المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: بقاء النار، والرد على من قال بفنائها - جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف - جـ ٢

[عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الطويان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: جهوده في توضيح بقية أركان ومباحث الإيمان (تابع)

- ‌الفصل الثالث: جهود الشيخ الأمين –رحمه الله في توضيح النبوات

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالأنبياء

- ‌المطلب الأول: دعوة الأنبياء واحدة

- ‌المطلب الثاني: الرسل لا يعلمون الغيب

- ‌المطلب الثالث: عصمة الأنبياء

- ‌المطلب الرابع: أولو العزم من الرسل

- ‌المطلب الخامس: هل آدم رسول أم نبي

- ‌المبحث الثاني: حقيقة الخضر

- ‌المطلب الأول: هل الخضر نبي أو ولي

- ‌المطلب الثاني: هل الخضر حيّ أم ميت

- ‌المبحث الثالث: الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌لمطلب الأول: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: احترام الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الرابع: حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في البرزخ

- ‌المبحث الرابع: معجزات الأنبياء

- ‌المطلب الأول: من معجزات رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: من معجزات موسى عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: من معجزات صالح عليه السلام

- ‌الفصل الرابع: جهود الشيخ الأمين رحمه الله في توضيح عقيدة السلف في اليوم الآخر

- ‌المبحث الأول: بعض أشراط الساعة

- ‌المطلب الأول: بعض العلامات الصغرى

- ‌المطلب الثاني: نزول عيسى عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: خروج يأجوج ومأجوج

- ‌المبحث الثاني: القبر

- ‌المطلب الأول: عذاب القبر

- ‌المطلب الثاني: سماع الموتى

- ‌المبحث الثالث: البعث

- ‌المطلب الأول: براهين البعث

- ‌المطلب الثاني: الحشر

- ‌المبحث الرابع: الميزان

- ‌المبحث الخامس: الصراط

- ‌المبحث السادس: الجنة

- ‌المطلب الأول: نعيم الجنة

- ‌المطلب الثاني: رؤية المؤمنين ربهم في الجنة

- ‌المطلب الثالث: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج

- ‌المبحث السابع: النار

- ‌المطلب الأول: النار، وعذابها

- ‌المطلب الثاني: بقاء النار، والردّ على من قال بفنائها

- ‌الفصل الخامس: جهود الشيخ الأمين في توضيح الإيمان بالقدر

- ‌المبحث الأول: بيانه لمراتب القدر

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية

- ‌المبحث الثالث: الهداية

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد بين الإفراط والتفريط

- ‌المطلب الأول: وسطية أهل السنة والجماعة في أفعال العباد

- ‌المطلب الثاني: موقف الشيخ الأمين من الجبرية

- ‌المطلب الثالث: موقف الشيخ الأمين رحمه الله من القدرية النفاة

- ‌الفصل السادس: حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الأول: تعريف الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الإسلام والإيمان

- ‌المبحث الثالث: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الرابع: مراتب المؤمنين

- ‌المبحث الخامس: الكبائر

- ‌لمبحث السادس: حكم أهل الفترة

- ‌الفصل السابع: جهود الشيخ الأمين في توضيح مباحث الإمامة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: بقاء النار، والرد على من قال بفنائها

‌المطلب الثاني: بقاء النار، والردّ على من قال بفنائها

دلّ الكتاب والسنة على أبدية النار، وبقاء مَنْ فيها ممن يستحق البقاء تحت أنواع العذاب. أما الموحدون فلا بدّ من خروجهم منها برحمة أرحم الراحمين.

والآيات والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة؛ منها قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} 1، وقال تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 2، وقال تعالى:{لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} 3.

ومن الأحاديث حديث الشفاعة الطويل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "

ثمّ أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود" 4.

وقال صلى الله عليه وسلم: " يدخل الله أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، ثمّ يقوم مؤذن بينهم، فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كلّ خالد فيما هو فيه "5.

وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أما أهل النار

1 سورة الأحزاب، الآيتان [64-65] .

2 سورة المائدة، الآية [37] .

3 سورة فاطر، الآية [36] .

4 أخرجه البخاري في صحيحه 5/147.

5 أخرجه مسلم في صحيحه 4/2189.

ص: 518

الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون. ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم –أو قال بخطاياهم- فأماتهم الله إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة

" 1.

وقد أوضح الشيخ الأمين –رحمه الله هذه المسألة، ودرسها من جوانب عدة في معرض تفسيره لبعض الآيات المتعلقة بالموضوع؛ فقد أشار في مواضع إلى بقاء أهل النار وعدم موتهم، وذكر الأدلة على ذلك. وأكد في مواضع أخرى عدم خروج الكفار من النار، بل خلودهم الأبدي فيها. وأفاض رحمه الله في أماكن متفرقة في تقرير عدم فناء النار، وردّ على من قال بذلك.

ومن كلامه يرحمه الله في عدم موت أهل النار، ما قاله عند تفسير قوله تعالى:{َنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} 2:

"وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} دليل على أنهم لا يجابون إلى الموت بل يمكثون في النار معذبين إلى غير نهاية. وقد دلّ القرآن العظيم على أنهم لا يموتون فيها فيستريحوا بالموت، ولا تفنى هي عنهم، ولا يخفف عنهم عذابها، ولا يخرجون منها. أما كونهم لا يموتون فيها: فالذي دلّ عليه قوله هنا: {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} 3قد دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 4، وقوله تعالى:{وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 5، وقوله تعالى:

1 أخرجه مسلم في صحيحه 1/172.

2 سورة الزخرف، الآية [77] .

3 سورة الزخرف، الآية [77] .

4 سورة طه، الآية [74] .

5 سورة الأعلى، الآيات [11-13] .

ص: 519

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} الآية1، وقوله تعالى:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} الآية2"3.

وقال رحمه الله في موضع آخر: "وقال تعالى في عدم موتهم في النار: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 4، وقال تعالى:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} 5، وقال تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب} 6.

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 7. وقال تعالى: {ويتجنبها الأشقى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 8، ولما قالوا: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} 9أجابهم بقوله: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} 10، 11.

ثم ذكر الشيخ الأمين –رحمه الله الأدلة على عدم خروج أهل النار: فقال: "وأما كونهم لا يخرجون منها: فقد جاء موضحا في آيات من كتاب الله؛ كقوله تعالى في البقرة: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} 12، وقوله تعالى في المائدة:{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيم} 13، وقوله

1 سورة فاطر، الآية [36] .

2 سورة إبراهيم، الآية [17] .

3 أضواء البيان 7/285-286.

4 سورة فاطر، الآية [36] .

5 سورة إبراهيم، الآية [17] .

6 سورة النساء، الآية [56] .

7 سورة طه، الآية [74] .

8 سورة الأعلى، الآيات [11-13] .

9 سورة الزخرف، الآية [77] .

10 سورة الزخرف، الآية [77] .

11 أضواء البيان 7/93.

12 سورة البقرة، الآية [167] .

13 سورة المائدة، الآية [37] .

ص: 520

تعالى في الحج: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} الآية1، وقوله تعالى في السجدة:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} 2.

وقوله تعالى في الجاثية: {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} 3إلى غير ذلك من الآيات" 4.

أما كلامه رحمه الله عن بقاء النار، وعدم فنائها: فقد أطال النفس فيه جدا، وناقش من قال بفنائها بالأدلة السمعية والمنطقية، وتعقب أدلتهم وأسقطها، وأوضح معنى الآيات التي توهم فناء النار، مبينا أن لا دلالة فيها على ذلك.

قال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} 5: "هذه الآية الكريمة يفهم منها كون عذاب أهل النار غير باق بقاء لا انقطاع له أبدا.

