الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوحَى إِلَيَّ} 1. ثم ساق رحمه الله أمثلة ووقائع حصلت للرسل تدل على أنهم لا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه؛ فذكر أولاً أمثلة ووقائع حصلت لرسولنا صلى الله عليه وسلم تدل على أنه لا يعلم الغيب، ثم أتبعها بوقائع حصلت لعدد من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، تدل أيضاً على أنهم لا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه؛ فقال رحمه الله: "لما رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك لم يعلم؛ أهي بريئة أم لا، حتى أخبره الله تعالى بقوله: {أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُون} 2. وقد ذبح إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عجله للملائكة، ولا علم له بأنهم ملائكة حتىأخبروه، وقالوا له:{إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} 3..
ولما جاؤا لوطاً لم يعلم أيضاً أنهم ملائكة، ولذا {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} يخاف عليهم من أن يفعل بهم قومه فاحشتهم المعروفة، حتى قال:{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ، ولم يعلم خبرهم حتى قالوا له:{إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} الآيات4..
ويعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من الحزن على يوسف، وهو في مصر لا يدري خبره حتى أظهر الله خبر يوسف. وسليمان عليه السلام، مع أن الله سخر له الشياطين والريح، ما كان يدري عن أهل مأرب قوم بلقيس حتى جاءه الهدهد، وقال له:{أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} الآيات5. ونوح –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- ما كان يدري أن ابنه الذي غرق ليس من أهله الموعود بنجاتهم، حتى قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي
1 سورة الأنعام، الآية [50] .
2 سورة النور، الآية [26] .
3 سورة هود، الآية [70] .
4 سورة هود، الآيتان [80-81] .
5 سورة النمل، الآيات [22-28] .
مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ} الآية1، ولم يعلم حقيقة الأمر حتى أخبره الله تعالى بقوله:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} 2. وقد قال تعالى عن نوح في سورة هود: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} 3. والملائكة عليهم الصلاة والسلام لما قال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} 4"5.
ثم عقب رحمه الله على هذه الأمثلة بقوله: "فقد ظهر أن أعلم المخلوقات –وهم الرسل-، والملائكة لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى. وهو تعالى يعلم رسله من غيبه ما شاء؛ كما أشار له بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} 6، وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداًإِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول} 7"8.
وقال رحمه الله في موضع آخر: "وقد أطلع الله جلّ وعلا نبينا صلى الله عليه وسلم، على أمور كثيرة من المغيبات، حتى إنه قام ذات يوم يخطب في قومه من بعد صلاة الفجر حتى الظهر، ثم صلى الظهر وقام
1 سورة هود، الآية [45] .
2 سورة هود، الآية [46] .
3 سورة هود، الآية [31] .
4 سورة البقرة، الآيتان [31-32] .
5 أضواء البيان 2/195-196.
6 سورة آل عمران، الآية [179] .
7 سورة الجن، الآيتان [26-27] .
8 أضواء البيان 2/196-197.
يخطب فيهم حتى صلى العصر، ثم قام يخطب حتى صلى المغرب، وذكر أموراً كثيرة هائلة في ذلك اليوم، حفظها من حفظ، ونسيها من نسي1. وقد أخبر الله جلّ وعلا أنه هو المختص بعلم الغيب، حيث نفاه عن كلّ أحد سواه، وأثبته لنفسه، كما قال سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 2"3.
وقد سئل رحمه الله: أيجوز إطلاق علم الغيب على أحد من الرسل الذين أطلعهم الله على بعض المغيبات، كما يطلق على الذي يعلم مسائل الفقه أنه فقيه، أم لايجوز ذلك؟.
