الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَصْل التَّاسِع
فِي اختتام هَذِه الصَّلَاة بِهَذَيْنِ الاسمين من أَسمَاء الرب سبحانه وتعالى وهما الحميد والمجيد
فالحميد فعيل من الْحَمد وَهُوَ بِمَعْنى مَحْمُود وَأكْثر مَا يَأْتِي فعيلاً فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِمَعْنى فَاعل كسميع وبصير وَعَلِيم وقدير وَعلي وَحَكِيم وحليم وَهُوَ كثير وَكَذَلِكَ فعول كغفور وشكور وصبور
وَأما الْوَدُود فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه بِمَعْنى فَاعل وَهُوَ الَّذِي يحب أنبياءه وَرُسُله وأولياءه وعباده الْمُؤمنِينَ
وَالثَّانِي أَنه بِمَعْنى مودود وَهُوَ المحبوب الَّذِي يسْتَحق أَن يحب الْحبّ كُله وَأَن يكون أحب إِلَى العَبْد من سَمعه وبصره وَجَمِيع محبوباته
وَأما الحميد فَلم يَأْتِ إِلَّا بِمَعْنى الْمَحْمُود وَهُوَ أبلغ من الْمَحْمُود فَإِن فعيلاً إِذا عدل بِهِ عَن مفعول دلّ على أَن تِلْكَ الصّفة قد صَارَت مثل السجية والغريزة والخلق اللَّازِم إِذا قلت فلَان ظريف وشريف وكريم وَلِهَذَا يكون هَذَا الْبناء غَالِبا من فعل بِوَزْن
شرف هَذَا الْبناء من أبنية الغرائز والسجايا اللَّازِمَة ككبر وَصغر وَحسن ولطف وَنَحْو ذَلِك
وَلِهَذَا كَانَ حبيب أبلغ من مَحْبُوب لَان الحبيب الَّذِي حصلت فِيهِ الصِّفَات وَالْأَفْعَال الَّتِي يحب لأَجلهَا فَهُوَ حبيب فِي نَفسه وَإِن قدر أَن غَيره لَا يُحِبهُ لعدم شعوره بِهِ أَو لمَانع مَنعه من حبه وَأما المحبوب فَهُوَ الَّذِي تعلق بِهِ حب الْمُحب فَصَارَ محبوباً بحب الْغَيْر لَهُ وَأما الحبيب فَهُوَ حبيب بِذَاتِهِ وَصِفَاته تعلق بِهِ حب الْغَيْر أَو لم يتَعَلَّق وَهَكَذَا الحميد والمحمود
فالحميد هُوَ الَّذِي لَهُ من الصِّفَات وَأَسْبَاب الْحَمد مَا يَقْتَضِي أَن يكون مَحْمُودًا وَإِن لم يحمده غَيره فَهُوَ حميد فِي نَفسه والمحمود من تعلق بِهِ حمد الحامدين وَهَكَذَا الْمجِيد والممجد وَالْكَبِير والمكبر والعظيم والمعظم وَالْحَمْد وَالْمجد إِلَيْهِمَا يرجع الْكَمَال كُله فَإِن الْحَمد يسْتَلْزم الثَّنَاء والمحبة للمحمود فَمن أحببته وَلم تثن عَلَيْهِ لم تكن حامداً لَهُ حَتَّى تكون مثنياً عَلَيْهِ محباً لَهُ وَهَذَا الثَّنَاء وَالْحب تبع للأسباب الْمُقْتَضِيَة لَهُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَحْمُود من صِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال وَالْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر فَإِن هَذِه هِيَ أَسبَاب الْمحبَّة وَكلما كَانَت هَذِه الصِّفَات أجمع وأكمل كَانَ الْحَمد وَالْحب أتم وَأعظم وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْكَمَال الْمُطلق الَّذِي لَا نقص فِيهِ بِوَجْه مَا وَالْإِحْسَان كُله لَهُ وَمِنْه فَهُوَ أَحَق بِكُل حمد وَبِكُل حب من كل جِهَة فَهُوَ أهل أَن يحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه وَلكُل مَا صدر مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأما الْمجد فَهُوَ مُسْتَلْزم للعظمة وَالسعَة والجلال وَالْحَمْد يدل على صِفَات الْإِكْرَام وَالله سبحانه وتعالى ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام وَهَذَا معنى قَول العَبْد لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله اكبر ف لَا إِلَه إِلَّا الله دَال على ألوهيته وتفرده فِيهَا فألوهيته تَسْتَلْزِم محبته التَّامَّة وَالله أكبر دَال على مجده وعظمته وَذَلِكَ يسْتَلْزم تَعْظِيمه وتمجيده وتكبيره وَلِهَذَا يقرن سُبْحَانَهُ بَين هذَيْن النَّوْعَيْنِ فِي الْقُرْآن كثيرا كَقَوْلِه {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73
وَقَوله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شريك فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} الْإِسْرَاء 111 فَأمر بِحَمْدِهِ وتكبيره
وَقَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 78
وَقَالَ تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} الرَّحْمَن 27
