الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم
اهتم الشيخ الأمين رحمه الله ببيان خطورة الغلو في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وخلع بعض صفات الألوهية أو الربوبية عليه. وقد وصف فاعل ذلك بأنه من أعداء الله ورسوله، ومن الكاذبين في ادعائهم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالمقابل نهى عن الاستخفاف برسول الله والاستهزاء به وترك تعظيمه بما هو أهله. وبين أن ذلك كفر مخرج من الملة؛ إذ كلا الطرفين ذميم.
وقد أكد الشيخ رحمه الله أن الواجب في حقه احترامه عليه السلام بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ووصفه بما يليق به لكونه بشر اختصه الله تعالى بالرسالة؛ فقال رحمه الله:"اعلم أن عدم احترام النبي صلى الله عليه وسلم المشعر بالغض منه أو تنقصه صلى الله عليه وسلم والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله. وقد قال تعالى في الذين استهزءّوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 1"2.
ثم أشار رحمه الله إلى الطرف الآخر؛ وهو الغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه، فقال: "واعلم أن كل عاقل إذا رأى رجلاً متديناً في زعمه،
1 سورة التوبة، الآية [65] .
2 أضواء البيان 7/617-618.
مدعياً حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وهو يعظم النبي صلى الله عليه وسلم ويمدحه بأنه هو الذي خلق السموات والأرض، وأنزل الماء من السماء، وأنبت به الحدائق ذات البهجة. وأنه صلى الله عليه وسلم، هو الذي جعل الأرض قراراً، وجعل خلالها أنهاراً، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزاً
…
فإن ذلك العاقل لايشك في أن ذلك المادح المعظم في زعمه من أعداء الله ورسوله، المتعدين لحدود الله"1.
وقد سئل رحمه الله: هل العالم كله مخلوق ومرزوق من بركة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بأن الحكم التي خلق من أجلها العالم ورزق، كلها إلهية ربانية، لا نبوية. ثم ساق البراهين والأدلة من القرآن الكريم، والتي تنص على أن الله خلق الخلق لعبادته
…
إلى أن قال رحمه الله في آخر الجواب: "وعلى كل حال فسيدنا وسيد الخلائق كلها محمد صلى الله عليه وسلم أعطاه الله جل وعلا من التشريف والتعظيم والتكريم وعلو الشأن في العالم العلوي والسفلي مما هو ثابت في كتاب الله والسنة الصحيحة ما هو في أشد الغنى عن ادعاء تعظيمه بأمور لا أساس لها، ولا مستند لها البتة، ولم يقل صلى الله عليه وسلم حرفاً منها. فعلى المسلم أن يتثبت ويتحفظ، وألا يقول على نبينا صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا بعد ثبوت صحته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم روى عنه سبعون من أصحابه، أنه قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" 2. وعلى كل حال، فمن المعلوم الواضح أنه لا ينبغي لأحد أن يقول: إن فرعون، وهامان، وقارون، وعاقر ناقة صالح، وأبا جهل، وأمية بن خلف، ونحوهم من أئمة الكفر خلقوا من بركة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وكذلك
1 المصدر نفسه 7/624. (وأن ذلك المدح شرك في الربوبية والألوهية معاً) .
2 أخرجه مسلم في صحيحه 1/10، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
سائر المشركين والكفار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خير كله، ولا ينشأ عنه إلا خير محض، كما لا يخفى"1.
ثم أرشد رحمه الله إلى الواجب على المسلم من معرفة حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المحبة الصادقة والتعظيم المطلوب من العباد لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال:"فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومة الجهل، وأن نعظم ربنا بامتثال أمره، واجتناب نهيه، وإخلاص العبادة له، وتعظيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتباعه والاقتداء به في تعظيم الله والإخلاص له، والاقتداء به في كل ما جاء به. وألا نخالفه صلى الله عليه وسلم ولا نعصيه، وألا نفعل شيئاً يشعر بعدم التعظيم والاحترام؛ كرفع الأصوات قرب قبره صلى الله عليه وسلم. وقصدنا النصيحة والشفقة لإخواننا المسلمين ليعملوا بكتاب الله، ويعظموا نبيه صلى الله عليه وسلم التعظيم الموافق لما جاء به صلى الله عليه وسلم، ويتركوا ما يسميه الجهلة محبة وتعظيماً، وهو في الحقيقة احتقار وازدراء وانتهاك لحرمات الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} "2 3.
وقد أوضح رحمه الله أن المحبة الصحيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي التي تبعث على الاقتداء بهديه، والاتباع لسنته، وترك ما يخالف سبيله عليه السلام، فقال رحمه الله: "إن علامة المحبة الصادقة لله
1 نقلاً عن رسالة مخطوطة صغيرة الحجم، هي عبارة عن جواب لسؤال ورد عليه من أحد أمراء بلاد شنقيط، يسأله: هل الخلق مخلوق ومرزوق ببركة النبي صلى الله عليه وسلم؟. وقد توسع رحمه الله في الإجابة عن هذا السؤال، والمخطوطة تقع في إحدى عشرة صفحة.
2 سورة النساء، الآيتان [123-124] .
3 أضواء البيان 7/625.
ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه صلى الله عليه وسلم. فالذي يخالف ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محباً له لأطاعه. ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة، ومنه قول الشاعر:
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحبّ لمن يحب مطيع "1.
فالشيخ الأمين رحمه الله يرشد إخوانه المسلمين إلى عدم الإفراط أو التفريط في تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعطى صفات الألوهية، ولا ينقص قدره وحقه من الاحترام والمحبة التي من أبرز علاماتها الاتباع لشرعه وترسم خطاه، والسير على هديه عليه الصلاة والسلام.
1 أضواء البيان 1/340. انظر: ديوان الشافعي ص92.