فأجاب رحمه الله على هذا السؤال إجابة مفصلة قال فيها: "إن ذلك لايجوز أبداً؛ لأن علم الغيب صفة مختصة بالله تعالى، وقد نفاها عن كل خلقه. وكونه يطلع بعض خلقه على بعض الغيب لا يقتضي أن يوصفوا بما وصف به، وليس هذا من تعظيم الرسل كما يزعم بعضهم، بل إن تعظيم الرسل في نفي علم الغيب عنهم؛ لأنهم هم الذين أخبرونا أن علم الغيب مختص بالله تعالى، وأنهم لا يعلمون إلا ما علمهم به هو. وفرق بعيد بين ما ذكر من كون من يعلم بعض المسائل الفقهية يطلق عليه أنه فقيه، وبين من أطلعه الله على بعض الغيب؛ فإن الأول علم مسائل الفقه بملكة راسخة فيه يستطيع بها أن يصل إلى علم المسائل باستمرار. أما الثاني فلا طريق له إلى الوصول إلى علم الغيب فيه إلا ما أخبره الله به. وهذا آخر الرسل وأفضلهم؛ نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى عنه: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ
1 انظر صحيح مسلم 4/2217.
2 سورة النمل، الآية [65] .
3 معارج الصعود، ص102.
الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1. والله جلّ وعلا يخاطب خلقه بقوله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} 2: فهل فطن الذين يزعمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم كل المغيبات لهذه الآيات وأمثالها مما يصعب حصره، ثم هو صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في آخر حياته يقول: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" 3. وقد سبق أن الله تعالى أطلعه على كثير من المغيبات، ومما أخبر به ووقع ما جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:"والذي نفسي بيده لتتركن القلاص4 فلا يسعى عليها "5. ومن أكثر الناس حفظاً ورواية لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من المغيبات: حذيفة وأبو هريرة رضي الله عنهما" 6.
1 سورة الأعراف، الآية [188] .
2 سورة الإسراء، الآية [85] .
3 أخرجه البخاري في صحيحه 8/128. ومسلم في صحيحه 2/879، من حديث عائشة رضي الله عنها.
4 القلوص من النوق: الشابة. وهي من النوق بمنزلة الجارية من النساء. وجمعها قُلُص –بضمتين-، وقلائص. وجمع القبص: قلاص. (مختار الصحاح للرازي، ص548) .
5 أخرجه مسلم في صحيحه 1/136، من حديث أبي هريرة، وقد ذكره الشيخ الأمين رحمه الله بالمعنى، وليس فيه: والذي نفسي بيده.
6 معارج الصعود، ص103-104. وانظر: المصدر نفسه، ص112. وأضواء البيان 2/340. ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب –الملحق بأضواء البيان 10/302.
المطلب الثالث: عصمة الأنبياء
الله سبحانه وتعالى اصطفى لرسالته وتبليغها أفضل خلقه، وأكملهم خِلقاً وخُلقاً، وعصمهم من الزلات والخطايا، وبرأهم من كل عيب مَشين، حتى يؤدوا أمانة الوحي إلى أممهم.
والأنبياء هم قدوة البشر، وطرق الهدى، ومصابيح الدجى، فهم الهداة الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم، قال تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} 1، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 2.
وقد أوضح الشيخ الأمين –رحمه الله هذه المسألة، وأبان التفصيل فيها مبيناً الإجماع على القول بعصمتهم في التبليغ، وذاكراً الخلاف في عصمتهم من الصغائر، ومؤكداً أن الصغائر إذا صدرت منهم فإنهم سرعان ما يتوبون إلى الله وينيبون إليه، فتكون كأن لم تكن، وينالون بذلك منزلة أعلى من منزلتهم السابقة، فقال رحمه الله: "واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ. واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافاً مشهوراً معروفاً في الأصول. ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله
1 سورة الأنبياء، الآية [73] .
2 سورة الأنعام، الآية [90] .
حتى يبلغوا درجة أعلى من درجة من لم يقع منه ذلك، كما قال هنا:{وعصى آدم ربه فغوى} ، ثم أتبع ذلك بقوله:{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} 1"2.
وقال رحمه الله في موضع آخر بعد أن ذكر أقوال العلماء في عصمة الأنبياء: "الذي يظهر لنا أن الصواب في هذه المسألة أن الأنبياء –صلوات الله وسلامه عليهم- لم يقع منهم ما يزري بمراتبهم العلية ومناصبهم السامية، ولا يستوجب خطأ منهم ولا نقصاً فيهم صلوات الله وسلامه عليهم. ولو فرضنا أنه وقع منهم بعض الذنوب فإنهم يتداركون ما وقع منهم بالتوبة والإخلاص وصدق الإنابة إلى الله، حتى ينالوا بذلك أعلى الدرجات، فتكون بذلك درجاتهم أعلى من درجة من لم يرتكب شيئاً من ذلك. ومما يوضح هذا قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} 3فانظر أي أثر يبقى للعصيان والغي بعد توبة الله عليه واجتبائه، أي اصطفائه إياه وهدايته له. ولاشك أن بعض الزلات ينال صاحبها بالتوبة منها درجة أعلى من درجته قل ارتكاب تلك الزلة. والعلم عند الله تعالى"4.
وقول الشيخ الأمين –رحمه الله مطابق تمام المطابقة لما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي قال: "الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه..–إلى أن قال رحمه الله:
1 سورة طه، الآيتان [121-122] .
2 أضواء البيان 4/522-523.
3 سورة طه، الآيتان [121-122] .
4 أضواء البيان 4/538.
وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ الرسالة فللناس فيه نزاع..والقول الذي عليه جمهور الناس –وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف- إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقاً"1.
1 فتاوى شيخ الإسلام 10/289-293. وانظر المصدر نفسه 4/319-320، 15/147-148.
المطلب الرابع: أولو العزم من الرسل
أشار الشيخ الأمين –رحمه الله إلى أن أولي العزم من الرسل خمسة، هم المذكورون في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} 1.
ولم يرتض رحمه الله قول من قال: إنهم جميع الرسل، بل قال عند تفسير قوله تعالى:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} 2: "اختلف العلماء في المراد بأولي العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة اختلافاً كثيراً، وأشهر الأقوال في ذلك أنهم خمسة، وهم الذين قدمنا ذكرهم في الأحزاب، والشورى؛ وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وعلى هذا القول فالرسل الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبروا أربعة، فصار هو صلى الله عليه وسلم خامسهم. واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن لفظة "من" في قوله: {مِنَ الرُّسُلِ} بيانية3يظهر أنه خلاف التحقيق، كما دل على ذلك بعض الآيات القرآنية: كقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} الآية4، فأمر الله جل وعلا نبيه في آية القلم هذه بالصبر، ونهاه عن أن يكون مثل يونس؛
1 سورة الأحزاب، الآية [7] .
2 سورة الأحقاف، الآية [35] .
3 انظر: لوامع الأنوار البهية 2/299، فقد ذكر اختلاف العلماء في تحديد أولي العزم من الرسل، ونقل عن ابن زيد قوله: إنهم جميع الرسل.
4 سورة القلم، الآية [48] .
لأنه هو صاحب الحوت. وكقوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} 1. فآية القلم، وآية طه المذكورتان، كلتاهما تدل على أن أولي العزم من الرسل الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل، والعلم عند الله تعالى"2.
وما قرره الشيخ الأمين –رحمه الله هو المشهور عند العلماء. قال السفاريني3-رحمه الله: "أهل العزم: أي أهل الثبات والجد من الرسل، وهم على المشهور: إبراهيم الخليل، وموسى الكليم، وعيسى الروح، ونوح النجي، فيكونون خمسة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} 4، فإنهم أصحاب الشرائع، وقدم نبينا صلى الله عليه وسلم تعظيماً له، وتكريماً لشأنه. وهؤلاء الذين اجتهدوا في تأسيس الشرائع وتقريرها، وصبروا على تحمل المشاق من قومهم، ومعاداة الطاغين فيها"5.
1 سورة طه، الآية [115] .
2 أضواء البيان 7/408. وانظر المصدر نفسه 4/523، 6/572.
3 تقدمت ترجمته.
4 سورة الأحزاب، الآية [7] .
5 لوامع الأنوار البهية 2/299.
المطلب الخامس: هل آدم رسول أم نبي؟
وردت في القرآن أدلة تشعر بأن آدم عليه السلام هو أول الرسل، مثل قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 1. وقوله تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} 2، وقوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} 3.
قال الإمام الطبري4-رحمه الله في تفسيره: "لأن آدم كان هو النبي صلى الله عليه وسلم أيام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده، فغير جائز أن يكون معنياً –وهو الرسول- صلى الله عليه وسلم بقوله: "فإما يأتينكم مني هدى" خطاباً له ولزوجته: فإما يأتينكم مني هدى، أنبياء ورسل إلا على ما وصفت من التأويل"5.
