الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: حقيقة الإيمان
المبحث الأول: تعريف الإيمان
…
الفصل السادس: حقيقة الإيمان
تمهيد:
المؤمن يعيش في هذه الدنيا مطمئن البال، مرتاح الضمير؛ لأنه ينعم بنعمة الإيمان التي امتنّ الله بها عليه، وامتنّ بها على من يشاء من عباده. أما الذي لم يهتد إلى وحي الله سبحانه وتعالى: فهو يعيش حالة قلق عميق الأثر في نفسه؛ لأنه جاهل لمعنى وجوده في هذه الدار؛ فهو لا يدري لماذا خلق، ومن أجل ماذا يعيش. فسعادة الإنسان في الدارين مبنية على قوة إيمانه بالله تعالى وقربه منه؛ فمن أطاع الله، واستمسك بالعروة الوثقى، وأعرض عن وساوس الشيطان فقد فاز فوزا عظيما.
فبالإيمان ينال العبد الجنة، وبالإيمان ينجو الإنسان من عذاب الله في الدارين.
فالإيمان هو الفاصل بين أهل السعادة وأهل الشقاوة في الدنيا والآخرة.
ففي الدنيا: وعد الله المؤمنين بالنصر، والتمكين، والولاية، والدفاع عنهم، والهداية، والاستخلاف، وعدم تسليط الكافرين عليهم، والرزق الطيب، والعزة، والحياة الطيبة.
وفي الآخرة: تحدث الله تعالى عن حالهم فيها؛ فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
1 سورة العصر، الآيات [1-3] .
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} 1.
وقد أخبر الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه الكريم عن جزاء المؤمنين، وما أعده لهم في الآخرة من الطيبات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
1 سورة الكهف، الآيتان [107-108] .
المبحث الأول: تعريف الإيمان
الإيمان لغة:
قال أهل اللغة1: بأنّ معنى الإيمان في اللغة: التصديق.
وقد ردّ هذا المعنى اللغوي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا فساده من ستة عشر وجها. وحقق أنّ معنى الإيمان في اللغة: الإقرار2.
أما الشيخ الأمين –رحمه الله فالظاهر من كلامه في معنى الإيمان لغة أنه التصديق: يقول رحمه الله: "أما الإيمان اللغوي: فهو يشمل كل تصديق، فتصديق الكافر بأن الله، هو الخالق الرازق يصدق عليه اسم الإيمان لغة مع كفره بالله ولا يصدق عليه اسم الإيمان شرعاً. وإذا حققت ذلك علمت أن الإيمان اللغوي يجامع الشرك فلا إشكال في تقييده به.
وكذلك الإسلام الموجود دون الإيمان في قوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 3؛ فهو الإسلام اللغوي؛ لأنّ الإسلام الشرعيّ لا يوجد ممن لم يدخل الإيمان في قلبه. والعلم عند الله تعالى"4. فالشيخ –رحمه الله يرى أن الإيمان لغة التصديق ولا أثر للخلاف الحاصل في المعنى اللغوي إذ العبرة بالمعنى الشرعي الذي تعبدنا الله به.
1 انظر: الصحاح 5/2071. ولسان العرب 13/21. والمفردات ص26.
2 انظر الفتاوى 7/292-293، 529-531.
3 سورة الحجرات، الآية [14] .
4 أضواء البيان 3/75.
الإيمان شرعا:
من أصول أهل السنة والجماعة: أنّ الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية1.
وقد بين الشيخ الأمين –رحمه الله هذا الأصل العظيم بقوله: "إن الحق الذي لا شك فيه الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان شامل للقول والعمل مع الاعتقاد. وذلك ثابت في أحاديث صحيحة كثيرة؛ منها حديث وفد عبدقيس2المشهور، ومنها حديث: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا" الحديث3؛ فسمى فيه قيام رمضان إيمانا، وحديث: "الإيمان بضع وسبعون شعبة "4، وفي بعض رواياته: " بضع وستون شعبة؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ".
والأحاديث بمثل ذلك كثيرة، ويكفي في ذلك ما أورده البيهقي5في شعب الإيمان"6.
