الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج
؟
ذكر الشيخ الأمين رحمه الله أنّ الصحابة اختلفوا في هذه المسألة؛ فقال: (اختلف العلماء: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء بعين رأسه أو لا؟ فقال ابن عباس وغيره: رآه بعين رأسه. وقالت عائشة وغيرها: لم يره. وهو خلاف مشهور بين أهل العلم معروف)1.
وقد جمع الشيخ رحمه الله بين هذه الأقوال، مرجحا عدم رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه سبحانه وتعالى، واعتمد في هذا الجمع والترجيح علي نصّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، فقال رحمه الله: "التحقيق الذي دلت عليه نصوص الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لم يره بعين رأسه. وما جاء عن بعض السلف من أنه رآه: فالمراد به الرؤية بالقلب، كما في صحيح مسلم2: أنه رآه بفؤاده مرتين لابعين الرأس3.
ومن أوضح الأدلة على ذلك: أنّ أبا ذر رضي الله عنه، وهو هو في صدق اللهجة سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة بعينها، فأفتاه بما مقتضاه أنه لم يره"4.
ثم ذكر حديث أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: " نور أنّى أراه "5. وذكر رواية أخرى
1 أضواء البيان 3/399.
2 أخرجه مسلم في الصحيح 1/158.
3 أخرجه مسلم في الصحيح 1/158.
4 أضواء البيان 3/399.
5 أضواء البيان 6/288-289.
لهذا الحديث عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: "رأيت نورا"1.
ثمّ ختم هذه المسألة بقوله: "والتحقيق الذي لاشك فيه هو أنّ معنى الحديث هو ما ذكر من كونه لايتمكن أحد من رؤيته لقوة النور الذي هو حجابه. ومن أصرح الأدلة على ذلك أيضا: حديث أبي موسى المتفق عليه: "حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"2، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "نور أنى أراه "3؛ أي كيف أراه وحجابه نور، ومن صفته أنه لو كشفه لأحرق ما انتهى إليه بصره من خلقه"4.
وبهذا الجمع بين الروايات ينتفي التعارض، وتتم الموافقة بين الأدلة، ويتضح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير ربه جل وعلا بعيني رأسه، بل كانت الرؤية قلبية.
وقد قال بهذا الجمع عدد غفير من أئمة السلف رحمهم الله؛ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي قال: "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين"5.
وعائشة أنكرت الرؤية؛ فمن الناس من جمع بينهما، فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد. والألفاظ الثابتة عن ابن
1 أخرجه مسلم في الصحيح 1/161.
2 صحيح مسلم 1/161.
3 أخرجه مسلم في الصحيح 1/161-162.
4 أخرجه مسلم في الصحيح 1/161-162.
5 أضواء البيان 3/400.
عباس هي مطلقة ومقيدة بالفؤاد؛ تارة يقول: رأى محمد ربه، وتارة يقول: رآه محمد.
ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأنه رآه بعينه. وكذلك الإمام أحمد تارة يطلق الرؤية، وتارة يقول: رآه بفؤاده. ولم يقل أحد أنه سمع أحمد يقول رآه بعينه، لكن طائفة من أصحابه سمعوا بعض كلامه المطلق ففهموا منه رؤية العين، كما سمع بعض الناس مطلق كلام ابن عباس ففهم منه رؤية العين. وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة ولا في الكتاب والسنة ما يدلّ على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدلّ: كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه" 1،2.
1 أخرجه مسلم 1/158.
2 الفتاوى 6/509-510.