ونظيرها قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} 6، وقوله تعالى:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} 7. وقد جاءت آيات تدلّ على أنّ عذابهم لا انقطاع له؛ كقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدا} 8، 9.

1 سورة الحج، الآية [22] .

2 سورة السجدة، الآية [20] .

3 سورة الجاثية، الآية [35] .

4 أضواء البيان 7/286.

5 سورة الأنعام، الآية [128] .

6 سورة هود، الآيتان [106-107] .

7 سورة النبأ، الآية [23] .

8 سورة النساء، الآية [169] .

9 دفع إيهام الاضطراب-الملحق بأضواء البيان 10/122.

ص: 521

ثم ذكر الشيخ رحمه الله الجواب عن هذا الإشكال، دافعا التعارض، ونافيا التوهم، ومبينا أنّ هذه الآيات يمكن أن تحمل على أحد ثلاثة أوجه؛ فقال مبينا هذه الأوجه:

أحدهما: أنّ قوله تعالى: {إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} 1؛ معناه: إلا ما شاء الله عدم خلوده فيها من أهل الكبائر من الموحدين. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنّ بعض أهل النار يخرجون منها، وهم أهل الكبائر من الموحدين. ونقل ابن جرير هذا القول عن قتادة2، والضحاك3، وأبي سنان4، وخالد بن معدان5، واختاره ابن جرير. وغاية ما في هذا القول: إطلاق "ما"، وإرادة "من"، ونظيره في القرآن:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 6.

الثاني: أنّ المدة التي استثناها الله هي المدة التي بين بعثهم من قبورهم واستقرارهم في مصيرهم قاله ابن جرير أيضا.

الوجه الثالث: أنّ قوله: {إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} 7فيه إجمال، وقد جاءت الآيات والأحاديث الصحيحة مصرحة بأنهم خالدون فيها أبدا، وظاهرها أنه خلود لا انقطاع له. والظهور من المرجحات، فالظاهر مقدم على المجمل كما تقرر في الأصول"8.

1 سورة الأنعام، الآية [128] .

2 تقدمت ترجمته.

3 هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبومحمد؛ صاحب التفسير تابعي جليل. توفي سنة (102?) .

انظر: سير أعلام النبلاء 4/598. والبداية والنهاية 9/231) .

4 هو ضرار بن مرة الكوفي الشيباني. إمام ثقة فاضل. توفي سنة (132?) . (تهذيب التهذيب 4/457) .

5 هو الإمام أبوعبد الله خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي الحمصي. تابعي جليل، شيخ أهل الشام. توفي سنة (103?) .

(انظر: سير أعلام النبلاء 4/536. والبداية والنهاية 9/239) .

6 سورة النساء، الآية [3] .

7 سورة الأنعام، الآية [128] .

8 دفع إيهام الاضطراب-الملحق بالأضواء 10/123.

ص: 522

وفي موضع آخر قال في الجمع بين هذه الآيات: "والجواب الحقّ أنّ أهل النار الكفرة خالدون فيها خلودا لا انقطاع له البتة.

"والاستثناء بالمشيئة كما صرح به في أهل النار صرح به كذلك في أهل الجنة، مع أنه لا يقول أحد ممن يقول بانقطاع النار بانقطاع الجنة؛ كما قال تعالى هنا في سورة هود: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 1؛ وهذه المشيئة مجملة، لم نعرف ما أخرجته. والأدلة المنفصلة وضحت أنّ المشيئة اقتضت الخلود الأبدي؛ كما قال تعالى في أهل الجنة: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} 2، وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} 4، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} 5، وقال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} 6، وقال تعالى: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} 7، والفعل بعد كلما يتكرر بتكررها: فمن ادعى خبوة للنار نهائية تفنى بها ليس بعده سعير، يردّ عليه بهذه الآية. ولو قيل للعبد: كلما جاء أحد أكرمه لزمه ذلك، ولا حقّ له أن يتعذر بأنه لم يفهم التكرار"8.