وَفِي الْمسند وصحيح أبي حَاتِم وَغَيره من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ أَلظُّوا بِيَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام حَدِيث صَحِيح يَعْنِي الزموها وتعلقوا بهَا فالجلال وَالْإِكْرَام هُوَ الْحَمد وَالْمجد
وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كريم} النَّمْل 40
وَقَوله تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً} النِّسَاء 149
وَقَوله تَعَالَى {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الممتحنة 7
وَقَوله تَعَالَى {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} البروج 14 15 وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن
وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح حَدِيث دُعَاء الكرب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَاوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم فَذكر هذَيْن الاسمين الحميد الْمجِيد عقيب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وعَلى آله مُطَابق لقَوْله تَعَالَى {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} هود 73
وَلما كَانَت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي ثَنَاء الله تَعَالَى عَلَيْهِ وتكريمه والتنويه بِهِ وَرفع ذكره وَزِيَادَة حبه وتقريبه كَمَا تقدم كَانَت مُشْتَمِلَة على الْحَمد وَالْمجد فَكَأَن الْمُصَلِّي طلب من الله تَعَالَى أَن يزِيد فِي حَمده ومجده فَإِن الصَّلَاة عَلَيْهِ هِيَ نوع حمد لَهُ وتمجيد هَذَا حَقِيقَتهَا فَذكر فِي هَذَا الْمَطْلُوب الاسمين المناسبين لَهُ وهما أَسمَاء الحميد والمجيد وَهَذَا كَمَا تقدم أَن الدَّاعِي يشرع لَهُ أَن يخْتم دعاءه باسم من الْأَسْمَاء الْحسنى مُنَاسِب لمطلوبه أَو يفْتَتح دعاءه بِهِ وَتقدم أَن هَذَا من قَوْله {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بهَا} الاعراف 180
قَالَ سُلَيْمَان عليه السلام فِي دُعَائِهِ ربه {رب اغْفِر لي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} صّ 35
وَقَالَ الْخَلِيل وَابْنه اسماعيل عليهما السلام فِي دعائهما {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّك أَنْت التواب الرَّحِيمُ} الْبَقَرَة 28
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول رب اغْفِر لي وَتب عَليّ إِنَّك أَنْت التواب الغفور مائَة مرّة فِي مَجْلِسه // إِسْنَاده صَحِيح //
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة رضي الله عنها وَقد سَأَلته إِن وَافَقت لَيْلَة الْقدر مَا أَدْعُو بِهِ قَالَ قولي اللَّهُمَّ إِنَّك عَفْو تحب الْعَفو فَاعْفُ عني // سَنَده صَحِيح //
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم للصديق رضي الله عنه وَقد سَأَلَهُ أَن يُعلمهُ دُعَاء يَدْعُو بِهِ فِي صلَاته قَالَ قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم وَهَذَا كثير قد ذَكرْنَاهُ فِي = كتاب الرّوح وَالنَّفس =
وَمَا قَالَه النَّاس فِي قَول الْمَسِيح صلى الله عليه وسلم {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
) الْمَائِدَة 118 وَلم يقل الغفور الرَّحِيم
وَقَول الْخَلِيل عليه السلام {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} إِبْرَاهِيم 36 فَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمداً ومجداً بِصَلَاة الله عَلَيْهِ ختم هَذَا السُّؤَال باسمي الحميد والمجيد وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لما كَانَ الْمَطْلُوب للرسول حمداً ومجداً وَكَانَ ذَلِك حَاصِلا لَهُ ختم ذَلِك بالإخبار عَن ثُبُوت ذنيك الوصفين للرب بطرِيق الأولى إِذْ كل كَمَال فِي العَبْد غير مُسْتَلْزم للنقص فالرب أَحَق بِهِ
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لما طلب للرسول حمداً ومجداً بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يسْتَلْزم الثَّنَاء عَلَيْهِ ختم هَذَا الْمَطْلُوب بالثناء على مُرْسلَة بِالْحَمْد وَالْمجد فَيكون هَذَا الدُّعَاء متضمناً لطلب الْحَمد وَالْمجد للرسول صلى الله عليه وسلم والإخبار عَن ثُبُوته للرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى