر

- ‌فِي ذكر قَاعِدَة فِي هَذِه الدَّعْوَات والأذكار الَّتِي رويت بأنواع مُخْتَلفَة كأنواع الاستفتاحات وانواع التشهدات فِي الصَّلَاة وانواع الادعية الَّتِي اخْتلفت الفاظها وانواع الاذكار بعد الاعتدالين من الرُّكُوع وَالسُّجُود

- ‌فِي مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم الَّتِي يتَأَكَّد طلبَهَا إِمَّا وجوبا واما اسْتِحْبَابا مؤكداً

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّانِي من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّد الأول

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّالِث من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة عَلَيْهِ آخر الْقُنُوت

- ‌فصل

- ‌الموطن الرَّابِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاة الْجِنَازَة بعد التَّكْبِيرَة الثَّانِيَة

- ‌فصل

- ‌الموطن الْخَامِس من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخطْبَة

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّادِس من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد إِجَابَة الْمُؤَذّن وَعند الْإِقَامَة

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّابِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الدُّعَاء

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّامِن من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد دُخُول الْمَسْجِد وَعند الْخُرُوج مِنْهُ

- ‌فصل

- ‌الموطن التَّاسِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم على الصَّفَا والمروة

- ‌فصل

- ‌المواطن الْعَاشِر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد اجْتِمَاع الْقَوْم قبل تفوقهم

- ‌فصل

- ‌الموطن الْحَادِي عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد ذكره

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّانِي عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْفَرَاغ من التَّلْبِيَة

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّالِث عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم عِنْد استلام الْحجر

- ‌فصل

- ‌الموطن الرَّابِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْوُقُوف على قَبره

- ‌فصل

- ‌الموطن الْخَامِس عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا خرج إِلَى السُّوق أَو إِلَى دَعْوَة أَو نَحْوهَا

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّادِس عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ الرجل من نوم اللَّيْل

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّابِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عقب ختم الْقُرْآن

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّامِن عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم يَوْم الْجُمُعَة

- ‌فصل

- ‌الموطن التَّاسِع عشر من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْقيام من الْمجْلس

- ‌فصل

- ‌الموطن الْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْمُرُور على الْمَسَاجِد ورؤيتها

- ‌فصل

- ‌الموطن الْحَادِي وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْهم والشدائد وَطلب الْمَغْفِرَة

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد كِتَابَة اسْمه صلى الله عليه وسلم

- ‌قَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا أسيد بن عَاصِم حَدثنَا بشر بن عبيد حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نم صلى عَليّ فِي كتاب لم تزل الْمَلَائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِك الْكتاب قَالَ

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد تَبْلِيغ الْعلم إِلَى النَّاس عِنْد التَّذْكِير والقصص والقاء الدَّرْس وَتَعْلِيم الْعلم فِي أول ذَلِك وَآخره

- ‌فصل

- ‌الموطن الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أول النَّهَار وَآخره

- ‌فصل

- ‌الموطن الْخَامِس وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عقب الذَّنب إِذا أَرَادَ أَن يكفر عَنهُ

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّادِس وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد إِلْمَام الْفقر أَو خوف وُقُوعه

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّابِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد خطْبَة الرجل الْمَرْأَة فِي النِّكَاح

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّامِن وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد العطاس

- ‌فصل

- ‌الموطن التَّاسِع وَالْعشْرُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة صلى الله عليه وسلم بعد الْفَرَاغ من الْوضُوء

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد دُخُول الْمنزل ذكره الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ

- ‌فصل

- ‌الموطن الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي كل موطن يجْتَمع فِيهِ لذكر الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم إِذا نسي الشَّيْء أَو أَرَادَ ذكره

- ‌فصل

- ‌الموطن الثَّلَاث وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الْحَاجة تعرض للْعَبد

- ‌فصل

- ‌الموطن الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد طنين الْأذن

- ‌فصل

- ‌الموطن الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عقيب الصَّلَوَات