1 سورة هود، الآية [108] .

2 سورة ص، الآية [54] .

3 سورة النحل، الآية [96] .

4 سورة الزخرف، الآيتان [74-75] .

5 سورة الفرقان، الآية [65] .

6 سورة البقرة، الآية [162] .

7 سورة الإسراء، الآية [97] .

8 معارج الصعود ص255، هذا ولم يشر الشيخ رحمه الله إلى الوجهين السابقين، مما يدلّ على أنّ الوجه الثالث هو الراجح عنده، فاقتصر على ذكره.

ص: 523

أما قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} 1: فليست دالة على فناء النار كما زعم من قال بفنائها، وقد ذكر الشيخ الأمين أنها لا تدلّ على ذلك من عدة أوجه، أظهر هذه الأوجه عنده بينه في قوله:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} : متعلق بما بعده؛ أي لابثين فيها أحقابا في حال كونهم لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذبوا بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق. ويدلّ لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في قوله:{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} 2 3، أما مناقشته رحمه الله لمن قال بفناء النار: فقد أورد عليهم رحمه الله بالتقسيم والسبر خمس حالات تكون عليها النار، ويكون عليها أهلها، ثمّ أجاب عن أربع حالات منها بما يدلّ على بطلانها مؤيدا إجابته بآيات قرآنية؛ فقال رحمه الله: "إنّ المقام لا يخلو من إحدى خمس حالات بالتقسيم الصحيح، وغيرها راجع إليها:

الأولى: أن يقال بفناء النار، وأنّ استراحتهم من العذاب بسبب فنائها.

الثانية: أن يقال إنهم ماتوا وهي باقية.

الثالثة: أن يقال إنهم أخرجوا منها وهي باقية.

الرابعة: أن يقال إنهم باقون فيها إلا أنّ العذاب يخفّ عليهم، وذهاب العذاب رأسا واستحالته لذة فاكتفينا به لدلالة نفيه على نفيهما.

وكل هذه الأقسام الأربعة يدل القرآن على بطلانه"4.

وقد أجاب رحمه الله على الحالة الأولى بقوله: "أما فناؤها: فقد نصّ تعالى على عدمه بقوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} 5.

1 سورة النبأ، الآية [23] .

2 سورة ص، الآيتان [57-58] .

3 دفع إيهام الاضطراب-الملحق بالأضواء 10/307.

وانظر معارج الصعود ص256؛ فقد ذكر فيه الشيخ الأمين –رحمه الله هذا الوجه فقط.

4 دفع إيهام الاضطراب (الملحق بالأضواء 10/124) .

5 سورة الإسراء، الآية [97] .

ص: 524

وقد قال تعالى: {إِلاّ مَا شَاءَ رَبُّك} 1 في خلود أهل الجنة وخلود أهل النار، وبين عدم الانقطاع في خلود أهل الجنة بقوله:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 2، وبقوله:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} 3، وقوله:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} 4.وبين عدم الانقطاع في خلود أهل النار بقوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} 5.

فمن يقول إنّ للنار خبوة ليس بعدها زيادة سعير: ردّ عليه بهذه الآية الكريمة. ومعلوم أنّ "كلما" تقتضي التكرار بتكرر الفعل الذي بعدها، ونظيرها قوله تعالى:{ُكلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} الآية"6"7.

وأما الحالة الثانية فقد بين الشيخ رحمه الله بطلانها بقوله: "وأما موتهم: فقد نصّ تعالى على عدمه بقوله: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} 8، وقوله: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 9، وقوله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} 10. وقد بين صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنّ الموت يجاء به يوم القيامة في صورة كبش أملح، فيذبح. وإذا ذبح الموت حمل اليقين بأنه لاموت؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: " ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت "11"12.

1 سورة هود، من الآيتين [107-108] .

2 سورة هود، الآية [108] .

3 سورة ص، الآية [54] .