وقال رحمه الله أيضا في موضع آخر: "إنّ مسمى الإيمان الشرعي
1 انظر: الشرح والإبانة على أصول الديانة ص176-177. والدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم ص326. وشرح السنة للبغوي 1/28-31. والعقيدة الواسطية ص178. وشرح العقيدة الطحاوية ص383.
2 قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس"؛ ففسر الإيمان بالأعمال.
أخرجه البخاري في صحيحه 1/19. ومسلم في صحيحه 1/46.
3 أخرجه البخاري في صحيحه 1/14.
4 أخرجه مسلم في صحيحه 1/63، إلا أنّ فيه:"أفضلها" بدل "أعلاها".
5 هو الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي. الحافظ الكبير. كتب الحديث وحفظه في صباه. ولد سنة (384?) ، وتوفي سنة (458?) .
(انظر سير أعلام النبلاء 18/163. وشذرات الذهب 3/304) .
6 أضواء البيان 7/201.
الصحيح، والإسلام الشرعيّ الصحيح: هو استسلام القلب بالاعتقاد، واللسان بالإقرار، والجوارح بالعمل"1.
فالشيخ رحمه الله يؤكد أنه لا يحصل الإيمان الشرعي إلا بالقول والاعتقاد والعمل، لا يكفي واحد من هذه الأمور، بل لابدّ من الإتيان بها جميعا. وهذا ما اتفق عليه السلف رضوان الله عليهم:
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم، وممن أدركناهم يقولون: إنّ الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"2.
وقال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله "أجمع أهل الفقه والحديث على أنّ الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية. والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. والطاعات كلها عندهم تسمى إيمانا"3.
وهذه الأقوال تشعرنا باتباع الشيخ الأمين –رحمه الله لمنهج السلف رحمهم الله في تقرير العقيدة؛ فهو متبع لطريقة السلف غيرمبتدع، وبما قالوا به يقول، وإلى ما ذهبوا إليه يذهب.
كما أكد الشيخ الأمين –رحمه الله أنه عند إطلاق مسمى الإيمان تدخل الأعمال فيه، أما إذا قرن الإيمان بالعمل؛ فالمراد به أصل الإيمان الذي في القلب:
يقول الشيخ رحمه الله: "الإيمان إذا ذكر مفردا: شمل الأعمال. وإذا ذكر معه العمل: انصرف إلى الإيمان الأكبر الذي هو الإيمان القلبي.
1 أضواء البيان 7/636. وانظر المصدر نفسه 6/440، 7/279.
2 الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص196.
3 التمهيد 9/238.
والقلب هو موضع الإيمان، والجوارح تبع له؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب "1"2.
ثمّ ذكر الشيخ الأمين –رحمه الله أنّ للعمل الصالح ثلاثة شروط لابدّ من توفرها حتى يسمى إيمانا؛ فقال رحمه الله: "لا يكون العمل صالحا إلا إذا اجتمعت فيه ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون مطابقا للشرع؛ لأنه لا يقبل عمل غير مطابق لما شرع الله تعالى: كما قال جلّ وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 3.
الثاني: أن يكون العمل مخلصا لله تعالى: بأن قصد به صاحبه وجه الله، ونقاه من شوائب إرادة المخلوقين؛ كما قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 4.
الثالث: أن يكون العمل مبنيا على أساس العقيدة الصحيحة؛ لأنها للعمل كالأساس للبناء، ولذلك قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} 5؛ فقدم الإيمان الذي هو العقيدة الصالحة على العمل"6.
وبهذه الشروط الثلاثة التي ذكرها الشيخ الأمين –رحمه الله يستحقّ أن يسمى العمل إيمانا؛ لأنه تحقق فيه تجريد العبادة لله وحده سبحانه وتعالى، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
1 أخرجه البخاري في صحيحه 1/19.
2 تفسير سورة النور ص 194. جمع د/عبد الله قادري.
3 سورة الشورى، الآية [21] .
4 سورة البينة، الآية [5] .
5 سورة الكهف، الآية [107] .
6 معارج الصعود ص83. وانظر تفسير سورة النور ص194، جمع د/عبد الله قادري. والمعين والزاد ص67 وأضواء البيان 3/352-353. وقد أشار لهذه الشروط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العبودية ص170.