وقال القرطبي6-رحمه الله: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم: أنبي مرسل هو؟ فقال: "نعم، نبي مكلم" 7، قال ابن عطية8:
1 سورة النحل، الآية [36] .
2 سورة طه، الآية [122] .
3 سورة البقرة، الآية [38] .
4 تقدمت ترجمته.
5 جامع البيان 1/247.
6 تقدمت ترجمته.
7 أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي أمامة، ولفظه: أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: نعم، مكلم". (الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 8/24) .
8 هو العلامة أبومحمد عبد الحق بن أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الأندلسي. كان إماماً في الفقه والتفسير واللغة العربية. ولد سنة [480هـ]، وتوفي سنة [541هـ] . (انظر: سير أعلام النبلاء 19/586. والأعلام 3/282 إلا أنه ذكر أنه ولد سنة [481هـ] ، وتوفي سنة [542هـ] ) .
على الفطرة لم يصدر منهم كفر فأطاعوه. ونوح هو أول رسول أرسل لقوم كافرين ينهاهم عن الإشراك بالله تعالى، ويأمرهم بإخلاص العبادة له وحده. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية1؛ أي على الدين الحنيف، أي حتى كفر قوم نوح. وقوله:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} الآية2، والله أعلم."3.
وهذا جمع حسن، وفق الشيخ رحمه الله من خلاله بين أدلة الفريقين، ولم يرجح قول أحدهما على الآخر.
وللشيخ حافظ حكمي4-رحمه الله كلام مماثل للوجه الأخير من كلام الشيخ الأمين –رحمه الله، قال فيه:"إن نوحاً أول الرسل والنبيين بعد الاختلاف، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} 5؛ لأن أمته أول من اختلف وغير وبدل، كما قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ} 6، وإلا فآدم قبله كان نبياً رسولاً، وكان الناس أمة واحدة على دينه"7.
1 سورة يونس، الآية [19] .
2 سورة البقرة، الآية [213] .
3 أضواء البيان (1/286) .
4 هو العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي. إمام وعالم سلفي. ولد سنة [1342?] بقرية السلام بالقرب من جيزان. كان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم. توفي سنة [1377?] .
(انظر: الأعلام 2/159. والمستدرك على معجم المؤلفين، ص 183) .
5 سورة النساء، الآية [163] . .
6 سورة غافر، الآية [5] .
7 معارج القبول 2/98.
المطلب الخامس: هل آدم رسول أم نبي
؟
…
"وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصية موسى"1.
وفي المقابل وردت أدلة تثبت أن آدم عليه السلام لم يكن رسولاً، منها: قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} 2، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة:"فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض" 3، وقوله صلى الله عليه وسل:" أول نبي أرسل نوح"4.
وقد جمع الشيخ الأمين –رحمه الله بين هذين القولين؛ فقال رحمه الله: "والظاهر أنه لا طريق للجمع إلا من وجهين؛ الأول: أن آدم أرسل لزوجه وذريته في الجنة، ونوح أول رسولٍ أُرْسِلَ في الأرض. ويدل لهذا الجمع ما ثبت في الصحيحين وغيرهما، ويقول: "ولكن ائتوا نوحاً؛ فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" الحديث5، فقوله: "إلى أهل الأرض" لو لم يرد به الاحتزاز عن رسول بعث لغير أهل الأرض لكان ذلك الكلام حشواً، بل يفهم من مفهوم مخالفته ما ذكرنا، ويستأنس له بكلام ابن عطية6"7.
ثم ذكر رحمه الله الوجه الثاني، فقال: "إن آدم أرسل إلى ذريته وهم
1 الجامع لأحكام القرآن 3/172.
2 سورة البقرة، الآية [213] .
3 انظر صحيح مسلم 1/184-185.
4 رواه الديلمي في مسنده، وضعف الألباني إسناده، وقال:"لكن الحديث صحيح؛ فإن له شاهداً قويا عن أبي هريرة مرفوعاً". (انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/280) .
5 أخرجه البخاري في الصحيح 8/172. ومسلم في الصحيح 1/184.
6 انظر الجامع لأحكام القرآن 3/172.
7 أضواء البيان 1/286.