المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم - جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف - جـ ٢

[عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الطويان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: جهوده في توضيح بقية أركان ومباحث الإيمان (تابع)

- ‌الفصل الثالث: جهود الشيخ الأمين –رحمه الله في توضيح النبوات

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الأول: دعوة الأنبياء واحدة

- ‌المطلب الثاني: الرسل لا يعلمون الغيب

- ‌المطلب الثالث: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الرابع: أولو العزم من الرسل

- ‌المطلب الخامس: هل آدم رسول أم نبي

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الخضر

- ‌المطلب الأول: هل الخضر نبي أو ولي

- ‌المطلب الثاني: هل الخضر حيّ أم ميت

- ‌المبحث الثالث: الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌لمطلب الأول: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: احترام الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في البرزخ

- ‌المبحث الرابع: معجزات الأنبياء

- ‌المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من معجزات موسى عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: من معجزات صالح عليه السلام

- ‌الفصل الرابع: جهود الشيخ الأمين رحمه الله في توضيح عقيدة السلف في اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول: بعض أشراط الساعة

- ‌المطلب الأول: بعض العلامات الصغرى

- ‌المطلب الثاني: نزول عيسى عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: خروج يأجوج ومأجوج

- ‌المبحث الثاني: القبر

- ‌المطلب الأول: عذاب القبر

- ‌المطلب الثاني: سماع الموتى

- ‌المبحث الثالث: البعث

- ‌المطلب الأول: براهين البعث

- ‌المطلب الثاني: الحشر

- ‌المبحث الرابع: الميزان

- ‌المبحث الخامس: الصراط

- ‌المبحث السادس: الجنة

- ‌المطلب الأول: نعيم الجنة

- ‌المطلب الثاني: رؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌المطلب الثالث: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج

- ‌المبحث السابع: النار

- ‌المطلب الأول: النار، وعذابها

- ‌المطلب الثاني: بقاء النار، والردّ على من قال بفنائها

- ‌الفصل الخامس: جهود الشيخ الأمين في توضيح الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: بيانه لمراتب القدر

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية

- ‌المبحث الثالث: الهداية

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد بين الإفراط والتفريط

- ‌المطلب الأول: وسطية أهل السنة والجماعة في أفعال العباد

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ الأمين من الجبرية

- ‌المطلب الثالث: موقف الشيخ الأمين رحمه الله من القدرية النفاة

- ‌الفصل السادس: حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الإسلام والإيمان

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الرابع: مراتب المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: الكبائر

- ‌لمبحث السادس: حكم أهل الفترة

- ‌الفصل السابع: جهود الشيخ الأمين في توضيح مباحث الإمامة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

‌المبحث الرابع: معجزات الأنبياء

‌المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

المبحث الرابع: معجزات الأنبياء

تمهيد:

المعجزة، كما عرفها الإمام السفاريني رحمه الله، هي:"ما خرق العادة من قول أو فعل، إذا وافق دعوى الرسالة وقارنها وطابقها على جهة التحدي ابتداء، بحيث لايقدر أحد عليها ولا على مثلها ولا على ما يقاربها"1.

فالله سبحانه وتعالى أيد أنبياءه بالآيات الدالة على صدقهم فيما جاءُوا به من عند ربهم.

يقول الشيخ الأمين رحمه الله: "وما أرسل الله من رسول إلا مصحوباً بالمعجزات التي تصدقه وتؤيده. وقد بين ذلك الصادق المصدوق بقوله، صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله به إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً "2، وهو صريح أنه ما أرسل الله رسولاً إلا أيده بما يدل على صدقه، كما قال تعالى:{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} 3، وقال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} 4. والآيات في ذلك كثيرة

1 لوامع الأنوار البهية 2/290.

2 أخرجه البخاري في الصحيح 6/97. ومسلم في الصحيح 1/134.

3 سورة الأعراف، الآية [101] .

4 سورة الحديد، الآية [25] .

ص: 427

جداً"1.

وقال رحمه الله في موضع آخر: "إن من آياته التي يريها بعض خلقه: معجزات رسله؛ لأن المعجزات آيات؛ أي دلالات وعلامات على صدق الرسل، كما قال تعالى في فرعون:{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} 2. وبين في موضع آخر أن من آياته التي يريها خلقه: عقوبته المكذبين رسله؛ كما قال تعالى في قصة إهلاكه قوم لوط: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 3وقال في عقوبته فرعون وقومه بالطوفان والجراد والقمل

إلخ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} 4"5.

وسوف أذكر بعض معجزات الأنبياء عليهم السلام، التي تطرق إلى ذكرها الشيخ الأمين رحمه الله بادئاً بمعجزات نبينا عليه السلام.

1 معارج الصعود ص141-142.

2 سورة طه، الآية [56] .

3 سورة العنكبوت، الآية [35] .

4 سورة الأعراف، الآية [133] .

5 أضواء البيان 7/75.

ص: 428

المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

أولاً: القرآن الكريم:

هو معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم الباقية الخالدة الذي لا تنقضي عجائبه قال تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 1.

وقد أشار الشيخ الأمين رحمه الله إلى أن الله جل وعلا تحدى العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو بعشر سور مثله، أو بسورة مثله فقال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 2: "صرح تعالى في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن لايكون مفترى من دون الله مكذوباً به عليه، وأنه لاشك في أنه من رب العالمين جل وعلا، وأشار إلى أن تصديقه للكتب السماوية المنزلة قبله، وتفصيله للعقائد والحلال والحرام ونحو ذلك، مما لاشك أنه من الله جل وعلا: دليل على أنه غير مفترى، وأنه لاريب في كونه من ربّ العالمين. وبين هذا في مواضع أخر، كقوله:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3، وقوله:{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} 4، وقوله:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} 5، والآيات في

1 سورة فصلت، الآية [42] .

2 سورة يونس، الآية [37] .

3 سورة يوسف، الآية [111] .

4 سورة الشعراء، الآية [210-211] .

5 سورة الإسراء، الآية [105] .

ص: 429

مثل ذلك كثيرة. ثم إنه تعالى لما صرح هنا بأن هذا القرآن ما كان أن يفترى على الله وأقام البرهان القاطع على أنه من الله؛ فتحدى جميع الخلق بسورة واحدة مثله. ولاشك أنه لو كان من جنس كلام الخلق لقدر الخلق على الإتيان بمثله، فلما عجزوا عن ذلك كلهم حصل اليقين والعلم الضروري أنه من الله جل وعلا. قال جل وعلا في هذه السورة:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1، وتحداهم أيضاً في سورة البقرة بسورة واحدة من مثله، بقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} الآية2، وتحداهم في هود بعشر سور مثله، بقوله:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} الآية3، وتحداهم في الطور به كله بقوله:{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} 4، وصرح في سورة بني إسرائيل بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله بقوله:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 5 كما قدمنا، وبين أنهم لايأتون بمثله أيضاً بقوله:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُو} 6"7.

وقال رحمه الله أيضاً: "وبين جل وعلا هنا أن الإعجاز القرآني دليل قطعي وبرهان يقيني على صدق الوحي وصحة الرسالة: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّه} 8"9.

1 سورة يونس، الآية [38] .

2 سورة البقرة، الآية [23] .

3 سورة هود، الآية [13] .

4 سورة الطور، الآية [34] .

5 سورة الإسراء، الآية [88] .

6 سورة البقرة، الآية [24] .

7 أضواء البيان 2/483-484. وانظر المصدر نفسه 2/203.

8 سورة هود، الآية [14] .

9 معارج الصعود، ص66.

ص: 430

وقال رحمه الله، عند تفسير قوله تعالى:{أْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} 1: "أي في الفصاحة، والبلاغة، وصدق الأخبار، وعدل الأحكام؛ فإن هذه الأمور مع ما يذكر الله من بدائع صنعه من إعجاز القرآن إذ لايتجرأ أحد أن يقول: أنا خلقت السموات والأرض، ونصبت الجبال إلا رمي بالجنون والسفه، بخلاف رب السموات والأرض جل وعلا"2.

وقال رحمه الله أيضاً، عند تفسير قوله تعالى:{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} 3: "الإشارة إلى ما مضى من قصص نوح من دعوته قومه إلى عبادة الله، وعنادهم له، ومحاورته معهم في شأن أتباعه من المؤمنين، وصنعه السفينة، واستهزائهم به، وما جعل الله له من العلامة على إهلاكهم، وأمره له بحمل المؤمنين ومن كل الحيوانات زوجين في السفينة، وما كان من أمره مع ابنه، وعتاب الله له في ذلك، ورجوعه وتوبته إلى الله، ثم ما تبع ذلك من الخاتمة له ولقومه المؤمنين بالسلامة، والهلاك للكافرين؛ أي تلك القصص التي أخبرناك بها من الأمور التي هي غائبة عن الناس، وفي هذا أعظم معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وإذا به يخبر عن غرائب التاريخ التي مضى عليها آلاف السنين بضبط وإتقان، فليست إلا بوحي من الله جل وعلا"4.

فيا له من معجزة خالدة على مر الأيام والدهور، لاتنقضي عجائبه، ولا يمل مع التكرار.

ثانياً: الإسراء والمعراج:

الإسراء والمعراج من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، أسرى به الله

1 سورة هود، الآية [13] .

2 معارج الصعود، ص66.

3 سورة هود، الآية [49] .

4 معارج الصعود، ص130.

ص: 431

سبحانه وتعالى ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، ووصل إلى سدرة المنتهى.

قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} 1.

وقد اختلف في كيفية الإسراء: هل هو بالروح، أم بالروح والجسد معاً؟ وهل كان ذلك يقظة أم مناماً2؟.

وقد أشار الشيخ الأمين رحمه الله إلى هذا الاختلاف، ورجح أنه بجسده وروحه، يقظة لا مناماً. وقد ذكر عدة مرجحات، فقال رحمه الله: "ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم، يقظة لامناماً؛ لأنه قال:{بعبده} ، والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، ولأنه قال:{سبحان} ، والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه. ويؤيده قوله تعالى:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} 3؛ لأن البصر من آلات الذات لا الروح، وقوله هنا:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} 4. ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك: قوله جل وعلا: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} 5؛ فإنه رؤيا عين يقظة، لا رؤيا منام، كما صح عن ابن عباس وغيره. ومن الأدلة الواضحة على ذلك: أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة ولا سبباً لتكذيب قريش؛ لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار؛ لأن المنام قد يرى فيه ما لايصح، فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب، فزعم المشركون أن من ادعى رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا

1 سورة الإسراء، الآية [1] .

2 راجع فتح الباري 7/237. وشرح الطحاوي ص245.

3 سورة النجم، الآية [17] .

4 سورة الإسراء، الآية [1] .

5 سورة الإسراء، الآية [60] .

ص: 432

محالة، فصار فتنة لهم. وكون الشجرة الملعونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم أن الله لما أنزل قوله:{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} 1، قالوا: ظهر كذبه لأن الشجر لا ينبت بالأرض اليابسة، فكيف ينبت في أصل النار....وركوبه صلى الله عليه وسلم على البراق يدل على أن الإسراء بجسمه؛ لأن الروح ليس من شأنه الركوب على الدواب كما هو معروف. وعلى كل حال: فقد تواترت الأحاديث الصحيحة عنه أن أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأنه عرج به من المسجد الأقصى حتى جاوز السموات السبع. وقد دلت الأحاديث المذكورة على أن الإسراء والمعراج كليهما بجسمه وروحه يقظة لا مناماً2، كما دلت على ذلك أيضاً الآيات التي ذكرنا. وعلى ذلك من يعتد به من أهل السنة والجماعة3، فلا عبرة بمن أنكر ذلك من الملحدين"4.

ثم أجاب رحمه الله على حديث شريك، عن أنس رضي الله عنه، والذي فيه أن الإسراء كان مناماً، فقال رحمه الله: "وما ثبت في الصحيحين من طريق شريك، عن أنس رضي الله عنه أن الإسراء المذكور وقع مناماً5لا ينافي ما ذكرنا مما عليه أهل السنة والجماعة، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة لإمكان أن يكون رأى الإسراء المذكور نوماً، ثم جاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح، فأسرى به يقظة تصديقاً لتلك الرؤيا

1 سورة الصافات، الآية [64] .

2 انظر صحيح البخاري 1/91، 8/77. وصحيح مسلم 1/145 وما بعدها.

3 انظر: عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص80. ولمعة الاعتقاد ص24. وكلام الطحاوي في شرح الطحاوية ص245. والشريعة للآجري ص490. وشرح النووي على صحيح مسلم 2/209.

4 أضواء البيان 3/391-393.

5 حديث شريك أخرجه البخاري في صحيحه 8/203. ومسلم في صحيحه 1/148.

ص: 433

المنامية؛ كما رأى في النوم أنهم دخلوا المسجد الحرام، فجاءت تلك الرؤيا كفلق الصبح، فدخلوا المسجد الحرام في عمرة القضاء عام سبع يقظة لامناماً، تصديقاً لتلك الرؤيا، كما قال تعالى:{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين} الآية1. ويؤيد ذلك حديث عائشة الصحيح: "فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"2، مع أن جماعة من أهل العلم قالوا: إن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ساء حفظه في تلك الرواية المذكورة عن أنس، وزاد فيها ونقص، وقدم وأخر. ورواها عن أنس غيره من الحفاظ على الصواب، فلم يذكروا المنام الذي ذكره شريك المذكور3. وانظر رواياتهم بأسانيدها ومتونها في تفسير ابن كثير4 -رحمه الله تعالى-؛ فقد جمع طرق حديث الإسراء جمعاً حسناً بإتقان"5.

ثالثاً: إخباره عن ترك الإبل، وتعطيلها آخر الزمان:

ذكر الشيخ الأمين رحمه الله حديث أبي هريرة، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال، فلا يقبله أحد "6.

ثم قال رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: "ومحل الشاهد من هذا الحديث الصحيح: قوله صلى الله عليه وسلم: "ولتتركن القلاص فلا

1 سورة الفتح، الآية [27] .

2 أخرجه البخاري في صحيحه 1/3.

3 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 2/209-210. وزاد المعاد لابن القيم 3/42.

4 تفسير القرآن العظيم 3/2-22.

5 أضواء البيان 3/393-394.

6 أخرجه مسلم في صحيحه 1/136.

ص: 434

يسعى عليها"؛ فإنه قسم من النبي صلى الله عليه وسلم أنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها. وهذا مشاهد الآن للاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة. وفي الحديث معجزة عظمى تدل على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم. وإن كانت معجزاته صلوات الله عليه وسلامه أكثر من أن تحصر"1.

وكما قال الشيخ الأمين رحمه الله فإن معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، لكن لما لم يذكر الشيخ الأمين رحمه الله سوى هذه المعجزات، اقتصرت على ما ذكره رحمه الله.

1 أضواء البيان 3/219. وقال الشيخ رحمه الله قبل ذلك، في ص218 عند قوله تعالى: {ويخلق مالا تعلمون} : "وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية، كالطائرات والقطارات والسيارات".

ص: 435