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الذَّبِيحَة

- ‌فصل

- ‌الموطن السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاة فِي غير التَّشَهُّد

- ‌الموطن الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي بدل الصَّدَقَة

- ‌فصل

- ‌الموطن التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد النّوم

- ‌فصل

- ‌الموطن الْأَرْبَعُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد كل كَلَام ذِي بَال

- ‌فصل

- ‌الموطن الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي أثْنَاء صَلَاة الْعِيد

- ‌فِي الْفَوَائِد والثمرات الْحَاصِلَة بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌فِي الصَّلَاة على غير النَّبِي وَآله صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: ‌في ذكر إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم

‌الْفَصْل الْخَامِس

‌فِي ذكر إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صلى الله عليه وسلم

وَهَذَا الِاسْم من النّمط الْمُتَقَدّم فَإِن إِبْرَاهِيم بالسُّرْيَانيَّة مَعْنَاهُ أَب رَحِيم وَالله سُبْحَانَهُ جعل إِبْرَاهِيم الْأَب الثَّالِث للْعَالم فَإِن أَبَانَا الأول آدم وَالْأَب الثَّانِي نوح وَأهل الأَرْض كلهم من ذُريَّته كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} الصافات 77 وَبِهَذَا يتَبَيَّن كذب المفترين من الْعَجم الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم لَا يعْرفُونَ نوحًا وَلَا وَلَده وَلَا ينسبون إِلَيْهِ وينسبون مُلُوكهمْ من آدم إِلَيْهِم وَلَا يذكرُونَ نوحًا فِي أنسابهم وَقد أكذبهم الله عز وجل فِي ذَلِك

فالأب الثَّالِث أَبُو الْآبَاء وعمود الْعَالم وَإِمَام الحنفاء الَّذِي اتَّخذهُ الله سبحانه وتعالى خَلِيلًا وَجعل النُّبُوَّة وَالْكتاب فِي ذُريَّته ذَاك خَلِيل الرَّحْمَن وَشَيخ الْأَنْبِيَاء كَمَا سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بذلك فَإِنَّهُ لما دخل الْكَعْبَة وجد الْمُشْركين قد صورا فِيهَا صورته وَصُورَة إِسْمَاعِيل ابْنه وهما يستقسمان بالأزلام فَقَالَ قَاتلهم الله لقد علمُوا أَن شَيخنَا لم يكن يستقسم بالأزلام وَلم يَأْمر الله سُبْحَانَهُ

ص: 267

رَسُول صلى الله عليه وسلم أَن يتبع مِلَّة أحد من الْأَنْبِيَاء غَيره فَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ من الْمُشْرِكِينَ} النَّحْل 123 وَأمر أمته بذلك فَقَالَ تَعَالَى {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل} الْحَج 78 وملة مَنْصُوب على إِضْمَار فعل أَي اتبعُوا والزموا مِلَّة ابيكم وَدلّ على الْمَحْذُوف مَا تقدم من قَوْله {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} الْحَج 78 وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ الإغراء وَقيل مَنْصُوب انتصاب المصادر وَالْعَامِل فِيهِ مَضْمُون مَا تقدم قبله وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُوصي أَصْحَابه إِذا أَصْبحُوا إِذا أَمْسوا أَن يَقُولُوا أَصْبَحْنَا على فطْرَة الْإِسْلَام وَكلمَة الْإِخْلَاص وَدين نَبينَا مُحَمَّد وملة أَبينَا إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين

وَتَأمل هَذِه الْأَلْفَاظ كَيفَ جعل الْفطْرَة لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا وَكلمَة الْإِخْلَاص هِيَ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْملَّة لإِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ صَاحب الْملَّة وَهِي التَّوْحِيد وَعبادَة الله تَعَالَى وَحده لَا شريك لَهُ ومحبته فَوق كل محبَّة وَالدّين للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ دينه الْكَامِل وشرعه التَّام الْجَامِع لذَلِك كُله وَسَماهُ سُبْحَانَهُ إِمَامًا وَأمة وقانتا وحنيفا قَالَ تَعَالَى {وَإِذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} الْبَقَرَة 124 فَأخْبر