4 سورة النحل، الآية [96] .

5 سورة الإسراء، الآية [97] .

6 سورة النساء، الآية [56] .

7 دفع إيهام الاضطراب 10/125.

8 سورة فاطر، الآية [36] .

9 سورة طه، الآية [74] .

10 سورة إبراهيم، الآية [17] .

11 صحيح البخاري 4/316. وصحيح مسلم 4/2188.

12 دفع إيهام الاضطراب 10/125.

ص: 525

وعن الحالة الثالثة أجاب رحمه الله بقوله: "وأما إخراجهم منها: فنصّ تعالى على عدمه بقوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} 1، وبقوله {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} 2، وبقوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 3"4.

وأما الحالة الرابعة، فقد أجاب عنها رحمه الله بقوله: "وأما تخفيف العذاب عنهم: فنصّ تعالى على عدمه بقوله: {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} 5، وقوله:{فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً} 6، وقوله:{لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُون} 7، وقوله:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} 8، وقوله:{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} 9، وقوله تعالى {لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} 10، وقوله:{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 11. ولا يخفى أنّ قوله: {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} 12، وقوله {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} 13: كلاهما فعل في سياق النفي؛ فحرف النفي ينفي المصدر الكامن في الفعل، فهو في معنى: لا تخفيف للعذاب عنهم، ولاتفتير له. والقول بفنائها يلزمه تخفيف العذاب وتفتيره المنفيان في هذه الآيات، بل يلزمه ذهابهما رأسا، كما أنه يلزمه نفي ملازمة العذاب المنصوص عليها

1 سورة البقرة، الآية [167] .

2 سورة السجدة، الآية [20] .

3 سورة المائدة، الآية [37] .

4 دفع إيهام الاضطراب 10/125.

5 سورة فاطر، الآية [36] .

6 سورة النبأ، الآية [30] .

7 سورة الزخرف، الآية [75] .

8 سورة الفرقان، الآية [65] .

9 سورة الفرقان، الآية [77] .

10 سورة آل عمران، الآية [88] .

11 سورة المائدة، الآية [37] .

12 سورة فاطر، الآية [36] .

13 سورة الزخرف، الآية [75] .

ص: 526

بقوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} 1، وقوله:{إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} 2. وإقامته المنصوص عليها بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 3 فظاهر هذه الآيات عدم فناء النار المصرح به في قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} 4"5.

ثمّ ختم هذه الردود بقوله: "فإذا تبين بهذه النصوص بطلان جميع هذه الأقسام، تعين القسم الخامس الذي هو خلودهم فيها أبدا بلا انقطاع ولا تخفيف بالتقسيم والسبر الصحيح"6.

ثمّ أورد الشيخ الأمين –رحمه الله ما احتج به من قال بفناء النار، فقال: "وما احتج به بعض العلماء7 من أنه لو فرض أنّ الله أخبر بعدم فنائها أنّ

1 سورة الفرقان، الآية [77] .

2 سورة الفرقان، الآية [65] .

3 سورة المائدة، الآية [37] .

4 سورة الإسراء، الآية [97] .

5 دفع إيهام الاضطراب- الملحق بأضواء البيان 10/125-126.

6 المصدر نفسه 10/127.

