الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: احترام الرسول صلى الله عليه وسلم
بيّن الشيخ الأمين رحمه الله أن المسلم مطالب باحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأدب معه في المخاطبة بأن لا يرفع الصوت فوق صوته عليه الصلاة والسلام. وبما أنه صلى الله عليه وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، فقد نبه رحمه الله إلى أن حرمته في الممات كحرمته في الحياة؛ فلا ترفع الأصوات عند السلام عليه عند قبره؛ إذ هذا من المنكرات التي ينبغي إزالتها.
قال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} 1: "وهذه الآية الكريمة علم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ويحترموه ويوقروه فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض؛ أي ينادون باسمه يا محمد، يا أحمد، كما ينادي بعضهم بعضاً. وإنما أمروا أن يخاطبوه خطاباً يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض؛ كأن يقولوا: يا نبي الله، أو يا رسول الله، ونحو ذلك"2.
ثم أكد رحمه الله أن هذا الخلق من علامات كمال التقوى، ومن تمسك به فله الأجر الجزيل من الله؛ فقال: "وقد بين تعالى أن توقيره واحترامه صلى الله عليه وسلم بغضّ الصوت عنده، لا يكون إلا من الذين امتحن
1 سورة الحجرات، الآية [2] .
2 أضواء البيان 7/615.
الله قلوبهم للتقوى؛ أي أخلصها لها، وأن لهم بذلك عند الله المغفرة والأجر العظيم، وذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} 1"2.
وأنكر رحمه الله ما يحصل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم من رفع الأصوات وعدم السكينة، مبيناً أن احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخفض الأصوات عند السلام عليه يكون في حياته وبعد مماته؛ فقال رحمه الله:"ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ماجرت به العادة اليوم من اجتماع الناس عند قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغط، وأصواتهم مرتفعة ارتفاعاً مزعجاً كله لا يجوز، ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر3. وقد شدد عمر رضي الله عنه النكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم، وقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً4"5.
وأنكر الشيخ الأمين رحمه الله أيضاً على من يضع يده اليمنى على اليسرى حال السلام عليه صلى الله عليه وسلم، فقال رحمه الله: "فلا ينبغي للمُسَلِّم عليه صلى الله عليه وسلم أن يضع يده اليمنى على اليسرى كهيئة المصلي؛ لأن هيئة الصلاة داخلة في جملتها، فينبغي أن تكون خالصة
1 سورة الحجرات، الآية [3] .
2 أضواء البيان 7/616.
3 وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله:
أو لم يقل من قبلكم للرافعي
الأصوات حول القبر بالنكران
لا ترفعوا الأصوات حرمة عبده
ميتاً كحرمته لدى الحيوان
(انظر: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم 2/157) .
4 صحيح البخاري، ك الصلاة 1/93.
5 أضواء البيان 7/617.
لله، كما كان صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه يخلصون العبادات وهيئتها لله وحده"1.
فالشيخ رحمه الله يحذر المسلمين من هذه المنكرات التي تحدث عند قبره صلى الله عليه وسلم، ويدعوهم إلى احترامه صلى الله عليه وسلم كما كان يفعل الرعيل الأول رضوان الله عليهم؛ إذ كانوا من أشد الناس موافقة له عليه السلام، ومن أبعد الناس عن مخالفته أو ابتداع ما ليس من دين الله.
1 المصدر نفسه 7/624.