ص: 268

سُبْحَانَهُ أَنه جعله إِمَامًا للنَّاس وَأَن الظَّالِم من ذُريَّته لَا ينَال ربتة الْإِمَامَة والظالم هُوَ الْمُشرك وَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن عَهده بِالْإِمَامَةِ لَا ينَال من أشرك بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين} النَّحْل 120 122

فالأمة هُوَ الْقدْوَة الْمعلم للخير وَالْقَانِت الْمُطِيع لله الملازم لطاعته والحنيف الْمقبل على الله المعرض عَمَّا سواهُ وَمن فسره بالمائل فَلم يفسره بِنَفس مَوْضُوع اللَّفْظ وَإِنَّمَا فسره بِلَازِم الْمَعْنى فَإِن الحنف هُوَ الإقبال وَمن أقبل على شَيْء مَال عَن غَيره والحنف فِي الرجلَيْن هُوَ إقبال إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَيلْزمهُ ميلها عَن جِهَتهَا

قَالَ تَعَالَى {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} الرّوم 30 فحنيفاً هُوَ حَال مقررة لمضمون قَوْله {فأقم وَجهك للدّين} وَلِهَذَا فسرت مخلصاً فَتكون الْآيَة قد تَضَمَّنت الصدْق وَالْإِخْلَاص فَإِن إِقَامَة الْوَجْه للدّين هُوَ إِفْرَاد طلبه بِحَيْثُ لَا يبْقى فِي الْقلب إِرَادَة لغيره والحنيف الْمُفْرد لَا يُرِيد غَيره فالصدق أَن لَا يَنْقَسِم طَلَبك والافراد أَن لَا يَنْقَسِم مطلوبك الأول تَوْحِيد الطّلب وَالثَّانِي تَوْحِيد الْمَطْلُوب

وَالْمَقْصُود أَن إِبْرَاهِيم عليه السلام هُوَ أَبونَا الثَّالِث وَهُوَ امام الحنفاء ويسميه أهل الْكتاب عَمُود الْعَالم وَجَمِيع أهل الْملَل متفقة على تَعْظِيمه وتوليه ومحبته وَكَانَ خير بنيه سيد ولد آدم مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يجله ويعظمه ويبجله ويحترمه

ص: 269

فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا خير الْبَريَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَاك إِبْرَاهِيم وَسَماهُ شَيْخه كَمَا تقدم

وَثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ انكم مَحْشُورُونَ حُفَاة عُرَاة غرلًا ثمَّ قَرَأَ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} الْأَنْبِيَاء 104 أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم

وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الْخلق بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ قَالَ رَأَيْت إِبْرَاهِيم فَإِذا أقرب النَّاس شبها بِهِ صَاحبكُم يَعْنِي نَفسه صلى الله عليه وسلم

وَفِي لفظ آخر واما إِبْرَاهِيم فانظروا إِلَى صَاحبكُم

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يعوذ أَوْلَاد ابْنَته حسنا وَحسَيْنا بتعويذ إِبْرَاهِيم لإسماعيل وَإِسْحَاق

فَفِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس

ص: 270

رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن وَيَقُول إِن أَبَاكُمَا كَانَ يعوذ بهما إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة وَمن كل عين لَامة

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم أول من قرى الضَّيْف أول من اختتن أول من رأى الشيب فَقَالَ مَا هَذَا يَا رب قَالَ وقار قَالَ رب زِدْنِي وقارا

وَتَأمل ثَنَاء الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فِي اكرام ضَيفه من الْمَلَائِكَة حَيْثُ يَقُول سُبْحَانَهُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيث ضيف إِبْرَاهِيم الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} الذاريات 23 27

فَفِي هَذَا الثَّنَاء على إِبْرَاهِيم من وُجُوه مُتعَدِّدَة

أَحدهَا أَنه وصف ضَيفه بِأَنَّهُم مكرمون وَهَذَا على أحد الْقَوْلَيْنِ أَنه إكرام إِبْرَاهِيم لَهُم أَنهم المكرمون عِنْد الله وَلَا تنَافِي بَين الْقَوْلَيْنِ فالآية تدل على الْمَعْنيين

الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {إِذْ دخلُوا عَلَيْهِ} فَلم يذكر استئذانهم فَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه صلى الله عليه وسلم كَانَ قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم فَبَقيَ منزله مضيفة مطروقاً لمن ورده لَا يحْتَاج إِلَى الاسْتِئْذَان بل اسْتِئْذَان الدَّاخِل دُخُوله وَهَذَا غَايَة مَا يكون من الْكَرم

ص: 271

الثَّالِث قَوْله لَهُم سَلام بِالرَّفْع وهم سلمُوا عَلَيْهِ بِالنّصب وَالسَّلَام بِالرَّفْع أكمل فَإِنَّهُ يدل على الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الثُّبُوت والتجدد والمنصوب يدل على الفعلية الدَّالَّة على الْحُدُوث والتجدد فإبراهيم حياهم أحسن من تحيتهم فَإِن قَوْلهم سَلاما يدل على سلمنَا سَلاما وَقَوله سَلام أَي سَلام عَلَيْكُم

الرَّابِع أَنه حذف من قَوْله {قوم منكرون} فَإِنَّهُ لما أنكرهم وَلم يعرفهُمْ احتشم من مواجهتهم بِلَفْظ ينفر الضَّيْف لَو قَالَ أَنْتُم قوم منكرون فَحذف الْمُبْتَدَأ هُنَا من ألطف الْكَلَام

الْخَامِس أَنه بنى الْفِعْل للْمَفْعُول وَحذف فَاعله فَقَالَ {منكرون} وَلم يقل إِنِّي أنكركم وَهُوَ أحسن فِي هَذَا الْمقَام وَأبْعد من التنفير والمواجهة بالخشونة

السَّادِس أَنه راغ إِلَى أَهله ليجيئهم بنزلهم والروغان هُوَ الذّهاب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يكَاد يشْعر بِهِ الضَّيْف وَهَذَا من كرم رب الْمنزل المضيف أَن يذهب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يشْعر بِهِ الضَّيْف فَيشق عَلَيْهِ ويستحي فَلَا يشْعر بِهِ إِلَّا وَقد جَاءَهُ بِالطَّعَامِ بِخِلَاف من يسمع ضَيفه وَيَقُول لَهُ أَو لمن حضر مَكَانكُمْ حَتَّى آتيكم بِالطَّعَامِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُوجب حَيَاء الضَّيْف واحتشامه

السَّابِع أَنه ذهب إِلَى أَهله فجَاء بالضيافة فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ معدا عِنْدهم مهيئا للضيفان وَلم يحْتَج أَن يذهب إِلَى غَيرهم من جِيرَانه أَو غَيرهم فيشتريه أَو يستقرضه

الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {فجَاء بعجل سمين} دلّ على خدمته للضيف بِنَفسِهِ وَلم يقل فَأمر لَهُم بل هُوَ الَّذِي ذهب وَجَاء بِهِ بِنَفسِهِ وَلم يَبْعَثهُ مَعَ خادمه وَهَذَا أبلغ فِي إكرام الضَّيْف

ص: 272

التَّاسِع أَنه جَاءَ بعجل كَامِل وَلم يَأْتِ ببضعة مِنْهُ وَهَذَا من تَمام كرمه صلى الله عليه وسلم

الْعَاشِر إِنَّه سمين لَا هزيل وَمَعْلُوم أَن ذَلِك من أَفْخَر أَمْوَالهم وَمثله يتَّخذ للاقتناء والتربية فآثر بِهِ ضيفانه