7 ذكر الشيخ الأمين –رحمه الله أنّ ممن قال بذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح (انظر معارج الصعود ص255) . وقد نبه د/عبد الله قادري: تلميذ الشيخ الأمين على أنّ ابن القيم رحمه الله لم يجزم بفناء النار، وإنما ساق أدلة القائلين بذلك موضحا أوجه استدلالهم. ومن عادته رحمه الله أنه إذا ذكر اختلاف العلماء بين أدلتهم ووجهها حتى كأنه هو صاحب القول، وإن كان في الواقع لم يجزم به، أو كان على خلافه. ثم ذكر د/عبد الله القادري دليلين على عدم قول ابن القيم بفناء النار: الأول: قوله بعد ذكر الآراء في فناء النار وبقائها: (فإن قيل: فإلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟ قيل: إلى قوله تعالى: {إنّ ربك فعال لما يريد} ، وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ حيث ذكر دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء، وقال: ثمّ يفعل الله بعد ذلك ما يشاء بل وإلى هنا انتهت أقدام الخلائق) . الأمر الثاني: أنه رحمه الله صرح في كتابه الوابل الصيب أنّ النار كالجنة لا تفنى. وأنّ النار التي تفنى التي يعذب الله فيها عصاة المؤمنين الذين لا يخلدون في النار. وبهذا يعلم أنّ ابن القيم قطع بعدم فناء النار، وأنّ كلامه الذي فيه احتمال؛ في كتاب حادي الأرواح يجب أن يفسر بكلامه الصحيح المبين في كتاب الوابل الصيب. ولا شك أنّ فضيلة شيخنا المفسر لو اطلع على هذا النص من الوابل الصيب لأخذ به في مذهب ابن القيم؛ لأنه صاحب أضواء البيان الذي يفسر القرآن بالقرآن. وكلام الناس يفسر بعضه بعضا. انتهى باختصار من تعليق د/القادري على معارج الصعود ص257.

ص: 527

ذلك لا يمنع فناءها؛ لأنه وعيد، وإخلاف الوعيد من الحسن لا من القبيح. وأنّ الله تعالى ذكر أنه لا يخلف وعده، ولم يذكر أنه لا يخلف وعيده. وأنّ الشاعر قال:

وإني إذا أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي"1.

وقد ردّ رحمه الله على هذه الشبه بقوله: "فالظاهر عدم صحته لأمرين: الأول: أنه يلزم جواز ألا يدخل النار كافر؛ لأن الخبر بذلك وعيد، وإخلافه على هذا القول لابأس به. الثاني: أنه تعالى صرح بحق وعيده على من كذب رسله، حيث قال:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} 2. وقد تقرر في مسلك النص من مسالك العلة أنّ الفاء من حروف التعليل؛ كقولهم: سها فسجد؛ أي سجد لعلة سهوه. وسرق فقطعت يده؛ أي لعلة سرقته. فقوله: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} 3؛ أي وجب وقوع الوعيد عليهم لعلة تكذيب الرسل. ونظيرها قوله تعالى: {إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} 4. ومن الأدلة الصريحة في ذلك: تصريحه تعالى بأنّ قوله لا يبدل فيما أوعد به أهل النار؛ حيث قال: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِمَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} 5. ويستأنس لذلك بظاهر قوله: {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} –إلى قوله- {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} 6، وقوله:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} 7.

1 دفع إيهام الاضطراب 10/126. وانظر معارج الصعود ص255.

2 سورة ق، الآية [14] .

3 سورة ق، الآية [14] .

4 سورة ص، الآية [14] .

5 سورة ق، الآيتان [28-29] .

6 سورة لقمان، الآية [33] .

7 سورة الطور، الآية [7] .

ص: 528

فالظاهر أنّ الوعيد الذي يجوز إخلافه وعيد عصاة المؤمنين؛ لأنّ الله بين ذلك بقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} 1"2.

وفي آخر هذا المبحث أجاب رحمه الله عن شبهة للملاحدة؛ وهي قولهم: "لاشك أنّ ربكم في غاية الإنصاف والعدل، ولكن يشكل عليه الجواب على هذا السؤال، وهو: كيف يكون عصيان الكافر في مدة قليلة جدا، وعذابه يستمر إلى ما لانهاية، مع أنّ مقتضى العدل أن يعذب بقدر ما عصى؟ فأين الإنصاف وأين العدل؟!) ،3؛ فقال رحمه الله: (والجواب أنّ سبب هذا الاستمرار هو ملازمة الخبث لذلك الكافر دائما، وعدم مفارقته له في أيّ حال من الأحوال؛ فهو منطو عليه لا يزول، وباستمرار السبب الذي هو الخبث استمر المسبب الذي هو العذاب. والدليل على استمرار خبثه: قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 4؛ فبديمومة السبب الذي هو الكفر دام المسبب الذي هو العذاب"5.