الْحَادِي عشر أَنه قربه إِلَيْهِم بِنَفسِهِ وَلم يَأْمر خادمه بذلك

الثَّانِي عشر أَنه قربه وَلم يقربهُمْ إِلَيْهِ وَهَذَا أبلغ فِي الْكَرَامَة أَن يجلس الضَّيْف ثمَّ يقرب الطَّعَام إِلَيْهِ ويحمله إِلَى حَضرته وَلَا يضع الطَّعَام فِي نَاحيَة ثمَّ يَأْمر الضَّيْف بِأَن يتَقرَّب إِلَيْهِ

الثَّالِث عشر أَنه قَالَ {أَلا تَأْكُلُونَ} وَهَذَا عرض وتلطف فِي القَوْل وَهُوَ أحسن من قَوْله كلوا أَو مدوا ايديكم وَهَذَا مِمَّا يعلم النَّاس بعقولهم حسنه ولطفه وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِسم الله أَو أَلا تَتَصَدَّق أَو أَلا تجبر وَنَحْو ذَلِك

الرَّابِع عشر أَنه إِنَّمَا عرض عَلَيْهِم الْأكل لِأَنَّهُ رَآهُمْ لَا يَأْكُلُون وَلم يكن ضيوفه يَحْتَاجُونَ مَعَه إِلَى الْإِذْن فِي الْأكل بل كَانَ إِذا قدم إِلَيْهِم الطَّعَام أكلُوا وَهَؤُلَاء الضيوف لما امْتَنعُوا من الْأكل قَالَ لَهُم أَلا تَأْكُلُونَ وَلِهَذَا أوجس مِنْهُم خيفة أَي أحسها وأضمرها فِي نَفسه وَلم يبدها لَهُم وَهُوَ الْوَجْه

الْخَامِس عشر فَإِنَّهُم لما امْتَنعُوا من آكل طَعَامه خَافَ مِنْهُم وَلم يظْهر لَهُم ذَلِك فَلَمَّا علمت الْمَلَائِكَة مِنْهُ ذَلِك قَالُوا لَا تخف وبشروه بالغلام

فقد جمعت هَذِه الْآيَة آدَاب الضِّيَافَة الَّتِي هِيَ أشرف الْآدَاب وَمَا عَداهَا من التكلفات الَّتِي هِيَ تخلف وتكلف إِنَّمَا هِيَ

ص: 273

من أوضاع النَّاس وعوائدهم وَكفى بِهَذِهِ الْآدَاب شرفاً وفخراً فصلى الله على نَبينَا وعَلى إِبْرَاهِيم وعَلى آلهما وعَلى سَائِر النَّبِيين

وَقد شهد الله سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ وفى مَا أَمر بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} النَّجْم 36 37

قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما وفى جَمِيع شرائع الْإِسْلَام ووفى مَا أَمر بِهِ من تَبْلِيغ الرسَالَة

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} الْبَقَرَة 124 فَلَمَّا أتم مَا أَمر بِهِ من الْكَلِمَات جعله الله إِمَامًا لِلْخَلَائِقِ يأتمون بِهِ

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم كَمَا قيل قلبه للرحمن وَولده للقربان وبدنه للنيران وَمَاله للضيفان

وَلما اتَّخذهُ ربه خَلِيلًا والخلة هِيَ كَمَال الْمحبَّة وَهِي مرتبَة لَا تقبل الْمُشَاركَة والمزاحمة وَكَانَ قد سَأَلَ ربه أَن يهب لَهُ ولدا صَالحا فوهب لَهُ إِسْمَاعِيل فَأخذ هَذَا الْوَلَد شُعْبَة من قلبه فغار الْخَلِيل على قلب خَلِيله أَن يكون فِيهِ مَكَان لغيره فامتحنه بذَبْحه ليظْهر سر الْخلَّة فِي تَقْدِيمه محبَّة خَلِيله على محبَّة وَلَده فَلَمَّا استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وَظهر سُلْطَان الْخلَّة فِي الْإِقْدَام على ذبح الْوَلَد إيثاراً لمحبة خَلِيله على محبته نسخ الله ذَلِك عَنهُ وفداه بِالذبْحِ الْعَظِيم لِأَن الْمصلحَة فِي الذّبْح كَانَت ناشئة من الْعَزْم وتوطين النَّفس على مَا أَمر بِهِ فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة عَاد

ص: 274

الذّبْح مفْسدَة فنسخ فِي حَقه فَصَارَت الذَّبَائِح والقرابين من الْهَدَايَا والضحايا سنة فِي أَتْبَاعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَهُوَ الَّذِي فتح للْأمة بَاب مناظرة الْمُشْركين وَأهل الْبَاطِل وَكسر حججهم وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ مناظراته فِي الْقُرْآن مَعَ إِمَام المعطلين ومناظرته مَعَ قومه الْمُشْركين وَكسر حجج الطَّائِفَتَيْنِ بِأَحْسَن مناظرة وأقربها إِلَى الْفَهم وَحُصُول الْعلم

قَالَ تَعَالَى {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نشَاء} الْأَنْعَام 83

قَالَ زيد بن أسلم وَغَيره بِالْحجَّةِ وَالْعلم

وَلما غلب أَعدَاء الله مَعَه بِالْحجَّةِ وَظَهَرت حجَّته عَلَيْهِم وَكسر أصنامهم فَكسر حججهم ومعبودهم هموا بعقوبته وإلقائه فِي النَّار وَهَذَا شَأْن المبطلين إِذا غلبوا وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة همو بالعقوبة كَمَا قَالَ فِرْعَوْن لمُوسَى عليه السلام وَقد أَقَامَ عَلَيْهِ الْحجَّة {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} الشُّعَرَاء 29 فأضرموا لَهُ النَّار وألقوه فِي المنجنيق فَكَانَت تِلْكَ السفرة من أعظم سفرة سافرها وأبركها عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَا سَافر سفرة أبرك وَلَا أعظم وَلَا أرفع لشأنه وَأقر لعَينه مِنْهَا وَفِي تِلْكَ السفرة عرض لَهُ جِبْرِيل بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَلَك حَاجَة قَالَ أما إِلَيْك فَلَا

قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمرَان 172 قَالَهَا نَبِيكُم وَقَالَهَا

ص: 275

إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار فَجعل الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ النَّار بردا وَسلَامًا

وَقد ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث أم شريك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَمر بقتل الوزغ وَقَالَ كَانَت تنفح على إِبْرَاهِيم

وَهُوَ الَّذِي بنى بَيت الله وَأذن فِي النَّاس بحجه فَكل من حجه واعتمره حصل لإِبْرَاهِيم من مزِيد ثَوَاب الله وكرامته بِعَدَد الْحجَّاج والمعتمرين

قَالَ تَعَالَى {وَإِذ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} الْبَقَرَة 125 فَأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وَأمته أَن يتخذوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى تَحْقِيقا للاقتداء بِهِ وإحياء آثاره صلى الله عليه وسلم على نَبينَا عَلَيْهِ وَسلم

ومناقب هَذَا الإِمَام الْأَعْظَم وَالنَّبِيّ الاكرام أجل من أَن يُحِيط بهَا كتاب وَإِن مد الله فِي الْعُمر أفردنا كتابا فِي ذَلِك يكون قَطْرَة فِي بَحر فضائله أَو أقل جعلنَا الله مِمَّن ائتم بِهِ وَلَا جعلنَا مِمَّن عدل عَن مِلَّته بمنه وَكَرمه

وَقد روى لنا عَنهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيثا وَقع لنا مُتَّصِل الرِّوَايَة إِلَيْهِ

ص: 276

روينَاهُ فِي كتاب التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد اقرئ امتك مني السَّلَام وَأخْبرهمْ أَن الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأَنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن

ص: 277