وقال الشيخ الأمين –رحمه الله في موضع آخر: "ولا غرابة في ذلك؛ لأنّ خبثهم الطبيعي دائم لا يزول، فكان جزاؤهم دائما لا يزول. والدليل على أنّ خبثهم لايزول: قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ} الآية6. فقوله: "خيرا" نكرة في سياق الشرط؛ فهي تعمّ، فلو كان فيهم خير ما في وقت لعلمه الله

وعذاب الكفار للإهانة والانتقام، لا

1 سورة النساء، الآية [116] .

2 دفع إيهام الاضطراب 10/127. وانظر معارج الصعود ص256.

3 معارج الصعود ص258.

4 سورة الأنعام، الآيتان [27-28] .

5 معارج الصعود ص258.

6 سورة الآنفال، الآية [23] .

ص: 529

للتطهير والتمحيص، كما أشار له تعالى بقوله:{وَلا يُزَكِّيهِمْ} 1، وبقوله:{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} 2. والعلم عند الله تعالى"3.

والقول بعدم فناء النار –الذي نصره الشيخ الأمين –رحمه الله ودلل له، وردّ على الشبه التي أوردها المخالفون، وناقشهم مناقشة جادة مبطلا بذلك مذهبهم- هذا القول هو معتقد أهل السنة والجماعة. أما ما نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله من القول بفناء النار فلا يصح؛ إذ لا يوجد في مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله على كثرتها- ما يدلّ على أنه قال بهذا القول، بل تجده دائما يؤكد على عدم فناء النار؛ من ذلك قوله:"وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أنّ من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية؛ كالجنة والنار والعرش، وغير ذلك ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين؛ كجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة وأئمتها"4.

وأما ابن القيم رحمه الله: فقد حقق موقفه د/علي بن علي جابر اليماني؛ حيث قال: "إنّ للعلامة ابن القيم في هذه المسألة ثلاثة مواقف: الأول: الميل5 إلى القول بفناء النار:

1 سورة البقرة، الآية [174] .

2 سورة آل عمران، الآية [178] .

3 دفع إيهام الاضطراب 10/127-128.

4 الفتاوى 18/307.

وقد كتب د/علي بن علي جابر اليماني رسالة في الذبّ عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وردّ ما اشتهر على ألسنة بعض الناس من نسبة القول بفناء النار إليهما. وقد أورد عن شيخ الإسلام ابن تيمية خمسة عشر نصا من كلام ابن تيمية نقلها من كتبه المعتمدة، يؤكد في هذه النصوص كلها على عدم فناء النار.

(انظر كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار ص60-69) .

5 كون الإمام ابن القيم رحمه الله ينصر هذا الوجه على سبيل المناظرة لا يدل على الميل، بل المشهور عنه، الجزم بعدم فنائها.

ص: 530

كونه نصر ذلك بكثرة الوجوه البالغة خمسة وعشرين وجها بأدلتها المحيرة للعقول كما سبق بيانه عن الحادي، ومختصر الصواعق، وشفاء العليل. الثاني: التوقف؛ كما هو صريح كلامه في هذه المراجع المذكورة. الثالث: القول بأبدية النار تلميحا وتصريحا

–إلى أن قال-:

وهذا هو الأخير من كلام ابن القيم رحمه الله كما يبدو لي. والله أعلم"1، ثمّ أيد ذلك بنصوص من كلام العلامة ابن القيم رحمه الله-2.

1 انظر كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ص78-82.

2 انظر كلام ابن القيم في عدم فناء النار والقول بأيديتها في كتبه: الوابل الصيب ص34. وزاد المعاد 1/68. وطريق الهجرتين ص254-255.

ص: 531